قراءة فى كتاب التحسين والتقبيح بين أهل السنة والمبتدعة

رضا البطاوى

عضو ذهبي
قراءة فى كتاب التحسين والتقبيح بين أهل السنة والمبتدعة
المؤلف تميم بن عبد العزيز القاضي ةفى التمهيد بين أن مسألة التحسين والتقبيح يعتبر أثرا للخلاف في مسألة الحكمة والتعليل في أفعال الله فقال:
"تمهيد :
أولا : علاقة المسألة بمسألة الحكمة والتعليل :
البحث في مسألة التحسين والتقبيح يعتبر أثرا للخلاف في مسألة الحكمة والتعليل في أفعال الله، هل يحكم عليها بالعقل أو لا؟ فمن أثبت الحكمة والتعليل في أفعاله تعالى قال بالحسن والقبح العقلي، ومن نفي الحكمة والتعليل –كالأشاعرة - نفي الحسن والقبح العقليين كما سيأتي بيانه .
قال ابن القيم مبينا هذه العلاقة بين هذين الموضوعين : وكل من تكلم في علل الشرع ومحاسنه وما تضمنه من المصالح ودرء المفاسد فلا يمكنه ذلك إلا بتقرير الحسن والقبح العقليين، إذ لو كان حسنه وقبحه بمجرد الأمر والنهي لم يتعرض في إثبات ذلك لغير الأمر والنهي فلما قالت المعتزلة بالتحسين والتقبيح العقليين، نتج عن ذلك قولهم أن من يفعل لا لغرض يكون عابثا، والعبث قبيح، فثبت أن أفعاله يجب أن تكون لأغراض وحكم ولما قالت الأشاعرة إن العقل لا يحكم بحسن ولا قبح، بل ذلك مقصور على الشرع، والأفعال في أنفسها سواء قبل ورود الشرع، وليس الحسن والقبح صفتين ذاتيتين للأشياء، قالوا :إن أفعاله تعالى ليست معللة بالأغراض والغايات، ونفوا بناء على ذلك الحكمة على ما سبق بيانه ."
وبعد أن استعرض آراء القوم دخل فى تاريخ المسألة وهو بالقطع تاريخ كاذب كمعظم تواريخنا فقال :
"ثانيا :تاريخ المسألة .
- تاريخها في هذه الأمة :
أول من بحث هذه المسألة من أهل الكلام هو الجهم بن صفوان، حين وضع قاعدته المشهورةإيجاب العارف بالعقل قبل ورود الشرع
وقال : إن العقل يوجب ما في الأشياء من صلاح وفساد وحسن وقبح، وهو يفعل هذا قبل نزول الوحي، وبعد ذلك يأتي الوحي مصدقا لما قال به العقل من حسن بعض الأشياء وقبح بعضها
وقد أخذ بهذا القول المعتزلة –كما سيأتي إن شاء الله تفصيل مذهبهم -وبنو عليه أصلهم، وأخذه عنهم الكرامية
- تاريخها قبل هذه الأمة .
القول بالتحسين والتقبيح العقليين قد جاء -قبل الإسلام - من بعض الديانات الهندية، وهو قول التناسخية، والبراهمة، والثنوية، وهم -كما يقال -الذين وضعوا البذور الأولى للقول بإيجاب المعارف عقلا
ثالثا :تحرير محل النزاع .
-اتفق الجميع على أن من الأشياء ما لا يدرك إلا بالشرع، كبعض تفاصيل الشرائع والعبادات .
- وأما بالنسبة لمعاني الحسن والقبح فتطلق على ثلاثة أشياء ببيانها يتضح محل النزاع :
المعنى الأول :أن يراد بالحسن والقبح : ما يوافق غرض الفاعل من الأفعال وما يخالفه، أو ما يطلق عليه : الملائمة والمنافرة للإنسان ...فهذا معلوم بالعقل بالاتفاق فإنه قد يعنى بالحسن والقبح كون الشيء ملائما للطبع أو منافرا له، وبهذا التفسير لا نزاع في كونهما عقليين . فما وافق غرض الفاعل يسمى حسنا ويدرك بالعقل، كحسن قتل العدو، وهو ما يسمونه مصلحة أو ملائمة طبع، وما خالف غرض الفاعل يسمى قبيحا، كالإيذاء، ويسمى مفسدة أو منافرة للطبع، قال شيخ الإسلام في التدمرية في كلامه على مسألة الحسن والقبح فإنهم اتفقوا على أن كون الفعل يلائم الفاعل أو ينافره يعلم بالعقل، وهو أن يكون الفعل سببا لما يحبه الفاعل ويلتذ به، أو سببا لما يبغضه ويؤذيه .
وقال كذلك: والعقلاء متفقون على كون بعض الأفعال ملائما للإنسان، وبعضها منافيا له، إذا قيل هذا حسن وهذا قبيح، فهذا الحسن والقبح مما يعلم بالعقل ...ولا ريب أن من أنواعه ما لا يعلم إلا بالشرع، ولكن النزاع فيما قبحه معلوم لعموم الخلق، كالظلم والكذب ونحو ذلك
- والحسن والقبح بهذا المعنى اعتباري نسبي، وليس ذاتيا،فإن قتل زيد مثلا مصلحة لأعدائه ومفسدة لأوليائه .
-ا لمعنى الثاني : أن يراد بالحسن والقبح : كون الشيء صفة كمال أو صفة نقص، كقولنا :العلم حسن، والجهل قبيح، ولا نزاع هنا -أيضا -في كونهما عقليين .
ويرى شيخ الإسلام أن هذا المعنى راجع للمعنى الأول، لأنه عائد إلى الموافقة والمخالفة، وهو اللذة والألم، فالنفس تلتذ بما هو كمال لها، وتتألم بالنقص، فيعود الكمال والنقص إلى الملائم والمنافي
فلا نزاع في هذين المعنيين بين أهل الكلام أنهما عقليان يستقل العقل بإدراكهما
- المعنى الثالث :أن يراد بالحسن والقبح :كون الفعل يتعلق به المدح والثواب، و الذم والعقاب .
فما تعلق به المدح والثواب في الدنيا والآخرة كان حسنا، وما تعلق به الذم والعقاب في الدنيا كان قبيحا فهذا المعنى هو الذي وقع فيه الخلاف
وقال الرازي : وإنما النزاع في كون الفعل متعلق الذم عاجلا وعقابه آجلا، وفي كون الفعل متعلق المدح عاجلا، والثواب آجلا، هل يثبت بالشرع أو بالعقل ... وفيما سيأتي بإذن الله نذكر أهم الأقوال في ذلك ."
والمسألة أهون من ذلك فالعقل لم يكن موجودا قبل الشرع وهو الوحى ولو افترضنا كونه موجود فإنه لا يقدر على التقبيح والتحسين لأن ذلك يتطلب أساس يحكم بناء عليه وهو الوحى
الوليد ينزل بعقل ولكنه لا يعمل ولذا نفى الله المعرفة عنها تماما فقال :
" والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا"
ومن ثم لا يمكن أن يحسن العقل أو يقبح إلا عبر أساس أخر استقاه من وحى الله
ولو سلمنا بتقبيح وتحسين العقل فلا حاجة لرسالات الرسل(ص) لأن كل واحد منا فيه عقل يقدر على التشريع الصحيح ولكنه هذا غير صحيح بدليل أن الناس اخترعوا كم هائل من الأديان المتناقضة وهم يحسبون أنهم مبنية على العقل ولكنها فى الحقيقة مبنية على أهواء النفوس
واستعرض فى الفصل الأول مذهب المعتزلة فقال:
"الفصل الأول : مذهب المعتزلة في التحسين والتقبيح
المبحث الأول :تقرير مذهبهم :
ذهبت المعتزلة إلى القول بالتحسين والتقبيح العقلي، ولعل مذهبهم يتضح من خلال النقاط التالية :
- ذهبوا إلى إثبات الحسن والقبح بالعقل وجعلوا حسن الأفعال وقبحها للعقل فقط .
- قالوا :إن حسن الأشياء وقبحها صفتان ذاتيتان في الأشياء، والفعل حسن أو قبيح، إما لذاته، وإما لصفة من صفاته اللازمة له، وإما لوجوه واعتبارات أخرى ولذا قالوا بإمكان إدراكها بالعقل.
-أما الشرع فجعلوه كاشف ومبين لتلك الصفات فقط .
-ونتيجة لذلك جعلوا استحقاق الثواب والعقاب على مجرد معرفة العقل حسن الأفعال وقبحها ولو لم تبعث الرسل .
وإليك ذكر طرف من أقوالهم الكاشفة لحقيقة مذهبهم في ذلك :
- قال ابن المرتضي : إنما يقبح الشيء لوقوعه على وجه من كونه ظلما أو كذبا أو مفسدة، إذ متى علمناه كذلك علمنا قبحه، وإن جهلنا ما جهلنا، ومتى لا فلا، وإن علمنا ما علمنا
- قال عبد الجبار الهمذاني المعتزلي في كتابه شرح الأصول الخمسة )قد ذكرنا أن وجوب المصلحة وقبح المفسدة متقرران في العقل .
- وقال في كتابه المغني في أبواب التوحيد )إن في الأفعال الحسنة ما يعلم من حاله أن فاعله يستحق المدح بفعله
- وقال : قد بينا بطلان قول المجبرة الذين يقولون إن بالعقل لا يعرف الفرق بين القبيح والحسن، وإن ذلك موقوف على الأمر والنهي بوجوه كثيرة، فليس لأحد أن يقول :إنما يحتاج إلى السمع ليفصل العاقل بين الواجب والقبيح
- وقال في نفس الكتاب في تعريف القبيح : إنه ما إذا وقع على وجه من حق العالم بوقوعه كذلك من جهته، المخلي بينه وبينه، أن يستحق الذم إذا لم يمنع منه مانع، وهذا مستمر في كل قبيح .... ثم يقول )وأما وصف القبيح بأنه معصية فمعناه :أن المعصي قد كرهها، ولذلك يقال في الشيء الواحد :إنه معصية لله، طاعة للشيطان، من حيث كرهه الله وأراده الشيطان، ولذلك يستعمل مضافا، ولكنه بالتعارف قد صار إطلاقه يفيد كونه معصية لله، فلذلك يفيد كونه قبيحا، لأن ما كرهه تعالى فلا بد من كونه قبيحا، ولو كره تعالى ما ليس بقبيح -تعالى الله عن ذلك -لوصف بذلك، لكن لما ثبت أنه لا يكره إلا القبيح، أفاد بالإطلاق ما ذكرناه
البقية
 
أعلى