بروز دور الأزهر فى العصر العثمانى (أول شيخ للأزهر سنباطى فى منتصف القرن السادس عشر) بقلم د.حسام محمد عبدالمعطى ج2

منقول للاستفادة
***************

**بروز دور الأزهر فى العصر العثمانى




بقلم


د. حسام محمد عبد المعطى


المرجع جريدة القاهرة ووكالة الأنباء العمانية(النشرة الثقافية)
الجزء الثانى:أول شيخ للأزهر

*شيخ الشيوخ بالجامع الأزهر”، وكان الشيخ أحمد بن عبد الحق السنباطي هو أول من تلقب بهذا اللقب في هذه الوثائق الرسمية، في عصر السلطان العثماني سليمان القانوني. المصدر: النشرة الثقافية لوكالة الأنباء العمانية29/8/2016 نقلا عن نفس المؤلف
الجزء الثانى
تاريخ لقب شيخ الأزهر

**************************
فلم يكن للأزهر عند إنشائه فى العصر الفاطمى أو فى العصرين الأيوبى والمملوكي، شيخ يتولى رئاسة إدارته، بل كان يتولاه ولاة الأمر، حيث كان هناك ناظر يدير الأوقاف المخصصة له، وكان غالبا ما يشرف على عمليات ترميم وتجديد ما تعرض للتلف من المباني، بيد أن إدارة شئونه التعليمية كانت تخضع لمشايخ المذاهب الأربعة ولمشايخ الأروقة. أما لماذا لم يكن للأزهر شيخ خلال العصر المملوكي؟، فتكمن الإجابة فى أن النزاعات المذهبية كانت لا تزال قوية بين المذاهب الفقهية، لذلك فقد كانت المدارس الفقهية التى أنشئت خلال العصر المملوكى قائمة على التخصص الفقهي، ولأن الأزهر كان به كل المذاهب الفقهية، لذلك فقد كان على شيخ كل مذهب فقهى أن يراعى شئون طلابه، وكان يعمل على توفير احتياجاتهم، وتشير المصادر إلى أن شيخ الشافعية كان دائما أكبر وأهم مشايخ مصر على الإطلاق، وكانت أهميته تنبع بالطبع من ضخامة أعداد الطلاب الشافعية فى الأزهر إضافة إلى اعتناق الجزء الأكبر من المصريين للمذهب الشافعي



**************************.
ومع منتصف القرن السادس عشر



**************************

** **برز اسم الشيخ أحمد بن عبد الحق السنباطى كأول شيخ يتولى مشيخة الجامع الأزهر خلال الفترة 1538- 1543م،

((ويضيف أن عددا كبيرا من كتاب ومؤرخي الأزهر اتفقوا على أن الشيخ عبد الله الخرشي ليس أول من تولى هذا المنصب، وأن خمسة عشر شيخًا قد سبقوه في تولي هذا المنصب، وأن قصة الشيخ أحمد بن سعد الدين العثماني العمري- في كتابه الشعري “ذخيرة الأحلام بتواريخ الخلفاء والعلماء وأمراء مصر الحكام وقضاة قضائها في الأحكام”- بأن أول شيخ للجامع الأزهر هو الشيخ شهاب الدين أحمد بن عبد الحق السنباطي، صحيحة إلى حد كبير.
وتابع بان الوثائق الرسمية في أرشيف القاهرة تشير إلى ظهور لقب جديد داخل الأزهر إبان هذه الحقبة؛ وهو “شيخ الشيوخ بالجامع الأزهر”، وكان الشيخ أحمد بن عبد الحق السنباطي هو أول من تلقب بهذا اللقب في هذه الوثائق الرسمية، في عصر السلطان العثماني سليمان القانوني. المصدر: النشرة الثقافية لوكالة الأنباء العمانية29/8/2016 نقلا عن نفس المؤلف))


** وكان اختيار شيخ الأزهر يتم دون تدخل مباشر من السلطة، وعبر اتفاق علماء الأزهر فيما بينهم على مَنْ يمثلهم لدى السلطة ويتحدث باسمهم فى ديوان القلعة، ثم يلى ذلك مرحلة إبلاغ ديوان أفندى «سكرتير عام ديوان القاهرة» ليقوم بإبلاغ الوالى العثمانى باسم الشيخ الذى تم اختياره. حيث يقام بعدها حفل كبير بهذه المناسبة ويتولى الوالى فى حضور كبار الأمراء ورجال الدولة إلباس شيخ الأزهر الرداء الرسمى ال?ى يسمى «فرو سمور» وكان يخلَع على الذين يتولون المناصب الكبرى فى مصر، وكان هذا الإجراء من قبل السلطات الحاكمة إقرارا منها بتعيين ما اختاره العلماء شيخا للجامع الأزهر.
وباختياره يصبح شيخ الأزهر هو الرئيس الأعلى للجامع الأزهر وله الإشراف المباشر على العلماء والطلبة، كما يصبح بحكم منصبه عضوا فى الديوان الكبير بالقاهرة والذى كان يعقد برئاسة الباشا العثمانى أو نائبه فى كل أسبوع لمناقشة كل التطورات السياسية والإدارية والاقتصادية فى مصر. وليس ثمة شك فى أن حلم الوصول لتولى منصب شيخ الجامع الأزهر كان يراود جميع طلاب الأزهر من المجاورين، فقد كان كل العلماء يتطلعون إلى تولى هذا المنصب الرفيع.
وكان كل طالب يفد للدراسة فى الأزهر يحدوه أمل أن يصبح شيخا على هذه المؤسسة الدينية الكبيرة، كما أن هذا الحلم كان ينمو بشكل كبير كلما عاش هؤلاء الطلاب داخل الأزهر ليروا المكانة الدينية والسياسية والاقتصادية الكبيرة التى كان يتمتع بها شيخ الأزهر، خاصة وأن هذا المنصب كان أعلى المناصب التى يمكن للمصريين توليها، وقد أدى ذلك إلى حدوث تنافس كبير على تولى هذا المنصب بين العلماء، كما حدث تنافس حاد بين المذاهب الدينية المختلفة لتولى هذا المنصب خاصة بين الشافعية والمالكية والحنفية.
وليس ثمة شكوك فى أن إدارة الأزهر العلمية كانت عملية صعبة للغاية خاصة مع تزايد أعداد الطلاب بشكل كبير خلال القرنين السابع عشر والثامن عشر، خاصة وأن هؤلاء الطلاب كانوا من مناطق مختلفة بل ومن بلدان مختلفة، كما أن الجامع الأزهر ظل مكانا ضيقا إلى حدًّ كبير قياسا على أعداد الطلاب التى كانت تدرس به، ومن ثمة فقد كانت عملية تنظيم هذه الأعداد وإدارة العملية التعليمية لهم مسألة صعبة بلا شك.
لقد كان شيخ الأزهر هو مصدر كل القرارات التى تتعلق بالعملية التعليمية داخل الأزهر، فهو الذى يشرف على جميع شئون الجامع الأزهر العلمية، وهو الذى يضبط مرتبات العلماء ويحدد طريقة توزيع المرتبات التى توفى أصحابها. كما كان يقوم بالفصل فى القضايا التى تحدث بين أفراد كل فئة من الطلبة، والمدرسين، كما كان عليه معاقبة كل من يثير الشغب أو يقصر فى القيام بمهام عمله داخل المنظومة التعليمية فى الأزهر، فوفقا للمصادر فقد تم تعيين مشد خاص بالجامع الأزهر حيث كان عليه مرافقة شيخ الأزهر عند مراقبة الأوضاع داخل الأزهر والإشراف ع?ى الطلاب، كما كان عليه نقل أى مشكلة أو خطأ لشيخ الأزهر الذى كان يحدد العقاب الذى يستحقه كل طالب من المجاورين بالتعزير أو الضرب والتأديب، حيث كان المشد يقوم بتنفيذ العقاب الذى يأمر به شيخ الأزهر. كما كان من حق شيخ الأزهر استبعاد أى طالب أو مجاور من المجاورين الذين ثبت سوء سيرتهم وفسادهم أو أساءوا إلى زملائهم من المجاورين.
وبمجرد دخول الطالب إلى الأزهر كان على شيخ الأزهر أن يقوم بقيده بإحدى المؤسسات الوقفية التى كانت تزوده بجرايات أو مرتبات صغيرة أو بكليهما، كما كان توفير مكان لسكن الطلاب الوافدين سواء من مصر أو من خارجها مسألة مهمة بالنسبة لشيخ الأزهر ولمشايخ الأروقة، فتشير الوثائق الرسمية إلى أن من مهام شيخ الأزهر ألا يسكن طالب فى أحد أروقة الأزهر أكثر من عام، وكان الهدف من ذلك هو توفير فرصة للوافدين الجدد للسكن بلا مقابل ريثما يستطيعون توفير أماكن للسكن، وغالبا ما كان الطلبة الوافدون من داخل مصر أو من خارجها للتعلم فى الأ?هر يأتون وقد تجاوز كل منهم العشرين عاما بعد أن حصلوا على قسطٍ وافر من العلم فى بلادهم، أما إذا كان هؤلاء الوافدون صغارا فى السن أو لم ينالوا قدرا كافيا من التعليم فقد كانوا يكملون تعليمهم فى أحد المساجد أو الكتاتيب المنتشرة فى القاهرة، ثم يلتحقون بالأزهر بعد إتمام تعليمهم للقراءة والكتابة وختمهم للقرآن الكريم.
وقد كان أهم ما يميز الدراسة بالأزهر هو الحرية التامة، إذ كانت تكفل للطالب الحرية فى الدراسة فيتتلمذ على من يريد من العلماء، وفى الفروع العلمية التى يود دراستها، مثل العلوم اللغوية كالبلاغة، والنثر، والنحو، والفقه على المذاهب المختلفة، حسب رغبة كل طالب، والمنطق ومبادئ الرياضيات كما كان لكل طالب الحرية فى أن يبقى فى الأزهر ما يشاء من الزمن، وكانت مدة الدراسة فى الأزهر لا تقل عن عام واحد، وقد تصل إلى ستة أعوام على حسب مقدرة كل طالب على التحصيل وقرار مشايخه بمنحة الإجازة، وكان الطلاب يدرسون خلالها الحديث والنح?، وفقه اللغة، وبعض علوم المنطق والحساب، ثم العلوم الفقهية المختلفة، ثم الفتاوى والقياس على المذاهب الأربعة.
وكان النظام المتبع فى الحلقات الدراسية بالجامع أن يجلس الشيخ إلى جانب عمود من أعمدة الجامع ومن حوله طلابه فى نظام على شكل حلقة ذات صفوف، وكان لكل طالب مكانه لا يستطيع أن يتعداه، حيث كان يجلس بالقرب من الشيخ الأكثر قدما للدراسة فى حلقة الشيخ، وتسمى صفوف الحلقة طبقات، وكان يجلس عن يمين الشيخ ويساره المعيدون وكبار الشيوخ الذين يزورون حلقته خاصة الوافدين من خارج مصر إكراما لهم. كما عرف الأزهر نظام الشيخ الزائر فعندما كان يأتى علماء كبار من خارج مصر كان من العادة أن يدعوهم شيخ الأزهر أو أحد مشايخ الأروقة بعد إذ? شيخ الأزهر لإلقاء بعض الدروس بالأزهر، وكان هؤلاء الشيوخ الوافدون يعطون الإجازات لعدد من علماء الأزهر، وكذلك يحصلون على إجازات منهم.
فى الواقع أن مسألة تعيين المدرسين بالأزهر كانت تخضع للكثير من الضوابط ويأتى على رأسها مجاورة الطالب بالأزهر فترة كافية، وحصوله على عدد وافر من الإجازات فى بعض العلوم الفقهية والعقلية المختلفة، وإجمالا كان لا يتصدر للتدريس فى الجامع الأزهر إلا من برز نبوغه الفكرى بين أقرانه داخل الجامع الأزهر وتلقى العلم من أفواه المشايخ. على العموم فقد ظل الأزهر على امتداد العصر العثمانى يشكل الركن الأساسى من أركان الحياة الثقافية داخل الجناح العربى من الدولة العثمانية، كما ظل محورا رئيسيا للحياة العلمية والثقافية فى أنحاء?العالم الإسلامي، ولعب شيخه دورا سياسيا بارزا فى التصدى للمظالم التى كان يتعرض لها عامة المصريين سواء على يد الولاة والحكام العثمانيين أو الأمراء المماليك
 
أعلى