منافسة المغتربين!

منافسة المغتربين!

في الغربة متسع للجميع لكن بعض المغتربين يظنون أنها منافسة، وأن نجاح ابن بلده هو فشل له، فيتصارعون على أوهام، ويهاجرون ومعهم مشاعر حسد وكراهية لا تتوجه إلا إلى أشقائهم أبناء الوطن والباحثين عن لقمة عيش كريمة بعيداً عن مسقط الرأس.
في الغربة يطعنك، أحياناً، ابن بلدك في ظهرك، ويقلل من شأنك، وأحيانا يقاطعك، ويفضل التعامل مع مغترب آخر حتى لو كان صاحب مطعم أو يبيع الخضروات أو لديه مكتبة أو ينافس بأسعاره المنخفضة كل التجار والباعة الآخرين.
سألت أحدهم، منذ سنوات طويلة، عن السبب الذي من أجله رفض إبلاغي بكروت التليفونات الرخيصة وهو يعلم أنني أدفع أضعاف المبلغ في المكالمات المباشرة مع الأهل! فقال لي بأن امكانياتي المادية ( ولم يكن هذا صحيحاً) تسمح لي بدفع فاتورة مرتفعة، فلماذا يوفر عليَّ، ابن بلدي، ويبلغني بالأرخص!

أحيانا يُذاع صيتك في المحيط الصغير ببلدك المضيف، وتتلقى التهاني من أبناء وطنك الجديد والمغتربين معك، وتبحث آنئذ عن أبناء بلدك الأم فلا تعثر عليهم، فأوهام أن نجاحك فشل لهم تجعل المنافسة في الغربة غير شريفة.
في الغربة يتعرّىَ المرء من رداء النفاق أو التقية أو المجاملات فتظهر صورة مغايرة تماما للتي ألبسه إياها الوطن الأم، فتبحث بشق الأنفس عن الصديق وقت الشدة وفي حالات خاصة ينبغي فيها أن تــُـلقي رأسك على صدر ابن بلدك، وتبكي إذا أردت.
في الغربة تزداد غربتك، أحياناً، أضعافا مضاعفة حينما تكتشف أن الصداقة الحقيقية والعميقة والصادقة ليست هنا، إلا من حفنة بسيطة عددها أقل من أصابع اليد الواحدة.
في الغربة تشتعل الغيرة حتى لو كنتما في مجالين مختلفين تماما، والمنافسة غير واردة، وإذا أتى ذِكرُك على لسان آخر، قلـَّـل ابنُ بلدك من شأنك كأنه يصارعك فيصرعك، لا أن يشاركك .. فيحتضنك.

في الغربة لا يفتخر بك، إلا قليلا، ابن بلدك، وكلما نجحت أوغـَـرْتَ صدره كأنك غريمه أو .. كأنكما في حلبة الملاكمة.
وفي النهاية تقبل بالأمر الواقع، أي علاقات غير سوية قائمة على المزاح، والصغائر، والأحاديث السياسية السطحية، والخدمات المتبادلة والتي لا يضرّ أحداً منكما حضورُها أو غيابــُـها.
لسنا ملائكةً في الغربة، فنحن أيضا شريحة اقتطعتها الهجرة وأحتفظت لنفسها بالجزء المظلم منها!

محمد عبد المجيد
طائر الشمال

عضو اتحاد الصحفيين النرويجيين
أوسلو النرويج

 
أعلى