قراءة فى بحث إعجازية الحرف في القرآن الكريم حرف الياء

رضا البطاوى

عضو ذهبي
قراءة فى بحث إعجازية الحرف في القرآن الكريم حرف الياء
الكتاب من تأليف هيثم زينهم مرسى ولد الصقر والبحث يدور حول موضوع إعجازية كل حرف خطى فى القرآن وقد تحدث عن إعجاز الحرف فقال:
"إعجاز الحرف
ولكن الهدف من هذا البحيث إثبات نقطة مهمة أو منحي أساس من مناحي إعجاز القرآن الكريم ألا وهو الخط الذي كتب به القرآن.
إن القرآن الكريم أثبت ومازال يثبت إعجازا لايمكن أن يحيط به بشر، إن كل آية منه إعجاز بل كل كلمة بل كل حرف بل كل نقطة."
وبالقطع ما قاله الباحث هو تخريف حسب التاريخ المعروف للخط العربى الذى كتب به القرآن فأوله كان خطا غير منقوط غير مشكل فكيف يكون فى مرحلته الأولى معجز حتى فى نقطه التى لم يكن لها وجود؟
وكيف يكون مثلا الحرف معجز وهناك حروف حسب الحط الأول بلا نقط متبدلة كحروف تثبتوا وتبينوا فهناك حرفان تغيرا تماما فى النطق والرسم فى الكلمة مع أنها واحدة وحتى فيما بعد رسمت كلمة الصراط فى المصحف بالصاد وفوقها س صغيرة ومع هذا تنطق بالحرفين
وقال
"إن القرآن معجز في معناه وفي لغته ويفقد ذلك بترجمته إلي غير لغته، ليس هذا فحسب بل معجز في خطه، فأي قدر من الإعجاز يفقده القرآن الكريم إذا نقل من لغته إلي غيرها؟!"
وهذا الكلام عن الإعجاز اللغوى هو وهم كبير فالقرآن لم ينزل ليكون كتابا لغويا وإنما كتاب هدة كما قال تعالى :
"إن هذا القرآن يهدى للتى هى أقوم"
إن من اختنرعوا حكايات الاعجاز اللغوى وغيرها هم من يضلون الناس عما أراده الله فالله اراده كتابا يبين أحكامه وهم أدخلونا فى مسائل لا علاقة لها بالهداية فأبعدوا الكتاب عن أصله وفصله
وقال :
إن هذا البحث سيظهر جانبا من ذلك ويلمح إلي جانب يجب الاهتمام به كوجه إعجازي للقرآن الكريم، ولكن قبل الخوض في غمار ذلك أحب أن ألمح إلي شيء مهم وهو أن العلوم البشرية - علي الرغم مما وصلت إليه من تقدم - ما زالت عاجزة عن فهم دلالة القرآن الكريم"
وهذا الكلام عن عجز الناس عن فهم القرآن وهم لأن معناه أن رسالة الله لم تصل لعقول الناس وأن الرسول(ص) لم يبلغها فهى اتهام بالقصور فى الرسالة والرسول(ص)
وضرب لنا مثلا نحويا فى عدم فهم النحاة فقال :
"ولنضرب لذلك مثلا:
قال النحاة في تعريفهم للمبتدأ:- (المبتدأ هو الاسم العاري عن العوامل اللفظية غير الزائدة مخبرا عنه أو وصفا رافعا)
إذا المبتدأ مخبر عنه بالخبر، فهل هذا يوافق المعني في قول الحق تبارك وتعالي:- (أم علي قلوب أقفالها) فهل الإخبار عن القلوب أو عن الأقفال؟!.
انظر كيف يستعصي القرآن علي القاعدة، وانظر علي الرغم مما نحن فيه من تقدم مدي ما نخطئ في فهمه من آيات كتاب ربنا."
وكما قلت سابقا لا علاقة للقرآن بعلوم اللغة والمعنى مستعصى على النحاة كا يقولون ولكنه ليس مستعصى على من يفهمون فهو :
ان قلول الكفار عليها أكنة أى حواجز تمنعها من الإيمان وهى الشهوات التى تغلبت على العقل فحكمت النفس وجعلتها تسير على الهوى
والمؤلف بين مخالفة القرآن لبعض قواعد اللغة فقال :
"إن القضية التي سنتكلم عنها هنا في هذا البحث تكمن في أن علماء العربية وضعوا قواعدا للكتابة، من ذلك مثلا حذف ياء الفعل المعتل في حالة الجزم فيسعي يجزم فيكتب لم يسع، فما بالنا إذا وجدنا القرآن يخالف ذلك ....
وحتي لا نطيل التنظير سندع الجانب التطبيقي يثبث ما نود أن نثبثه، علي أن نخصص هذا البحث فقط لحرف واحد وهو الياء، علي أن تتوالي الأبحاث، لكل حرف بحيث مستقل، وخاصة أن النظرية في مهدها.
حرف الياء
توجد مواضع زيد فيها هذا الحرف ومواضع حذف منها علي غير عادة الكتاب، فما سر القرآن في ذلك؟
أولا: الآيات موضع الدراسة
- (فإن حآجوك فقل أسلمت وجهي لله ومن اتبعن وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما عليك البلاغ والله بصير بالعباد)
- (قال يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح فلا تسألن ما ليس لك به علم إني أعظك أن تكون من الجاهلين)
- (واذكر ربك إذا نسيت وقل عسى أن يهدين ربي لأقرب من هذا رشدا)
- (قال ذلك ما كنا نبغ فارتدا على آثارهما قصصا)
- (قال يا هارون ما منعك إذ رأيتهم ضلوا ألا تتبعن أفعصيت أمري)
- (فاصبر على ما يقولون وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ومن آناءي الليل فسبح وأطراف النهار لعلك ترضى)
- (فلما جاء سليمان قال أتمدونن بمال فما آتان الله خير مما آتاكم بل أنتم بهديتكم تفرحون)
- (وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراءي حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء إنه علي حكيم)
- (والسماء بنيناها بأييد وإنا لموسعون)
- (فستبصر ويبصرون بأييكم المفتون)
نري مدي الإختلافات بين هذا الخط المعجز وغيره، بل إن القضية تتعدي هذه المرحلة بكثير فلا تصبح مخالفة خط فقط بل مخالفة قاعدة عمل بها منذ آلاف القرون وما زال يعمل بها، فما الوجه الإعجازي في ذلك؟!
إن حل هذه القضية يستوجب علينا أن نري آيات مشابه، وسياق قرآني آخر فمن ذلك:
- (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم)
- (قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا)
- (ولقد قال لهم هارون من قبل يا قوم إنما فتنتم به وإن ربكم الرحمن فاتبعوني وأطيعوا أمري)
- (ولما توجه تلقاء مدين قال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل)
- (يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه ولكن إذا دعيتم فادخلوا فإذا طعمتم فانتشروا ولا مستانسين لحديث إن ذلكم كان يؤذي النبي فيستحيي منكم والله لا يستحيي من الحق وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا إن ذلكم كان عند الله عظيما) "
وبعد أن ذكر آيات من هنا وآيات من هنا قدم رأيه فقال :
"رأي بشري
مواضع الزيادة
الموضع الأول
- قوله تعالي: (فاصبر على ما يقولون وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ومن آناءي الليل فسبح وأطراف النهار لعلك ترضى)
والشاهد في هذه الآية لفظ (ءاناءي) الذي ورد بزيادة الياء، والمعهود عليه الحذف (أناء) فما دلالة زيادة الياء.
إن الآية تحتوي علي أمر كون مركزها وهو التسبيح، والتسبيح المطالب به في الآية ليس فقط أن يقال في لحظته سبحان الله ولكن الأمر أوسع من ذلك بكثير.
إن التسبيح شامل لأوقات كثيرة: قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ومن ءاناءي الليل وأطراف النهار.
نلاحظ مدي الاتساع الزمني للأمر فقبل طلوع الشمس وقبل غروبها وأطراف النهار أي بعض النهار وأطراف هنا جاءت جمعا لتدل علي أنه ليس وقتا واحدا من النهار ولكن أطراف متقطعة، ومن ثم فالأمر شامل للنهار كله عدا سويعات قليلة، هذه الساعات المخصصة لتحصيل الرزق.
ولكن هل الأمر خاص بالنهار، الإجابة طبعا بالنفي لأن الأمر شامل الليل أيضا، فقبل طلوع الشمس وأناء الليل.
فإذا كان الأمر شاملا النهار ومنتشرا فيه هكذا، فما بالنا بالليل، ومن المعهود أن الليل أفضل في العبادة والتسبيح من النهار، فجاءت الياء التي هي حرف مد لتدل علي المد والاتساع والطول في زمن التسبيح، وحددت أوقات النهار وفتحت ووسعت أوقات الليل وتركت علي حسب الطاقة والتحمل."
وهذا التفسير باطل فالتسبيح ليس كما يظن هيثم وهو ذكر الله وإنما معناه السجود وهما يعنيان الطاعة لله فقد فسر الله التسبيح بالسجود فقال :
"يسبح لله ما فى السموات وما فى الأرض"
وقال:
"ولله يسجد ما فى السموات وما فى الأرض"
ومن ثم التسبيح يكون شاملا للنهار والجزء الذى نصحوه من الليل والسعى على الرزق الذى ذكره جزء من التسبيح لأنه لا يوجد استثناء من شىء فى كل الآيات التى ورد فيها التسبيح مثل :
" وسبحوه بكرة وأصيلا "
ومثل:
"فأوحى إليهم أن سبحوه بكرة وعشيا"
ومن ثم لا علاقة للياء المزعومة فى الكلمة بشىء حتى تكون حرفا إعجازيا لأنها تتكرر فى جمل كثيرة داخل وخارج القرآن
وحاول الرجل أن يعلل ما قاله بقوله:
"ولكن قد يظهر سؤال واجب العناية به وهو أن الياء ليست وحدها حرف مد، فتوجد الألف وتوجد الواو، فلماذا الياء
نقول بتوفيق الله أن السياق سياق طاعة لله، سياق تقرب من عبد لمولاه ومن مخلوق لخالقه فالسياق سياق خضوع وانكسار، ألا تتفق معي أن الياء هي الوحيدة من ثلاثية حروف المد هي التي توحي بذلك.
كل هذا التسبيح يزيل ما علق بنفس الحبيب المصطفي - صلي الله عليه وسلم - من قول هؤلاء المعاندين المعارضين، وهذا إن دل علي شيء فإنما يدل علي مدي رقة الحبيب ومدي سماحته - صلي الله عليه وسلم - كذلك يدل علي غلاظتهم وعنف قولهم."
السؤال كيف اختار الرجل كلمة واحدة من عشرة أو عشرين كلمة فى ألاية لكى يدلل على أهمية الياء مع أن الكلمات ألأخرى فيها حروف مد أخرى مثلالواو فى طلوع وغروب والألف فى أطراف والنهار؟
والسؤال التالى كيف اختار حرف منن كلمة فيها خمس أو أربع حروف مع أن الكلمة لا تكون كلمة إلا مع بعضها ؟
كلام ليس عليه إجابة لأنه محاولة لاقامة بناء من غير دليل
ثم قال :
"الموضع الثاني
- قوله تعالي: (وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراءي حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء إنه علي حكيم)
والشاهد في هذه الآية لفظ (وراءي) الذي ورد بالياء والمعهود عليه حذفها (وراء) فما دلالة ذلك.
إن السياق العام للقرآن يفيد جدا في فهم هذه المسألة، ونقصد بالسياق العام فهم النصوص في ضوء بعضها البعض، وهو ما يساوي التنامي بمصطلحات علم لغة النص.
إن هذه الكلمة جاءت في موضع آخر وكتبت بدون الياء (وراء) في قول الحق تبارك وتعالي:
- (يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه ولكن إذا دعيتم فادخلوا فإذا طعمتم فانتشروا ولا مستانسين لحديث إن ذلكم كان يؤذي النبي فيستحيي منكم والله لا يستحيي من الحق وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا إن ذلكم كان عند الله عظيما)
إن المتأمل في الآيتين يجد الكلام عن حجاب (من وراءي حجاب) و (من وراء حجاب) فتزداد في حجمها علامة الاستفهام.
لكن مع زيادة التأمل نجد - فعلا- الكلام عن حجاب، ولكن علي الرغم من توحد اللفظ إلا أن المراد مختلف في الآيتين.
هل الحجاب في الآية الأولي هو نفسه الحجاب في الآية الثانية؟
إن دقيق التأمل هو الذي ينفي ذلك.
الحجاب في الآية الأولي ... الحجاب في الآية الثانية
معنوي ... مادي
لا يري بالبصر ولا يلمس باليد ... محسوس يري ويلمس
محكم قوي ... ضعيف
لا تقوي قدرة مهما كانت علي اختراقه ... يمكن ان يخترق لولا الحياء الديني
ممدود متسع ... محدود منقطع
بهذه الفروق نري الحجاب الذي زيدت في نظمه الياء هو الحجاب القوي المحكم المتسع، والياء حرف مد، تدل علي الاتساع واللانهاية، فناسبت المقام والسياق، ولكن يبقي السؤال لماذا الياء بالذات من ثلاثية حروف المد؟"
الخطأ ألأول أن الياء حرف مد، تدل علي الاتساع واللانهاية فلفظ اللانهاية لا وجود له فى كتاب الله فكل شىء له نهاية إلا الله لقوله :
" وكل شىء عنده بمقدار"
فلا يوجد شىء بلا مقدار وهو معنى اللانهاية
والخطأ الثانى المقارنة بين حجابين وهو مقارنة لا تجوز لأنها ليست فى موضوع واحد وإنما فى مواضيع مختلفة وإنما المقارنة تجاوز عندما يكون السياق واحد
ويحاول الرجل أن يقنعنا بما لا دليل عليه فيقول:
"ألا تتفق معي - أخي القاريء-أن الآية الأولي والحجاب المذكور فيها بكل خصائصه توحي بالتحدي للإنسان وتريه مدي عجزه علي الرغم مما قد يكون فيه من قدرة علي اختراق الحجب، علي العكس من الحجاب في الآية الثانية الذي يستطيع أن يزيله بأقل قدرة فيه لولا حسه الديني.
فالآية الأولي تشعر الانسان بالعجز والضعف والخضوع فناسبها حرف الياء بما فيه من دلالات تتلاقي مع هذا السياق، أما الأية الثانية فتعطي الإنسان قوة في إزالة هذا الحجاب، بل تزداد هذه القوة وتضاعف في امتناع الانسان المسلم عن إزالته مع قدرته علي ذلك، فيزيده هذا عزة، علي العكس من الآية الأولي التي يتمني الإنسان فيها أن يزال هذا الحجاب ولو برهة، ولا يحوز ذلك، بل إن القرآن ضرب لذلك مثالا في إزالة هذا الحجاب، فلو أزيل ماذا يكون الأمر.
يقول الحق تبارك وتعالي محدثا عن سيدنا موسى (ص):
(ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه قال رب أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين)
فسبحان الله العظيم."
بالقطع هذا الكلام يتغافل عن أن الكلمة ليست مكونة من حرف الياء وحده وإنما مكونة من أربعة حروف ولو حذف أى حرف منها لكانت النتيجة واحدة وهى عدم معنى مناسب لكلمة واء أو راء أو وأى .. كما تناسى أن الكلمة الواحدة ليس لها أهمية بدون اتصالها بكلمات أخرى لبيان المعنى ككل
ثم قال :
"الموضع الثالث
- قوله تعالي: (والسماء بنيناها بأييد وإنا لموسعون)
الشاهد في هذه الآية الكريمة لفظ (أييد) حيث كتبت بياءين، والمعهود عليها أحادية الياء (أيد)
فما سر ذلك؟
إن فهم هذا النظم القرآني يتأتي من وضعه بجوار نظم آخر، وهذا يسمي كما سبق أن أشارنا السياق العام أو التنامي
يقول الحق تبارك وتعالي:
- (فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون)
- (ذلك بما قدمت أيديكم وأن الله ليس بظلام للعبيد)
نلاحظ ورود اللفظ في أكثر من موضع ولكن بياء واحدة، فما السبب في ثنائيتها في هذا الموضع الوحيد بالذات.
إن المتأمل في الآيات يلاحظ الآتي:-
الآية موضع الشاهد ... الآيات الأخري
اليد منسوبة في هذه الآية إلي الخالق ... اليد يد بشر
يد معنوية ... يد حسية
يد قدرتها لا حدود لها ... قد تكون عاجزة
تعني القدرة ... مطلق اليد
فالآية موضع الشاهد مختلفة تماما عن الآيتين الأخريتين، فاليد في الآية الأولي يد حسية قدرتها ممتدة لا حدود لها متسعة في عطائها وخلقها وخاصة أن الآية تتكلم عن السماء، فناسب المعني زيادة حرف الياء الذي هو حرف من حروف المد ليدعم المعني والسياق، ويبقي السؤال لماذا الياء بالذات؟
قلنا أن الياء في المواضع السابقة جاءت لأن السياق سياق خضوع وهي مناسبة لذلك، فما وجه مناسبتها هنا؟
السياق هنا سياق خلق وقدرة، بل إنه خصص بنسبة خلق السماء الي الأييد، ومن ثم هل السماء هذه هي غاية قدرة هذه الأييد، والإجابة طبعا بالنفي، فقدرة الله أكبر من ذلك بكثير وأبعد من أن يدلل علي حدها بخلق السماء، فجاءت الياء لكي توحي بصغر وقلة هذا الشيء المخلوق بجانب قدرة الله تبارك وتعالي، بل وخضوع هذا المخلوق مباشرة لهذه القدرة الخالقة له.
يؤكد معني العظمة ومدي هول واتساع هذه القدرة أيضا صيغة الجمع التي جاء عليها اللفظ، بل إن هذا الجمع يؤكد أيضا أن المراد ليس المادية بل المعنوية، فكل إنسان له يدان، أما الله فله أييد، وليس هذا فحسب بل إن الأييد هذه ليست الواحدة منها مثل الواحدة من يدي الإنسان، فمختلفة تماما ولا وجه لمقارنة.
ولكن يوجد سؤال وهو: هل لم يذكر لفظ اليد نهائيا خاص بالله إلا في هذا الموضع؟
لقد ورد مرة ثانية في قوله سبحانه:-
- (إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما)
نلاحظ أن اليد المفردة خاصة بالله وبياء واحدة فما وجه الاختلاف؟
نلاحظ أن السياق هنا سياق مقارنة بين (يد الله) و (أيديهم)، والسياق هنا يقتضي الحذف، لماذا؟
قلنا أن زيادة ياء في لفظ اليد دل علي المغايرة والتميز، فلو وضعت هنا الياء وتميزت اليد بخصائصها- والغلبة طبعا لله- لكن لهم العذر في غلبتهم، فلا توجد كفاءة.
فجاء السياق هنا بياء واحدة في لفظ اليد ليدل علي أن الله لن يعاملهم ولن ينافسهم بمطلق قدرته فهم لا يستطيعون أن يقاوموها البتة، بل سينافسهم بقدرة تعادل قدرتهم، بل بيد واحدة مقابل أيديهم كلها والغلبة مع ذلك تكون له، بل إن السياق كله يوحي بمدي أنفة جلالته في أن ينافس مثل هؤلاء، يدعم ذلك صيغة الإفراد لجلالته (يد) مقابل صيغة الجمع لهم (أيديهم)."
الخطأ فى هذا الكلام هو استنتاج أن الله له أيدى كثيرة وهو كلام يخالف قوله تعالى :
" ليس كمثله شىء"
فاليد لا تعنى اليد العضوية وإنما تعنى القوة وهى قدرته المطلقة ولا تعنى أعضاء
ثم قال :
"الموضع الرابع
- (بأييكم المفتون)
والشاهد في هذه الآية الكريمة لفظ (أي) حيث جاء بياءين (بأييكم) والمعهود في كتابته ياء واحدة، فما السر في ذلك؟
السياق هنا سياق مقارنة وتحدي، فمن هو المفتون؟ أمحمد - صلي الله عليه وسلم - وحاش لله أن يصدق عليه هذا أو من ابتعدوا عن رسالته (فستبصر ويبصرون)
الجانب الأقوي هو جانب الرسول الأعظم، والجانب الأحقر جانبهم، وهذا واضح من مخاطبته - صلي الله عليه وسلم - بداية (فستبصر) وهم بعده (فسيبصرون) بل يتضح أكثر من ذلك في نوع الخطاب فوجه إليه - صلي الله عليه وسلم - في صيغة المخاطب (فستبصر) طمأنينة له وملاطفة لنفسه وتقوية لجانبه، وجاء عنهم الخطاب في صيغة الغائب وما توحي من دلالات التجاهل والاحتقاروالذل، وكما هو معروف أن المفتون ذليل حقير، فوضح السياق ذلك من خلال زيادة الياء التي توحي بالخضوع والانكسار، بل إن فتنتهم هذه ليست سطحية، بل فتنة عميقة ممتدة فالأمر أمر عقيدة، وفتنتهم بعقيدتهم هذه فتنة عميقة آخرها الانكسار والذل، ألا تري أنه لا يناسب هذا المعني من حروف المد إلا هذا الحرف."
بالقطع المسألة بعيدة عن حكاية الحرف فالآية تتحدث عن المفتون وهو المعذب فى الأخرة وليس عن حقارة أو غيرها
الرجل دأب فى بحثه على جعل حرف الياء هو من تدور حوله المعانى وكما سبق القول مرارا الكلمة تتكون من حروف متعددة وليس من حرف واحد والكلمة لا يظهر معناه إلا إذا اتصلت بكلمات أخرى
ثم حدثنا عن مواضع حذف الياء فقال :
"مواضع الحذف
الموضع الأول
- (فإن حآجوك فقل أسلمت وجهي لله ومن اتبعن وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما عليك البلاغ والله بصير بالعباد)
والشاهد في الآية هو حذف الياء من الفعل اتبعن، والمعهود في كتابتها اتبعني، حيث أن الياء ضمير عائد علي متكلم.
- ومثلها قول الحق: (قال يا هارون ما منعك إذ رأيتهم ضلوا ألا تتبعن أفعصيت أمري)
نجد السياق العام يشارك في حل هذه القضية أيضا، وقبل التوجيه نري بعض السياقات المشابهة.
- (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم)
- (ولقد قال لهم هارون من قبل يا قوم إنما فتنتم به وإن ربكم الرحمن فاتبعوني وأطيعوا أمري)
ثم ملاحظة أولي وهي أن السياق في الآيتين - موضعي الشاهد - سياق عقيدة ووحدانية، فالاتباع معنوي علي العكس من الاتباع في الآيتين الآخريتين فهو اتباع حسي، اتباع جوارح في صلاة وزكاة وحج ....... فحذفت الياء العائدة علي متكلم له وجود حسي لتنزع هذه الصفة من السياق فيتحول إلي اتباع معنوي، هذه هي الأولي.
أما الثانية فنلاحظ أن السياق الأول خال من ذكر الله بمعني أن الأمر منصرف كله إلي الشخص العائدة عليه الياء، في حين أن السياق الثاني يسبقه ذكر الله وإصراف الاتباع في نهاية المطاف إليه، فحذفت الياء في السياق الأول لتمنع انصراف الاتباع كلية إلي هوي المتبع، فهو وإن كان متبوعا فهو تابع لله، أما السياق الثاني فواضح فيه ذلك وأن التابع والمتبوع كلاهما تابع لله.
الموضع الثاني
- (قال يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح فلا تسألن ما ليس لك به علم إني أعظك أن تكون من الجاهلين)
والشاهد في هذه الآية لفظ (تسألن) حيث حذفت منه الياء والمعهود في كتابته (تسألني) فما السر في ذلك؟!
نلاحظ أن الآية فيها سؤال عن شيء، وهذا الشيء ليس شيئا عاديا بل إن شيء غيبي، فحذفت الياء دلالة علي ذلك، وقد وضحنا مثل هذا الأمر فيما سبق، وهذه هي الأولي.
أما الثانية فتكمن في أن الله وعد عباده الصالحين بإجابة سؤالهم (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعان)
فالله - عز وجل - هنا لن يجيب فقط، بل يستنكر علي السائل أن يسأله في مثل هذا الأمر وهو نجاة كافر، ولو كان ابنه، فلا دخل للأنساب هنا، فحذفت الياء من أجل ذلك، يساهم أيضا السياق العام بنصيب كبير في فهم هذا النظم، فمن ذلك قوله تعالي: (فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتي أحدث لك منه ذكرا) فالمسئول في هذه الآية لا يستنكر السؤال، بل يجعله مشروطا فقط، علي العكس من الآية الأولي.
الموضع الثالث
- (واذكر ربك إذا نسيت وقل عسى أن يهدين ربي لأقرب من هذا رشدا)
الشاهد في الآية هو حذف الياء من الفعل (يهدين) والمعهود في كتابته يهديني.
فهل هذا لا يوجد له نظير في القرآن
يقول المولي تبارك وتعالي: (ولما توجه تلقاء مدين قال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل)
إن المتأمل في الآيتين يلاحظ الآتي:
الآية الأولي ... الآية الثانية
الياء ضمير متكلم ... الياء ضمير متكلم
الياء عائدة علي سيدنا محمد (ص)... الياء عائدة علي سيدنا موسى (ص)
السياق سياق طلب للهداية ... السياق سياق طلب للهداية
طلب الهداية من النسيان ... طلب الهداية إلي طريق مدين نجاة من القتل
الهداية هنا هداية معنوية ... الهداية هنا هداية حسية
فحذفت الياء في الآية الأولي دلالة علي أن الهداية المقصودة في الآية هداية معنوية، ووضحنا هذا الأمر سابقا، وهذه هي الأولي
أما الثانية فسياق سيدنا موسى (ص) سياق إفراد أي أن سيدنا موسى (ص) وحده هو الذي فعل وقتل ويطلب الهداية إلي طريق مدين من ربه فهذا أمر خاص به وحده لا يوجب الاقتداء، أما الحبيب فطلبه للهداية والتذكير فواجب الاقتداء فحذفت الياء من سياق الحبيب لمنع توهم الخصوصية، ووضعت في سياق سيدنا موسى (ص) وهي عائدة عليه لتدل علي الخصوصية، وهذه هي الثانية.
أما الثالثة فالنسيان شيء معنوي داخلي لايمثل كيان الانسان بأكمله، والهداية تكون علي قدره، أما الآية الثانية فطلب الهداية طلب حسي أن يهدي الله كيانه وجسده إلي طريق مدين، فالهداية هنا حسية، ولا يتساوي الحسي بالمعنوي ومن أجل ذلك جعلت الياء مع الحسي وحذفت مع المعنوي، وهذه هي الثالثة.
أما الرابعة فالياء عائدة في الآية الأولي علي حبيبنا محمد وهو القائل عندما سئل عن سبب إرهاق نفسه في العبادة وقد غفر الله ما تقدم من ذنبه وما تأخر أفلا أكون عبدا شكورا، فحذفت الياء العائدة عليه هنا إيحاء منه (ص)بما في نفسه من عدم تميزه، فهو في العبادة والطاعة مثل الأمة بأسرها، (ص)
الموضع الرابع
- (قال ذلك ما كنا نبغ فارتدا على آثارهما قصصا)
والشاهد في الآية حذف الياء من الفعل (نبغ) والمعهود عليه (نبغي) ولا تحذف الياء منه إلا في حالة جزمه. فما السر في حذفها هنا؟!.
نلاحظ أن السياق الواردة فيه هذه الآية سياق حواري، حوار العبد الصالح مع سيدنا موسى (ص)وموضوع الحوار عبارة عن أشياء غيبية، بل إن سيدنا موسى (ص) لم يطلب مصاحبة العبد الصالح إلا طلبا لما عنده من علم امتن الله به عليه.
فحذفت الياء دلالة علي غيبية هذه الأمور، بل إن المعروف عن حرف الياء أنه حرف مد، وكما عرفنا من سياق تبرئة العبد الصالح نفسه أن ما فعله ليس بغيا، فحذفت الياء حسرا لما ظنه سيدنا موسى (ص) بغيا، فالامتداد في الصوت يعطي اليقينية والتأكيد، أما حسره فيخففه كما بينا.
الموضع الخامس
- (فلما جاء سليمان قال أتمدونن بمال فما آتان الله خير مما آتاكم بل أنتم بهديتكم تفرحون)
والشاهد في الآية هو حذف الياء من الفعلين (أتمدونن و آتان) والمعهود في كتابتهما (أتمدونني و آتاني) فما السر في ذلك؟!.
نلاحظ أن السياق هنا سياق استفهام، بل إنه ليس استفهاما عاديا بل استفهام إنكاري توبيخي، فسيدنا سليمان يستبعد نفسه عن أن يقبل مثل هذه الهدية، وما يحمله قبوله لها من معان لا يرضي بها أبدا لنفسه، إضافة إلي المعاني التي تحملها هي في ذاتها، فهو يستبعد نفسه عن كل ذلك، فحذفت الياء العائدة عليه موحية بذلك وعن مدي استنكاره الشديد.
أما الفعل آتان فوجه الحذف فيه استبعاد سيدنا سليمان نفسه عن الفردية، فالله – عز وجل - أعطاه، فهذا لا يعني أنه الوحيد والمميز، بل قد يوجد من هو أفضل منه في الطاعة ومن ثم أفضل منه في هبة الله – عز وجل له - بل إن المعني قد يتعدي أكثر من ذلك بكثير، فالسياق سياق مقارنة بين عطائهم له وعطاء الله له فعطائهم زائل ومن ثم سيكون خاص به هو فقط، أما عطاء الله فهو عطاء باق حكم وملك، فمن الممكن أن يورث فلا يقتصر عليه هو فقط.
وبهذا نكون قد وصلنا إلي نهاية بحثنا هذا الذي دللنا من خلاله أن لكل حرف من القرآن إعجازه الخاص به، بالإضافة إلي إعجازه في نظمه"
كما سبق القول حرف واحده سواء ذكر أو حذف لا يؤثر فى المعنى الذى قاله الله طالما فهمه السامع أو القارىء فهو لا يزيدنا معانى ولا ينقصنى معانى فكل الناس يعرفون أن تتبعن تعنى تتبعنى وأن تسألن تعنى تسألنى وهكذا
بل إن الحذف الذى يتحدث عنه لو تحدثنا عنه من جانب أخر فسيكون اتهام لكتاب الله بالنقص وأنه خالف الكتابة الصحيحة وغير هذا من المشاكل التى يثيرها الحذف الكتابى وهى مسائل طالما جعلها الكفار شبهات واتهامات تكال لكتاب الله
 
أعلى