قراءة فى كتاب أعباء الفقه

رضا البطاوى

عضو ذهبي
قراءة فى كتاب أعباء الفقه
الكتيب تأليف عبد الله بن سليمان العبد الله ( ذو المعالي )وهو يدور حول الواجبات على المسلم حتى يكون فقيها وقد سماها الأعباء وهى على نوعين عنده التأصيل والتأهيل وحدثنا الرجل عن سعى الكثيرين لذلك فقال:
"يسعى كثيرون لتحقيق فضيلة ( الفقه في الدين ) ، و يجهدون لنوالها ، حيث جاءت بها النصوص مبينة فضلها و مكانتها ، و من ذلك قول سيدنا رسول الله _ صلى الله عليه و آله و سلم _ : " من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين " [ رواه البخاري ]
و السعاية في تحقيق ذلك ليست من الأمور ذوات السهولة و اليسر ، و لا من الأعمال التي تنال بالركون نحو الدعة ، بل هي ذات أعباء كبيرة ، و ذات متاعب و إجهاد "
وذكر العبد الله – وتسمية العبد الله تسمية خاطئة لأنه تدل على كون العبد هو الله وهو السيد أو الحاكم والمفروض إما العبد لله وغما عبد الله ومن ادخلوا الألف واللام على عبد الله مخطئون – أنه أخذ سبب تسمية الكتيب من قول ابن القيم فى الحديث عن بصحيفة عمرو بن شعيب وهو قوله:
"وفي بيان ذلك يقول ابن القيم _ يرحمه الله _ حال ذكره لاحتجاج الفقهاء بصحيفة عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده _ وإنما طعن فيها من لم يتحمل أعباء الفقه … [ أعلام الموقعين 1/35 ]
فراق لي بديع التعبير فأحببت أن أسيل حبر اليراع بإيضاح لحقائق هذه اللفظة المستكنة في ظلالها الوارفة "
ثم قسم الرجل أعباء الفقه لقسمين التأصيل والتاهيل فقال:
"بعد هاتيك التقدمة الآنفة فإن من الضروري علمه أن أعباء الفقه نوعان :
الأول : عبء تأصيل :
فإن تحصيل الفقه في شريعة الله وظيفة كبرى ، ومهمة عظمى ، بذل النجباء مهج أرواحهم في تحصيله ، ونقدوا نفيس أوقاتهم في تحرير مسائله ، فغدى سائرا فيهم سير الدم في العرق ، ولم يكونوا _ قط _ يستشعرون سهولة فيه ، ولا خفة في تلقيه ، فإنهم كانوا عالمين بشدائده ، عارفين بغوائله
ذلك أنه يتخذ مسارا دقيقا ، ومسلكا صعبا ولا يعني توصيف صعوبته تيئيس من تحصيله ، وإنما الشأن توصيف حال ليس إلا بخلاف غيره من فنون العلوم فإنه في نزول عن دقته
فالتأصيل الفقهي يؤخذ عن طريقين :
الأولى : دراسة متن فقهي ، وتلك سابلة معروفة لدى المتفقهة ، إلا أن لها نهجا _ كسائر متون العلم _ حيث أن المتون المقرر دراستها في الفنون ترتكز على ثلاثة أصول :
الأصل الأول : أن تكون معتمدة في الفن ، يقول العلامة المرعشي رحمه الله " ترتيب العلوم " ( ص / 80 ) : … بل المنقول من سيرهم ، والمتبادر من كلماتهم في مؤلفاتهم أنهم تناولوا متون الفنون المعتبرة ، وهي مسائلها المشهورة أهـ
الأصل الثاني : أن تكون جامعة لمسائل الفن ، ويؤخذ ذلك من كلام المرعشي _ السابق _
الأصل الثالث : أن تكون مختصرة غير مطولة
و الدراسة للفقه عن طريق المتون الفقهية أمتن من غيرها ، لأسباب :
السبب الأول : أنها متون محققة منقحة ، فقد جرى على مسائلها بحثا و دراسة فقهاء كل مذهب ، فليست تأليفا فرديا في الجنوح بالاختيار ، وليست إلا أنها خلاصة أبحاث طويلة للمسائل
السبب الثاني : أنها معتنى بها عناية توحي بقيمتها العلمية ، فكم من : شارح ، ناظم ، ومحش ، و متمم ، و مدلل ، معلل ، وغير ذلك
السبب الثالث : أنها أجمع للمسائل و أرتب ، فترى فيها ذكرا لأحكام المسألة على الترتيب الذي جمع للطالب فقهها ، فترى تقديم الشروط على الأركان ، والأركان على الواجبات ، ثم يليها السنن ، و ما إلى ذلك بخلاف غيرها فلا تجد فيها تلك الصنعة الدقيقة
وهذه الأسباب هي التي اختصت بها متون المذاهب الأربعة الشريفة _ الحنفي ، المالكي ، الشافعي ، الحنبلي _ ، و أما غيرها فليس فيها شيء من تلكم المناقب ، بل فيها من الآفات ما هو كفيل بردها "
الكلام عن وجوب دراسة بعض المتون الفقهية لكى يكون الإنسان فقيها هو ضرب من الخبل فبدلا من دراسة وحى الله وهو المطلوب من كل مسلم يدرسون كتب البشر وفى هذا قال تعالى:
"وكذلك نصرف الآيات وليقولوا درست ولنبينه لقوم يعلمون"وقال:
" ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون"
ومن ثم لا يمكن أن تدرس فروعا بدون دراسة الأصل وإلا كنت كما يبنى بيتا فى الهواء من دون أساس ومن ثم لابد أن يقع أو لا يكون له وجود
ثم قال:
الثانية : تقرير المسألة الفقهية ، فإن الفقهاء أخذوا في تقرير المسائل الفقهية طريقة محكمة متقنة ، أتوا فيها على فروع المسألة وجزئياتها ، وبها تبرأ ذمة المكلف ، وخلاف ذي لا يستفاد منها علما ولا فقها
فتقرير مسألة عبادية لتضبط على وفق ما هو مقرر عند المذهب الفقهي المأخوذ به تكون من جهات ست :
الجهة الأولى : شروط العبادة
الجهة الثانية : أركان العبادة
الجهة الثالثة : واجبات العبادة
الجهة الرابعة : مستحبات العبادة
الجهة الخامسة : مبطلات العبادة
الجهة السادسة : مكروهات العبادة
ثم بعد ذلك يكون تحرير تلك الجهات الست من خلال مناح ثلاثة :
الأولى : صورة المسألة مع حكمها
الثانية : قيود المسألة
الثالثة : ذكر الاستثناءات إن وجدت
ويلحق ذلك ويتمم بشيئين :
أولهما : ضبط الجهات عدا ونحوه
ثانيهما : دليل المسألة ، والأدلة نوعان :
الأول : متفق عليها ، وهي : الكتاب و السنة و الإجماع و القياس
الثاني : مختلف فيها ، وهي كثيرة ، و لكل مذهب مذهبه في اعتبار الأدلة وبحثها منثور في كتب أصول الفقه فلتراجع "
وما قاله ذو المعالى هنا خطأ فالفقيه يدرس أدلة الوحى وأما كلام الفقهاء فمعظمه لا أساس له فمعظمهم ومعظم خلافاتهم تدور حول روايات آحاد وغالبا ما يبتعدون عن القرآن نهائيا وكأنه ليس هو الوحى الثابت ولذا سمى الله العلماء الذكر أى أهل الكتاب المفسر فقال :
"فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون"
والذكر هو تفسير القرآن الإلهى المنزل كما قال تعالى :
وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم"
ومن ثم فكل دور الفقيه هو نقل الحكم من التفسير للناس نتيجة حفظه للوحى بنوعيه
قم حدثنا عن عب التأهيل وقسمه لحفظ واستنباط وذكر شروط لابد أن تتوافر فى الفقيه فقال:
"الثاني : عبء تأهيل :
التصدي للتفقيه و التعليم من المناقب العظيمة ، ومن المرتب التي أولاها العلماء اهتماما و عناية ، فكانت واضحة المعالم ، بينة الأصول و القواعد ، و بالغوا في العناية لمن يتصدى لبيان أحكام الشريعة ، و إظهار أسرار الفقه في أعمال المكلفين ، فأتوا بأصول وقواعد معتبرة فلم يكن أمر التفقيه سبهللا يسلكه كل متمجهد لا يفقه ضبط اسم العلم ، و لا كل متعالم لم يجاوز عتبة البداية ، و إنما هو على ما ذكر من بيان لاهتمام الفقهاء به
إذا علم ذلك فإن التأهل نوعان :
النوع الأول : تأهيل تبليغ ، و شأنه تبليغ العلم على وجهه دون إقحام لنفسه برأي يرتأيه ، أو قول يقول به ، ويأخذ بذلك قانون التبليغ وهو : ( إيراد اللفظ كما سمعه من غير تغيير ) [ "فيض القدير" _ للمناوي _ (3/206)
النوع الثاني : تأهيل استنباط ، وهذا النوع هو المشتغل بالاستنباط للأحكام من النصوص ، و الكلام عنه من جهتين :
الأولى : حده ، فهو :الذي يستقل بإدراك الأحكام الشرعية من الأدلة الشرعية من غير تقليد وتقيد بمذهب أحد
انظر : أدب المفتي و المستفتي _ لابن الصلاح _ ص 87
الثانية : شروطه ، إذ المتصدر للاجتهاد شروط ، هي :
1 معرفة الكتاب ، و المراد : إدراك آيات الكتاب ، و الإلمام بمعانيها ، و المتعين آيات الأحكام
انظر : المستصفى _ للغزالي _ 2/350 ، المحصول _ لفخر الدين الرازي _2/33 ، البحر المحيط _ للزركشي _6/199
2 معرفة السنة ، كالسابق في حد المراد
انظر : البحر المحيط 6/200
3 معرفة اللغة العربية ، و المشترط العلم بما يتعلق بنصوص الأحكام
قال الطوفي _ يرحمه الله _ [ شرح مختصر الروضة 3/581 ] : و يشترط أن يعرف من النحو و اللغة ما يكفيه في معرفة في معرفة ما يتعلق بالكتاب و السنة من : نص ، و ظاهر و مجمل ، وحقيقة ومجاز ، وعام وخاص ، ومطلق ومقيد ، ودليل الخطاب ونحوه كـ : فحوى الخطاب ، ولحنه ، و مفهومه ، لأن بعض الأحكام يتعلق بذلك و يتوقف عليه توقفا ضروريا ا،هـ
انظر : البحر المحيط 6/202 ، التحبير _ للمرداوي _ 8/3875
4 معرفة مواقع الإجماع ، وذلك لأمرين :
أ _ التحرز من القول بما يخالفه ، ويلحق بذلك : إحداث قول ثالث
ب _ التحرز من القول بالخلاف أو القول المهجور المتروك
انظر : المستصفى 2/351 ، البحر المحيط 6/201
فائدة : قال الإمام الزركشي _ يرحمه الله _ [ البحر المحيط 6/201 ] : و لابد مع ذلك أن يعرف الاختلاف ا،هـ
5 معرفة الناسخ و المنسوخ ، حتى لا يستدل بنص منسوخ
انظر : البحر المحيط 6/203 ، التحبير 8/3873
6 معرفة أصول الجرح و التعديل قال المرداوي _ يرحمه الله _ [ التحبير 8/3875 ] : لكن يكفي التعويل في هذه الأمور كلها في هذه الأزمنة على كلام أئمة الحديث كأحمد ، والبخاري ، ومسلم ، و أبي داود ، و الدارقطني ، و نحوهم ؛ لأنهم أهل المعرفة بذلك ، فجاز الأخذ بقولهم كما نأخذ بقول المقيمين في القيم ا،هـ
انظر : البحر المحيط 6/203 ، التحبير 8/3875
7 معرفة أصول الفقه
انظر : المحصول 2/36 ، إرشاد الفحول _ للشوكاني _ ص 234 ، التحبير 8/3870
فائدتان متممتان :
الأولى : قال الصيرفي _ يرحمه الله _ : و من عرف هذه العلوم فهو في المرتبة العليا ، و من قصر عنه فمقداره ما أحسن ، و لن يجوز أن يحيط بجميع هذه العلوم أحد غير النبي _ ص _ و هو متفرق في جملتهم
والغرض اللازم من علم ما وصفت ما لا يقدر العبد بترك فعله ، و كلما ازداد علما ازداد منزلة قال _ تعالى _ : { و فوق كل ذي علم عليم } ا،هـ [ البحر المحيط 6/203 ]
الثانية : قال الشوكاني _ يرحمه الله _ : ومن جعل المقدار المحتاج إليه من هذه الفنون هو معرفة مختصراتها ، أو كتاب متوسط من المؤلفات الموضوعة فيها فقد أبعد ، بل الاستكثار من الممارسة لها و التوسع في الإطلاع على مطولاتها مما يزيد المجتهد قوة في البحث ، و بصرا في الاستخراج ، و بصيرة في حصول مطلوبه
و الحاصل : أنه لابد أن تثبت له الملكة القوية في هذه العلوم ، و إنما تثبت هذه الملكة بطول الممارسة ، و كثرة الملازمة لشيوخ هذا الفن ا،هـ [ إرشاد الفحول ص 234 ]
و بعد ذكر هذه الشروط المؤهلة للتصدر للاستنباط في الشريعة نعرف عظم الأمر ، و خطورة الإقدام على مثل هذا فهذان عبئان من أعباء الفقه ، يبين منهما عظم قيمة الفقه عند العلماء ، و مدى حاجة الناس له ، و ليس علما يؤخذ عبر حالات لا يؤبه به فيها ، و إنما أمره أن يؤخذ عن : قانون معتبر ، و بجد و حزم ، وأن يكون ذلك مصحوبا بعمل في الباطن والظاهر
رزقنا الله الفقه في الدين ، ولزوم جادة العلماء العابدين ، والله الموفق لا رب سواه "
وما ذكره الرجل من وجوب معرفة الفقيه بالنحو واللغة ومواقع الإجماع وغير هذا هو من ضمن الخبل الذى وقع فيه القدماء فالفقيه اهتمامه الوحيد هو نصوص الوحى ولا علاقة للنحو المخترع بعد القرآن بقرون بالفقه وما زال فيه اختلافات شنيعة بين القوم وكذلك معانى اللغة أكثرها بعيد عما قاله الوحى
والمفروض هو وضع منهج من الوحى لكيفية استخراج الأحكام مثل :
1 - تجميع كل الآيات التى ذكر فيها الموضوع
2 - استبعاد الآيات التى لا تدل على المعنى المطلوب
3- معرفة الآيات التى نزلت أولا من التى نزلت ثانيا وهو ما يسمى الناسخ والمنسوخ
4-تجميع كل الروايات التى لها علاقة لها بالموضوع وهذا طبقا للموجود حاليا حيث تفسير القرآن الإلهى وهو الذكر غير معروف مكانه
5-استبعاد الروايات التى لا تدل على المعنى المطلوب
6- معرفة الروايات التى قيلت أولا من التى قيلت ثانيا وهو ما يسمى الناسخ والمنسوخ
7- الروايات التى تكون فى الموضوع يتم عرضها على القرآن فإن عارضت القرآن تم استبعادها على الفور لكون النبى(ص) لا يقول ما يخالف كتاب الله
8- استخراج الحكم من آيات القرآن مع كون الروايات شىء مساعد إن وجدت
قطعا هذا المنهج هو الذى يجب استعماله حاليا لعدم معرفة تفسير القرآن الإلهى وهو الذكر وأما فى حالة وجود الوحيين معا فلا حاجة للفقهاء وهم أهل الذكر سوى لمراجعة حفظهم لاستخراج الحكم فهم لا يفكرون فى شىء وإنما الحكم موجود ويتم معرفته على الفور من الحفظ
 
أعلى