الخلط بين الله رحمن رحيم وانه شديد العقاب

Nouf_Alsabah

عضو جديد
غفور رحيم .... لكنه شديد العقاب
رجاء

اللهمَّ لا تكِلْني إلى نفسي فأعجز عنها.
ولا إلى النَّاس فيظفروا بي.
ولا تُخيِّبْني وأنا أرجوك.
ولا تُعذِّبْني وأنا أدعوك.

ميزان خاطىء
كثيراً ما يَتَمتْرس المقيمون على معصية ما، خاصة إذا كانت مُعْلَنةً أو مجاهراً بها... بقولهم:
إنَّ الله غفورٌ رحيم!
وهم بذلك يتهاونون فيما يفعلونه، بل ربَّما يُبرِّرونه، بل رُبَّما يُؤكِّدون عدم توبتهم أو أنَّهم يتمادون في ما هم عليه!
ولو أنصف هؤلاء أنفسهم، وكانوا صادقين، لذكروا أنَّ الله شديد عقاب أيضاً، إلى جانب أنَّه غفورٌ رحيم .
قال الله تعالى: ﴿ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ 1.
فإلى متى يبقى الاستخفاف والتبرير شائعين، إتكالاً على «بعض الكتاب» وإغفالاً «للبعض الآخر»؟
فكما أنَّ الشاهد سبحانه هو الحاكم، كذلك الغفور الرحيم هو شديد العقاب.
إنَّ بعض الناس يُصيبهم الغرور فيظنون أنَّهم مهما فعلوا من المعاصي، فإنَّ عفو الله تعالى ينتظرهم، فيتمادون فيما هم عليه، ويتحرُّون تبريرات واهية وحججاً باطلة، ويستخفُّون بالموعظة والوعيد... حتَّى يُدركهم الأجل الذي لا بدَّ مدركهم بغتة وهم لا يشعرون.
وساعتئذٍ لن يجدوا إلاَّ ما قدَّموا، ولن يحصدوا إلاَّ ما زرعوا... فتكون ﴿ ... أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّىٰ إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴾ 2.
هؤلاء ﴿ ... نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا ﴾ 3.
غضبه لا يمنع رحمته، ورحمته لا تمنع غضبه
عدالة الله عزَّ وجلَّ، التي نؤمن بها، تعني لنا:
أنَّ ربَّنا لا يظلم أحداً.
فهو سبحانه جعل نتيجة موازية وحصيلة آتية لكل فعل، فالحلال وراءه حساب، والحرام وراءه عقاب، فهو تعالى يرضى عند الطاعة، ولا يُنتظر منه غير ذلك، ويغضب عند المعصية، ولا يُنتظر منه غير ذلك.
قال تعالى: ﴿ ... لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ ﴾ 4.
وقال جلَّ جلاله: ﴿ ... إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ 5 .
والمنصف المتأمل يرى أنَّ عقابه سبحانه عدل ورحمة ورأفة بالعباد كي لا ينقادوا في ما يُجْلب النِّقم .
قال أمير المؤمنين : «إنَّ الله سبحانه وضع الثواب على طاعته، والعقاب على معصيته، زيادة (منعاً لهم عن المعاصي) لعباده عن نقمته، وحياشةً لهم إلى جنَّته (جاءه من كل جانب ليسوقه إلى الجنَّة)» 6.
وورد أيضاً في صفاته جلَّ في ملكه: «لا يشغله غضبٌ عن رحمة، ولا تُولِهُهُ رحمةٌ عن عقاب» 7.
سبحانه وتعالى، غضبه لا يمنع رحمة، ورحمته لا تحجب غضباً .
سبعة عشرة مرَّة!
سيقول قائل: لا تُقنِّطوا الناس من رحمة الله، ونقول له: وصلنا إلى مرحلة يأمن فيها الكثيرون من غضب الله تعالى فيتجاهر بل يتفاخر بالإصرار، متناسياً أنَّ غضب الله سبحانه هو عديل رحمته، فكما لا يجوز تيئيس الناس، كذلك لا يجوز إغراؤهم .
تبقى معلومة يجب أن تُعلم وتُنشر : هل نعلم أنَّه ذُكر في القرآن الكريم أنَّ الله سبحانه ﴿ ... شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ 8 و ﴿ ... سَرِيعُ الْعِقَابِ ... ﴾ 9 ﴿ ... وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ﴾ 4 حوالى سبعة عشرة مرَّة؟!
هذا عدا عن صِيَغٍ مختلفة تُناسب المضمون، من قبيل ﴿ ... فَحَقَّ عِقَابِ ﴾ 10 و ﴿ ... فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ ﴾ 11 .
التجرؤ على الله سبحانه
أصبحت لدينا طبقة تتجرَّأ على الله سبحانه في إقدامها على المعاصي، وبعضها يقوم بذلك في مناسبات أو ستار ديني، «ومَنْ أصرَّ على ذنبه إجترأ على سخط ربِّه» 12.
والتجرؤ هو من الوقاحة المستوجبة للغضب الإلهي، وأمَّا المُشفِق الخائف، فهو الذي يرجو رحمة ربِّه.
فتعالى اللَّهُ من قوي ما أحلمه، واغترَّ عبدٌ فقيرٌ من ضعيفٍ ما أجرأه!
وأثناء كتابة هذه الكلمات نقلت جريدة «الأخبار» في 5/10/2007 عن أحد النواب الأمريكيين عن ولاية «نيبراسكا»، نقلت مطالبته بمحاكمة «الله» (نعوذ بالله من غضبه) مُحملاً إيَّاه مسؤولية الإرهاب والفيضانات والأعاصير والزلازل والجوع وقتل الملايين!!!
إلى هذا المستوى وصلت الوقاحة والجرأة في زمن التقدُّم والحضارة!
العقوبة
فمعنى العقوبة والمعاقبة يختص بالعذاب، وأصلها في المعنى «العَقِب»، وهو مؤخَّر الرِّجل.
وعقيب الشيء، وعاقبة الأمر، ما يلي من آخره.
و«التعقيب» هو الإتيان بشيء بعد شيء، كتعقيبات الصلاة مثلاً.
«ومعاقبة الغير» أن تأتي بما يسوؤه بعد أن أتى أو فعل أو قال ما يسوؤك، فهي المجازاة والمكافأة بالعذاب، أو إذا شئت قُلْ هي معاملة بالمثل.
قال الله ربِّي جلَّ جلاله: ﴿ وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ ... ﴾ 13.
فما من عقاب توعَّده الله سبحانه عباده إلاَّ نتيجة سوءٍ صدر عنهم، فخيره عزَّ وجلَّ نازل، وشرّنا إليه صاعد.
ولا يكون العقاب لأهل الطاعة والخير.
وأمَّا أهلُ الضلال والانحراف من أهل الدُّنيا الذين يتوغَّلون في غفلتهم، ويستغرقون في المعاصي والذُّنوب، بظنِّهم أنَّهم ينالون جاهاً وعزَّة... فهؤلاء لا يُقيمون وزناً إلاَّ لحطام الدُّنيا الزائل، ولا يُؤمنون بالوعد والوعيد وأخبار النُّبوَّة من البعث والحساب والجنَّة والنَّار.
إنَّ هذه النوعية من البشر، هي نوعية مغرورة بما يُعامل به اللَّهُ الإنسان على غفلته وظلمه.
قال الله سبحانه: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ ﴾ 14.
ومن جملة الغرور الذي يحسن بالمؤمن الفَطِن التنبُّه منه واجتنابه، اعتقاده بالعفو والرحمة دون غيره، فيأخذ بالرجاء ويُهمل الخوف، مع أنَّ الإيمان لا يكتمل إلاَّ بهما .
ورد في دعاء الافتتاح: «وأيقنت أنَّك أنت أرحم الراحمين في موضع العفو والرحمة، وأشدُّ المعاقبين في موضع النَّكال والنَّقمة...».

يتبع.....
 
أعلى