نقد كتاب الأرائج المسكية في تفضيل البضعة الزكية

رضا البطاوى

عضو ذهبي
نقد كتاب الأرائج المسكية في تفضيل البضعة الزكية عليها أفضل صلاة وأفضل تحية
الكتاب من تأليف حسن الحسيني آل المجدد الشيرازي وسبب تأليفه كما قال :
"فلمّا اتّفق لي الوقوف على كلام الشيخ الفاضل أبي فراس محمّد بدر الدين النعساني الحلبي في المفاضلة بين النساء، فإذا هو قد ركب متن عمياء، وخَبَط خَبْط عشواء في ليلة ظلماء، وخالف صريح السنن وأقوال العلماء، اختلج بالبال، إفراد المسألة بنبذة من المقال، تكون وافية بالمقصود"
وما قاله النعسانى وحفز الشيرازى للرد عليه هو :
"أنّ الرجل ادّعى أنّ نساء النبيّ (ص) أفضل النساء جملةً حاشا اللواتي خصّهنّ الله تعالى بالاِيحاء، وأنّ أفضل نسائه (ص) عائشة فهنا دعويان ينبغي التكلّم عليهما، وبيان الحقّ فيهما"
وككثير من المسائل الخلافية بين السنة والشيعة نجد المسألة لا أصل لها فى الوحى فالله تعالى لم يتعرض لتلك المسألة فى كتابه العزيز وهى من الأفضل سواء بين الرجال أو النساء وجعل الحكم فى الرسل (ص) فى تلك المسألة هى قوله على لسان المسلمين :
"لا نفرق بين أحد من رسله"
والمسألة الوحيدة التى ذكرت فى الوحى هى اصطفاء مريم على نساء العالمين فى قوله تعالى على لسان جبريل(ص) :
"إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين"
والمراد أن الله اختارها من نساء الناس لتكون آية أى معجزة وهى أنها تنجب بدون زواج أو زنى أى بدون وجود رجل فهو اصطفاء من نوع خاص وهو اختيار من الله لها
ولم يقل الله أنها الأفضل أو الأحسن وإنما المختارة لتأدية مهمة ما
وعندما اختلفت اليهود والنصارى فى إبراهيم (ص)وأولاده وأولاد أولاده طلب الله منهم أن يكفوا عن إدعاءاتهم لكونهم لا يعلمون وعليهم ألا يشغلوا بالهم بهؤلاء الموتى لأنهم لن يأخذوا من حسابهم ثوابا أو عقابا شىء فقال:

" أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدى قالوا نعبد إلهك وإله أبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلها واحدا ونحن له مسلمونتلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون"
ومن ثم فالمتشاجرون على عائشة وخديجة وفاطمة وسواهم لن ينالوا ثوابا منهن بسبب اعتقادهم فيهم
ما يجهله القوم ممن يفضلون هذا أو ذاك او هذه أو تلك هو أن الدين ليس أشخاص نعظمهم وإنما الدين هو تعظيم الله وحده وهذا هو معنى لا إله إلا الله فمن يحاولون تعظيم أى شخص وينسبون ذلك لدين الله يخترعون إلها أو آلهة سوى الله
والآن نتناول ما قاله الشيرازى:
"المسألة الأولى: هل نساء النبي أفضل النساء
فقد ذكر في تعليقه على «الدرّ النضيد من مجموعة الحفيد»: أنّ الذي تشهد له الأدلّة من القرآن والسُنّة أنّ نساء النبيّ (ص) أفضل النساء جملةً حاشا اللواتي خصّهنّ الله تعالى بالاِيحاء، كأُمّ موسى وأُمّ عيسى، قال الله تعالى: (يا نساء النبيّ لستنّ كأحدٍ من النساء إنِ اتّقيتنّ) فهذا ظاهرٌ في أنّهنّ أفضل من غيرهنّ
قال: ولا يعارضه قوله : «خير نسائها فاطمة بنت محمّد» فإنّه لم يقل: خير النساء فاطمة، وإنّما قال: خير نسائها، فخصّ ولم يعمّ، والله تعالى في تفضيل نساء نبيّه عمّ ولم يخصّ، فلا يجوز أن يُستثنى منه إلاّ من استثناه نصٌّ ظاهر، فصحّ أنّه إنّما فضّل فاطمة على نساء المؤمنين بعد نسائه، فاتّفقت الآية مع الحديث"
ولا يخفى على الحاذق اللبيب مواقع النظر في هذا الكلام، فلنبيّنها، وبالله تعالى الاستعانة والاعتصام
الأوّل:
دعواه اختصاص بعض النساء بالإيحاء:
وقد قلّد في ذلك جماعةً من المتقدّمين كالأشعري، حيث نقل عنه أنّ في النساء عدّة نبيّات! وحصرهنّ ابن حزم في ستّ: حوّاء وسارة وهاجر وأُمّ موسى وآسية ومريم ونقله القرطبي في (التمهيد) عن أكثر الفقهاء ـ ولم يذكر سارة ولا هاجر ـ وقال: الصحيح أنّ مريم نبيّة! وتعقّبه القاضي عياض بأنّ الجمهور على خلافه وذكر النووي في «الأذكار»عن إمام الحرمين أنّه نقل الإجماع على أنّ مريم ليست نبيّة، ونسبه في «شرح المهذّب» لجماعة وجاء عن الحسن البصري: ليس في النساء نبيّة ولا في الجنّ وقال السبكي الكبير: اختُلِف في هذه المسألة، ولم يصحّ عندي في ذلك شيء وقال الحافظ السيوطي: الأصحّ أنّها ـ يعني مريم ـ غير نبيّة
وقال العلاّمة ابن قاسم في «الآيات البيّنات»: زَعْمُ نبوّتها ـ يعني مريم ـ كزعم نبوّة غيرها من النساء، كهاجر وسارة، غير صحيح لاشتراط الذكورة في النبوّة على الصحيح، خلافاً للأشعري وفي تفسير الآلوسي : أنّ مريم لا نبوّة لها على المشهور
قلت:
وقد حكى جماعة كالبيضاوي وأبي حيّان والكرماني والنووي الإجماعَ على عدم نبوّة النساء هذا، مع أنّ معنى الإيحاء في مثل قوله تعالى: (وأوحينا إلى أُمّ موسى أن أرضعيه) الآية الإلهام والقذف في القلب كما هو كذلك في تكليمه عزّ سلطانه بعضَ خلقه ـ غير الأنبياء والرسل ـ كقوله تعالى: (وأوحى ربّك إلى النحل) وقوله سبحانه: (بأنّ ربّك أوحى لها) فليس كلّ إيحاء وحي نبوّة، والله تعالى أعلم"
الشيرازى أدخلنا فى رده فى متاهة لم يذكرها النعسانى فى كلامه وهى وجود نبيات فالرجل قال فقط النساء التى أوحى الله لهن ولم يذكر كونهن نبيات بسبب هذا الوحى ومن قم فلا قيمة لكلامه ولا يوجد داعى لتلك النقول التى نقلها
وقال الشيرازى فى رده الثانى:
"الثاني:
احتجاجه على أفضليّة نساء النبيّ (ص) بقوله عزّ من قائل: (يا نساء النبيّ لستنّ كأحدٍ من النساء إنِ اتّقيتنّ) وقد سبقه السبكي إلى ذلك ، وزعم الرافعي أنّ أزواج النبيّ (ص) أفضل نساء هذه الأمّة
وهو مدخول بأنّ غاية ما تدلّ عليه الآية تفضيل نسائه (ص) على نساء غيره، لا تفضيل كلّ واحدة منهنّ على كلّ واحدة من آحاد النساء
ـ كما اختاره الزمخشري وغيره، ومع ذلك فلا دليل على دخول الزهراء في المفضَّل عليهنَّ مضافاً إلى أنّ ما ذهب إليه السبكي هنا مخالف لِما اشتهر عنه من تفضيل سيّدة نساء العالمين على أُمّهات المؤمنين ـ كما سيأتي إن شاء الله تعالى ـاللّهمّ إلاّ أن يريد تفضيلهنّ بعد استثناء الصدّيقة الطاهرة ، كاستثنائه مَن قيل إنّها نبيّة كمريم عليها السلام
ثمّ لا يخفى عليك أنّه يلزم على هذا القول أن تكون كلّ واحدة من نساء النبي (ص) أفضل من فاطمة ، مع أنّه ليس كذلك ـ كما عرفت ويأتي ـ
وأُجيب عنه: بأنّه لا مانع من التزامه، إلاّ أنّه يلتزم كون الأفضلية من حيث أُمومة المؤمنين والزوجيّة لرسول الله (ص)، لا من سائر الحيثيّات الأخر، بل هي من بعض الحيثيّات، كحيثية البضعيّة أفضل من كلّ من الخلفاء الأربعة ، وهو كما ترى إذ ليس لاَُمومة المؤمنين وزوجيّة النبيّ (ص) والاتّصال به ـ من حيث هي ـ كرامة عند الله تعالى، وإنّما الفضل لهنّ في الاتّقاء كما دلّ عليه قوله تعالى: (إن اتّقيتنّ) وهو شرط لنفي المثلية وفضلهنّ على النساء، وجوابه محذوف دلّ عليه المذكور، والاتّقاء بمعناه المعروف في لسان الشرع، والمفعول محذوف أي: إن اتّقيتنّ مخالفة حكم الله تعالى ورضا رسوله (ص)، والمراد إن دمتنّ على اتّقاء ذلك، ومثله شائع، أو هو على ظاهره ـ كما قال الشهاب الآلوسي ـ
ونظير ذلك صحبة النبيّ (ص)، فإنّها من حيث هي ليست كرامة تستوجب التفضيل، وإنّما تكون كذلك إذا اقترنت بالاِيمان والتقوى كما قال عزّ من قائل: (محمّدٌ رسول الله والّذين معه أشدّاء على الكفّار رحماء بينهم تراهم ركّعاً سجّداً ـ إلى قوله تعالى: ـ وعد الله الّذين آمنوا منهم وعملوا الصالحات أجراً عظيماً) ، على أنّ ظاهر قوله عزّ وجلّ: (عسى ربّه إنْ طلّقكنّ أن يبدله أزواجاً خيراً منكنّ) على حاله فتندفع تلك الدعوى "
وقول النعسانى خطأ فالآية لا تدل على خيرية نساء النبى(ص) على النساء كما أن فاطمة لا علاقة لها بالآيات فعدم وجود أحد من النساء مثلهن يعنى أن النساء فى عهد النبى (ص) وما بعده لا يمكن أن ينلن شرف أمومة المؤمنين وزوجية النبى(ص) فهذه هى المثلية المنعدمة فى نساء الناس وقد كرر الشيرازى خطأ النعسانى فى كلامه عن البضعية فالبضعية طبقا للتاريخ لا تقتصر على فاطمة وتشمل معها ثلاث غيرها ومن ثم فالبضعية شركة بين الأربع
 
أعلى