رضا البطاوى
عضو ذهبي
نقد كتاب حتى لا تغرق في الديون
المؤلف عادل بن محمد آل عبد العالي وهو يدور حول نصح الناس بعدم الاستدانة إلا للضرورة وفى هذا قال عبد العالى:
"أما بعد :
راية ارتفعت على رؤوس عدد من الناس ، وظاهرة انتشرت في عدد من البيوت إنها الديون التي كبلت أيدي الكرماء ، وأخافت قلوب الأمناء داء لابد من الوقوف في وجهه قبل أن يستفحل فلا يبقي أحدا
* لقد تكاثرت الديون على الناس حتى انتهى ببعضهم الأمر إلى السجون أو إلى لجنة تبيع الممتلكات لتعيد للدائنين أموالهم أو بعضها
بل تكاثرت الديون حتى أنشئت مكاتب لتحصيل الديون من هذا وذاك ممن يماطلون أو لعجز يختفون ويتهربون
* المحاكم الشرعية تستقبل الشكاوى ، وتتابع القضايا ، والظاهرة مستمرة ، فماذا عسانا أن نفعل ؟
إن أقل ما يمكن فعله في هذا الشأن هو توعية الناس وتذكيرهم بخطورة الديون على أنفسهم حاضرا ومستقبلا ويشترك في ذلك العلماء والمصلحون من الدعاة والخطباء وأهل الخبرة ، ولعل هذه الرسالة (( حتى لا تغرق في الديون )) تفي ببعض الذكرى وقد ضمنتها وصايا عديدة اقتبستها من كلام العلماء ومجالس الفضلاء واستفادتها من تجربة المجربين وصيحات النادمين حتى لا تغرق في الديون"
الرجل لم يتناول فى كتابه أسباب الاستدانة ولا أحكامها الشرعية وإنما كل ما قام به هو النصح وقطعا السبب الرئيسى للاستدانة هو الأنظمة الحاكمة التى لا توزع المال كما أمر الله ولا توفر مرتبات أو معاشات عادلة للكل وأما السبب الثانوى فهو متعدد كمن يريد الاشتهار بين الناس بالبذخ أو يريد الحياة على جهد غيره
وأما وصايا عبد العالى فهى :
"بين يديك – أخي القارئ – أضع هذه الوصايا ، أنصح بها نفسي وأياك حتى لا نعض أصابع الندم عاجلا أو آجلا من ديون قد غرقنا فيها إلى عيون رؤوسنا أو أقل من ذلك بقليل
الوصية الأولى : استشعر الأحاديث المفزعة في عاقبة الديون :
لقد جاء في السنة النبوية أحاديث صريحة في سوء عاقبة من مات وفي ذمته دين لأحد من الناس ، ومن ذلك :
* ما رواه عبد الله بن أبي قتادة يحدث عن أبيه : أن النبي (ص)أتي برجل ليصلي عليه ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم – (( صلوا على صاحبكم ، فإن عليه دينا ))
وفي رواية : (( لعل على صاحبكم دينا )) ؟ قالوا : نعم ، ديناران فتخلف - صلى الله عليه وسلم – وقال : (( صلوا على صاحبكم ))
قال أبو قتادة : هو علي [ أي الدين الذي على الميت ]
فقال رسول الله (ص): (( بالوفاء )) فصلى عليه
* وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (( نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه ))
قال الصنعاني : (( وهذا الحديث من الدلائل على أنه لا يزال الميت مشغولا بدينه بعد موته ففيه حث على التخلص عنه قبل الموت وأنه أهم الحقوق وإذا كان هذا في الدين المأخوذ برضا صاحبه فكيف بما أخذ غصبا ونهبا وسلبا ))
* وعن عبدالله بن عمرو قال ، قال رسول الله (ص)(( يغفر للشهيد كل ذنب إلا الدين ))
* وعن أبي قتادة قال : جاء رجل إلى رسول الله فقال : (( يا رسول الله ، أرأيت إن قتلت في سبيل الله صابرا محتسبا مقبلا غير مدبر ، أيكفر الله عني خطاياي ؟ )) قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- : (( نعم )) فلما ولى الرجل ، ناداه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو أمر به ، فنودي له فقال رسول الله (ص)(( كيف قلت ؟ )) فأعاد عليه قوله ، فقال رسول الله (ص)(( نعم إلا الدين كذلك قال لي جبريل عليه السلام ))
* وعن محمد بن جحش قال : (( كنا جلوسا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرفع رأسه إلى السماء ثم وضع راحته على جبهته ، ثم قال : (( سبحان الله ماذا نزل من التشديد ؟ )) فلما كان من الغد سألته : ما هذا التشديد الذي نزل ؟ فقال : (( والذي نفسي بيده لو أن رجلا قتل في سبيل الله ثم أحيي ثم قتل ثم أحيي ثم قتل وعليه دين ما دخل الجنة حتى يقضى عنه دينه ))
وجاء في رواية أن رسول الله (ص)قال : (( إن فلانا مأسور بدينه عن الجنة فإن شئتم فافدوه وإن شئتم اسلموه إلى عذاب الله ))
إلى غير ذلك من أحاديث يتذكر المسلم معها أن الأولى به أن يعرض عن الاستدانة ما استطاع إلى ذلك سبيلا ، ويسارع لسداد ما عليه ليلقى الله سالما غير نادم "
وكل هذه الروايات لا يصح منها شىء للتالى:
الأول أنها تجعل الدين ذنب وهو ما يناقض إباحة الله للاستدانة بقوله :
إذا تداينتم بدين فاكتبوه"
الثانى أنها تظهر النبى فى مظهر الرجل ذو القلب القاسى الذى لا يصلى على المديونين مع معرفته بفقر معظم الناس وهو ا يتعارض مع وصف الله له بالرحمة واللين فى قوله:
" فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك"
وفظاظة عدم الصلاة على المسلم المديون من أعظم الفظاظات وهى القسوة القلبية
الغريب فى الأمر أن القوم يذكرون أن النبى(ص) مات وهو مديون درعه مرهون عند يهودى ومع هذا صلوا عليه كما فى التاريخ وهو أمر هو الأخر لا يصح
ثم قال :
"الوصية الثانية : لا تقترض إلا مضطرا :
* إن الواقع يشهد أن كثيرا من الناس يقترض دون اضطرار لذلك ، والرسول - صلى الله عليه وسلم - يوم أن اقترض ، اقترض طعاما احتاجه ، ورهن درعه عند المدين ليضمن براءة ذمته ، فعن عائشة رضي الله عنها (( أن النبي - صلى الله عليه وسلم - اشترى طعاما من يهودي إلى أجل ورهنه درعا من حديد ))
قال ابن المنير : (( وجه الدلالة منه أنه (ص)لو حضره الثمن ما أخره ، وكذا ثمن الطعام لو حضره لم يرتب في ذمته دينا ، لما عرف من عادته الشريفة من المبادرة إلى إخراج ما يلزم إخراجه ))
ولعل من فوائد الرهن أنه يدعو المستدين إلى أن يكون جادا في سداد دينه معجلا غير مؤجل
وما ذكر ، يدعونا للرضى بالقليل والقناعة بالموجود وعدم التكلف برفاهية زائدة أو بمظاهر زائفة ، كما قال تعالى : {ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وأبقى}
* حدثت أن عددا من الإخوان أغنياء رزقهم الله مالا وفيرا إلا واحدا منهم ، فلما قام أولئك ببناء قصور كبيرة ، سارع هذا ليلحق بصنيعهم فأغرق نفسه بالديون تكلفا ثم مرت الشهور ، وذاق مرارة الدين فأصيب بضائقة نفسية ، حتى أنه نقل عنه أنه أصبح لا يغادر بيته إلا شذرا ، يكاد أن يهلك من حسراته وندمه
وفي هذا يقول الشيخ محمد العثيمين: إني لأعجب من قوم مدينين عليهم ديون كثيرة ، ثم يذهب أحدهم يستدين ، يشتري من فلان أو فلان أثاثا للبيت زائدا عن الحاجة ، يشتري كساء أو فرشا للدرج وهو فقير عليه ديون هذا سفه ، سفه في العقل وضلال في الدين )) "
والوصية ملخصها لا دين إلا للضروريات كالأكل والعلاج
ثم قال :
"الوصية الثالثة : اتق الله قبل الدين ومعه :
* فإن العبد إذا اتقى الله وأراد أن يأخذ مالا ليرفع ضيقا عن نفسه وأهله ، وصدق العزم في رده عند تيسره لقي من الله الفرج بعد الشدة واليسر بعد العسر قال الله تعالى: { ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا}
وقال تعالى : { ومن يتق الله يجعل له مخرجا* ويرزقه من حيث لا يحتسب } وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي (ص)قال (( من أخذ أموال الناس يريد اداءها أدى الله عنه ، ومن أخذ يريد إتلافها أتلفه الله ))
قال ابن حجر : ( أتلفه الله ) ظاهره أن الإتلاف يقع له في الدنيا وذلك في معاشه أو في نفسه ، وهو علم من أعلام النبوة لما نراه بالمشاهدة ممن يتعاطى شيئا من الأمرين ، وقيل المراد بالإتلاف عذاب الآخرة ))
فمن لم يتق الله في الدين الذي عليه وماطل ، لقي من الله عنتا وتلفا والجزاء من جنس العمل ، فإن أحسن في القضاء أداه الله عنه في الدنيا قبل الآخرة قال (ص)(( ما من مسلم يدان دينا ، يعلم الله منه أنه يريد أداءه إلا أداه الله عنه في الدنيا ))
وحسب المؤمن رهبة من مماطلة الناس في أموالهم ما جاء عن صهيب الخير عن رسول الله (ص)أنه قال : (( أيما رجل يدين دينا ، وهو مجمع أن لا يوفيه إياه لقي الله سارقا )) "
فالمستدين لابد أن يكون فى نيته سداد دينه وإن كانت نيته أكل مال الناس فقد كفر واستحق النار ثم قال:
"الوصية الرابعة : الديون هم بالليل وذل بالنهار :
* إن كثيرا من الرجال أريقت مياه وجوههم واختفوا عن أعين الناس خوفا من عتاب الدائنين ، وهروبا من كلماتهم الساخنة ومن ذلك ما رواه الطحاوي عن عقبة بن عامر أن رسول الله (ص)قال : (( لا تخيفوا الأنفس بعد أمنها )) قالوا : يا رسول الله ، وما ذاك ؟ قال : (( الدين ))
لذا ، ينبغي على المرء أن يستشعر أن الدين مذلة للرجال ، كما جاء في الأثر : (( الدين هم بالليل ومذلة بالنهار )) قال القرطبي : قال علماؤنا : (( وإنما كان شينا ومذلة لما فيه من شغل القلب والبال والهم اللازم في قضائه والتذلل للغريم عند لقائه ، وتحمل منته بالتأخير إلى حين أوانه )) وقد ذكر في الأثر صور من ذلك أيضا :
* جاء أبو قتادة إلى رجل قد استدان منه دينا جاء إليه ليتقاضاه في أحد الأيام فما كان من هذا المقترض إلا أن اختفى عن ناظريه واختبأ عنه وقدر أن يخرج صبي من دار ذلك المقترض ، فسأله أبو قتادة عن أبيه ؟ فقال الصبي : هو في البيت يأكل خزيرة - نوع من الطعام – فنادى أبو قتادة بأعلى صوته : يا فلان أخرج فقد أخبرت أنك هاهنا فخرج فقال له : ما يغيبك عني ؟ قال الرجل : إني معسر وليس عندي ما أسدد به ديني فاستحلفه أبو قتادة أنه معسر فحلف الرجل على ذلك
فبكى أبو قتادة أن يصل الأمر بأخيه إلى هذه الحالة البائسة فقال بعد ذلك : سمعت رسول الله (ص)يقول : (( من نفس عن غريمه أو محا عنه كان في ظل العرش يوم القيامة ))
* حدثت أن رجلا تكاثرت عليه الديون حتى زادت على المليونين من الريالات وبالطبع تتابع الطراق عليه ، ووجهت إليه الكلمات اللاذعة حتى بلغ به الأمر أن فر من بيته وترك أهله لسنة كاملة !! فكانت المضايقات تتابع على أبنه الصغير حتى أصيب بضائقة نفسية سيئة والبقية تأتي !!- إلا أن يتداركهم الله برحمته – "
قطعا حديث أن الدين ذل وهم لا يصح فلو كان كذلك ما أباحه الله والمسلمون كما قال تعالى" رحماء بينهم"
ومن ثم فهم لا يذلون بعضهم ولا يهتمون طالما يطيعون ذكر وهو وحى الله كما قال:
" ألا بذكر الله تطمئن القلوب"
ثم قال :
"الوصية الخامسة : إياك وخداع البنوك :
* ترفع البنوك بين الحين والآخر إعلانات تتضمن التشجيع على الاقتراض ، ويزعمون أن هذه القروض تجعل حياتك أكثر رفاهية ، فما عليك إلا أن توفر الشروط وتقوم بتعبئة النموذج المعد لذلك ثم تكون النقود بين يديك لتتصرف بها بحرية كاملة وهذه البنوك إنما تشجع على الديون لأنها تتكسب من ذلك أموالا طائلة ، وبخاصة أنها إنما تقرض بفوائد ربوية تتضاعف بمرور الزمن ، وهذا الأسلوب الاستثماري
أولا : مما حرمه الله ورسوله (ص)
قال تبارك وتعالى : {يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة واتقوا الله لعلكم تفلحون}
وقال (ص): (( درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم ، أشد من ست وثلاثين زنية ))
وقد لعن (ص): آكل الربا وموكله وشاهديه وكاتبه: (( هم سواء ))
ثانيا : هذا القرض المالي الذي يفرح به المقترض لأيام معدودة يسبب له ضعفا في إيمانه ، واضطرابا في قلبه يقول عمر الأشقر : (( الربا يحدث آثارا خبيثة في نفس متعاطيه ، وتصرفاته وأعماله وهيئته ، ويرى بعض الأطباء أن الاضطراب الاقتصادي الذي يولد الجشع الذي لا تتوفر أسبابه الممكنة يسبب كثيرا من الأمراض التي تصيب القلب ، فيكون من مظاهرها ضغط الدم المستمر ، أو الذبحة الصدرية أو الجلطة الدموية ، أو النزيف في المخ ، أو الموت المفاجئ
المؤلف عادل بن محمد آل عبد العالي وهو يدور حول نصح الناس بعدم الاستدانة إلا للضرورة وفى هذا قال عبد العالى:
"أما بعد :
راية ارتفعت على رؤوس عدد من الناس ، وظاهرة انتشرت في عدد من البيوت إنها الديون التي كبلت أيدي الكرماء ، وأخافت قلوب الأمناء داء لابد من الوقوف في وجهه قبل أن يستفحل فلا يبقي أحدا
* لقد تكاثرت الديون على الناس حتى انتهى ببعضهم الأمر إلى السجون أو إلى لجنة تبيع الممتلكات لتعيد للدائنين أموالهم أو بعضها
بل تكاثرت الديون حتى أنشئت مكاتب لتحصيل الديون من هذا وذاك ممن يماطلون أو لعجز يختفون ويتهربون
* المحاكم الشرعية تستقبل الشكاوى ، وتتابع القضايا ، والظاهرة مستمرة ، فماذا عسانا أن نفعل ؟
إن أقل ما يمكن فعله في هذا الشأن هو توعية الناس وتذكيرهم بخطورة الديون على أنفسهم حاضرا ومستقبلا ويشترك في ذلك العلماء والمصلحون من الدعاة والخطباء وأهل الخبرة ، ولعل هذه الرسالة (( حتى لا تغرق في الديون )) تفي ببعض الذكرى وقد ضمنتها وصايا عديدة اقتبستها من كلام العلماء ومجالس الفضلاء واستفادتها من تجربة المجربين وصيحات النادمين حتى لا تغرق في الديون"
الرجل لم يتناول فى كتابه أسباب الاستدانة ولا أحكامها الشرعية وإنما كل ما قام به هو النصح وقطعا السبب الرئيسى للاستدانة هو الأنظمة الحاكمة التى لا توزع المال كما أمر الله ولا توفر مرتبات أو معاشات عادلة للكل وأما السبب الثانوى فهو متعدد كمن يريد الاشتهار بين الناس بالبذخ أو يريد الحياة على جهد غيره
وأما وصايا عبد العالى فهى :
"بين يديك – أخي القارئ – أضع هذه الوصايا ، أنصح بها نفسي وأياك حتى لا نعض أصابع الندم عاجلا أو آجلا من ديون قد غرقنا فيها إلى عيون رؤوسنا أو أقل من ذلك بقليل
الوصية الأولى : استشعر الأحاديث المفزعة في عاقبة الديون :
لقد جاء في السنة النبوية أحاديث صريحة في سوء عاقبة من مات وفي ذمته دين لأحد من الناس ، ومن ذلك :
* ما رواه عبد الله بن أبي قتادة يحدث عن أبيه : أن النبي (ص)أتي برجل ليصلي عليه ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم – (( صلوا على صاحبكم ، فإن عليه دينا ))
وفي رواية : (( لعل على صاحبكم دينا )) ؟ قالوا : نعم ، ديناران فتخلف - صلى الله عليه وسلم – وقال : (( صلوا على صاحبكم ))
قال أبو قتادة : هو علي [ أي الدين الذي على الميت ]
فقال رسول الله (ص): (( بالوفاء )) فصلى عليه
* وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (( نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه ))
قال الصنعاني : (( وهذا الحديث من الدلائل على أنه لا يزال الميت مشغولا بدينه بعد موته ففيه حث على التخلص عنه قبل الموت وأنه أهم الحقوق وإذا كان هذا في الدين المأخوذ برضا صاحبه فكيف بما أخذ غصبا ونهبا وسلبا ))
* وعن عبدالله بن عمرو قال ، قال رسول الله (ص)(( يغفر للشهيد كل ذنب إلا الدين ))
* وعن أبي قتادة قال : جاء رجل إلى رسول الله فقال : (( يا رسول الله ، أرأيت إن قتلت في سبيل الله صابرا محتسبا مقبلا غير مدبر ، أيكفر الله عني خطاياي ؟ )) قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- : (( نعم )) فلما ولى الرجل ، ناداه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو أمر به ، فنودي له فقال رسول الله (ص)(( كيف قلت ؟ )) فأعاد عليه قوله ، فقال رسول الله (ص)(( نعم إلا الدين كذلك قال لي جبريل عليه السلام ))
* وعن محمد بن جحش قال : (( كنا جلوسا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرفع رأسه إلى السماء ثم وضع راحته على جبهته ، ثم قال : (( سبحان الله ماذا نزل من التشديد ؟ )) فلما كان من الغد سألته : ما هذا التشديد الذي نزل ؟ فقال : (( والذي نفسي بيده لو أن رجلا قتل في سبيل الله ثم أحيي ثم قتل ثم أحيي ثم قتل وعليه دين ما دخل الجنة حتى يقضى عنه دينه ))
وجاء في رواية أن رسول الله (ص)قال : (( إن فلانا مأسور بدينه عن الجنة فإن شئتم فافدوه وإن شئتم اسلموه إلى عذاب الله ))
إلى غير ذلك من أحاديث يتذكر المسلم معها أن الأولى به أن يعرض عن الاستدانة ما استطاع إلى ذلك سبيلا ، ويسارع لسداد ما عليه ليلقى الله سالما غير نادم "
وكل هذه الروايات لا يصح منها شىء للتالى:
الأول أنها تجعل الدين ذنب وهو ما يناقض إباحة الله للاستدانة بقوله :
إذا تداينتم بدين فاكتبوه"
الثانى أنها تظهر النبى فى مظهر الرجل ذو القلب القاسى الذى لا يصلى على المديونين مع معرفته بفقر معظم الناس وهو ا يتعارض مع وصف الله له بالرحمة واللين فى قوله:
" فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك"
وفظاظة عدم الصلاة على المسلم المديون من أعظم الفظاظات وهى القسوة القلبية
الغريب فى الأمر أن القوم يذكرون أن النبى(ص) مات وهو مديون درعه مرهون عند يهودى ومع هذا صلوا عليه كما فى التاريخ وهو أمر هو الأخر لا يصح
ثم قال :
"الوصية الثانية : لا تقترض إلا مضطرا :
* إن الواقع يشهد أن كثيرا من الناس يقترض دون اضطرار لذلك ، والرسول - صلى الله عليه وسلم - يوم أن اقترض ، اقترض طعاما احتاجه ، ورهن درعه عند المدين ليضمن براءة ذمته ، فعن عائشة رضي الله عنها (( أن النبي - صلى الله عليه وسلم - اشترى طعاما من يهودي إلى أجل ورهنه درعا من حديد ))
قال ابن المنير : (( وجه الدلالة منه أنه (ص)لو حضره الثمن ما أخره ، وكذا ثمن الطعام لو حضره لم يرتب في ذمته دينا ، لما عرف من عادته الشريفة من المبادرة إلى إخراج ما يلزم إخراجه ))
ولعل من فوائد الرهن أنه يدعو المستدين إلى أن يكون جادا في سداد دينه معجلا غير مؤجل
وما ذكر ، يدعونا للرضى بالقليل والقناعة بالموجود وعدم التكلف برفاهية زائدة أو بمظاهر زائفة ، كما قال تعالى : {ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وأبقى}
* حدثت أن عددا من الإخوان أغنياء رزقهم الله مالا وفيرا إلا واحدا منهم ، فلما قام أولئك ببناء قصور كبيرة ، سارع هذا ليلحق بصنيعهم فأغرق نفسه بالديون تكلفا ثم مرت الشهور ، وذاق مرارة الدين فأصيب بضائقة نفسية ، حتى أنه نقل عنه أنه أصبح لا يغادر بيته إلا شذرا ، يكاد أن يهلك من حسراته وندمه
وفي هذا يقول الشيخ محمد العثيمين: إني لأعجب من قوم مدينين عليهم ديون كثيرة ، ثم يذهب أحدهم يستدين ، يشتري من فلان أو فلان أثاثا للبيت زائدا عن الحاجة ، يشتري كساء أو فرشا للدرج وهو فقير عليه ديون هذا سفه ، سفه في العقل وضلال في الدين )) "
والوصية ملخصها لا دين إلا للضروريات كالأكل والعلاج
ثم قال :
"الوصية الثالثة : اتق الله قبل الدين ومعه :
* فإن العبد إذا اتقى الله وأراد أن يأخذ مالا ليرفع ضيقا عن نفسه وأهله ، وصدق العزم في رده عند تيسره لقي من الله الفرج بعد الشدة واليسر بعد العسر قال الله تعالى: { ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا}
وقال تعالى : { ومن يتق الله يجعل له مخرجا* ويرزقه من حيث لا يحتسب } وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي (ص)قال (( من أخذ أموال الناس يريد اداءها أدى الله عنه ، ومن أخذ يريد إتلافها أتلفه الله ))
قال ابن حجر : ( أتلفه الله ) ظاهره أن الإتلاف يقع له في الدنيا وذلك في معاشه أو في نفسه ، وهو علم من أعلام النبوة لما نراه بالمشاهدة ممن يتعاطى شيئا من الأمرين ، وقيل المراد بالإتلاف عذاب الآخرة ))
فمن لم يتق الله في الدين الذي عليه وماطل ، لقي من الله عنتا وتلفا والجزاء من جنس العمل ، فإن أحسن في القضاء أداه الله عنه في الدنيا قبل الآخرة قال (ص)(( ما من مسلم يدان دينا ، يعلم الله منه أنه يريد أداءه إلا أداه الله عنه في الدنيا ))
وحسب المؤمن رهبة من مماطلة الناس في أموالهم ما جاء عن صهيب الخير عن رسول الله (ص)أنه قال : (( أيما رجل يدين دينا ، وهو مجمع أن لا يوفيه إياه لقي الله سارقا )) "
فالمستدين لابد أن يكون فى نيته سداد دينه وإن كانت نيته أكل مال الناس فقد كفر واستحق النار ثم قال:
"الوصية الرابعة : الديون هم بالليل وذل بالنهار :
* إن كثيرا من الرجال أريقت مياه وجوههم واختفوا عن أعين الناس خوفا من عتاب الدائنين ، وهروبا من كلماتهم الساخنة ومن ذلك ما رواه الطحاوي عن عقبة بن عامر أن رسول الله (ص)قال : (( لا تخيفوا الأنفس بعد أمنها )) قالوا : يا رسول الله ، وما ذاك ؟ قال : (( الدين ))
لذا ، ينبغي على المرء أن يستشعر أن الدين مذلة للرجال ، كما جاء في الأثر : (( الدين هم بالليل ومذلة بالنهار )) قال القرطبي : قال علماؤنا : (( وإنما كان شينا ومذلة لما فيه من شغل القلب والبال والهم اللازم في قضائه والتذلل للغريم عند لقائه ، وتحمل منته بالتأخير إلى حين أوانه )) وقد ذكر في الأثر صور من ذلك أيضا :
* جاء أبو قتادة إلى رجل قد استدان منه دينا جاء إليه ليتقاضاه في أحد الأيام فما كان من هذا المقترض إلا أن اختفى عن ناظريه واختبأ عنه وقدر أن يخرج صبي من دار ذلك المقترض ، فسأله أبو قتادة عن أبيه ؟ فقال الصبي : هو في البيت يأكل خزيرة - نوع من الطعام – فنادى أبو قتادة بأعلى صوته : يا فلان أخرج فقد أخبرت أنك هاهنا فخرج فقال له : ما يغيبك عني ؟ قال الرجل : إني معسر وليس عندي ما أسدد به ديني فاستحلفه أبو قتادة أنه معسر فحلف الرجل على ذلك
فبكى أبو قتادة أن يصل الأمر بأخيه إلى هذه الحالة البائسة فقال بعد ذلك : سمعت رسول الله (ص)يقول : (( من نفس عن غريمه أو محا عنه كان في ظل العرش يوم القيامة ))
* حدثت أن رجلا تكاثرت عليه الديون حتى زادت على المليونين من الريالات وبالطبع تتابع الطراق عليه ، ووجهت إليه الكلمات اللاذعة حتى بلغ به الأمر أن فر من بيته وترك أهله لسنة كاملة !! فكانت المضايقات تتابع على أبنه الصغير حتى أصيب بضائقة نفسية سيئة والبقية تأتي !!- إلا أن يتداركهم الله برحمته – "
قطعا حديث أن الدين ذل وهم لا يصح فلو كان كذلك ما أباحه الله والمسلمون كما قال تعالى" رحماء بينهم"
ومن ثم فهم لا يذلون بعضهم ولا يهتمون طالما يطيعون ذكر وهو وحى الله كما قال:
" ألا بذكر الله تطمئن القلوب"
ثم قال :
"الوصية الخامسة : إياك وخداع البنوك :
* ترفع البنوك بين الحين والآخر إعلانات تتضمن التشجيع على الاقتراض ، ويزعمون أن هذه القروض تجعل حياتك أكثر رفاهية ، فما عليك إلا أن توفر الشروط وتقوم بتعبئة النموذج المعد لذلك ثم تكون النقود بين يديك لتتصرف بها بحرية كاملة وهذه البنوك إنما تشجع على الديون لأنها تتكسب من ذلك أموالا طائلة ، وبخاصة أنها إنما تقرض بفوائد ربوية تتضاعف بمرور الزمن ، وهذا الأسلوب الاستثماري
أولا : مما حرمه الله ورسوله (ص)
قال تبارك وتعالى : {يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة واتقوا الله لعلكم تفلحون}
وقال (ص): (( درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم ، أشد من ست وثلاثين زنية ))
وقد لعن (ص): آكل الربا وموكله وشاهديه وكاتبه: (( هم سواء ))
ثانيا : هذا القرض المالي الذي يفرح به المقترض لأيام معدودة يسبب له ضعفا في إيمانه ، واضطرابا في قلبه يقول عمر الأشقر : (( الربا يحدث آثارا خبيثة في نفس متعاطيه ، وتصرفاته وأعماله وهيئته ، ويرى بعض الأطباء أن الاضطراب الاقتصادي الذي يولد الجشع الذي لا تتوفر أسبابه الممكنة يسبب كثيرا من الأمراض التي تصيب القلب ، فيكون من مظاهرها ضغط الدم المستمر ، أو الذبحة الصدرية أو الجلطة الدموية ، أو النزيف في المخ ، أو الموت المفاجئ