أحاديث في مستقبل الحكم(3)
الشيخوخة!
بعد تحرير البلاد من الغزو العراقي الغاشم, لاحت أمام الكويت فرصة ثمينة للتجديد السياسي سواء على مستوى الحكم والأسرة الحاكمة, بأشخاصها وبأفكارها, أو على مستوى شؤون الدولة وطريقة تسييرها. غير أن عزلة الشيخ جابر الأحمد رحمه الله وعزوفه عن اتخاذ القرارات المهمة وزهده شؤون الحكم, أسقط قرارات الأسرة الحاكمة وقرارات الحكم بيد أطراف أخرى باستثناء قرار حل مجلس الأمة وقرار تنحية الشيخ سعد. وقد تسبب زهد الشيخ جابر وتحول مركز القرار في الحكم إلى غيره في أمرين مهمين, الأول هو شيخوخة نظام الحكم والدولة معه, و الثاني هو شيوع الخلافات والتنافس بين الشيوخ, كبارا وصغارا, وخروج الأسرة عن تراثها وثقافتها في تداول شؤون الحكم و شؤون الدولة. وفي هذه الفترة بالذات تفشى الفساد في البلاد بعد أن أصبح "منهج إدارة" معتمد, وظهرت إمارات ضعف أو شيخوخة النظام. وسوف نعود لهذا الموضوع بعد أن نفرغ من التعليق على قضية "الأخوين الشطي والبصيري".
إن حصول الدكتور اسماعيل الشطي على منصب نائب رئيس مجلس الوزراء, وحصول الدكتور محمد البصيري على منصب نائب رئيس مجلس الأمة حالة كونهما من تنظيم "الاخوان المسلمين", فإن الصورة خارج الإطار المحلي للمراقبين والمحللين الدوليين توحي بمستقبل مظلم للبلاد, إذ أن نمو قوة تيار ديني في دولة نفطية تجاور السعودية و الإمارات لاشك يقلق الغرب, وهم لا يحسبون الأمور كما نحسبها نحن, بل يستشرفون الخطر مبكرا. وبالنسبة لهم فإن نمو قوة "الاخوان المسلمين" في الكويت يدق نواقيس الخطر في المنطقة كلها.
بالنسبة لنا, نحن نعلم كيف أصبح د.الشطي وزيرا, وكيف تولى منصب نائب رئيس الوزراء, فهو صديق شخصي لرئيس الوزراء, وقد يكون الوزير الوحيد الذي اختاره الشيخ ناصر المحمد. ونظرا لعزوف العديد من الشخصيات عن منصب نائب رئيس الوزراء مربوطا بوزارة الدولة لشؤون مجلس الوزراء, لم يكن أمام الشيخ ناصر سوى منحه للشطي, وبالتالي فليس في الأمر مؤشر خطير, "فالاخوان" لم يحصلوا على المنصب بقوتهم الذاتية ولا من خلال تغلغلهم في النظام. ولا يختلف الأمر بالنسبة للبصيري, فقد كان حصوله على المنصب نتيجة "تكتيكات" انتخابية وتبادل أصوات.
غير ما سبق لا يقلل من الخطر, فنحن نعلم أن التيار الديني في الكويت متغلغل في عمق النظام, وأن "للاخوان" تحديدا أجندة سياسية خاصة بهم كتنظيم دولي. ومهما قيل عن عدم صلاحية الكويت لتحقيق أهداف التنظيم الدولي "للاخوان", فإن الأجندة المحلية لهم فيها الكثير مما يتطلب الحذر!
إن على "اخوان الكويت" اليوم, وبعد زيادة حصتهم في البرلمان, وبعد حصول عنصرين منهم على منصبين مهمين, إثبات محلية ووطنية أجندتهم, وعليهم تقديم وعرض بنود تلك الأجندة, وعلينا أن نراقب توجهاتهم في البرلمان وتأثير المنصبين عليهم.
المهم في الأمر هو كيف يتعامل النظام معهم؟ هل يعطيهم المزيد من المكاسب؟ هل يتم قبولهم "شركاء جدد" في الحكم؟ أم يتمكن النظام من إبقاءهم في الدائرة المحلية وضمن أجندة الدولة؟ إن تجارب أسرة الصباح و"قل حيلتهم" تدفعهم دوما إلى تقديم أثمان أكبر مقابل الحصول على مكاسب قليلة. وإذا كانت تلك الأثمان تتجسد عادة في مناصب معينة تمنح للتيار الديني, أو قوانين وإجراءات تتعلق بالسلوك العام والحريات الشخصية, فإن الخطورة ليست في هذه الأثمان, رغم عدم وجوب دفعها, لكن الخطورة تظهر من مسلك النظام الذي بدأ في السنوات الأخيرة, "يمنح" المكافآت السياسية من "رصيد الحكم ومن مستقبله" كما هو حاصل حاليا مع التحالف الذي يقود طرفه الآخر جاسم الخرافي. وإذا كانت الحركة الدستورية لم تصوت للخرافي في انتخابات رئاسة مجلس الأمة فهذا لا يعني أن العلاقة بين الحركة الدستورية و"فئة من طبقة" هي علاقة خصام سياسي دائم, بل أنني أتوقع أن تعود المياه إلى مجاريها بين الحركة وبين ما يمثله الخرافي, وفي هذه العودة خطورة جسيمة على الكويت وعلى الحكم والأسرة الحاكمة, وهي خطورة تتجسد حين تتحالف الحركة الدستورية مع "فئة من طبقة", إذ أن هذا التحالف لو تم فسوف يكون أقوى من قدرة أسرة الصباح, وسوف يكون المتحكم الرئيسي في القرار السياسي في البلاد. إن تحالف الحركة الدستورية مع ما يمثله جاسم الخرافي سوف ينقل شؤون الحكم, وليس شؤون الدولة فقط, خارج نطاق أسرة الصباح خاصة في عهد الشيخ نواف الأحمد!
والآن ... فما أوردته في مقالاتي الأخيرة هو اجتهاد شخصي قد يقترب من الصواب وقد يبتعد عنه, لكن أيا كان الأمر بالنسبة لمقالاتي الأخيرة, هل يعتقد الشيوخ أن حكمهم قد بدأ يضعف فعلا أم أنهم يرونه في أوج قوته؟ هل سألوا أنفسهم عن الاحتمالات وما قد يواجهونه في المستقبل القريب؟ هل يرون أن أبدية الحكم أمر مفروغ منه, وأن استمرار حكمهم لا يحتاج إلى جهد خاص؟
ألا يرون أن النظام يمر في مرحلة شيخوخة انتقلت إليه من شيخوخة حكامه ومن خلفهم ومن سيخلفهم؟ ألا يفكرون في أثر الشيخوخة المستمرة منذ أكثر من خمسة عشر عاما؟
إن أنظمة الحكم التي تعتمد على شخصية الحاكم لا على المؤسسات الدستورية تصاب بالهرم والكبر والشيخوخة, وعلى الرغم من "براغماتية" نظام الحكم الكويتي والأسرة الحاكمة, إلا أن الوقت قد لا يسعف في بعض الأحيان, فإن لم يحصل النظام على ما يحتاجه من "إسعاف" في الوقت المناسب, فإن محاولات إنعاشه لاحقا لن تكون مجدية. إن ما أطرحه هنا ليس تكهنات لا أساس لها, بل هو قراءة في إشارات قد نغفل عنها وسط زخم العمل اليومي. على كل حال أتمنى أن أكون على خطأ في تحليلي السابق, وألا تظهر الأيام صواب رأيي!
21/7/2006
--------------------------
المصدر: موقع الجاسم
الجزء الأول من سلسلة المقالات: أحاديث في مستقبل الحكم (1)
الجزء الثاني من سلسلة المقالات: الجاسم: أحاديث في مستقبل الحكم (2) - "خرب عشه قبل لا يكبر طيره"!
الشيخوخة!
بعد تحرير البلاد من الغزو العراقي الغاشم, لاحت أمام الكويت فرصة ثمينة للتجديد السياسي سواء على مستوى الحكم والأسرة الحاكمة, بأشخاصها وبأفكارها, أو على مستوى شؤون الدولة وطريقة تسييرها. غير أن عزلة الشيخ جابر الأحمد رحمه الله وعزوفه عن اتخاذ القرارات المهمة وزهده شؤون الحكم, أسقط قرارات الأسرة الحاكمة وقرارات الحكم بيد أطراف أخرى باستثناء قرار حل مجلس الأمة وقرار تنحية الشيخ سعد. وقد تسبب زهد الشيخ جابر وتحول مركز القرار في الحكم إلى غيره في أمرين مهمين, الأول هو شيخوخة نظام الحكم والدولة معه, و الثاني هو شيوع الخلافات والتنافس بين الشيوخ, كبارا وصغارا, وخروج الأسرة عن تراثها وثقافتها في تداول شؤون الحكم و شؤون الدولة. وفي هذه الفترة بالذات تفشى الفساد في البلاد بعد أن أصبح "منهج إدارة" معتمد, وظهرت إمارات ضعف أو شيخوخة النظام. وسوف نعود لهذا الموضوع بعد أن نفرغ من التعليق على قضية "الأخوين الشطي والبصيري".
إن حصول الدكتور اسماعيل الشطي على منصب نائب رئيس مجلس الوزراء, وحصول الدكتور محمد البصيري على منصب نائب رئيس مجلس الأمة حالة كونهما من تنظيم "الاخوان المسلمين", فإن الصورة خارج الإطار المحلي للمراقبين والمحللين الدوليين توحي بمستقبل مظلم للبلاد, إذ أن نمو قوة تيار ديني في دولة نفطية تجاور السعودية و الإمارات لاشك يقلق الغرب, وهم لا يحسبون الأمور كما نحسبها نحن, بل يستشرفون الخطر مبكرا. وبالنسبة لهم فإن نمو قوة "الاخوان المسلمين" في الكويت يدق نواقيس الخطر في المنطقة كلها.
بالنسبة لنا, نحن نعلم كيف أصبح د.الشطي وزيرا, وكيف تولى منصب نائب رئيس الوزراء, فهو صديق شخصي لرئيس الوزراء, وقد يكون الوزير الوحيد الذي اختاره الشيخ ناصر المحمد. ونظرا لعزوف العديد من الشخصيات عن منصب نائب رئيس الوزراء مربوطا بوزارة الدولة لشؤون مجلس الوزراء, لم يكن أمام الشيخ ناصر سوى منحه للشطي, وبالتالي فليس في الأمر مؤشر خطير, "فالاخوان" لم يحصلوا على المنصب بقوتهم الذاتية ولا من خلال تغلغلهم في النظام. ولا يختلف الأمر بالنسبة للبصيري, فقد كان حصوله على المنصب نتيجة "تكتيكات" انتخابية وتبادل أصوات.
غير ما سبق لا يقلل من الخطر, فنحن نعلم أن التيار الديني في الكويت متغلغل في عمق النظام, وأن "للاخوان" تحديدا أجندة سياسية خاصة بهم كتنظيم دولي. ومهما قيل عن عدم صلاحية الكويت لتحقيق أهداف التنظيم الدولي "للاخوان", فإن الأجندة المحلية لهم فيها الكثير مما يتطلب الحذر!
إن على "اخوان الكويت" اليوم, وبعد زيادة حصتهم في البرلمان, وبعد حصول عنصرين منهم على منصبين مهمين, إثبات محلية ووطنية أجندتهم, وعليهم تقديم وعرض بنود تلك الأجندة, وعلينا أن نراقب توجهاتهم في البرلمان وتأثير المنصبين عليهم.
المهم في الأمر هو كيف يتعامل النظام معهم؟ هل يعطيهم المزيد من المكاسب؟ هل يتم قبولهم "شركاء جدد" في الحكم؟ أم يتمكن النظام من إبقاءهم في الدائرة المحلية وضمن أجندة الدولة؟ إن تجارب أسرة الصباح و"قل حيلتهم" تدفعهم دوما إلى تقديم أثمان أكبر مقابل الحصول على مكاسب قليلة. وإذا كانت تلك الأثمان تتجسد عادة في مناصب معينة تمنح للتيار الديني, أو قوانين وإجراءات تتعلق بالسلوك العام والحريات الشخصية, فإن الخطورة ليست في هذه الأثمان, رغم عدم وجوب دفعها, لكن الخطورة تظهر من مسلك النظام الذي بدأ في السنوات الأخيرة, "يمنح" المكافآت السياسية من "رصيد الحكم ومن مستقبله" كما هو حاصل حاليا مع التحالف الذي يقود طرفه الآخر جاسم الخرافي. وإذا كانت الحركة الدستورية لم تصوت للخرافي في انتخابات رئاسة مجلس الأمة فهذا لا يعني أن العلاقة بين الحركة الدستورية و"فئة من طبقة" هي علاقة خصام سياسي دائم, بل أنني أتوقع أن تعود المياه إلى مجاريها بين الحركة وبين ما يمثله الخرافي, وفي هذه العودة خطورة جسيمة على الكويت وعلى الحكم والأسرة الحاكمة, وهي خطورة تتجسد حين تتحالف الحركة الدستورية مع "فئة من طبقة", إذ أن هذا التحالف لو تم فسوف يكون أقوى من قدرة أسرة الصباح, وسوف يكون المتحكم الرئيسي في القرار السياسي في البلاد. إن تحالف الحركة الدستورية مع ما يمثله جاسم الخرافي سوف ينقل شؤون الحكم, وليس شؤون الدولة فقط, خارج نطاق أسرة الصباح خاصة في عهد الشيخ نواف الأحمد!
والآن ... فما أوردته في مقالاتي الأخيرة هو اجتهاد شخصي قد يقترب من الصواب وقد يبتعد عنه, لكن أيا كان الأمر بالنسبة لمقالاتي الأخيرة, هل يعتقد الشيوخ أن حكمهم قد بدأ يضعف فعلا أم أنهم يرونه في أوج قوته؟ هل سألوا أنفسهم عن الاحتمالات وما قد يواجهونه في المستقبل القريب؟ هل يرون أن أبدية الحكم أمر مفروغ منه, وأن استمرار حكمهم لا يحتاج إلى جهد خاص؟
ألا يرون أن النظام يمر في مرحلة شيخوخة انتقلت إليه من شيخوخة حكامه ومن خلفهم ومن سيخلفهم؟ ألا يفكرون في أثر الشيخوخة المستمرة منذ أكثر من خمسة عشر عاما؟
إن أنظمة الحكم التي تعتمد على شخصية الحاكم لا على المؤسسات الدستورية تصاب بالهرم والكبر والشيخوخة, وعلى الرغم من "براغماتية" نظام الحكم الكويتي والأسرة الحاكمة, إلا أن الوقت قد لا يسعف في بعض الأحيان, فإن لم يحصل النظام على ما يحتاجه من "إسعاف" في الوقت المناسب, فإن محاولات إنعاشه لاحقا لن تكون مجدية. إن ما أطرحه هنا ليس تكهنات لا أساس لها, بل هو قراءة في إشارات قد نغفل عنها وسط زخم العمل اليومي. على كل حال أتمنى أن أكون على خطأ في تحليلي السابق, وألا تظهر الأيام صواب رأيي!
21/7/2006
--------------------------
المصدر: موقع الجاسم
الجزء الأول من سلسلة المقالات: أحاديث في مستقبل الحكم (1)
الجزء الثاني من سلسلة المقالات: الجاسم: أحاديث في مستقبل الحكم (2) - "خرب عشه قبل لا يكبر طيره"!