====================
هبوط الغائص في اللجة
====================
هبوط الغائص في اللجة
====================
الحمد لله وكفى وصلاة وسلاما على عباده الذين اصطفى ثم أما بعد...
فهذه استراحة إيمانية شبه يومية , نستظل فيها بأقوال أهل العلم , نقوي بها إيماننا , ونشد فيها يقيننا , ونأخذ منها زادا في مواجهة الدنيا وفتنها.
نورد قولا من أقوال أهل العلم والعبادة , نتأمل فيه وننظر , ونتعلم منه ونبصر لعلنا نصيب بهذا الأمر أجرا وفهما وعلما.
وقد اخترت اليوم بعد إذن إخواني مقولة من كلام ابن القيم رحمه الله تعالى رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته...
قال رحمه الله في الفوائد (( فرح ابليس بنزول آدم من الجنة وما علم أن هبوط الغائص في اللجة خلف الدر صعود )).انتهى
لا أدرى ما نتأمل أولا , هل نستمتع بجمال العبارة وحسن الصياغة , أم نستمتع بكلام عميق جميع فيه فهما وعلما وفقها عاليا.
يظهر ابن القيم رحمه الله تعالى في هذه الجملة " غباء " إبليس ومن ينحو نحوه , لأن الشيطان ظن أنه نجح في غواية أبينا آدم عليه السلام وفي إخراجه من مكانته العالية وظن أن الله تعالى أهبطه إلى الأرض بغضا وعقوبة له.
وهذا الظن "الإبليسي " خطأ وغرور مما يدل على أنه لم يعرف ربه حقا , لأنه لو عرف ربه حقا لعلم أنه تواب غفور رحيم كريم يغفر الزلة ويقيل العثرة ولا يرضى لعباده الكفر.
ولكن إبليس مقاييسه عقلية وليست إيمانية ففشل وظن أنه نجح ولكن تأمل قولة ابن القيم رحمه الله (وما علم أن هبوط الغائص في اللجة خلف الدر صعود ).
شبه ابن القيم رحمه الله نزول آدم من الجنة إلى الأرض وكأنه غواص نزل يغطس في البحر يبحث عن الدر واللؤلؤ , ولا يمكن عن العقلاء جميعا أن يسمى هذا النزول إلا صعودا , لأن هذا الغائص كلما غطس وحاز الجوهر كلما صعد مقامه في الدنيا واغتنى وكثر ماله.
فنزول الغائص وراء الدر والجوهر في البحر صعود له في الدنيا , وهذا تشبيه جميل لحال أبينا آدم عليه السلام.
وذلك لأن الله تعالى أخبر الملائكة أنه سوف يجعل في الأرض خليفة قبل أن يخلق آدم عليه السلام , فقال تعالى ((وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ ))
فهذا الإنسان الذي أخطأ ثم تاب , أورثه الله تعالى مكانة أكبر مما كان فيه ولم يعط مكانه السابق لأحد غيره ,ولولا خلق آدم عليه السلام ثم هبوطه إلى الأرض لما عُلم كثير من الخير و فلقد خلق الله تعالى منه الأنبياء والصديقين , والشهداء والصالحين , وظهرت ىياته للخلق , وعُلمت عبادات كانت غائبة لم تعرف كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتوبة والإنابة وغير ذلك.
وظهرت معادن الخير في بني آدم , وعلم سر وجوده ولو خلق آدم لما تنعم العباد بعبادة رب العالمين , ولما استلذ أهل العلم بمعرفة خالق السماوات والأرضين.
فخير كثير تولد من خلق آدم ونزوله إلى الأرض ...
فعلا نزول الغائص في اللجة خلف الدر صعود.
والحمد لله رب العالمين