نقد كتاب حتى لا تغرق في الديون

رضا البطاوى

عضو ذهبي
نقد كتاب حتى لا تغرق في الديون
المؤلف عادل بن محمد آل عبد العالي وهو يدور حول نصح الناس بعدم الاستدانة إلا للضرورة وفى هذا قال عبد العالى:
"أما بعد :
راية ارتفعت على رؤوس عدد من الناس ، وظاهرة انتشرت في عدد من البيوت إنها الديون التي كبلت أيدي الكرماء ، وأخافت قلوب الأمناء داء لابد من الوقوف في وجهه قبل أن يستفحل فلا يبقي أحدا
* لقد تكاثرت الديون على الناس حتى انتهى ببعضهم الأمر إلى السجون أو إلى لجنة تبيع الممتلكات لتعيد للدائنين أموالهم أو بعضها
بل تكاثرت الديون حتى أنشئت مكاتب لتحصيل الديون من هذا وذاك ممن يماطلون أو لعجز يختفون ويتهربون
* المحاكم الشرعية تستقبل الشكاوى ، وتتابع القضايا ، والظاهرة مستمرة ، فماذا عسانا أن نفعل ؟
إن أقل ما يمكن فعله في هذا الشأن هو توعية الناس وتذكيرهم بخطورة الديون على أنفسهم حاضرا ومستقبلا ويشترك في ذلك العلماء والمصلحون من الدعاة والخطباء وأهل الخبرة ، ولعل هذه الرسالة (( حتى لا تغرق في الديون )) تفي ببعض الذكرى وقد ضمنتها وصايا عديدة اقتبستها من كلام العلماء ومجالس الفضلاء واستفادتها من تجربة المجربين وصيحات النادمين حتى لا تغرق في الديون"
الرجل لم يتناول فى كتابه أسباب الاستدانة ولا أحكامها الشرعية وإنما كل ما قام به هو النصح وقطعا السبب الرئيسى للاستدانة هو الأنظمة الحاكمة التى لا توزع المال كما أمر الله ولا توفر مرتبات أو معاشات عادلة للكل وأما السبب الثانوى فهو متعدد كمن يريد الاشتهار بين الناس بالبذخ أو يريد الحياة على جهد غيره
وأما وصايا عبد العالى فهى :
"بين يديك – أخي القارئ – أضع هذه الوصايا ، أنصح بها نفسي وأياك حتى لا نعض أصابع الندم عاجلا أو آجلا من ديون قد غرقنا فيها إلى عيون رؤوسنا أو أقل من ذلك بقليل
الوصية الأولى : استشعر الأحاديث المفزعة في عاقبة الديون :
لقد جاء في السنة النبوية أحاديث صريحة في سوء عاقبة من مات وفي ذمته دين لأحد من الناس ، ومن ذلك :
* ما رواه عبد الله بن أبي قتادة يحدث عن أبيه : أن النبي (ص)أتي برجل ليصلي عليه ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم – (( صلوا على صاحبكم ، فإن عليه دينا ))
وفي رواية : (( لعل على صاحبكم دينا )) ؟ قالوا : نعم ، ديناران فتخلف - صلى الله عليه وسلم – وقال : (( صلوا على صاحبكم ))
قال أبو قتادة : هو علي [ أي الدين الذي على الميت ]
فقال رسول الله (ص): (( بالوفاء )) فصلى عليه
* وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (( نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه ))
قال الصنعاني : (( وهذا الحديث من الدلائل على أنه لا يزال الميت مشغولا بدينه بعد موته ففيه حث على التخلص عنه قبل الموت وأنه أهم الحقوق وإذا كان هذا في الدين المأخوذ برضا صاحبه فكيف بما أخذ غصبا ونهبا وسلبا ))
* وعن عبدالله بن عمرو قال ، قال رسول الله (ص)(( يغفر للشهيد كل ذنب إلا الدين ))
* وعن أبي قتادة قال : جاء رجل إلى رسول الله فقال : (( يا رسول الله ، أرأيت إن قتلت في سبيل الله صابرا محتسبا مقبلا غير مدبر ، أيكفر الله عني خطاياي ؟ )) قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- : (( نعم )) فلما ولى الرجل ، ناداه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو أمر به ، فنودي له فقال رسول الله (ص)(( كيف قلت ؟ )) فأعاد عليه قوله ، فقال رسول الله (ص)(( نعم إلا الدين كذلك قال لي جبريل عليه السلام ))
* وعن محمد بن جحش قال : (( كنا جلوسا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرفع رأسه إلى السماء ثم وضع راحته على جبهته ، ثم قال : (( سبحان الله ماذا نزل من التشديد ؟ )) فلما كان من الغد سألته : ما هذا التشديد الذي نزل ؟ فقال : (( والذي نفسي بيده لو أن رجلا قتل في سبيل الله ثم أحيي ثم قتل ثم أحيي ثم قتل وعليه دين ما دخل الجنة حتى يقضى عنه دينه ))
وجاء في رواية أن رسول الله (ص)قال : (( إن فلانا مأسور بدينه عن الجنة فإن شئتم فافدوه وإن شئتم اسلموه إلى عذاب الله ))
إلى غير ذلك من أحاديث يتذكر المسلم معها أن الأولى به أن يعرض عن الاستدانة ما استطاع إلى ذلك سبيلا ، ويسارع لسداد ما عليه ليلقى الله سالما غير نادم "
وكل هذه الروايات لا يصح منها شىء للتالى:
الأول أنها تجعل الدين ذنب وهو ما يناقض إباحة الله للاستدانة بقوله :
إذا تداينتم بدين فاكتبوه"
الثانى أنها تظهر النبى فى مظهر الرجل ذو القلب القاسى الذى لا يصلى على المديونين مع معرفته بفقر معظم الناس وهو ا يتعارض مع وصف الله له بالرحمة واللين فى قوله:
" فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك"
وفظاظة عدم الصلاة على المسلم المديون من أعظم الفظاظات وهى القسوة القلبية
الغريب فى الأمر أن القوم يذكرون أن النبى(ص) مات وهو مديون درعه مرهون عند يهودى ومع هذا صلوا عليه كما فى التاريخ وهو أمر هو الأخر لا يصح
ثم قال :
"الوصية الثانية : لا تقترض إلا مضطرا :
* إن الواقع يشهد أن كثيرا من الناس يقترض دون اضطرار لذلك ، والرسول - صلى الله عليه وسلم - يوم أن اقترض ، اقترض طعاما احتاجه ، ورهن درعه عند المدين ليضمن براءة ذمته ، فعن عائشة رضي الله عنها (( أن النبي - صلى الله عليه وسلم - اشترى طعاما من يهودي إلى أجل ورهنه درعا من حديد ))
قال ابن المنير : (( وجه الدلالة منه أنه (ص)لو حضره الثمن ما أخره ، وكذا ثمن الطعام لو حضره لم يرتب في ذمته دينا ، لما عرف من عادته الشريفة من المبادرة إلى إخراج ما يلزم إخراجه ))
ولعل من فوائد الرهن أنه يدعو المستدين إلى أن يكون جادا في سداد دينه معجلا غير مؤجل
وما ذكر ، يدعونا للرضى بالقليل والقناعة بالموجود وعدم التكلف برفاهية زائدة أو بمظاهر زائفة ، كما قال تعالى : {ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وأبقى}
* حدثت أن عددا من الإخوان أغنياء رزقهم الله مالا وفيرا إلا واحدا منهم ، فلما قام أولئك ببناء قصور كبيرة ، سارع هذا ليلحق بصنيعهم فأغرق نفسه بالديون تكلفا ثم مرت الشهور ، وذاق مرارة الدين فأصيب بضائقة نفسية ، حتى أنه نقل عنه أنه أصبح لا يغادر بيته إلا شذرا ، يكاد أن يهلك من حسراته وندمه
وفي هذا يقول الشيخ محمد العثيمين: إني لأعجب من قوم مدينين عليهم ديون كثيرة ، ثم يذهب أحدهم يستدين ، يشتري من فلان أو فلان أثاثا للبيت زائدا عن الحاجة ، يشتري كساء أو فرشا للدرج وهو فقير عليه ديون هذا سفه ، سفه في العقل وضلال في الدين )) "
والوصية ملخصها لا دين إلا للضروريات كالأكل والعلاج
ثم قال :
"الوصية الثالثة : اتق الله قبل الدين ومعه :
* فإن العبد إذا اتقى الله وأراد أن يأخذ مالا ليرفع ضيقا عن نفسه وأهله ، وصدق العزم في رده عند تيسره لقي من الله الفرج بعد الشدة واليسر بعد العسر قال الله تعالى: { ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا}
وقال تعالى : { ومن يتق الله يجعل له مخرجا* ويرزقه من حيث لا يحتسب } وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي (ص)قال (( من أخذ أموال الناس يريد اداءها أدى الله عنه ، ومن أخذ يريد إتلافها أتلفه الله ))
قال ابن حجر : ( أتلفه الله ) ظاهره أن الإتلاف يقع له في الدنيا وذلك في معاشه أو في نفسه ، وهو علم من أعلام النبوة لما نراه بالمشاهدة ممن يتعاطى شيئا من الأمرين ، وقيل المراد بالإتلاف عذاب الآخرة ))
فمن لم يتق الله في الدين الذي عليه وماطل ، لقي من الله عنتا وتلفا والجزاء من جنس العمل ، فإن أحسن في القضاء أداه الله عنه في الدنيا قبل الآخرة قال (ص)(( ما من مسلم يدان دينا ، يعلم الله منه أنه يريد أداءه إلا أداه الله عنه في الدنيا ))
وحسب المؤمن رهبة من مماطلة الناس في أموالهم ما جاء عن صهيب الخير عن رسول الله (ص)أنه قال : (( أيما رجل يدين دينا ، وهو مجمع أن لا يوفيه إياه لقي الله سارقا )) "
فالمستدين لابد أن يكون فى نيته سداد دينه وإن كانت نيته أكل مال الناس فقد كفر واستحق النار ثم قال:
"الوصية الرابعة : الديون هم بالليل وذل بالنهار :
* إن كثيرا من الرجال أريقت مياه وجوههم واختفوا عن أعين الناس خوفا من عتاب الدائنين ، وهروبا من كلماتهم الساخنة ومن ذلك ما رواه الطحاوي عن عقبة بن عامر أن رسول الله (ص)قال : (( لا تخيفوا الأنفس بعد أمنها )) قالوا : يا رسول الله ، وما ذاك ؟ قال : (( الدين ))
لذا ، ينبغي على المرء أن يستشعر أن الدين مذلة للرجال ، كما جاء في الأثر : (( الدين هم بالليل ومذلة بالنهار )) قال القرطبي : قال علماؤنا : (( وإنما كان شينا ومذلة لما فيه من شغل القلب والبال والهم اللازم في قضائه والتذلل للغريم عند لقائه ، وتحمل منته بالتأخير إلى حين أوانه )) وقد ذكر في الأثر صور من ذلك أيضا :
* جاء أبو قتادة إلى رجل قد استدان منه دينا جاء إليه ليتقاضاه في أحد الأيام فما كان من هذا المقترض إلا أن اختفى عن ناظريه واختبأ عنه وقدر أن يخرج صبي من دار ذلك المقترض ، فسأله أبو قتادة عن أبيه ؟ فقال الصبي : هو في البيت يأكل خزيرة - نوع من الطعام – فنادى أبو قتادة بأعلى صوته : يا فلان أخرج فقد أخبرت أنك هاهنا فخرج فقال له : ما يغيبك عني ؟ قال الرجل : إني معسر وليس عندي ما أسدد به ديني فاستحلفه أبو قتادة أنه معسر فحلف الرجل على ذلك
فبكى أبو قتادة أن يصل الأمر بأخيه إلى هذه الحالة البائسة فقال بعد ذلك : سمعت رسول الله (ص)يقول : (( من نفس عن غريمه أو محا عنه كان في ظل العرش يوم القيامة ))
* حدثت أن رجلا تكاثرت عليه الديون حتى زادت على المليونين من الريالات وبالطبع تتابع الطراق عليه ، ووجهت إليه الكلمات اللاذعة حتى بلغ به الأمر أن فر من بيته وترك أهله لسنة كاملة !! فكانت المضايقات تتابع على أبنه الصغير حتى أصيب بضائقة نفسية سيئة والبقية تأتي !!- إلا أن يتداركهم الله برحمته – "
قطعا حديث أن الدين ذل وهم لا يصح فلو كان كذلك ما أباحه الله والمسلمون كما قال تعالى" رحماء بينهم"
ومن ثم فهم لا يذلون بعضهم ولا يهتمون طالما يطيعون ذكر وهو وحى الله كما قال:
" ألا بذكر الله تطمئن القلوب"
ثم قال :
"الوصية الخامسة : إياك وخداع البنوك :
* ترفع البنوك بين الحين والآخر إعلانات تتضمن التشجيع على الاقتراض ، ويزعمون أن هذه القروض تجعل حياتك أكثر رفاهية ، فما عليك إلا أن توفر الشروط وتقوم بتعبئة النموذج المعد لذلك ثم تكون النقود بين يديك لتتصرف بها بحرية كاملة وهذه البنوك إنما تشجع على الديون لأنها تتكسب من ذلك أموالا طائلة ، وبخاصة أنها إنما تقرض بفوائد ربوية تتضاعف بمرور الزمن ، وهذا الأسلوب الاستثماري
أولا : مما حرمه الله ورسوله (ص)
قال تبارك وتعالى : {يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة واتقوا الله لعلكم تفلحون}
وقال (ص): (( درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم ، أشد من ست وثلاثين زنية ))
وقد لعن (ص): آكل الربا وموكله وشاهديه وكاتبه: (( هم سواء ))
ثانيا : هذا القرض المالي الذي يفرح به المقترض لأيام معدودة يسبب له ضعفا في إيمانه ، واضطرابا في قلبه يقول عمر الأشقر : (( الربا يحدث آثارا خبيثة في نفس متعاطيه ، وتصرفاته وأعماله وهيئته ، ويرى بعض الأطباء أن الاضطراب الاقتصادي الذي يولد الجشع الذي لا تتوفر أسبابه الممكنة يسبب كثيرا من الأمراض التي تصيب القلب ، فيكون من مظاهرها ضغط الدم المستمر ، أو الذبحة الصدرية أو الجلطة الدموية ، أو النزيف في المخ ، أو الموت المفاجئ

 

رضا البطاوى

عضو ذهبي
وقد قرر عبدالعزيز إسماعيل عميد الطب الباطني في كتابه ( الإسلام والطب الحديث ) أن الربا هو السبب في كثرة أمراض القلب
وما قيل ليس من باب المبالغة بل الديون الحاصلة من قروض الربا تأتي بأكثر من ذلك!
ثالثا : إن القروض الشخصية التي تقدمها هذه البنوك ربحها الدائم للبنوك فحسب يقول ( شاخت ) مدير بنك الرايخ الألماني : (( إن الدائن المرابي ( أي البنك ) يربح دائما في كل عملية ، بينما المدين معرض للربح والخسارة ، ومن ثم فإن المال كله في النهاية لابد بالحساب الرياضي أن يصير إلى الذي يربح دائما ))
والمعادلة في ذلك لا يطول حسابها يقول المراغي في تفسيره : (( الربا يسهل على المقترضين أخذ المال من غير بدل حاضر ويزين لهم الشيطان إنفاقه في وجوه الكماليات التي يمكن الاستغناء عنها ، ويغريهم بالمزيد من استدانة ، ولا يزال يزداد ثقل الدين على كواهلهم حتى يستغرق أموالهم فإذا حل الأجل لم يستطيعوا الوفاء ، وطلبوا تأجيل الدين ، ولا يزالون يماطلون ويؤجلون، والدين يزداد يوما بعد يوم ، حتى يستولي الدائنون قسرا على كل ما يملكون ، فيصبحون فقراء معدمين ، وصدق الله : { يمحق الله الربا ويربي الصدقات } )) "
رواية درهم ربا الخطأ فيها أن الربا مثل 33 زنية ويخالف هذا أن الربا كذنب يكتب بسيئة مصداق لقوله تعالى "ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها "
وأمما تأثير الديون على الصحة فهو يحدث مع البعض ولا يحدث مع البعض الأخر ثم قال :
"الوصية السادسة : أغلال البطاقات !
* يشارك كثير من الناس في بطاقات تحت مسميات مختلفة، ومنها ما يسمى بـ ((البطاقة الائتمانية )) والمشترك فيها يتحصل على خدمة خلاصتها أن حامل البطاقة يشتري ما يريد حاضرا وتقوم الجهة الممولة للبطاقة بتسديد قيمة الفاتورة لصاحب المتجر بعد حين، وظاهر هذه الخدمة الرحمة، ولكن إذا علمت أن للمشترك زمنا محددا للسداد للبنك أو الشركة ، فإذا انقضى هذا الزمن تضاعف المبلغ عليه بزيارة ربوية كلما تأخر عند ذلك يتبين للمشترك خطورتها ، ويتبين أن هؤلاء الذين يتعاملون بهذه البطاقات وقعوا في محذورين :
المحذور الأول : أنهم سيسرفون في المصايف ، وسيغرقون في الديون ما دام غيرهم يدفع عنهم
المحذور الثاني : أنهم إن لم يسددوا فورا فإنهم سيقعون في الربا - والعياذ بالله -
وحاصل ما ذكرنا تكاثر الديون وهذا ما يراد الهروب منه ، والفرار عنه "
واللوم على الناس هنا فى غيره محله فالمصارف غالبا تابعة للدولة فهى من تشجع الاستدانة وعليها أن تجعلها بطاقة مغلقة على الراتب ا, المعاش بحيث لا ينفق ا:ثر مما يقبضه
وعلى الناس مسئولية أيضا فهم لابد أن يعملوا بقوله تعالى بالقوامة وهى الاعتدال فى النفقة كما قال تعالى :
"والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما"
وتفسيرها بالبلدى "على قدر لحافك مد رجليك"
ثم قال :
"الوصية السابعة : فر من التقسيط فرارك من الأسد :
* إن اندفاع الناس إلى التقسيط أصبح ظاهرة ، والحق أنها ظاهرة غير صحيحة البتة ، فلا يليق بالمجتمع المسلم أبدا أن يغرق في الديون ، كما يحدث بالفعل في مجتمعات أخرى إن مرارة التقسيط تعلم قطعا بعد الخوض في تجربته ، فإن المشتري بالتقسيط يرى أن الشركة تأكله من فوقه إلى أسفل قدميه ، وهو للوهلة الأولى لا يدرك ذلك بالطبع فيخوض مع الخائضين
ولنأخذ مثلا الشركات التي تبيع السيارات الجديدة بالتقسيط ، فهم أولا : لا يبيعون السيارة بثمنها في السوق وإنما بسعرها في البطاقة الجمركية ، ومعلوم أنه أعلى وأكبر غالبا ، ثم يجعلون الزيادة المالية على السعر الأعلى ولذلك تكون الزيادة ضخمة نسبيا ، وكلما ازداد الأجل بعدا كلما أزداد الثمن الكلي على المشتري فانظر ماذا ترى ؟
الوصية الثامنة : احذر المفاهيم الخاطئة :
* إن من المفاهيم الخاطئة عند فئة من الناس – وهم قليل – ما صاغه أحدهم سؤالا قدم بين يدي فضيلة الشيخ محمد العثيمين ونصه كما يلي : (( ما رأيك في فئة من الناس يرون أن من لا دين عليه ، عنده نقص في رجولته ، بل إن من دينه قليل تناله سخريتهم فيقولون : فلان دينه دين عجوز ، مع أنهم يستدينون بنية عدم الوفاء ؟ فكان جواب الشيخ : (( أقول أن هذا بلا شك خطأ ، وأن العز والذل تبع الدين وعدمه ، فمن لا دين عليه فهو العزيز ومن عليه دين فهو الذليل ، لأنه في يوم من الأيام قد يطالبه الدائن ويحبسه ، وما أكثر المحبوسين الآن في السجون ، بسبب الديون التي عليهم ، فهذا القائل – بهذا المفهوم الخاطئ – لاشك أنه سخيف العقل ، وأنه ضال في كلامه ولكن الذي يظهر أنه كالإنسان المريض يحب أن يمرض جميع الناس فهو مريض بالدين ويريد أن يستدين جميع الناس حتى يتسلى بهم ))
فحري بالعاقل ألا يلتفت لهؤلاء من قريب ولا من بعيد "
التقسيط هو نوع من انواع الربا ولكن بعض علماء السلطة أحلوه ومن ثم على الناس ألا يتعاملوا به إلا عند الاضطرار لأنه يجعلهم يدفعون أضعاف الثمن الأصلى
ثم قال :
"الوصية التاسعة : اللهم إني أعوذ بك من ضلع الدين :
كان رسول الله (ص) يكثر من الدعاء ويطلب السلامة من ضلع الدين فعن أنس رضي الله عنه عن النبي (ص)في دعاء ذكره : (( اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن والعجز الكسل والجبن والبخل وضلع الدين وغلبة الرجال )) قال القرطبي : قال العلماء: (( ضلع الدين هو الذي لا يجد دائنه من حيث يؤديه ))
وكم من الناس من هو كذلك وما أكثر من لا يجد أموالا تتناسب مع ضخامة الدين عليه وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله (ص)كان يدعو في الصلاة ويقول : (( اللهم إني أعوذ بك من المأثم والمغرم )) – أي الدين – فقال رجل : يا رسول الله ما أكثر ما تستعيذ من المغرم !! قال (ص): (( إن الرجل إذا غرم كذب ، ووعد فأخلف ))
وعلى هذا ، فحري بمن أصيب ببلاء الديون أن يعتصم بالله ويدعوه بهذه الأدعية المأثورة ، وقال المهلب : (( يستفاد من هذا الحديث سد الذارئع ، لأنه (ص)استعاذ من الدين لأنه في الغالب ذريعة إلى الكذب في الحديث والخلف في الوعد مع مالصاحب الدين عليه من المقال )) "
الاستعاذة القولية لا تفيد فالمطلوب هو الاستعاذة العملية بطاعة أحكام الله ثم قال :
"الوصية العاشرة : أكرم الضيف دون إسراف :
* كما أن الشرع أمرنا بإكرام الضيف والحفاوة به أمرنا كذلك بعدم الإسراف والتبذير قال الله تبارك تعالى : { والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما}
وقال تعالى : { ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين}
وقال تعالى : { ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا}
وقال تعالى : { ولا تبذر تبذيرا}
ولا عجب أن كثيرا من الناس يعلمون هذه الآيات وقد يرددونها ، ولكن نزولا عند العادات والتقاليد تجدهم يكلفون أنفسهم مالا يطيقون في أمور هي من الإسراف بمكان ، وحاصل ذلك الغرق في الديون
* حدثت أن رجلا انتقل وزوجته إلى مدينة بعيدة عن أهله وعشيرته ، وكان ذلك من أجل وظيفة متواضعة تغنيه عن السؤال فلما استقر به المقام ، برزت له مشكلة لا حل لها بادي الرأي وخلاصتها أن أهل قريته كلما جاءوا إلى هذه المدينة توجهوا إليه – وهو بالطبع – مطالب عند ذلك بذبح الذبيحة والذبيحتين إكراما لهم وحفاوة بقدومهم يقول هذا الرجل : (( فأصبحت أقبض الراتب من هنا فأنفقه على استضافة هذا وذاك )) ومرت به الشهور وهو على هذه الحال ، فما كان منه إلا أن قدم استقالته من تلكم الوظيفة ورجع إلى قريته هروبا من الإحراج الذي يؤدي به إلى الغرق في الديون غدا أو بعد غد "
وهو نفس الكلام وهو عدم الانفاق بالقوامة كما سبق القول وكذلك فى الوصية التالية:
"الوصية الحادية عشرة : لا تكلف نفسك مالا تطيق :
يتردد في المجالس أن رجلا استدان ليقضي شهر رمضان في جوار بيت الله الحرام وآخر استدان الآلاف من الريالات ليصل أرحامه في منطقة بعيدة وليحضر زواج ابنتهم وهؤلاء وأمثالهم في الحقيقة يكلفون أنفسهم مالا يطيقون ومن ثم يغرقون في الديون من حيث لا يشعرون ، ولو أنهم رفقوا بأنفسهم ما حصلت لهم المشقة هذه ، وقد أمرنا الله ورسوله- صلى الله عليه وسلم- بما نطيق وما عداه يسقط بالعذر بعدم الاستطاعة قال تعالى : {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها}
وقال (ص): (( عليكم بما تطيقون ))
وقال (ص): (( سددوا وقاربوا ))
وقد جعل الشرع الفرائض على عظم مكانتها مقيدة بالقدرة ، وخذ مثلا لذلك ركنا من أركان الإسلام وهو الحج يقول الله تعالى : { ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا } وعدد من العلماء يفتون بسقوط الحج عن الفقير المستدين حتى ينقضي دينه فكيف بعد ذلك بالنوافل والمستحبات ؟!"
والوصية التالية وهى أخذ الزكاة للمديون واجبة فهذا حق قرره الله له لا يجب أن يستحى من اخذه فلا فضل لدافع للزكاة عليه وفى هذا قال عبد العالى:
"الوصية الثانية عشرة : الدين أحق بالحرج :
يتحرج البعض من أخذ الزكاة المشروعة ، بينما لا يتحرجون من أخذ الأموال دينا في ذمتهم ، مع أنهم من يستحقون الزكاة – وهذا خطأ – فالدين أحق بالحرج ، والزكاة حق للفقراء على الأغنياء ، أوجبه الله ورسوله (ص)رحمة ورفقا من هؤلاء بأولئك وأحسب أن من أقرب الصور لذلك ما يفعله بعض الشباب من الغرق في الديون من أجل الزواج مع أنهم في وضع يستحقون به الزكاة كما أفتى بذلك كثير من أهل العلم
يقول الشيخ محمد العثيمين: (( إن الإنسان إذا بلغ به الحد إلى الحاجة الملحة للزواج وليس عنده شيء وليس له أب ينفق عليه ويزوجه فإن له أن يأخذ من الزكاة ، ويجوز للغني أن يعطيه جميع زكاته حتى يتزوج بها ))"
وطالب الرجل من يفكر فى إقامة مشروع ألا يستدين فيدرس الأمر جيدا قبل عمله بالاستدانة فقال :
"الوصية الثالثة عشرة : دراسة الجدوى قبل الوقوع بالبلوى :
لمجرد أن فلانا من الناس نجح في مشروع تجاري تجد آخرين يجمعون الأموال من هنا وهناك ثم يتسابقون للقيام بنفس المشروع ، وغالبا ما تكون عاقبتهم الخسارة ومن ثم غرقهم في الديون ولا شك أن التوفيق بيد الله إلا أن عدم دراستهم للجدوى الاقتصادية سبب من أسباب فشلهم فينبغي النظر إلى حاجة الناس وعدد المنافسين في السوق ومناسبة الموقع ومجموع التكاليف الشهرية وهكذا أما أن يستقرض المرء ويتورط فهذا مما لا يفعله عاقل ولا يقول به من الأكياس قائل "
وقطعا السبب فى هذا العك المشروعاتى هو أن الدولة لا تقسم الوظائف ولا المرتبات بالعدل فالمفروض أن تنظم نفسها اقتصاديا تماما بحيث يكون لكل واحد وظيفة محددة وراتب عادل
وتحدث عن وجوب اهتمام المديون بسداد دينه فقال :
"الوصية الرابعة عشرة : ليكن تسديد الديون همك الأول :
إن مما يساعد على تقليل الديون بل القضاء عليها ، التخطيط لسدادها والجدولة الشهرية لذلك ، والقاعدة في هذا أن (( سدد الديون بالتقسيط ولا تستقلل المدفوع )) ، وفي ذلك فوائد منها ؛ ستحافظ على ما يتوفر بين يديك من مال لسداد الديون ، ثم إنك – إن شاء الله – ستنتهي من الديون في أقرب فرصة ، ويذهب عنك همها وغمها ومتى كان سداد الديون همك الأول استغنيت عن الكماليات والترف الزائف أو أقللت منه وفي كل خير
وقد جاء عن أبي هريرة أنه قال : قال رسول الله(ص)(( لو كان لي مثل أحد ذهبا ما يسرني أن لا يمر علي ثلاث وعندي منه شيء إلا شيء أرصده لدين ))
ويجب أن تشارك الزوجة زوجها في الضراء كما أنها تشاركه في السراء ، ولذا فإنه ينبغي على الزوج أن يخبرها بوضعه المالي وظروفه العصبية ، والزوجة العاقلة ستدرك أن عليها أن تقوم بترشيد المصروفات وتقليل الإنفاق والبذخ مراعاة لظروف زوجها ، ولو استدعى الأمر إبلاغ الأبناء الكبار بذلك فلا بأس لتجتمع الأسرة جميعا في الخروج من هذا الحرج العظيم
أخيرا ، الوصايا والنصائح في هذا الباب كثيرة فأكتفي بما ذكرت حتى لا يطول بنا المقام"
 
أعلى