سعد بن عاقول
عضو فعال
الحرب دون إذن السادة!!
مما يحكى في التاريخ الأوروبي القديم، أن عصابات دانماركية قد غزت قرىً بلجيكية وعاثت فيها فساداً فنهبت المزارع و أبقارها و قتلت من الرجال و النساء من عارضها. فقام عدد من الفلاحين البلجيكيين و نظموا أنفسهم في جماعات مسلحة و تصدوا لهذه العصابات الدنماركية فردوها و أستولوا على خيولهم و أستردوا كل ما نهبوه منهم و كل مالديهم من سلاح ثم حبسوهم في القلاع و أعدموهم بعد ذلك جزاءً لهم على عبثهم بالقرى و قتلهم للأبرياء. و عاد الفلاحون رافعين رايات النصر إلى قراهم.
هذا العمل البطولي الوطني الخارق لم يعجب الإقطاعيين ملاك الأراضي و من معهم من رجال الكنيسة. فهذه قوةٌ كامنة عند هؤلاء الفلاحيين و قد تنقلب عليهم في المستقبل و تجردهم هم أيضاً مما حازوا عليه مثلما جردت تلك العصابات الدنماركية مما نهبت. فجمعوا المقاتلين الفلاحين و جردوهم من السلاح و أعدموهم دون محاكمة. أما تهمتهم فكانت : الحرب دون إذن السادة!!
أن الحروب و الأزمات و التوترات المحلية أو الدولية لها فرسانها و ملاكها و المستفيدين منها دائماً. و هذا الأمر لا يختلف كثيراً عن أزماتنا المحلية و أهمها هذه الأيام التفكير السلطوي الجاد بحل مجلس الأمة حلاً غير دستورياً و تعليق بعض مواد الدستور و تغييرها.
و مثلما كان عمل فلاحي البلجيك وطنياً و بطولياً إلا أنه لم يشفع لهم لدى السادة الإقطاعيين، فإن عمل شعب الكويت البطولي - إبان أزمات البلاد المتعددة من غزو البلاد ووقوف الشعب الكويتي صفاً واحداً خلف حكامه في مؤتمر جدة إلى أزمتي الحكم و الدوائر الخمس - لم يشفع لدى السادة (البرامكة الكويتين) و هاهم ينوون أن يحكموا بالإعدام على كل حقوق الشعب الكويتي في المشاركة في إدارة شؤون حياته.
و التهمة الجاهزة و المعلبة هي: إنتخاب المصلحين من النواب دون إذن السادة!!
و لأن السادة (البرامكة) و من معهم لم يستفيدوا من حل المجلس السابق و إعادة إنتخابه مرة أخرى، فإن السيناريو الجديد أتى بتصعيد الأزمات بين المجلس و الحكومة و تضخيمها إعلامياً عبر سلسلة من صحف المرتزقة ممن يعيشون على (الورق البرمكي) حتى يستفيدوا من حل المجلس هذه المرة حلاً غير دستورياً يضمن لهم غياب الرقابة الشعبية على عمليات نهب المال العام و تصديره إلى الحسابات الشخصية و العائلية في الخارج.
الطرف الآخر من المعادلة المعقدة لكل سيناريوهات حل مجلس الأمة هو الشعب الكويتي الأبي.
وهذا الشعب، الذي ينتظره جزاءً لا يختلف عن جزاء المقاتلين الفلاحين بل و أقسى منه، لاتزال في يديه حبال اللعبة و القدرة على قلب الطاولة على لاعبي البوكر السياسي و المقامرين بمقدراته و مكتسباته و تاريخه الحر.
و أهم أدوات الصراع القادم و التي سوف تحدد طبيعة المنتصر فيه هي توحد الكتل السياسية الكويتية و الشارع الكويتي وراء هدف واحد وواضح و هو دستور 1962 و مجلس الأمة، و الإبتعاد عن الإختلافات أو الخلافات السياسية أو المذهبية الأخرى لأن الطرف المقابل لا مذهب له إلا (مذهب الدولار الأخضر) فقط و جميع الكويتيين أمامه سواسية (رعايا لدولة تمتلك فائضاً مالياً يود الحصول عليه!).
من الأمور الأخرى و التي قد تجعل من فكرة الحل غير الدستوري حلماً صعباً و بعيد المنال بالإضافة إلى توحد الكتل السياسية و الشارع الكويتي، هو إنعدام الخصوصية الإعلامية و سياسات التكتيم الإعلامي الذي كان عاملاً مساعداً للسلطة في أحداث دواوين الأثنين.
أي مكانٍ في العالم اليوم أصبح على بعد ضغطة زر واحدة تضغطها بأصبعك على جهاز (الريموت كنترول)، و مثل هذه القيادات الغير واثقة من نفسها تخشى أشد الخشية تسليط الضوء عليها و على ما تفعله في شعوبها خصوصاً و أن (نهب المال العام) يحتاج إلى السرية القصوى و الكتمان العظيم.
أحد أهم التطورات الأخيرة على الساحة الدولية قد تضيف أيضاً إلى متاعب السادة (البرامكة) و تجعل مهمتهم أكثر صعوبة و أكثر مشقة وهي الفوز الأخير للحزب الديموقراطي في الولايات المتحدة الأمريكية و حصوله على الأغلبية المطلوبة في مجلس الكونغرس الأمريكي.
هذا النوع من إختلاف المسيطرين على مقاليد الأمور في الولايات المتحدة ( الحاكم جمهوري بينما الكونغرس بأغلبيته ديموقراطي) يجعل من الصعب على أي حاكم للولايات المتحدة أن يغض النظر عن أي تراجع عن الديموقراطية و حقوق الإنسان في المنطقة التي بشّر بها بالديموقراطية الأمريكية و حارب الإرهاب الأقليمي على أساسها.
يتبقى التذكير بأن كل هذه الأمور لا تلغي الحقيقة الأولى و الأهم في طريق الحفاظ على مكتسبات و حقوق الشعب الكويتي وهي أن المعنى الأول و الأهم في الدفاع عن هذه الحقوق هو الشعب الكويتي بالدرجة الأولى و ممثليه من نواب مجلس الأمة بالدرجة الثانية. و الشعب الذي لا يدافع عن حقوقه بنفسه، لا يستحقها.
كتبه سعد بن عاقول.