( تسعة عشر شهرا من العزلة )

هارون الرشيد

عضو بلاتيني
هو مقال لصديقي المقرب جدا لروحي وفكري.

على غرار رائعة غابريل غارسيا ماركيز ( مئة عام من العزلة ) خطرت ببالي تلك التجربة، أستفرغ فيها حياة تلك الزنزانة العميقة حيث العزلة التامة لتسعة عشر شهرا مضت، كنت شاهدا على فكر بشري تكون بتلون الزمان.. فالحياة قصيرة والرحلة قصيرة من تراب إلى تراب!
أجل.. تساءلت: هل العمر رحلة من الملل؟ وهل تستحق تلك التجربة إن لم تكن مغامرة مجنونة أو يائسة؟ .. فأنا متعب كوطن محتل!! إذن العزلة عن الجميع فكرة لا بأس بها!! بل أزيد على ذلك بأنني مكتفي بالوحدة ومستعد للغياب!
هكذا قررت وفعلتها.. ثمة تساؤلات أصطدم بها بين الحين والآخر! ما هي أسباب العزلة؟ هل هي ضالة الحديث أم هي الحرية التي أنشدها بغير سقف؟ أم تلك الهوة الكبيرة بيني وبين الآخرين؟! ..
يمكن لمجتمع ما أن يكون معاقا بالكامل وهذا حدث مرات عديدة في تاريخ البشرية، فالله عز وجل كان يرسل الأنبياء ليصححوا إعاقات المجتمع الفكرية والسلوكية والدينية، فمجتمع نبي الله إبراهيم (عليه السلام ) كان معاقا بالشرك، وكان إبراهيم (عليه السلام ) بينهم غريبا لأنه لم يكن يمارس إعاقتهم!! ..
وهناك قاعدة فقهية تقول .. إجماع الناس على شيء لا يحله، الخطأ يبقى خطأ والصواب يبقى صواب ولو لم يفعله أحد!!
أيقنت حينها أن الحياة لا تسير حسب الطريقة التي أستعملتها، فليس كافيا أن تكون على قيد الحياة، بل على قيد الأمل والصلاح..
هل هي حالة كامنة أو عامة للإحباط والكبت؟!
هل هي رغبتنا أم أننا منساقون إليها؟!
فهنا بشر بحاجة للحياة، للهواء وللحرية.. أريد وطنا أعاشر به الحرية بالحلال.!!
أم هل يجب أن أخضع للإكتئاب كغيري؟!! لا
فالإكتئاب أبغض تجربة، هي إنعدام تصور الشعور بالسعادة وغياب الأمل.. هو مختلف عن الشعور بالحزن!

لقد إشرأب العقل على ساحة الحكمة فلم يعد حليما بل حيرانا!
إنها ليست إيماءة رأس بقبول الواقع، فليتني أعود إلى بعضي الذي تساقط مع الأيام!!
لذك قررت أنه مهما كان الناس من حولي، سوف أصطف مع الموسيقى وحين أنزوي أقرأ بشغف! هجرت رجاء أحدهم بالإنضمام لعالمي.. فأنا أساسا لا أحب الأشياء الملطخة بالرجاء..
وهكذا فعلتها لتسعة عشر شهرا، فأنا أملك هذا الشعور وليس غيري، على سبيل المثال لا أحد سواي يعلم أن حذائي يؤلمني، وأحيانا أقولها من أعماق صمتي.. أيها العابرون على أحلامنا.. إلتفتوا لآمالنا! ، فأسباب تعاطي العزلة ليست غياب الأحبة!
إنها محاكمة زمنية مع رحلة الحياة، نستفيق منها بفائدة إجتماعية وكأنها مراجعة شبيهة بأزمة منتصف العمر! أجل.. أجدت الإختفاء ولم أجيد الإختباء، فبعضهم مخيب للآمال وعزلتي كان معها الحق!!
أفقت من عزلتي على فوائد عديدة .. أجملها أن تصادق ذاتك وتحاسب نفسك، وأن لا تكون عبئا على الغير، بل وأوجدت هوايات جديدة والكثير الكثير من الفوائد والإيجابيات.

الخلاصة؛ يجب أن نستغل كل حدث سلبي كهذه الجائحة أو ما يكون على شاكلتها لنقف وقفة تأمل مع أنفسنا، نحاسبها، نقومها ثم نرشدها إلى الصراط المستقيم..

( من مشاهدات رجل سلام - علي السبتي)
 
أعلى