هذه دراسة قيمة تحلل نتيجة الانتخابات الأخيرة تحليلا جيدا ، أتمنى قراءته و فتح نقاش حوله
ملاحظة : تعليقي في النهاية .
------------------------------------------------------------------------------
دراسة أميركية تتوقع مواجهة حكومية برلمانية تحبط الديمقراطية في الكويت
أسفرت الانتخابات البرلمانية الكويتية الأخيرة عن انتكاسة للفرع المحلي لحركة الإخوان المسلمين: الحركة الدستورية الإسلامية، وعن مكافأة حصل عليها الإسلاميون السلفيون الأكثر تشددا والمرشحون القبَليون.
وكانت النتائج محيّرة في الواقع، فقد كان من المنتظر أن يتمخض إصلاح النظام الانتخابي -الذي أيدته الحركة الدستورية بقوة- عن ترجيح كفّة الأحزاب الإيديولوجية حسنة التنظيم الذي تشكل الحركة الدستورية النموذج الأمثل له على مستوى الكويت.
ويمكن تفسير الانتكاسة التي مُنيت بها الحركة الدستورية في بعض جوانبها إلى سوء تقدير استراتيجي، وإلى استراتيجية قيادات الحزب في التخفيف من حدّة المعارضة والمواجهة مع الحكومة، وثمة احتمال بأن تستعيد موقعها في الانتخابات المقبلة وأن تعوّض خسارتها لنصف مقاعدها في البرلمان.
لقد ركزت وسائل الإعلام العالمية في تغطيتها للحدث على ظاهرتين اثنتين لنتائج الانتخابات الأخيرة: فشل المرأة الكويتية في الفوز بمقعد وانتصار الإسلاميين.
صحيح أن أقوى المرشحات خسرت بفارق بسيط، لكن الصحيح أيضاً أن الشوط الذي قطعته المرأة اضطر جميع المرشحين -بمن فيهم المحافظون الأكثر التزاماً- إلى تنظيم حملاتهم في الساحة النسائية وإلى تبنّي مواقف والتطرق إلى مسائل ذات أهمية قصوى بالنسبة للناخبات.
ثم ان الذين فازوا من الإسلاميين لم يكونوا من المُنتمين إلى الحركة الدستورية، التي خسرت انتخابات ساهمت في صياغة قوانينها، وإنما من الحركات السلفية الأكثر تشددا ومن القبائل ومن الشيعة.
في أعقاب تحرير الكويت من الاحتلال العراقي العام 1991، ربطت الولايات المتحدة تعزيزها لأمن الكويت بالإصرار على إعادة الحياة البرلمانية والانتخابية. غير أن واشنطن خففت إلى حد كبير من ارتباطها بمسرح الأحداث السياسية الداخلية في الكويت، رغم قوة خطابها في الإصرار على الإصلاحات السياسية في العالم العربي.
ويجمع النظام الدستوري الكويتي بين برلمان يتم انتخابه بحرّية وبين جهاز تنفيذي قوي. وللبرلمان دور تشريعي قوي وبإمكانه مساءلة وسحب الثقة من الوزراء بشكل إفرادي، لكنه ليس مخولا سحب الثقة من الحكومة ككل أو من رئيس الوزراء، وبوسعه الإعلان عن عدم مقدرته على التعاون معهم وبالتالي حَمْل الأمير على إقالتهم أو الدعوة إلى إجراء انتخابات جديدة. ويتوجب على رئيس الوزراء أن يدعو عضواً واحدا من البرلمان للانضمام إلى حكومته، لكنه يدعو في الغالب أكثر.
وتُعزى عدم مقدرة البرلمان على العمل بشكل منسق لدعم جدول أعمال إيجابي بدلا من الاقتصار على مناكفة الحكومة، إلى الاستقلالية الكبيرة التي يتمتع بها الكثير من النواب وغياب التنسيق فيما بينهم ، كنتيجة لضعف النظام الحزبيّ.
وقد حدث سنة 2005 ، أن وضعت الحركة الدستورية يدها في أيدي جماعات متنافسة على الساحة السياسية من أجل الضغط للمطالبة بنظام انتخابي جديد وإيجاد حلّ لهذه المشكلة في الكويت، لكن ذلك التحرك أسفر عن مواجهة شاملة بين البرلمان وبين الحكومة. ولم يتراجع التحالف عن موقفه وبلغت مضايقته للحكومة سنة 2006 حدا دفع الأمير إلى اتخاذ قرار بحلّ مبكر للبرلمان والدعوة إلى انتخابات جديدة. وبدلا من أن تؤدي المبادرة إلى هزيمة المعارضة، حققت انتصارا للتحالف وفازت الحركة الدستورية بستة مقاعد من أصل 50 في البرلمان واتجهت الأحزاب المتحالفة للمعارضة إلى تشكيل أكثرية.
ومع أن التحالف لم يلبث أن انحلّ نتيجة للخلافات الإيديولوجية والشخصية، فقد نال ما كان يصبو إليه، وهو إصلاح النظام الانتخابي وتقليص الدوائر الانتخابية من 25 إلى 5.
وكانت الحكومة أبلغت الامير انها لم تعد قادرة على التعاون مع هذا البرلمان الذي تبيَّن أنه متشدد ويعمل على العرقلة والتعطيل، حينذاك كانت «حدس» مستعدة لاتخاذ زمام المبادرة. وتتلخص الفكرة التي تقوم عليها حملتها بكلمة «المسؤولية»، مشيرةً إلى أن نوابها لن يضعوا المصلحة الوطنية فوق المصالح الشخصية والحزبية الضيقة وحسب، بل أنهم أيضاً لن يتصرفوا بالطريقة المتهورة والمتعجرفة التي تصرف بها النواب المعارضون في الجبهتين الإسلامية والليبرالية.
حدس شددت على الفكرتين التقليديتين اللتين تشكلان جوهر حملتها وهما: المحاسبة ومحاربة الفساد. كما استمرت في تبنيها لنهج الاعتدال فيما يتعلق بأسلمة القوانين (بدلاً من التطبيق المباشر للشريعة). وليقينها بأن معظم الناخبين الكويتيين حالياً هم من النساء، فقد طوَّرت مجموعة من المقترحات التي تهدف إلى استقطابهن. لم يكن تصورها قائماً على فهم ليبرالي للمساواة في الحقوق، لكنها مع ذلك توجهت لمعالجة القضايا التي تهم المرأة الكويتية (من خلال تقديم الدعم للمطلقات والأمهات حديثات العهد والمتزوجات من غير كويتيين). صحيحٌ أنها لم تقم بترشيح أية امرأة، لكنها أثبتت مدى مرونتها في التعامل مع التعديل الذي طرأ على حق الانتخاب.
كما أثبتت حدس قدرتها على التعامل مع النظام الانتخابي الجديد بطرق أخرى أيضاً، لاسيما بعد أن ازداد حجم الدوائر الانتخابية وعدد الناخبين فيها أضعافاً مضاعفة. فقد حققت نجاحاً باهراً في تسخير وسائل الإعلام للترويج لحملتها الانتخابية، خاصةً بعد أن قامت البلدية وللمرة الأولى بحظر نصب اللافتات على الطرقات. وسمحت أيضاً لكل دائرة بصياغة أفكار حملتها الانتخابية بطريقة مختلفة عن الدوائر الأخرى، وذلك وفقاً لخصوصيات كل دائرة على حدة.
والأمر الذي ساعد حدس على أن تكون حرة في تشكيل تحالفات سرية من أجل مقايضة الأصوات مع بعض الأطراف هو أنها لم تسمِّ أكثر من ثلاثة مرشحين عن كل دائرة، بدلاً من الحد الأقصى المتمثل بأربعة مرشحين. وعندما فشلت مفاوضاتها للتحالف مع السلفيين، لجأت حدس في اللحظة الأخيرة إلى التحالف مع المرشحين المستقلين.
في ظل وجود قانون مفصَّل تماماً لخدمة أغراضها، وبعد سنتين من التحضير، لماذا تراجعت حصة حدس من المقاعد إلى النصف؟
معظم التنظيرات للدروس المُستخلصة من الانتخابات البرلمانية الكويتية ركَّزت على انتصار القبلية والطائفية. والسبب في ذلك يعود إلى أن اثنتين من الدوائر الانتخابية الخمس هيمنت عليهما الصبغة القبلية. وفي حين كان الهدف من تكبير بعض الدوائر الانتخابية حرمان القبائل من إمكانية الهيمنة عليها، إلا أن هذه القبائل أثبتت أنها أقدر، مما كانت في الماضي، على استخدام الانتخابات التمهيدية من أجل الالتفاف حول لائحة معينة من المرشحين. ولذلك فإن الأفكار السياسية لحركة حدس لم تلقَ رواجاً في هذه المناطق؛ فمُني اثنان من مرشحيها الرئيسيين أحدهما نائب رئيس البرلمان الدكتور محمد البصيري بهزيمة ساحقة في هاتين الدائرتين.
وفي إحدى الدوائر التي يسيطر عليها الشيعة، انعكست قضية النائبين، اللذين شاركا في تأبين عماد مغنية، سلباً على حركة حدس، لأن الناخبين الشيعة التفوا حول هذين النائبين ومنحوهما دعماً منقطع النظير. كما ان الصدامات التي وقعت بين القبائل والشرطة أدت إلى التفاف أبناء تلك القبائل حول الناخبين الذين فازوا بالانتخابات التمهيدية. ليس هذا فحسب، بل إن النواب الفائزين بالانتخابات من تلك القبائل سيدخلون إلى سدة البرلمان وفي صدورهم حقد كبير ضد وزير الداخلية.
لكن القبلية والطائفية لم تلعبا إلا دوراً جزئياً فقط في الهزيمة التي مُنيت بها حدس. إذ يوجد هناك أربعة عوامل رئيسية أخرى، يمكن إيجازها فيما يلي:
أولاً : تحدَّث العديد من الكويتيين عن وجود نقاط ضعف شخصية في المرشحين الذين اختارتهم حدس. وهذا فيه شيء من الصحة، لأن الناخبين الكويتيين معتادون على النظام الانتخابي القديم، الذي كانت فيه العلاقة مباشرة بين الناخب والمرشح.
ثانياً : قد تكون حدس بالغت باللجوء إلى وسائل الإعلام لدعم حملتها الانتخابية.
ثالثاً : ربما تكون اتهامات الفساد هي التي قصمت ظهر مرشحي حدس.
وأخيراً قد تكون حدس تضررت أيضاً بفعل مواقفها الإسلامية المعتدلة ومحاربتها للتشدد ونهجها التصالحي مع الحكومة.
احتمال تعليق البرلمان لإجراء إصلاحات دستورية في العام 2003، تعرضت حدس لانتكاسة أكبر إذ فازت بمقعدين فقط. وفي حينه تنحى معظم قادة الحركة، من المؤسسين، عن القيادة لصالح الناشطين الشباب. ويبدو أن هذا التصرف أعطى ثماره الإيجابية حين حصلت الحركة على ستة مقاعد في انتخابات 2006. ولا يبدو أن التحول الذي طرأ في2008 قد أثار ذعرا في أوساط الحركة التي أكدت أنها سوف تظل متمسكة بمبادئها وأنها تميل إلى تصحيح استراتيجيتها بدلا من التخلي عنها.
وفي الانتخابات المقبلة، التي يمكن أن تأتي قبل مرور أربع سنوات -إذا ما كان البرلمان الحالي مشاكسا كسابقه- يرجح أن تتخذ عددا من الخطوات الهادفة إلى إصلاح موقفها وعلى رأسها اختيار مرشحين يعطون انطباعا بوجود أقوى للشباب في المناطق الرئيسية ومرشحين أفضل أداء في المناطق القبلية.
ومن جهة أخرى سوف تدرس نتائج انتخابات 2008 لتحديد الأساليب الأكثر فائدة في مختلف المناطق مع قناعتها أن النظام الانتخابي الجديد سوف يكون في مصلحتها على المدى البعيد.
لكن حدس ترى أن مشكلتها أبعد من الانتكاسة الأخيرة باعتبار أن الحالة الدستورية الراهنة في الكويت تحد مما يمكنها إنجازه. فالحكومة تعتبر البرلمان عائقا في طريقها، في حين كانت تعتمد على تأمين كتلة برلمانية داعمة لها على إرضاء النواب من غير أن تبذل جهودا تذكر لتأمين أغلبية برلمانية حقيقية. وهناك عوامل كثيرة داخل البرلمان تمكن الحكومة من الاستمرار من دون تأمين أغلبية برلمانية معتمدة. وبالمقابل يمكن للبرلمان أن يعبر عن إرادته عبر أدوات بسيطة، وبشكل خاص في مواجهة وزراء محددين عبر الاستجواب.
وهنا تثبت المكاسب التي حققتها الحركة السلفية في الكويت أهميتها. الحركات السلفية في العالم العربي تعمل على تشجيع كل ما تعتبره مطابقا للنموذج الذي عرفه المسلمون الأوائل، وتقول أنها تتقيد بالقرآن وتعطي الأولوية للشريعة الإسلامية في أجندتها. وفي معظم البلدان تزدري السياسات الرسمية.
في الكويت قام السلفيون بخطوة غير اعتيادية بخوض الانتخابات البرلمانية. وفي 2008، أقدمت إحدى المجموعات السلفية على تشكيل حزب مقتدية بحدس. ومع ذلك لا يخفون ازدراء الإخوان المسلمين باعتبارهم حركة تعمل لأهداف سياسية على حساب الدين. والقادة السلفيون يؤكدون أنهم لن يغرقوا في المساومات التي تقتضيها المناورات السياسية. وبعضهم أشار إلى أنه سوف يستخدم الأدوات الدستورية إذا ما نجح في الانتخابات. وقد صدر عن بعض قادة الحركة السلفية تصريحات مثيرة في لقائهم مع رئيس الحكومة بعد الانتخابات. إن ايديولوجية النواب السلفيين قد لا تتناسب مع رؤية حدس، وربما ينتج عن ذلك مزيد من المشكلات.
وبالتالي ينتظر أن يكون البرلمان أكثر استعداد للمواجهة بل وأكثر انقساما مما مضى. وستقع اكثر من أزمة مع وجود مجرد وهم بالحركة السياسية. وهذا بالضبط ما أصاب كثيرا من الكويتيين بالإحباط وربما بدأ يسيء للديمقراطية في الخليج.
وفي هذه الأثناء تبدو الولايات المتحدة ليست فقط ضعيفة التأثير في المنطقة، وإنما هناك مؤشرات قوية على ضعف اهتمامها بالديمقراطية في الكويت. والغريب في الأمر أن الولايات المتحدة التي كانت متحمسة في خطابها من أجل الديمقراطية وتعميق الإصلاحات السياسية قد نأت بنفسها عن السياسات الكويتية ما عدا الاهتمام بحق المرأة في الانتخاب.
لدى حدس رؤية بعيدة لحل الأزمة الدستورية تقوم على نظام حزبي كامل وحكومة من نواب منتخبين ورئيس وزراء من خارج العائلة الحاكمة. لقد وجهت انتخابات 2008 ضربة لهذه الرؤية. وعمليا هناك كتل برلمانية أخرى تعمل ببطء على تقليد حدس كمنظمة حزبية. لكن تصويت الناخب الكويتي على أسس قبلية وطائفية قوض التوجه نحو تكوين الأحزاب.
ومع استمرار التنافس بين مختلف الكتل، يتوقع أن تستمر الانقسامات داخل البرلمان والخلاف مع الحكومة مما يجعل أزمة الكويت السياسية أكثر عمقا من السابق.
http://www.awan.com/node/73907
================================================
هذه الفقرة - برأيي - تمثل أسّ المشكلة في نظامنا السياسي
فمن البديهي أنه لا يمكن أن يتحقق إنجاز ، و لا يمكن أن ننتظر أي تنمية من حكومة ليست لديها غطاء برلماني يحميها و يسندها ، فلو كان لدينا أقوى مجلس ، و أقوى حكومة فلا يمكن أن ننتظر منهم أنجاز في ظل عدم التوافق ..
في ظل نظامنا السياسي الحالي نرى أن المعارضة هي الأكثرية في البرلمان ، و هذه حالة فريدة من بين كل أنظمة العالم ، و هي سبب الجمود و التراجع في واقعنا السياسي
تحياتي
ملاحظة : تعليقي في النهاية .
------------------------------------------------------------------------------
دراسة أميركية تتوقع مواجهة حكومية برلمانية تحبط الديمقراطية في الكويت
أسفرت الانتخابات البرلمانية الكويتية الأخيرة عن انتكاسة للفرع المحلي لحركة الإخوان المسلمين: الحركة الدستورية الإسلامية، وعن مكافأة حصل عليها الإسلاميون السلفيون الأكثر تشددا والمرشحون القبَليون.
وكانت النتائج محيّرة في الواقع، فقد كان من المنتظر أن يتمخض إصلاح النظام الانتخابي -الذي أيدته الحركة الدستورية بقوة- عن ترجيح كفّة الأحزاب الإيديولوجية حسنة التنظيم الذي تشكل الحركة الدستورية النموذج الأمثل له على مستوى الكويت.
ويمكن تفسير الانتكاسة التي مُنيت بها الحركة الدستورية في بعض جوانبها إلى سوء تقدير استراتيجي، وإلى استراتيجية قيادات الحزب في التخفيف من حدّة المعارضة والمواجهة مع الحكومة، وثمة احتمال بأن تستعيد موقعها في الانتخابات المقبلة وأن تعوّض خسارتها لنصف مقاعدها في البرلمان.
لقد ركزت وسائل الإعلام العالمية في تغطيتها للحدث على ظاهرتين اثنتين لنتائج الانتخابات الأخيرة: فشل المرأة الكويتية في الفوز بمقعد وانتصار الإسلاميين.
صحيح أن أقوى المرشحات خسرت بفارق بسيط، لكن الصحيح أيضاً أن الشوط الذي قطعته المرأة اضطر جميع المرشحين -بمن فيهم المحافظون الأكثر التزاماً- إلى تنظيم حملاتهم في الساحة النسائية وإلى تبنّي مواقف والتطرق إلى مسائل ذات أهمية قصوى بالنسبة للناخبات.
ثم ان الذين فازوا من الإسلاميين لم يكونوا من المُنتمين إلى الحركة الدستورية، التي خسرت انتخابات ساهمت في صياغة قوانينها، وإنما من الحركات السلفية الأكثر تشددا ومن القبائل ومن الشيعة.
الموقف الأميركي بعد التحرير
في أعقاب تحرير الكويت من الاحتلال العراقي العام 1991، ربطت الولايات المتحدة تعزيزها لأمن الكويت بالإصرار على إعادة الحياة البرلمانية والانتخابية. غير أن واشنطن خففت إلى حد كبير من ارتباطها بمسرح الأحداث السياسية الداخلية في الكويت، رغم قوة خطابها في الإصرار على الإصلاحات السياسية في العالم العربي.
ويجمع النظام الدستوري الكويتي بين برلمان يتم انتخابه بحرّية وبين جهاز تنفيذي قوي. وللبرلمان دور تشريعي قوي وبإمكانه مساءلة وسحب الثقة من الوزراء بشكل إفرادي، لكنه ليس مخولا سحب الثقة من الحكومة ككل أو من رئيس الوزراء، وبوسعه الإعلان عن عدم مقدرته على التعاون معهم وبالتالي حَمْل الأمير على إقالتهم أو الدعوة إلى إجراء انتخابات جديدة. ويتوجب على رئيس الوزراء أن يدعو عضواً واحدا من البرلمان للانضمام إلى حكومته، لكنه يدعو في الغالب أكثر.
وتُعزى عدم مقدرة البرلمان على العمل بشكل منسق لدعم جدول أعمال إيجابي بدلا من الاقتصار على مناكفة الحكومة، إلى الاستقلالية الكبيرة التي يتمتع بها الكثير من النواب وغياب التنسيق فيما بينهم ، كنتيجة لضعف النظام الحزبيّ.
وقد حدث سنة 2005 ، أن وضعت الحركة الدستورية يدها في أيدي جماعات متنافسة على الساحة السياسية من أجل الضغط للمطالبة بنظام انتخابي جديد وإيجاد حلّ لهذه المشكلة في الكويت، لكن ذلك التحرك أسفر عن مواجهة شاملة بين البرلمان وبين الحكومة. ولم يتراجع التحالف عن موقفه وبلغت مضايقته للحكومة سنة 2006 حدا دفع الأمير إلى اتخاذ قرار بحلّ مبكر للبرلمان والدعوة إلى انتخابات جديدة. وبدلا من أن تؤدي المبادرة إلى هزيمة المعارضة، حققت انتصارا للتحالف وفازت الحركة الدستورية بستة مقاعد من أصل 50 في البرلمان واتجهت الأحزاب المتحالفة للمعارضة إلى تشكيل أكثرية.
ومع أن التحالف لم يلبث أن انحلّ نتيجة للخلافات الإيديولوجية والشخصية، فقد نال ما كان يصبو إليه، وهو إصلاح النظام الانتخابي وتقليص الدوائر الانتخابية من 25 إلى 5.
وكانت الحكومة أبلغت الامير انها لم تعد قادرة على التعاون مع هذا البرلمان الذي تبيَّن أنه متشدد ويعمل على العرقلة والتعطيل، حينذاك كانت «حدس» مستعدة لاتخاذ زمام المبادرة. وتتلخص الفكرة التي تقوم عليها حملتها بكلمة «المسؤولية»، مشيرةً إلى أن نوابها لن يضعوا المصلحة الوطنية فوق المصالح الشخصية والحزبية الضيقة وحسب، بل أنهم أيضاً لن يتصرفوا بالطريقة المتهورة والمتعجرفة التي تصرف بها النواب المعارضون في الجبهتين الإسلامية والليبرالية.
حدس شددت على الفكرتين التقليديتين اللتين تشكلان جوهر حملتها وهما: المحاسبة ومحاربة الفساد. كما استمرت في تبنيها لنهج الاعتدال فيما يتعلق بأسلمة القوانين (بدلاً من التطبيق المباشر للشريعة). وليقينها بأن معظم الناخبين الكويتيين حالياً هم من النساء، فقد طوَّرت مجموعة من المقترحات التي تهدف إلى استقطابهن. لم يكن تصورها قائماً على فهم ليبرالي للمساواة في الحقوق، لكنها مع ذلك توجهت لمعالجة القضايا التي تهم المرأة الكويتية (من خلال تقديم الدعم للمطلقات والأمهات حديثات العهد والمتزوجات من غير كويتيين). صحيحٌ أنها لم تقم بترشيح أية امرأة، لكنها أثبتت مدى مرونتها في التعامل مع التعديل الذي طرأ على حق الانتخاب.
كما أثبتت حدس قدرتها على التعامل مع النظام الانتخابي الجديد بطرق أخرى أيضاً، لاسيما بعد أن ازداد حجم الدوائر الانتخابية وعدد الناخبين فيها أضعافاً مضاعفة. فقد حققت نجاحاً باهراً في تسخير وسائل الإعلام للترويج لحملتها الانتخابية، خاصةً بعد أن قامت البلدية وللمرة الأولى بحظر نصب اللافتات على الطرقات. وسمحت أيضاً لكل دائرة بصياغة أفكار حملتها الانتخابية بطريقة مختلفة عن الدوائر الأخرى، وذلك وفقاً لخصوصيات كل دائرة على حدة.
والأمر الذي ساعد حدس على أن تكون حرة في تشكيل تحالفات سرية من أجل مقايضة الأصوات مع بعض الأطراف هو أنها لم تسمِّ أكثر من ثلاثة مرشحين عن كل دائرة، بدلاً من الحد الأقصى المتمثل بأربعة مرشحين. وعندما فشلت مفاوضاتها للتحالف مع السلفيين، لجأت حدس في اللحظة الأخيرة إلى التحالف مع المرشحين المستقلين.
الانتكاسة
في ظل وجود قانون مفصَّل تماماً لخدمة أغراضها، وبعد سنتين من التحضير، لماذا تراجعت حصة حدس من المقاعد إلى النصف؟
معظم التنظيرات للدروس المُستخلصة من الانتخابات البرلمانية الكويتية ركَّزت على انتصار القبلية والطائفية. والسبب في ذلك يعود إلى أن اثنتين من الدوائر الانتخابية الخمس هيمنت عليهما الصبغة القبلية. وفي حين كان الهدف من تكبير بعض الدوائر الانتخابية حرمان القبائل من إمكانية الهيمنة عليها، إلا أن هذه القبائل أثبتت أنها أقدر، مما كانت في الماضي، على استخدام الانتخابات التمهيدية من أجل الالتفاف حول لائحة معينة من المرشحين. ولذلك فإن الأفكار السياسية لحركة حدس لم تلقَ رواجاً في هذه المناطق؛ فمُني اثنان من مرشحيها الرئيسيين أحدهما نائب رئيس البرلمان الدكتور محمد البصيري بهزيمة ساحقة في هاتين الدائرتين.
وفي إحدى الدوائر التي يسيطر عليها الشيعة، انعكست قضية النائبين، اللذين شاركا في تأبين عماد مغنية، سلباً على حركة حدس، لأن الناخبين الشيعة التفوا حول هذين النائبين ومنحوهما دعماً منقطع النظير. كما ان الصدامات التي وقعت بين القبائل والشرطة أدت إلى التفاف أبناء تلك القبائل حول الناخبين الذين فازوا بالانتخابات التمهيدية. ليس هذا فحسب، بل إن النواب الفائزين بالانتخابات من تلك القبائل سيدخلون إلى سدة البرلمان وفي صدورهم حقد كبير ضد وزير الداخلية.
لكن القبلية والطائفية لم تلعبا إلا دوراً جزئياً فقط في الهزيمة التي مُنيت بها حدس. إذ يوجد هناك أربعة عوامل رئيسية أخرى، يمكن إيجازها فيما يلي:
أولاً : تحدَّث العديد من الكويتيين عن وجود نقاط ضعف شخصية في المرشحين الذين اختارتهم حدس. وهذا فيه شيء من الصحة، لأن الناخبين الكويتيين معتادون على النظام الانتخابي القديم، الذي كانت فيه العلاقة مباشرة بين الناخب والمرشح.
ثانياً : قد تكون حدس بالغت باللجوء إلى وسائل الإعلام لدعم حملتها الانتخابية.
ثالثاً : ربما تكون اتهامات الفساد هي التي قصمت ظهر مرشحي حدس.
وأخيراً قد تكون حدس تضررت أيضاً بفعل مواقفها الإسلامية المعتدلة ومحاربتها للتشدد ونهجها التصالحي مع الحكومة.
احتمال تعليق البرلمان لإجراء إصلاحات دستورية في العام 2003، تعرضت حدس لانتكاسة أكبر إذ فازت بمقعدين فقط. وفي حينه تنحى معظم قادة الحركة، من المؤسسين، عن القيادة لصالح الناشطين الشباب. ويبدو أن هذا التصرف أعطى ثماره الإيجابية حين حصلت الحركة على ستة مقاعد في انتخابات 2006. ولا يبدو أن التحول الذي طرأ في2008 قد أثار ذعرا في أوساط الحركة التي أكدت أنها سوف تظل متمسكة بمبادئها وأنها تميل إلى تصحيح استراتيجيتها بدلا من التخلي عنها.
وفي الانتخابات المقبلة، التي يمكن أن تأتي قبل مرور أربع سنوات -إذا ما كان البرلمان الحالي مشاكسا كسابقه- يرجح أن تتخذ عددا من الخطوات الهادفة إلى إصلاح موقفها وعلى رأسها اختيار مرشحين يعطون انطباعا بوجود أقوى للشباب في المناطق الرئيسية ومرشحين أفضل أداء في المناطق القبلية.
ومن جهة أخرى سوف تدرس نتائج انتخابات 2008 لتحديد الأساليب الأكثر فائدة في مختلف المناطق مع قناعتها أن النظام الانتخابي الجديد سوف يكون في مصلحتها على المدى البعيد.
لكن حدس ترى أن مشكلتها أبعد من الانتكاسة الأخيرة باعتبار أن الحالة الدستورية الراهنة في الكويت تحد مما يمكنها إنجازه. فالحكومة تعتبر البرلمان عائقا في طريقها، في حين كانت تعتمد على تأمين كتلة برلمانية داعمة لها على إرضاء النواب من غير أن تبذل جهودا تذكر لتأمين أغلبية برلمانية حقيقية. وهناك عوامل كثيرة داخل البرلمان تمكن الحكومة من الاستمرار من دون تأمين أغلبية برلمانية معتمدة. وبالمقابل يمكن للبرلمان أن يعبر عن إرادته عبر أدوات بسيطة، وبشكل خاص في مواجهة وزراء محددين عبر الاستجواب.
وهنا تثبت المكاسب التي حققتها الحركة السلفية في الكويت أهميتها. الحركات السلفية في العالم العربي تعمل على تشجيع كل ما تعتبره مطابقا للنموذج الذي عرفه المسلمون الأوائل، وتقول أنها تتقيد بالقرآن وتعطي الأولوية للشريعة الإسلامية في أجندتها. وفي معظم البلدان تزدري السياسات الرسمية.
في الكويت قام السلفيون بخطوة غير اعتيادية بخوض الانتخابات البرلمانية. وفي 2008، أقدمت إحدى المجموعات السلفية على تشكيل حزب مقتدية بحدس. ومع ذلك لا يخفون ازدراء الإخوان المسلمين باعتبارهم حركة تعمل لأهداف سياسية على حساب الدين. والقادة السلفيون يؤكدون أنهم لن يغرقوا في المساومات التي تقتضيها المناورات السياسية. وبعضهم أشار إلى أنه سوف يستخدم الأدوات الدستورية إذا ما نجح في الانتخابات. وقد صدر عن بعض قادة الحركة السلفية تصريحات مثيرة في لقائهم مع رئيس الحكومة بعد الانتخابات. إن ايديولوجية النواب السلفيين قد لا تتناسب مع رؤية حدس، وربما ينتج عن ذلك مزيد من المشكلات.
وبالتالي ينتظر أن يكون البرلمان أكثر استعداد للمواجهة بل وأكثر انقساما مما مضى. وستقع اكثر من أزمة مع وجود مجرد وهم بالحركة السياسية. وهذا بالضبط ما أصاب كثيرا من الكويتيين بالإحباط وربما بدأ يسيء للديمقراطية في الخليج.
وفي هذه الأثناء تبدو الولايات المتحدة ليست فقط ضعيفة التأثير في المنطقة، وإنما هناك مؤشرات قوية على ضعف اهتمامها بالديمقراطية في الكويت. والغريب في الأمر أن الولايات المتحدة التي كانت متحمسة في خطابها من أجل الديمقراطية وتعميق الإصلاحات السياسية قد نأت بنفسها عن السياسات الكويتية ما عدا الاهتمام بحق المرأة في الانتخاب.
لدى حدس رؤية بعيدة لحل الأزمة الدستورية تقوم على نظام حزبي كامل وحكومة من نواب منتخبين ورئيس وزراء من خارج العائلة الحاكمة. لقد وجهت انتخابات 2008 ضربة لهذه الرؤية. وعمليا هناك كتل برلمانية أخرى تعمل ببطء على تقليد حدس كمنظمة حزبية. لكن تصويت الناخب الكويتي على أسس قبلية وطائفية قوض التوجه نحو تكوين الأحزاب.
ومع استمرار التنافس بين مختلف الكتل، يتوقع أن تستمر الانقسامات داخل البرلمان والخلاف مع الحكومة مما يجعل أزمة الكويت السياسية أكثر عمقا من السابق.
http://www.awan.com/node/73907
================================================
هذه الفقرة - برأيي - تمثل أسّ المشكلة في نظامنا السياسي
وتُعزى عدم مقدرة البرلمان على العمل بشكل منسق لدعم جدول أعمال إيجابي بدلا من الاقتصار على مناكفة الحكومة، إلى الاستقلالية الكبيرة التي يتمتع بها الكثير من النواب وغياب التنسيق فيما بينهم ، كنتيجة لضعف النظام الحزبيّ.
فمن البديهي أنه لا يمكن أن يتحقق إنجاز ، و لا يمكن أن ننتظر أي تنمية من حكومة ليست لديها غطاء برلماني يحميها و يسندها ، فلو كان لدينا أقوى مجلس ، و أقوى حكومة فلا يمكن أن ننتظر منهم أنجاز في ظل عدم التوافق ..
في ظل نظامنا السياسي الحالي نرى أن المعارضة هي الأكثرية في البرلمان ، و هذه حالة فريدة من بين كل أنظمة العالم ، و هي سبب الجمود و التراجع في واقعنا السياسي
تحياتي