**مقتطفات ((من دراستنا نحو نظام اقتصادى قائم على العدل)): تجارب العالم (التجربةالسوفيتية):

**مقتطفات عن تجارب العالم (التجربةالسوفيتية)
**************************************************
((من دراستنا نحو نظام اقتصادى قائم على العدل))
*********************************************
(سقوط الأصنام الثلاثة: الرأسمالية- الشيزعية-الإشتراكية)
**إعداد وتحليل وإستخلاص:ناجى عبد السلام السنباطى
**تجارب الواقع
*****************
**تعرض الدراسة لترقيعات الرأسمالية ولترقيعات الشيوعية وفروعها
وبمناسبة انغماس روسيا فى حربها مع اوكرانيا والغرب وبمناسبة زيارة الرئيس الصينى للمنطقة ساعرض عليكم تجارب شيوعية واهمها التجربة الصينية
ونظرا لأن الدراسة لم تنشر فطبقا لمفاهيم البحث العلمى وحقوق الملكية الفكرية فحقوقى محفوظة كمعد للدراسة ومحلل لها ومستخلص لما يفيد البشرية ومبثوث آرائى فى كل عنصر من عناصرها
**ترقيعات النظام الشيوعى:
**********************
**المعروف أن الترقيع يترك الثوب مع مرور الزمن ثوبا مرقعا باليا إذ كلما رقعت ثقوبا به سرعان مايحتاج الى ترقيع جديد بينما الثوب لم يعد صالحا للملبس فضلا عن شكله المشوه المملوء بالرقع والحال ينطبق على النظام الشيوعى بدرجاته المختلفة وعلى النظام الرأسمالى وقد بدأنا فى الدراسة التى لم تنشر وإنما أ نشر منها بين الحين والآخر مقتطفات منها ونتحدث عن ثوب النظام الشيوعى .. ويبدو ان الترزى الصينى رقع الثوب بذكاء يحسب له بينما الترزى السوفيتى فشل فى الترقيع فذاب الثوب بين أيديه وأصبح غير صالح بالمرة
**وقد سجلنا بالدراسة التجربة المصرية بمميزاتها وعيوبها كما عرضنا بالدراسة للرؤية الإسلامية المتوازنة ولتجارب أخرى بالعالم
** وعن تجربة الترقيع الشيوعى نكتب:
**********************************
**تعد أهم تجربتين فى مجال ترقيعات الشيوعية هى تجربة البروستيركا والجلاندونست فى الإتحاد السوفيتى جورباتشوف
والتجربة الثانية هى تجربة الصين وكانت أكثر نجاحا من تجربة السوفيت
ونتحدث اليوم عن التجربة السوفيتية مع وعد بالحديث عن التجلابة الصينية وعن التجربة المصرية او بمعنى دقيق التجربة الناصرية مع وعد ايضا بالخديث عن الرؤية الاسلامية وعن باقى التجارب وكل الدراسة وفروعها موثقة
((والحقوق محفوظة لمعد الدراسة فقد أخذت منى وقتا وجهدا وبحثا وتحليلا ورؤية لى في كل هذا طوال سنوات طوال))
التجربةالسوفيتية
*****************
*البروستريكا والجلاندونست اعادة البناء والعلانية فى الاتحاد السوفيتى
*****************
******************************************
الجلاسنوست والبريسترويكا أو بالعربية.. المصارحة وإعادة البناء"، مصطلحان ظهرا فى ثمانينات القرن الفائت، على يد الرئيس السوفيتى "ميخائيل جورباتشوف"، وسواء أكانت الغاية وراءهما إدارة حملة لتغيير واقع الامبراطورية السوفيتية المتهالكة. أو استعادة حيويتها فى مواجهة المارد الأمريكى ومن ورائه حلف شمال الأطلنطى "الناتو".
وبغض النظر عما قيل وتردد من أن للمخابرات المركزية دورا كبيرا فيما بعد.. إلا أن العام 1989، شهد فعليا زوال نظام القطبين فى العالم. إذ شكلّت حادثة سقوط جدار برلين فى ذلك العام، الخط الفاصل بين نظام ثنائى القطبين يحكمان العالم ويعملان على توزان القوى ويحدّ كل من تغوّل الآخر.
عجّل سقوط حائط برلين بسقوط الاتحاد السوفيتى نفسه وتفكك امبراطوريته لدويلات وجمهوريات عدة، وإغراقه فى حرب شرسة ممتدة المفعول والتأثير فى أفغانستان والشيشان، عالم من الفوضى الخلاّقة أحكمت فيه الولايات المتحدة قبضتها وقوتها على العالم وعملت على تشكيل خريطته وفقا لرؤاها ومصالحها فقط.
خمسة وعشرون عاما من الفوضى والقطب الواحد يحكمان العالم، اختفت بلدان بكاملها من على الخريطة السياسية العالمية بفعل التفكك وتفتت أخرى بفعل نيران داخلية استعرت أواصرها بفعل أيد خارجية لا تخفى على الأريب، ولأن دوام الحال من المحال، كان لابد أن يتوازن العالم من جديد وأن يسير نحو قطبية ثنائية جديدة.
اليوم العالم على أعتاب تجمع قوى جديد مشكّلا فيما بينهم قطب مناوئ وقوى ضد أمريكا. الشواهد تشير إلى هذا، والأدلة تؤكد أن مصر لا تزال هى بوابة الشرق الأوسط والمدخل الطبيعى للمياه الدافئة لإعادة صياغة خريطة العالم من جديد وفق رؤية قطبية ثنائية مناوئة ومقلّصة للنفوذ الأمريكى.
لعل الخطيئة القاتلة التى وقعت فيها أمريكا، أنها دعمت بعض الجماعات لإقصاء نظام مبارك من المشهد السياسى المصرى. فلم يكن ذلك النظام يمتلك قدرة على تغيير المنظور السياسى بل كان منهجه بقاء الوضع على ما هو عليه، وفق نظرية تأثير الفراشة والفوضى الخلاقة.. فدعم فصيل دينى سياسى فى مرحلة ما، لعب دورا كبيرا فى الإسراع بإنهاء حالة القطبية الأحادية التى سيطرت على العالم طوال ربع قرن كاملة.
*****************************
جورباتشوف
تولي يوري اندروبوف الزعامة بعد وفاة بريجينيف. وبوصفه رئيسا للكي. جي. بي)المخابرات االسوفيتية )
* فقد كان من الممكن توقع أن يكون محافظا في منهجه. ولكن في الدولة الشمولية كثيرا ما يكون البوليس السري هو الجهة الأكثر دراية بالمزاج الحقيقي لجماهير الشعب: فلديهم شبكة من المخبرين الذين يقدمون التقارير عما يقوله جيرانهم حقا،
* في حين أن أعضاء حزب النظام لا يضمنون تقاريرهم إلا ما يريد قادتهم سماعه. هكذا فقد كان أندروبوف ملما بالتهكم والفساد وعمق الاغتراب الشعبي. كما أنه كان أيضا سفيرا لروسيا في المجر عام 1956 وتعلم مدى السرعة التي يمكن بها لمثل هذه العناصر أن تشعل تمردا شعبيا
** وهو درس عززه الصعود المفاجئ لحركة التضامن في بولندا في عام 198. لقد سار على طريق الإصلاح، كما فعل خروتشوف قبل 3 عاما، لكي يقلل هذه المخاطر على الحكم البيروقراطي.
عاش اندروبوف لمدة 14 شهرا أخري فقط، وكانت القوى المحافظة -قوى بريجينيف- لا تزال قوية عند وفاته بما يكفي لضمان تولي أحدهم، تشيرنينكو المسن، للحكم. ولكن أندروبوف قد نجح في تحويل ميزان القوى بعض الشيء. وعندما مات تشيرنينكو بدوره بعد 13 شهرا وهو في منصبه، تم تعيين ميخائيل جورباتشوف سكرتيرا عاما.
* في هذه الأثناء، استمر الركود الاقتصادي: كان إنتاج سلسلة كاملة من السلع، من الصلب إلى الأسمدة أقل فعليا مما كان عليه في العام الماضي. ولم يكن بوسع الزعيم الجديد تجنب القفز إلى الوراء فوق سنوات بريجينيف إلى الحديث عن الإصلاح والتغيير الذي كان قد دفن مع عزل خروتشوف.
ابتدع جورباتشوف شعاري البيروسترويكا (إعادة البناء) والجلاسنوست (المكاشفة). وتحدث عن الحاجة إلى "ثورة سلمية". وشجع الاقتصاديين ذوي الميول الإصلاحية إلى إبراز الأخطاء في تنظيم الصناعة والزراعة. كما تحدث عن الحاجة لاستبدال القادة المحليين الفاسدين والمديرين غير الأكفاء.
* وقد أفضى الحديث عن الإصلاح الاقتصادي إلى الحديث عن الإصلاح السياسي. فقد تمت مصالحة مع أشهر المنشقين، سخاروف، الذي سمح له بالعودة إلى موسكو من منفاه في جوركي. كما تجدد النقد لستالين وأعيد اعتبار القادة البلاشفة الذين اعدمهم وخاصة بوخارين.
* وكان هناك تسامح إزاء مجموعات النقاش غير الرسمية المستقلة. كما حدث تغيير في النظام الانتخابي يسمح بوجود أكثر من مرشح في بعض الحالات. وجرى حديث حول السماح بالاقتراع السري في الانتخابات الحزبية الداخلية. بل وكان هناك وعد انتخاب مديري المصانع بواسطة القوى العاملة.
* دفع كل ذلك الكثير من الناس في اليسار إلى تكوين نفس نوع الثقة في الحماس الإصلاحي لجورباتشوف الذي كان أشخاص مثل دويتشر قد أظهروها تجاه خروتشوف قبل ثلاثين سنة. ولكن، مثل خروتشوف، تراجع جورباتشوف عن الإصلاح الراديكالي الوارد في بعض كلماته. فإصلاحه الاقتصادي، مثل خروتشوف، يعنى العصاة والجزرة معا.
*لقد أشار جورباتشوف بحماس للحركة الستاخانوفية في الثلاثينات والأربعينات كنموذج ينبغي الاهتداء به.
وقد ذكر في اجتماع في خاباروسك:
* "إن الشيء الأساسي الذي نحتاج إليه الآن، وأنا أقوله لكم وأطلبه منكم، هو: العمل العمل العمل !"
* وكان أول إجراء رئيسي اتخذه في مجال التعامل مع عدم الكفاءة الاقتصادية هو منع العمال من تناسي أحزانهم، فقد أصدر مرسوما يحد من بيع الكحول ويرفع سعره بنسبة 3%. وبالفعل، بالنسبة لعدد كبير من العمال كانت كفة العصا ترجح كثيرا على الجزرة:
* فحين طبق الإصلاح على مستوى الوحدة الإنتاجية، أدى إلى تخفيضات في الأجور - والى إضرابات، كما في توقف الترام في تشيخوف. (54) وما وصفته إزفستيا بأنه مظاهرة وحشية في مصنع شاحنات نهر كاما.
* اعترف جورباتشوف نفسه بوقوع عدة حالات "توقف عن العمل" بسبب إجراءات الرقابة على الجودة التي خفضت مكافآت العمال.
لم تسفر وعود الجلاسنوست عن حتى الديمقراطية المحدودة جدا المعروفة في الدول الغربية المتقدمة.
* كان هناك اختيار المرشحين في انتخابات عام 1987 - ولكن في 5% فقط من الدوائر، وحتى في هذه لم يسمح بالحملات الانتخابية المفتوحة للدعاية للسياسات المختلفة.
* إن القواعد الخاصة بانتخابات المديرين قد أوضحت أن العمال لن تكون لهم سيطرة حقيقية، حيث لا يحدد العمال أنفسهم من على قائمة المرشحين النهائية سيتم التصويت له. على المرشح الناجح أن يحصل على موافقة الجهاز الأعلى المسئول عن الوحدة الإنتاجية.
* كما أن التصويت لا يقوم به العمال فقط وإنما كل الموظفين (بما في ذلك المديرين والمشرفين والملاحظين). وأخيرا ففي الانتخابات التي جرت حتى الآن لم يسمح للعمال بالقيام بحملات لصالح أو ضد مرشح محدد (كما شكي العمال في مصنع سيارات راف في لاتفيا عام 1987).
* من السهل أن نرى كيف انه، في مثل هذه الظروف، ستستطيع المجموعة الوحيدة المسموح لها بإجراء الحملات داخل الوحدة الإنتاجية، أي خلية الحزب، أن تحدد من يفوز وتظهر الإحصائيات أن 7ر16% فقط من أولئك الذين يحتلون مواقع رئيسية في خلايا الحزب المحلية من العمال.
* إلى جانب الانتخاب المزعوم للمديرين، تم تكوين مجالس منتخبة للوحدات الإنتاجية، ولكن مرة أخرى، أوضحت قواعد الانتخاب إن هذا ليس مثالا للديمقراطية العمالية الحقيقية. ذلك أن "مجال السلطة الأساسي" للمجالس هو مراقبة أداء العمال وتعزيز إنتاجية الوحدة الإنتاجية.
* يركز المجلس اهتمامه الأساسي على تطوير مبادرة الشعب العامل، وعلى إسهام كل عامل في القضية المشتركة، كما يطبق الضوابط الكفيلة بتحقيق أعلى مستوى من النتائج المستهدفة... وجنى الإيرادات الجماعية المجدية من الناحية الاقتصادية.
* كانت الحملات الانتخابية الأولى قائمة بالكامل على سجلات المرشحين في تعزيز الكفاءة والإنتاجية وولائهم "لقواعد القانون والأخلاق الاشتراكية". (61) من الواضح أن هذه الهيئات اقرب كثيرا إلى دوائر مراقبة الجودة منها إلى المجالس الحقيقية للمصانع.
وإذا كانت هناك أية شكوك حول هذا الأمر، فان المادة 6 من القانون الجديد تقول صراحة أن جهاز الحزب "يشرف على عمل تنظيم الإدارة الذاتية الجماعية".
* ويظهر نفس الجمع بين الحديث عن الإصلاح والسيطرة الحقيقية من أعلى عند تناول مسألة القوميات. حيث اعتبرت الكثير من المجموعات العرقية المضطهدة
** التي تشكل أكثر من نصف سكان الاتحاد السوفيتي أن الجلاسنوست تعني انهـم يستطيعون لأول مرة خلال سبعين عاما أن يتحدثوا عن التمييز الذي يعانونه. ففي عام 1987 كانت هناك مظاهرات في جمهوريات البلطيق وأخرى قام بها تتار القرم.
وشهد شهر فبراير من عام 1988 مظاهرة لمليون شخص في العاصمة الأرمينية.
** ومع ذلك فان الإجراءات التي اتخذتها حكومة جورباتشوف كانت بناء على توجيهات مركزية من موسكو بدلا من الاعتماد على المبادرة المحلية. في نهاية عام 1986 فرض شخص روسي على جمهورية كازاخستان الآسيوية كسكرتير أول بدلا من زعيم محلي ادعي أنه فاسد
** وتدفقت آلاف عديدة من الكازاخ إلى "الما آتا" واشتبكوا مع البوليس إعرابا عن احتجاجهم. كما أدار النظام ظهره للاحتجاجات في جمهوريات البلطيق وتلك التي قام بها التتار.
** وعندما التقى جورباتشوف بوفد منتخب من المظاهرة الجماهيرية للأرمن، اخبرهم انه سيكون عليهم الانتظار لبضع سنوات قبل التخلص من آلامهم. وكما في حالة خروتشوف قبل ثلاثين سنة، فان وعد جورباتشوف بالإصلاح يناقضه اندفاعه لجعل الصناعة الروسية أكثر كفاءة - وهذا يعني توجيها مركزيا، وليس محليا، للموارد.
* مرة أخرى مثل خروتشوف، تميزت فترة حكم جورباتشوف بالتقلبات المفاجئة. ففي الفترة بين عامي 1984 و 1986، تحدث عن الإصلاح
* ولكنه ركز أساسا على تغيير الأشخاص، بحيث يستبدل أنصار بريجينيف برجاله هو. ثم بدأ خلال الشهور العشر الأولى من عام 1987 يدعو للتغيير السريع في سلسلة من الخطب وفي كتابه البيروسترويكا. ولكن في أكتوبر من ذلك العام حدث تراجع مفاجئ إلى أساليب اقدم.
* في طليعة حملة المطالبة بالإصلاح كان بوريس يلتسين، زعيم التنظيم الحزبي في موسكو الذي عيّن مؤخرا. قد افتتح جلسة أكتوبر للجنة المركزية بخطبة يبدو أنها تضمنت هجوما شديدا على أولئك الذين يعرقلون البيروسترويكا (لا نعرف المضمون الدقيق لخطبته، حيث أن الجلاسنوست لا تصل إلى مستوى المصارحة حول مثل هذه الإجراءات). تلا ذلك الهجوم عليه من جانب ما لا يقل عن 26 متحدثا، ثم مرر الاجتماع بالإجماع قرارا "يعتبر كلمته خطأ سياسيا". تم إطلاع الصحافة الأجنبية على النقاشات الدائرة، ولكن ليس شعب الاتحاد السوفيتي.
** كان أول شيء يسمعه الشعب رسميا بعد ثلاثة أسابيع من ذلك، عندما صوت اجتماع خاص لحزب مدينة موسكو لصالح طرد يلستين. كان الذي حدد لهجة الاجتماع هو جورباتشوف نفسه، الذي زعم أن يلتسين "تبنى منذ البداية مقولات ووعود طنانة غذاها إلى حد كبير طموحه المفرط وغرامه بالبقاء في الأضواء". لم تكن اللغة مختلفة كثيرا عن تلك التي استخدمها ستالين ضد خصومه في أواخر العشرينات وأوائل الثلاثينات (قبل أن يتحول إلى تسميتهم بعملاء الإمبريالية).
** وقد كشف رد فعل يلتسين عن النطاق المحدود جدا للجدل المفتوح لدى القيادة التي تستلهم الجلاسنوست، وبدلا من أن يدافع عن نفسه رد يلتسين باعتراف كان يمكن أيضا أن يصدر عن عهد ستالين:
**لابد أن أقول أنني لا أستطيع تفنيد هذا النقد... إنني مذنب جدا أمام التنظيم الحزبي لمدينة موسكو، إنني مذنب جدا أمام اللجنة الحزبية للمدينة، وأمام المكتب السياسي، و، بالطبع، أمام ميخائيل جورباتشوف صاحب المكانة العظيمة في تنظيمنا، في بلدنا، وعلى امتداد العالم.
*** لم تكن مسألة يلتسين حدثا معزولا. لقد شكلت ما يشبه نقطة التحول في الاندفاع نحو الجلاسنوست. يظهر هذا من خلال تحول في منهج جورباتشوف ذاته. قبل مسألة يلتسين، في صيف عام 1987، كتب كتابه البيروسترويكا، الذي يطالب بالإصلاح الراديكالي. وبعد الهجوم على يلتسين في اللجنة المركزية ألقى خطابا في الذكرى السبعين لثورة أكتوبر، كان من المتوقع على نطاق واسع أن يدعو هذا الخطاب للإسراع بالبيروسترويكا والجلاسنوست. ولكنه بدلا من ذلك ركز بنفس المقدار على "مخاطر" " السير السريع جدا" ومخاطر مقاومة البيروسترويكا.
** إن مثل هذه الانتكاسات المفاجئة في السياسة ليست أمرا عرضيا. فالركود في الاقتصاد الروسي يولد ضغوطا من أجل الإصلاح، ولكن هذه الضغوط تواجه عقبات هائلة داخل البيروقراطية نفسها. والأمر ليس فقط أن ملايين من البيروقراطيين الأفراد ملتزمون بالطرق القديمة لتنظيم الأمور
**، أنها أيضا خوف البيروقراطية كلها من أن يؤدي الجدل المرير فيما بينها إلى فتح ثغرة أمام الملايين من أفراد الشعب تحتها، يستطيعون من خلالها اتخاذ خطوات في سبيل تحقيق مصالحهم الخاصة.
*** كانت بالتحديد شقاقات كهذه داخل البيروقراطية هي التي مهدت الأرض
* لانتفاضة ألمانيا الشرقية في عام 1953
* وانتفاضة بوزنان في يونيو 1956،
* ثورة أكتوبر - نوفمبر 1956 المجرية،
* وأحداث 1968 في تشيكوسلوفاكيا. (63)
* في كل حدث، فان ما بدأ كجدالات في أقسام مختلفة من البيروقراطية شل جزئيا آلة القمع وسمح للطلبة والمثقفين وأخيرا العمال بالتحرك.
كانت الإشارات الأولى لتحركات كهذه قد ظهرت بالفعل كنتاج للجدالات على الجلاسنوست.
**كان هناك:
* الصدام بين المتظاهرين والبوليس في "الما آتا" في عام 1986
* والمظاهرات القومية في دول البلطيق في عام 1987،
* والمظاهرة الضخمة في أرمينيا في أواخر فبراير 1988
* وخارج الاتحاد السوفيتي نفسه، في دائرة نفوذه في أوروبا الشرقية،
* كانت هناك مؤشرات إلى أن الأمور قد تخرج تماما عن السيطرة،
* مع حدوث إضرابات ومظاهرات المجر،
* وشبه انتفاضة في مدينة براسوف الرومانية، واستمرار السخط في بولندا وتشيكوسلوفاكيا.
وأكثر من ذلك، فان أولئك الذين يقاومون الإصلاح لديهم حجة قوية جدا
* ليس بديهيا بأي حال أن الإصلاح الاقتصادي سيحل مشاكل الاقتصاد. في بلدين من أوروبا الشرقية، المجر ويوغسلافيا،
*أجريت إصلاحات واسعة النطاق في اتجاه ما يسمى أحيانا اشتراكية السوق، ولبعض الوقت حظيت هذه الإصلاحات بمديح هائل في الإعلام الغربي. ومع ذلك فان الاقتصاديين المجري واليوغسلافي اليوم ليسا أحسن حالا من الاقتصاد الروسي، يعاني الاثنان من الركود الصناعي ومعدلات تضخم عالية، وديون أجنبية كبيرة، ويسعى الاثنان لفرض تخفيضات في الأجور والعمالة على عمالهما، مما يخلق سخطا متزايدا أدى، في حالة يوغسلافيا، إلى موجة ضخمة من الإضرابات في عام 1987.
المقصود هو أن الإصلاحات لا تستطيع التعامل مع السبب الجذري للإخفاقات الاقتصادية للاتحاد السوفيتي. يكمن هذا، كما ذكر كليف قبل أربعين عاما في الطريقة التي تخضع بها البيروقراطية الحاكمة الاقتصاد كله للتنافس العسكري والاقتصادي مع الغرب (و، اليوم، مع الصين).
** يفرض هذا مستوى تراكم لا تستطيع الموارد تحمله. كما انه يدفع جماهير السكان - العمال والمزارعين في المزارع الجماعية - إلى اغتراب عميق عن عملهم بالدرجة التي تجعلهم لا يهتمون بنوعية إنتاجهم.
الأخطاء التي يركز عليها المصلحون الاقتصاديون -:
** التبديد، الطابع الرديء لسلع كثيرة،
* عدم عناية العمال بعملهم،
* المشاريع العملاقة التي تتعرض للصدأ من عدم الاستعمال
*- لها جميعا نظائر في المؤسسات العملاقة للرأسمالية الغربية. كارثة المفاعل النووي في تشيرنوبل يقابلها جزيرة ثري مايل في الولايات المتحدة، وقبل ذلك حادث وينسكيل في بريطانيا في عام 1957. الفاقد في الاقتصاد الروسي تقابله مصانع الصلب والكيماويات الحديثة العاطلة المنتشرة على امتداد أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية، ضحايا السوق الذي يراه كثير جدا من المصلحين كإنقاذ لروسيا.
ربما تعاني روسيا من رداءة الإنتاج. ولكن هذا هو أيضا حال صناعات كاملة في الغرب - انظر تجربة بلاد مثل بريطانيا حيث انتج انتعاش البناء في أواخر الستينات وأوائل السبعينات مئات الآلاف من الشقق والمنازل التي كانت من الناحية الفعلية غير صالحة للسكن الآدمي بعد اقل من 15 سنة.
*إذا كان البيروقراطيون الروس يحاولون رمى سلع رديئة النوعية على جمهور غير مشكك، فهذا ما فعله الباعة الغربيون الذي قدموا أدوية "ثاليدومان" "أوبرين"، والذين حثوا النساء على استخدام الواقي "دلكن"، والذين أغروا الناس باستخدام معدية "هيرالد أوف فرى انتربرايز".
** وبدلا من أن يعاقب السوق الشركات العملاقة المعنية، فانه كثيرا ما سمح لها بحصد مكاسب هائلة. وحتى الشركات عديمة الكفاءة بالمعايير النقدية الضيقة نادرا ما تدفع إلى الإفلاس الصريح في ظل ظروف الرأسمالية الغربية الحديثة:
** تتحرك الدولة لإنقاذهم كما فعلت مع كرايسلر في الولايات المتحدة وإيه اي جيه في ألمانيا الغربية، وماسي فيرجسون في كندا وبريطانيا.
**إن وحدات الرأسمالية الحديثة ضخمة جدا بحيث يكون الخراب الماثل في حالة ترك كل شيء للعب قوى السوق الحر عظيم جدا حتى بالنسبة لأكثر الحكومات ميلا للسوق، مثل حكومة تاتشر في بريطانيا وحكومة ريجان في الولايات المتحدة.
ونتيجة لذلك فان مقاييس عدم الكفاءة الداخلية للشركات (والتي اسماها أحد الاقتصاديين "س - عدم كفاءة") تشير إلى أن كثيرا من الشركات يمكن أن تعمل بضعف إنتاجيتها الحالية.
يبلغ الاقتصاد الروسي نصف حجم منافسه الأساسي، الولايات المتحدة. وهو لا يتحمل أن يعمل بوحدات إنتاجية اصغر من منافسه، هكذا فان تركيز الإنتاج أعلى نسبيا، وتأثير حالات معينة من عدم الكفاءة والتبديد أكبر نسبيا. ولا يستطيع حكام روسيا بالطبع أن يتعاملوا مع هذه الحالات ببساطة باستخدام السوق لدفع وحدات رئيسية خارج مجال العمل، حيث أن الخراب الناتج سيكون اكبر كثيرا منه في الولايات المتحدة.
القيادة الروسية اليوم واقعة في ورطة كبيرة. إنها لا تجرؤ على ترك الأشياء كما هي لوقت أطول. إنها تخشى أن يؤدي الركود الاقتصادي فجأة، إلى نفس نوع التمرد الشعبي الذي خلق حركة التضامن في بولندا عام 198. ومع ذلك فهي تخشى أن تدفع الإصلاح للأمام باتساق ولا تعرف حتى إذا كان الإصلاح سينجح أم لا. إنها تتأرجح بين سياسة وأخرى، ويصحب ذلك مشاحنات مريرة داخل البيروقراطية. هذه النزاعات تجعل من الصعب على البيروقراطية أن تفرض إرادتها على باقي السكان.
** تلك كانت المكونات التي فتحت الطريق لأحداث ألمانيا الشرقية في عام 1953، والمجر عام 1956، وتشيكوسلوفاكيا عام 1968.
كتب ماركس في عام 1859 أنه "بعد أن كانت أشكالا لتطور القوى الإنتاجية، فأن علاقات الإنتاج القائمة تتحول إلى قيود. ثم يبدأ عهد ثورة اجتماعية". من الواضح تماما إن علاقات الإنتاج التي خلقتها البيروقراطية الستالينية أصبحت قيودا من هذا النوع.
*يمكن جدا لروسيا أن تكون في طريقها إلى "عهد جديد للثورة الاجتماعية".
لقد حذر ماركس انه من المستحيل "تحديد الأشكال القانونية أو السياسية أو الدينية أو الجمالية أو الفلسفية - باختصار، الأيديولوجية :
** التي يصبح بها الناس واعين للصراع ثم يخوضون الحرب ضده". إننا قطعا لا نستطيع التنبؤ بالسرعة التي ستتطور بها الفترة الجديدة في روسيا ولا بالتكوينات السياسية والأيديولوجية التي ستبرز. ما نستطيع أن نقوله بيقين، مع ذلك، هو أن البيروقراطية تواجه فترة أزمة خطيرة جدا. شهدت هذه الأزمة بالفعل اكبر مظاهرات قومية منذ العشرينات وانتشار للأفكار الإصلاحية. ينتظر أن يلي ذلك صراعات الطبقة العاملة. ولكن لكي يفرض العمال حلهم للازمة فانهم سيحتاجون لفهم واضح لطبيعة النظام ودينامياته - فهم يمكن فقط أن يأتي من نظرية رأسمالية الدولة مثل تلك التي طورها توني كليف قبل أربعين عاما
************************
هوامش ومراجع التجربة السوفيتية
******************************
**صحافة المواطن /كتب محمود حمدون: المصارحة وإعادة البناء
اليوم السابع/13 يناير/2016
*****************************
مركز الدراسات الاشتراكية
1998
اسم الكتاب: رأسمالية الدولة في روسيا
بقلم: توني كليف
ترجمة: عمر الشافعي
مراجعة: خليل كلفت
تصميم الغلاف: هبة حلمي
الناشر: مركز الدراسات الاشتراكية
رقم الإيـداع بدار الكتب: 10206/ 1998
 
التعديل الأخير:
أعلى