السنة والشيعة.. دروس من صلاح الدين الأيوبي

kwt.store

عضو مخضرم

نحو وعي سياسي
السنة والشيعة.. دروس من صلاح الدين الأيوبي



بقلم: د. محمد بن المختار الشنقيطي

في الصراع الطائفي الدائر رحاه اليوم في العراق والمنطقة يتم استدعاء التاريخ بطريقة انتقائية عرجاء، فيتخذ منه الطائفيون حطبا لإلهاب المعركة ووصم الطرف الآخر بوصمة الشر، تبريرا لارتكاب جرائم دموية ضده لا يسوغها عقل ولا شرع، وفي هذا الجو المشحون بالتعبئة والكراهية العمياء، نسي الطرفان أن التاريخ الإسلامي ليس تاريخ صراع بين السنة والشيعة، كما نسيا أن الطرفين -على عمق الخلاف الفكري والفقهي بينهما- اصطفا في خندق واحد أكثر من مرة حين جد الجد وتعرضت الأمة للاستباحة من طرف أعدائها، كما غابت عن بال هؤلاء مظاهر الحكمة والرحمة في تعامل المسلم مع أخيه المسلم المخالف له في فهم جوانب من العقيدة أو في تطبيق مظاهر من الشريعة،

وفي هذا المقال نذكّر بسابقة تاريخية من القائد العظيم صلاح الدين الأيوبي الذي يستوطن في العقل الجمعي الإسلامي مكانة خاصة، وهو قائد عاش في عصر شبيه بعصرنا من حيث استباحة بيضة الأمة وتكالب أعدائها عليها وافتراق كلمتها، لكنه بتركيب عجيب بين الشجاعة والحزم من جانب والحكمة والرحمة من جانب آخر، استطاع أن يستعيد بيت المقدس من أيدي الصليبيين وينقذ مصر من شرهم ويوحد كلمة الأمة في عصر عز فيه الموحد والناصر وساد المفرق والمخذل، وكان له كل ذلك بفضل فقهه بسلم الأوليات ووعيه العميق بظروف الطوارئ التي تمنع استنزاف الذات في الحروب الكلامية والصراعات الجانبية، والسابقة التاريخية المقصودة هنا هي تعامل صلاح الدين الأيوبي مع حكام الدولة العبيدية المسماة بالفاطمية في مصر الذين أعلنوا أنفسهم خلفاء مجانبةً للخلافة العامة في بغداد وخرجوا على جمهور الأمة في مذهبهم العقدي والفقهي خروجا لم تفعله طائفة مسلمة معتبرة في تاريخ الإسلام، وضايقوا أهل السنة في مصر حتى أصبحت قراءة صحيح البخاري جريمة! ومع كل ذلك فإن تعامل صلاح الدين الأيوبي مع هذه الدولة كان محكوما بمنطق غير طائفي ومبنيا على إدراك عميق لظروف الطوارئ التي تعيشها الأمة وهي محاصرة بين فكَّيْ الخطر الصليبي الآتي من الشمال والزحف المغولي الداهم من الشرق.

إن أول ما يلفت النظر هنا استنجاد الخليفة الشيعي الفاطمي في مصر بحاكم الشام السني نور الدين زنكي، وهو ما فتح الباب لقدوم صلاح الدين إلى مصر وعمله وزيرا للدولة الفاطمية وقتاله الصليبيين تحت رايتها سنين عديدة دون اعتبار للخلاف المذهبي بين الطرفين، كما يلفت النظر أيضا أسلوب الحكمة والرحمة والوفاء الذي تعامل به صلاح الدين مع القيادة الفاطمية حينما مال ميزان القوة لصالحه وأصبح قائدا عسكريا مسيطرا ثم أخيرا ملكا لمصر والشام بعد وفاة الخليفة الفاطمي العاضد... يروي ابن شداد -وهو كاتب صلاح الدين الخاص ومؤرخ سيرته- في كتابه «النوادر السلطانية والمحاسن اليوسفية» «ص 280-281» وأبو شامة في «كتاب الروضتين في تاريخ الدولتين» «ص 362-363» بعض الأمور التي تعكس حكمة صلاح الدين وبعد نظره وفهمه لأخوة الإسلام التي لا تسقط إلا بسقوط أصل الإسلام، فيروي ابن شداد أن نور الدين زنكي لما أرسل إلى صلاح الدين من الشام يأمره بالدعاء لخلفاء بني العباس على المنابر وهي الإشارة الرمزية إلى البيعة لهم والتخلص من منافسيهم الفاطميين «راجعه صلاح الدين في ذلك خوف الفتنة» وزاد أبو شامة الأمر توضيحا بالقول «فاعتذر صلاح الدين بالخوف من وثوب أهل مصر وامتناعهم عن الإجابة إلى ذلك لميلهم إلى العلويين» فصلاح الدين كان حريصا على توحيد الكلمة بترفق وتلطف ودون استعجال أو قفز على الوقائع الاجتماعية والثقافية المتراكمة على مر الزمان، وبعد إصرار نور الدين على أن ينفذ صلاح الدين أمره انتظر صلاح الدين حتى مرض الخليفة الفاطمي العاضد فأقعده المرض عن حضور الصلوات وتسيير الشأن العام فبدأ صلاح الدين في التنفيذ، ولو أراد تنفيذ الأمر في صحة الخليفة الفاطمي وقوته لفتح الباب أمام اقتتال داخلي بين المسلمين في مصر، ثم لما مات العاضد بُعيد ذلك بمدة وجيزة ندم صلاح الدين على استعجاله في تحويل الخطبة وعدم التروي أكثر في الأمر. قال أبو شامة: «وأما ندمُ صلاح الدين فبلغني أنه كان على استعجال بقطع خطبته وهو مريض وقال: لو علمت أنه يموت من هذا المرض ما قطعتها إلى أن يموت» وقبل أن يموت العاضد لم يجد أكثر رحمة وثقة من صلاح الدين ليستودعه أبناءه ويوصيه بإكرامهم رغم بعد الشقة المذهبية بين الطرفين.

يذكر أبو شامة أن أبا الفتوح بن العاضد أخبره «أن أباه في مرضه استدعى صلاح الدين فحضر، قال وأحضرَنا يعني أولاده وهم جماعة صغار، فأوصاه بنا، فالتزم إكرامنا واحترامنا رحمه الله» وبناء على وصية العاضد هذه «نقل صلاح الدين أهل العاضد إلى موضع من القصر ووكل بهم من يحفظهم» كما يروي ابن شداد، وقد أكد أبو شامة حسن معاملة صلاح الدين لأفراد أسرة الخليفة الفاطمي فكتب: «ونقل أهل العاضد إلى مكان منفرد وجعل أولاده وعمومته وأبناءهم في الإيوان في القصر وجعل عندهم من يحفظهم» ونقل أبو شامة عن أبي الفتوح بن الخليفة العاضد أن صلاح الدين «جعلهم في دار برجوان في الحارة المنسوبة إليه بالقاهرة وهي دار كبيرة واسعة، كان عيشهم فيها طيبا» وكذلك فليكن الوفاء والمشاعر الإنسانية التي تتجاوز الخلافات المذهبية والطائفية وتتعالى عليها، ولما مات الخليفة الفاطمي لم يظهر صلاح الدين شماتة ولا غبطة برحيل عدوه، بل «جلس السلطان للعزاء وأغرب في الحزن والبكاء وبلغ الغاية في إجمال أمره والتوديع له إلى قبره» كما يقول ابن شداد، فلم ينس صلاح الدين للعاضد أنه عينه وزيرا لمصر واستودعه ثقته وحمَّله لواء الدفاع عن مصر ضد الصليبيين.


جريدة عالم اليوم - الكويت
العدد : 462 بتاريخ: 08/07/2008

© www.alamalyawm.com


التعليق : نتمنى استمرار المقالات التي تهدف لتوحيد المسلمين تحت راية واحدة بعيدا عن الطائفية والتفرقة
فالدين يسع الجميع
 

kwt.store

عضو مخضرم
على فكره .. الشيخ الشنقيطي من علماء السلف

فهذا دليل على اعتدال ووسطية علماء السلف
 

الرحال

عضو بلاتيني
أخوي الجهراوي
من تقصد هنا سلمك الله بالشيخ محمدالشنقيطي لأنهم كثر
حتى أحدد مداخلتي القادمة بناءا على جوابك
 

الرحال

عضو بلاتيني
أخوي الجهراوي
من تقصد هنا سلمك الله بالشيخ محمدالشنقيطي لأنهم كثر
حتى أحدد مداخلتي القادمة بناءا على جوابك



اخوي الجهراوي إنت شابك وما رديت يمكنك ما انتبهت لمداخلتي
عموما طال عمرك : هذا الدكتور محمد المختارالشنقيطي رئيس المرصد الإسلامي في موريتانيا وهو مفكر إسلامي سياسي موعالم دين
أنت يمكن تقصد الشيخ الدكتور محمد المختار الشنقيطي الشيخ الواعظ المشهورالمدرس في المسجد النبوي وليس هو صاحب هذا المقال للعلم فقط
لأن ترى الشناقطة أسمائهم تتشابه
 

kwt.store

عضو مخضرم
اخوي الجهراوي إنت شابك وما رديت يمكنك ما انتبهت لمداخلتي
عموما طال عمرك : هذا الدكتور محمد المختارالشنقيطي رئيس المرصد الإسلامي في موريتانيا وهو مفكر إسلامي سياسي موعالم دين
أنت يمكن تقصد الشيخ الدكتور محمد المختار الشنقيطي الشيخ الواعظ المشهورالمدرس في المسجد النبوي وليس هو صاحب هذا المقال للعلم فقط
لأن ترى الشناقطة أسمائهم تتشابه


شكرا على التنبيه
 
أعلى