قراءة فى كتاب الكذب

رضا البطاوى

عضو ذهبي
قراءة فى كتاب الكذب
مؤلف الكتاب عبد الملك بن محمد القاسم وهو كتاب من كتب عصرنا وقد بدأ الكتاب بمقدمة تتحدث عن مضار الكذب وفوائد الصدق فقال:
"المقدمة
جعل الله الأمة الإسلامية أمة صفاء ونقاء في العقيدة والأفعال والأقوال فالصدق علامة لسعادة الأمة، وحسن إدراكها، ونقاء سريرتها فالسعادة مفتاحها الصدق والتصديق، والشقاوة دائرة مع الكذب والتكذيب
ولقد أخبر -سبحانه وتعالى - أنه لا ينفع العباد يوم القيامة إلا صدقهم، وجعل علم المنافقين الذي تميزوا به هو الكذب في أقوالهم وأفعالهم، فجميع ما عابه عليهم أصله الكذب في القول والفعل
فالصدق: بريد الإيمان، ودليله، ومركبه، وسائقه، وقائده، وحليته، ولباسه، بل هو لبه وروحه
والكذب: بريد الكفر، والنفاق دليله، ومركبه، وسائقه، وقائده، وحليته، ولباسه، ولبه، فمضادة الكذب للإيمان كمضادة الشرك للتوحيد، فلا يجتمع الكذب والإيمان إلا ويطرح أحدهما صاحبه ويستقر موضعه
فما أنعم الله على عبد من نعمة بعد الإسلام أعظم من الصدق الذي هو غذاء الإسلام وحياته، ولا ابتلاه ببلية أعظم من الكذب الذي هو مرض الإسلام وفساده"
وهو كلام عام المفروض أن يكون عليه براهين من الوحى وقد خلا الكتاب من تعريف الكذب ويمكن إرجاع هذا إلى تصور المؤلف إلى أن تعريف الكذب يعلمه الناس جميعا
تعريف الكذب هو أمر أساسى لأنه بدون هذا التعريف تتداخل أحكام الحلال والحرام فى كثير من المسائل فمثلا إذا عرفنا الكذب بأنه قول غير الحقيقة وهو التعريف المعروف عند الناس فهذا التعريف يسبب العديد من المشاكل وأهمها:
1-تحريم التخيل العلمى وهو ما يقضى على ابتكار الآلات والمخترعات باعتبار أن تخيلات المخترعين للأجهزة والآلات مجرد كذب لكونها ليست موجودة فى الحقيقة ولكن عن طريق التخيل العلمى تصبح المخترعات المفيدة حقيقة
2- الحكايات المفيدة التى تم تأليفها من مسرحيات وروايات ومسلسلات وشرائط خيالة وغير ذلك هى كذب محرم
3-ضرب الأمثال التخيلية هو نوع من الكذب وهذا الأمر بالذات يجعل من بعض القرآن كذب فمثلا قوله تعالى "ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون لقالوا إنما سكرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون" هو ضرب لمثل تخيلى لأن أبواب السماء لم تفتح لأحد من الكفار ومثلا قوله تعالى "ولو نزلنا عليك كتابا فى قرطاس فلمسوه بأيديهم لقال الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين"ضرب أخر بشىء تخيلى لم يحدث وهو نزول القرطاس وهو الورقة المكتوب فيها أنه رسول من الله من السماء
4-تخيل الأحداث وهو ما يسمونه أحلام اليقظة ستكون كلها حتى لو لم تتضمن أى مخالفة كممارسة الجماع أو السرقة ستكون كلها حراما لكونها ليست حقيقة
إذا التعريف المعروف هو كارثة للناس إذا تم التحليل والتحريم على أساسه والقرآن فرق بين أمرين :
الأول شهادة الزور وهى المرادة بالكذب المشهور بين الناس وهى :
قول أو فعل مخالف للحقيقة يقصد من خلفه إيقاع أذى للمشهود عليه أو جلب نفع للشاهد أو لمن دفع له وهذا النفع ليس حق للشاهد أو لمن دفع له ويستوى فى ذلك الشهادة عند القاضى أو عند غيره من الناس
ومن ثم يشترط فى الكذب المحرم التالى:
-سوء القصد وهو المراد ولذا استبعد الله من الكاذبين من كذب بحسن قصد أى بطيب نية كالذى يحافظ على إسلامه خوفا من تعذيب أو قتل الكفار بالقول أنه كافر مثلهم أو بفعل أفعال الكفر أمامهم كما فى قوله تعالى :
"إنما يفترى الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله وأولئك هم الكاذبون من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان"
-تعمد الكذب وهو علم الكاذب أنه يكذب بسوء نية كما قال تعالى " ويحلفون على الكذب وهم يعلمون"
الثانى كلمة الكذب وهو يعنى أمرين :
1-الكذب على الله وهو نسبة شىء لم يقله الله لله كما فى قوله تعالى :
"ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب"
2- التكذيب بالصدق أى الكفر بالوحى الإلهى وجاء المعنى فى قوله تعالى
"فمن أظلم ممن كذب على الله وكذب بالصدق إذ جاءه "
بعد ذلك نصح الكاتب الناس النصيحة المعروفة فقال :
"أخي المسلم:
إياك والكذب، فإنه يفسد عليك تصور المعلومات على ما هي عليه، ويفسد عليك تصويرها وتعليمها للناس، فإن الكاذب يصور المعدوم موجودا والموجود معدوما، والحق باطلا والباطل حقا، والخير شرا والشر خيرا، فيفسد عليه تصوره وعلمه، عقوبة له، ثم يصور ذلك في نفس المخاطب المغتر به الراكن إليه فيفسد عليه تصوره وعلمه
ونفس الكاذب معرضة عن الحقيقة الموجودة نزاعة إلى العدم مؤثرة للباطل، وإذا فسدت عليه قوة تصوره وعمله التي هي مبدأ كل فعل إرادي فسدت عليه تلك الأفعال وسرى حكم الكذب إليها وصار صدورها عنه كصدور الكذب عن اللسان، فلا ينتفع بلسانه ولا بأعماله"
وهذا الكلام لا ينطبق على الكاذبين جميعا وإنما ينطبق على الكافرين فالكذب ليس كله حراما والصدق ليس كله حلالا
بعد ذلك ساق الكاتب ما ظم أنه أدلة تحريم الكذب فقال :
"تحريم الكذب:
الكذب من قبائح الذنوب وفواحش العيوب
قال الله - جل وعلا - {ولا تقف ما ليس لك به علم} [الإسراء: 36]
وقال تعالى: {ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد} [ق: 18]
وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة، وإن الرجل ليصدق حتى يكتب عند الله صديقا، وإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذابا»
قال العلماء: إن الصدق يهدي إلى العمل الصالح الخالص من كل مذموم
والبر: اسم جامع للخير كله، وقيل: البر: الجنة، ويجوز أن يتناول العمل الصالح والجنة أما الكذب: فيوصل إلى الفجور، وهو الميل عن الاستقامة وقيل: الانبعاث في المعاصي
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «أربع من كن فيه كان منافقا خالصا، ومن كان فيه خصلة منهن، كانت فيه خصلة من نفاق حتى يدعها: إذا اؤتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر»
وفي ذم التحدث بكل ما يسمعه المرء، قال - صلى الله عليه وسلم -: «كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع»
وقال عبد الله بن عامر: جاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى بيتنا وأنا صبي صغير فذهبت أخرج لألعب، فقالت أمي: يا عبد الله، تعال حتى أعطيك، فقال - صلى الله عليه وسلم -: «وما أردت أن تعطيه؟ »
قالت: تمرا فقال: «أما إنك لو لم تفعلي لكتبت عليك كذبة»
وعن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «لا يزال العبد يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا»
فاحذر - أخي المسلم - من مغبة الكذب، فإن الكذب أساس الفجور كما قال - صلى الله عليه وسلم -: «إن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار» "
ذكر الكاتب عدة أدلة الأول قوله تعالى "ولا تقف ما ليس لك به علم"ليس فيه أى دليل على حرمة الكذب وإنما هو دليل على تحريم إتباع الذى لا يعلمه الإنسان
والثانى قوله تعالى"ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد" لا يدل على الكذب وإنما يدل على تسجيل كلام الإنسان كله حلالا وحراما
والثالث وهو" إن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة، وإن الرجل ليصدق حتى يكتب عند الله صديقا، وإن الكذب يهدي إلى الفجور" ليس دليلا على تحريم الكذب المعروف فالصدق هنا والكذب هنا يجب تفسيره بالوحى وضده الكفر كما قال تعالى "والذى جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون" فالذى يتم التصديق به هو الوحى والكذب الهادى للفجور هو الكذب أى التشريع الكافر الذى قال تعالى فيه ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب"
والدليل الرابع القول«أربع من كن فيه كان منافقا خالصا، ومن كان فيه خصلة منهن، كانت فيه خصلة من نفاق حتى يدعها: إذا اؤتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر» وهو قول يناقضه ثلاث من كن فيه وكلاهما يعارض القرآن فى كون صفات المنافقين كثيرة لا يمكن تحديدها بثلاث أو أربع ومنها لحن القول كما قال تعالى" أم حسب الذين فى قلوبهم مرض أن لن يخرج الله أضغانهم ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنهم فى لحن القول" واللحن القولى غير مذكور لا فى الثلاث او فى الأربع وأيضا الظن أن كل قول يقال من المسلمين وهم حضور هم المقصودين به كما قى قوله تعالى "يحسبون كل صيحة عليهم" وهذا غير مذكور أيضا فى الثلاث والأربع
والدليل الخامس «كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع»قول لا يمكن أن يقوله النبى(ص)لأنه جعل التحديث بكل المسموع كذب فالتحديث عن الغير لو كان صادقا لا يمكن اعتباره كذب فليس النقل عن الآخرين كذب حتى لو كان الآخرين يكذبون
والدليل السادس حكاية التالى " جاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى بيتنا وأنا صبي صغير فذهبت أخرج لألعب، فقالت أمي: يا عبد الله، تعال حتى أعطيك، فقال - صلى الله عليه وسلم -: «وما أردت أن تعطيه؟ »قالت: تمرا فقال: «أما إنك لو لم تفعلي لكتبت عليك كذبة»
وبالقطع هذا الكلام فى معاملة الأطفال خطير جدا خاصة لمتوسطى الحال والفقراء والحكاية تعارضها حكاية 5481 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ فُضَيْلِ بْنِ غَزْوَانَ عَنْ أَبِى حَازِمٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ. أَنَّ رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ بَاتَ بِهِ ضَيْفٌ فَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ إِلاَّ قُوتُهُ وَقُوتُ صِبْيَانِهِ فَقَالَ لاِمْرَأَتِهِ نَوِّمِى الصِّبْيَةَ وَأَطْفِئِى السِّرَاجَ وَقَرِّبِى لِلضَّيْفِ مَا عِنْدَكِ - قَالَ - فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ) وأيضا حكاية
28714- عن أسلم : أن عمر بن الخطاب طاف ليلة فإذا هو بامرأة فى جوف دار لها وحولها صبيان يبكون وإذا قدر على النار قد ملأتها ماء فدنا عمر من الباب فقال : يا أمة الله ما بكاء هؤلاء الصبيان قالت : بكاؤهم من الجوع ، قال : فما هذه القدر التى على النار قالت : قد جعلت فيها ماء هو ذا أعللهم به حتى يناموا وأوهمهم أن فيها شيئا دقيقا ، فبكى عمر ثم جاء إلى دار الصدقة وأخذ غرارة وجعل فيها شيئا من دقيق وشحم وسمن وتمر وثياب ودراهم حتى ملأ الغرارة ثم قال : يا أسلم احمل على ، فقلت : يا أمير المؤمنين أنا أحمله عنك فقال لى : لا أم لك يا أسلم أنا أحمله لأنى أنا المسؤول عنهم فى الآخرة ، فحمله حتى أتى به منزل المرأة ، فأخذ القدر فجعل فيها دقيقا وشيئا من شحم وتمر وجعل يحركه بيده وينفخ تحت القدر ، فرأيت الدخان يخرج من خلل لحيته حتى طبخ لهم ، ثم جعل يغرف بيده ويطعمهم حتى شبعوا ثم خرج وربض بحذائهم حتى كأنه سبع ، وخفت أن أكلمه ، فلم يزل كذلك"
فهنا الكذب وهو قول غير الحقيقة للأولاد مباح
البقية http://vb.7mry.com/t354874.html#post1820851
 
أعلى