قراءة فى كتاب التفسير بالرأي

رضا البطاوى

عضو ذهبي
قراءة فى كتاب التفسير بالرأي مفهومه حكمه أنواعه
المؤلف مساعد الطيار وقد استهل البحث بتعريف الرأى وكالعادة نقل من كتب اللغة فقال :
"مفهوم الرأي:
الرأي: مصدر رأى رأيا مهموز ويجمع على آراء وأرءاء
والرأي: التفكر في مبادئ الأمور ونظر عواقبها وعلم ما تؤول إليه من الخطأ والصواب "
وعرف التفسير بالرأى فقال :
"والتفسير بالرأي: أن يعمل المفسر عقله في فهم القرآن والاستنباط منه مستخدما آلات الاجتهاد ويرد للرأي مصطلحات مرادفة في التفسير وهي: التفسير العقلي والتفسير الاجتهادي ومصدر الرأي: العقل ولذا جعل التفسير العقلي مرادفا للتفسير بالرأي والقول بالرأي: اجتهاد من القائل به ولذا جعل التفسير بالاجتهاد مرادفا للتفسير بالرأي ونتيجة الرأي: استنباط حكم أو فائدة ولذا فإن استنباطات المفسرين من قبيل القول بالرأي"
وهذا مفهوم خاطىء فكل التفاسير بالرأى حتى ما يسمى التفسير بالمنقول والسبب كونها اختيار من بين المنقول فلو أن الكاتب نقل الكل ولم يرجح كان هذا تفسيرا عبثيا لتناقض المنقولات وأما لو رجح رواية على رواية فقد قال برأيه وقد اعتبر الله الإيمان رأيا فقال:
"ويرى الذين أوتوا العلم الذى أنزل من ربك هو الحق ويهدى إلى صراط العزيز الحميد "
ومن ثم فكل التفاسير بلا استثناء تفسير بالرأى والتفسير الوحيد بالوحى هو تفسير الله تعالى
وتحدث عن أنواع الرأى فقال:
"أنواع الرأي وموقف السلف منها:
يحمل مصطلح (الرأي) حساسية خاصة تجعل بعضهم يقف منه موقف المتردد؛ ذلك أنه ورد عن السلف آثار في ذمهبيد أن المستقرئ ما ورد عنهم في هذا الباب (أي: الرأي) يجد إعمالا منهم للرأي فما موقف السلف في ذلك؟
لنعرض بعض أقوالهم في ذلك ثم نتبين موقفهم منه
أقوال في ذم الرأي:
1 - ورد عن فاروق الأمة عمر بن الخطاب قوله: (اتقوا الرأي في دينكم)
وقال: (إياكم وأصحاب الرأي؛ فإنهم أعداء السنن أعيتهم الأحاديث أن يحفظوها فقالوا برأيهم فضلوا وأضلوا)
2 - وورد عن الحسن البصري (ت: 110) قوله: (اتهموا أهواءكم ورأيكم على دين الله وانتصحوا كتاب الله على أنفسكم ودينكم) "
هذه الآراء تتنافى مع قوله تعالى عن العلماء:
"ويرى الذين أوتوا العلم الذى أنزل من ربك هو الحق "
والغريب أن من حرموا الرأى كعمر رويت عنهم روايات متناقضة تعمل بالرأى وهو ما نقله الطيار فقال :
"أقوال في إعمال الرأي:
ورد عن عمر بن الخطاب والحسن البصري - اللذين نقلت قولا لهما بذم الرأي ما يدل على إجازتهما إعمال الرأي وهذه الأقوال:
1 - أما ما ورد عن عمر فقوله لشريح - لما بعثه على قضاء الكوفة: (انظر ما تبين لك في كتاب الله؛ فلا تسأل عنه أحدا وما لم يتبين لك في كتاب الله فاتبع فيه سنة رسول الله لله وما لم يتبين لك فيه سنة فاجتهد رأيك)
2 - أما ما ورد عن الحسن فإن أبا سلمة بن عبد الرحمن سأله: أريت ما يفتى به الناس أشيء سمعته أم برأيك؟فقال الحسن: ما كل ما يفتى به الناس سمعناه ولكن راينا لهم خير من رأيهم لأنفسهم)
هذان علمان من أعلام السلف ورد عنهما قولان مختلفان في الظاهر غير أنك إذا تدبرت قولهم تبين لك أن الرأي عندهم نوعان:
* رأي مذموم وهو الذي وقع عليه نهيهم
* ورأي محمود وهو الذي عليه عملهم
وإذا لم تقل بهذا أوقعت التناقض في أقوالهم كما قال ابن عبد البر (ت: 463 هـ) - لما ذكر من حفظ عنه أنه قال وأفتى مجتهدا: (ومن أهل البصرة: الحسن وابن سيرين وقد جاء - عنهما وعن الشعبي - ذم القياس ومعناه عندنا قياس على غير أصل؛ لئلا يتناقض ما جاء عنهم) والقياس: نوع من الرأي؛ كما سيأتي"
ومن ثم فلا يوجد روايات تحرمك وتحلل سليمة لأنه ليس معقولا أن يقول الرجل الكلام ويناقضه وحدثنا الطيار عن العلوم التى يدخلها الرأى فقال:
"العلوم التي يدخلها الرأي:
يدخل الرأي في كثير من العلوم الدينية غير أنه يبرز في ثلاثة علوم وهي: علم التوحيد وعلم الفقه وعلم التفسير
أما علم التوحيد فيدخله الرأي المذموم ويسمى الرأي فيه: (هوى وبدعة) ولذا تجد في كثير من كتب السلف مصطلح: (أهل الأهواء والبدع) وهم الذين قالوا برأيهم في ذات الله – سبحانه وأما علم الفقه فيدخله الرأيان: المحمود والمذموم ويسمى الرأي فيه: (قياسا) كما يسمى رأيا ولذا تجد بعض عبارات للسلف تنهى عن القياس أو الرأي في فروع الأحكام والمراد به القياس والرأي المذموم
وأما علم التفسير فيدخله الرأيان: المحمود والمذموم ويسمى فيه: (رأيا) ولم يرد له مرادف عند السلف وإنما ورد مؤخرا مصطلح: (التفسير العقلي)وبهذا يظهر أن ما ورد من نهي السلف عن الرأي فإنه يلحق أهل الأهواء والبدع وأهل القياس الفاسد والرأي المذموم؛ إذ ليس كل قياس أو رأي فاسدا أو مذموما"
وهذا الكلام خاطىء فكما سبق القول كل شىء يدخله الرأى البشرى إلا أن يكون قولا إلهيا مفسرا فى أى علم من العلوم وتحدث عن حكم الرأى بالقول فقال :
"حكم القول بالرأي:
سيكون الحديث في حكم الرأي المتعلق بالعلوم الشرعية عموما - وإن كان يغلب عليه الرأي والقياس في الأحكام - وقد سبق أن الرأي نوعان: رأي مذموم ورأي محمود
أولا: الراي المذموم:
ورد النهي عن هذا النوع في كتاب الله - تعالى - وسنة نبيه لله كما ورد نهي السلف عنه
وحد الرأي المذموم: أن يكون قولا بغير علم وهو نوعان: علم فاسد ينشأ عنه الهوى أو علم غير تام وينشأ عنه الجهل ويكون منشؤه الجهل أو الهوى وهذا الحد مستنبط من كتاب الله وسنة رسوله لله
أما من كتاب الله فما يلي:
1 - قوله تعالى: "قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون"
2 - وقوله تعالى: "ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين إنما يامركم بالسوء والفحشاء وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون"
3 - وقوله تعالى: "ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا"
في هذه الآيات نهي وتشنيع على القول على الله بغير علم؛ ففي الآية الأولى جعله من المحرمات وفي الآية الثانية جعله من اتباع خطوات الشيطان وفي الآية الثالثة جعله منهيا عنه وفي هذا كله دليل على عدم جواز القول على الله بغير علم"
الآيات ليست فى التفسير وإنما فى الافتراء على الله وهو التقول بما لا يعلم أن الله قاله ثم واصل أدلته الواهية فقال :
"وأما في سنة الرسول (ص):
فإن من أصرح ما ورد فيها قوله: (إن الله - عز وجل - لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من الناس ولكن يقبض العلماء فيقبض العلم حتى إذا لم يترك عالما اتخذ الناس رؤساء جهالا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا) رواه البخاري في كتاب الاعتصام وترجم له بقوله: (باب ما يذكر من ذم الرأي وتكلف القياس) "
والرواية ليست فى تفسير القرآن وإنما فى الافتاء بغير علم وهو قد يكون بلا دليل من كلام الله وهو الغالب فى فتاوى الفقهاء فإنهم يلجئون للروايات المتناقضة غالبا وإلى رأيهم بالهوى ثم ذكر الأقوال المتناقضة عن عمر والحسن وغيرهم فقال:
"وأما ما ورد عن السلف فمنها:
1 - ما سبق ذكره عن عمر بن الخطاب والحسن البصري من نهيهما عن الرأي
2 - عن مسروق (ت: 63 هـ) قال: (من يرغب برأيه عن أمر الله يضل)
3 - وقال الزهري (ت: 124 هـ): (إياكم وأصحاب الرأي أعيتهم الأحاديث أن يعوها)
وممن نقل عنه ذم الرأي أو القياس ابن مسعود (ت: 33 هـ) من الصحابة وابن سيرين (ت: 110 هـ) من تابعي الكوفة وعامر الشعبي (ت: 104 هـ) من تابعي الكوفة وغيرهم "
وكل هؤلاء بشر مثلنا يقولون بلا دليل من الوحى فى الرأى وتحدث عن بعض صور الرأى المذموم فقال :
"صور الرأي المذموم:
ذكر العلماء صورا للرأي المذموم ويطغى على هذه الصور الجانب الفقهي؛ لكثرة حاجة الناس له حيث يتعلق بحياتهم ومعاملاتهم ومن هذه الصور ما يلي:
1 - القياس على غير أصل
2 - قياس الفروع على الفروع
3 - الاشتغال بالمعضلات
4 - الحكم على ما لم يقع من النوازل
5 - ترك النظر في السنن اقتصارا على الرأي والإكثار منه
6 - من عارض النص بالرأي وتكلف لرد النص بالتأويل
7 - ضروب البدع العقدية المخالفة للسنن
هذه بعض الصور التي ذكرها العلماء في الرأي المذموم وسيأتي صور أخرى تخص التفسير"
وبعد ذلك تحدث عن الرأى المحمود فقال :
"ثانيا: الرأي المحمود:
هذا النوع من الرأي هو الذي عمل به الصحابة والتابعون ومن بعدهم من علماء الأمة وحده أن يكون مستندا إلى علم وما كان كذلك فإنه خارج عن معنى الذم الذي ذكره السلف في الرأي ومن أدلة جواز إعمال الرأي المحمود ما يلي:
1 - مفهوم الآيات السابقة والحديث المذكور في أدلة النهي عن الرأي المذموم؛ لأنها كلها تدل على أن القول بغير علم لا يجوز ويفهم من ذلك أن القول بعلم يجوز
2 - فعل السلف وأقوالهم ومنها:
أ - عن عبد الرحمن بن يزيد قال: أكثر الناس على عبد الله (يعني: ابن مسعود) يسألونه فقال: أيها الناس إنه قد أتى علينا زمان نقضي ولسنا هناك فمن ابتلي بقضاء بعد اليوم فليقض بما في كتاب الله فإن أتاه ما ليس في كتاب الله - ولم يقله نبيه - فليقض بما قضى به الصالحون فإن أتاه أمر لم يقض به الصالحون - وليس في كتاب الله ولم يقل فيه نبيه - فليجتهد رأيه ولا يقول: أخاف وأرى فإن الحلال بين والحرام بين وبين ذلك أمور مشتبهات فدعوا ما يريبكم إلى ما لا يريبكم)
قال ابن عبد البر (ت: 463 هـ) معلقا على هذا القول: (هذا يوضح لك أن الاجتهاد لا يكون إلا على أصول يضاف إليها التحليل والتحريم وأنه لا يجتهد إلا عالم بها ومن أشكل عليه شيء لزمه الوقوف ولم يجز له أن يحيل على الله قولا في دينه لا نظير له من أصل ولا هو في معنى أصل وهذا لا خلاف فيه بين أئمة الأمصار قديما وحديثا؛ فتدبره)
ب - وعن الشعبي (ت: 104 هـ) قال: لما بعث عمر شريحا على قضاء الكوفة قال له: انظر ما تبين لك في كتاب الله فلا تسأل عنه أحدا وما لم يتبين لك في كتاب الله فاتبع فيه سنة رسول الله - وما لم يتبين لك فيه السنة فاجتهد رأيك)
ج - وعن مسروق (ت: 63 هـ) قال: سألت أبي بن كعب عن شيء؛ فقال: أكان هذا؟قلت: لا قال: فأجمنا (أي: اتركنا أو أرحنا) حتى يكون؛ فإذا كان اجتهدنا لك رأينا"
وما سبق هو كلام بلا دليل وهو يخالف أن الوحيد الذى يفسر أى يبين القرآن هو الله كما قال :
"إنا علينا جمعه وقرآنه فإذا قرأناه فاتبع قرآنه ثم إنا علينا بيانه"
وقال :
"إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا"
وقد نزل الله تفسيره المبين للقرآن فقال :

" ونزلنا عليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم"

البقية https://betalla.ahlamontada.com/t85901-topic#88967
 
أعلى