سلسلة تيسير العلم الشرعي ( دراسة السيرة النبوية الشريفة )

أبو عمر

عضو بلاتيني / العضو المثالي لشهر أغسطس
==================
تمهيد ( فوائد دراسة السيرة )
==================


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد , اللهم صلي وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه واتبع سنته إلى يوم الدين ثم أما بعد...


هذه سلسلة في دراسة السيرة النبوية
العطرة على صاحبها ألف صلاة وسلام , وهذا الموضوع أي السيرة النبوية من أهم الموضوعات التي يجب أن يعتني بها المسلم في حياته , بل هي أهم الموضوعات على الإطلاق.
فهذه سيرة أعظم رجل عرفته البشرية , وأفضل من مشى على ظهر الأرض , سيرة رجل تفوق في كل المجالات , فإذا كانت البرشية تتقدم في مجال وتتأخر في آخر فإن النبي صلى الله عليه وسلم تفوق في كل المجالات.
تفوق في عبادته وتفوق في حكمته وفي ذكاءه وفي حروبه وفي كل شيء لا تجد أحدا من الناس سبقه أو حتى قاربه, ما بالك بإنسان قال تعالى في حقه ((وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم/4] )) , ما بالك بإنسان أقسم رب العالمين بحيته فقال تعالى (( لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ [الحجر/72])).
لن يحاسب رب العالمين الناس يوم القيامة إلا بعدما يقوم هذا الرجل صلى الله عليه وسلم بالشفاعة لكي يبدأ الحساب ,لن يدخل أحد الجنة إلا خلفه , فهو الماحي الذي محا الله به الكفر , وهو الذي يرفع راية الحمد يوم القيامة.
في هذه السلسلة نتناول سيرة النبي الحبيب القائد القدوة محمد صلى الله عليه وسلم , نلتمس الضوء من سيرته وحياته لنضيء حياتنا وسبيلنا , وسوف أستأنس في هذه الدراسة بمحاضرات الشيخ راغب السرجاني حفظه الله في شرحه للسرية مع عددا من الكتب.


أهمية دراسة السيرة النبوية

نحن الآن نعيش في زمن وحال الأمة في ضعف شديد , وفي تصدع وإنحلال في أجزاء كثيرة من بدن الأمة , وإذا رجعنا إلى كتاب الله تعالى نجد تباينا كبيرا بين قوله تعالى (( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آَمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ [آل عمران/110] )) وبين واقعنا الآن
ونحن الآن متأخرون في شتى المجالات , وهذا التأخر يقدر بمئات السنين عن الدول المتقدمة ,
انظر إلى الخلل عندنا في الأخلاق وفي انتشار الرشاوي وفي معاملة الناس بعضها ببعض وفي الجامعات في كل المجالات لا تجد الخيرية ظاهرة إلا من رحم الله تعالى .
والقرآن الكريم صدق ولا ريب ولا يكذب أبدا ومن هنا فالخلل عندنا وفي تطبيقنا بل وفي فهمنا أصلا قبل التطبيق , العيب فينا وعندنا وليس في المنهج ولابد من إعادة البناء والترميم ولا يكون ذلك إلا بدراسة سيرة النبي صلى الله عليه وسلم.
لقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أنه سوف يكون هناك إختلاف كثير كما في حديث العرباض بن ساية (( وَعَظَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا بَعْدَ صَلَاةِ الْغَدَاةِ مَوْعِظَةً بَلِيغَةً ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ فَقَالَ رَجُلٌ إِنَّ هَذِهِ مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ فَمَاذَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَإِنْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ يَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ فَإِنَّهَا ضَلَالَةٌ فَمَنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَعَلَيْهِ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ )) , وكل مسلم يريد أن ينتهض بأمته يلتمس المنهج الذي يظنه سليما وصحيحا , فهذا يرجو الشيوعية وهذا يظن أن الخير في الرأسمالية وهذا يرى العلمانية , وكل تجربة تأخذ من أعمار الأمة الكثير , ولكن إذا اختلفنا من الذي يحكم بيننا...
ومن هنا تأتي أهمية دراسة سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم لأنه قدوة وحياته كلها كانت حكمة , فإذا فعل أمرا دل ذلك على أنه أفضل تصرف , وإذا ترك أمرا دل ذلك على الترك , ولعل من الحكمة اختصاصه صلى الله عليه وسلم بالزواج من أكثر من أربع نسوة هو أن ينقلن أزواجه صلى الله عليه وسلم كل ما كان يقع في بيوتهن من أخباره لأنه كما سبق قدوة للمسلمين.
ولكن إستقصاء كل ما كان في حياة النبي صلى الله عليه وسلم من الصعوبة بمكان , لأن حياة النبي صلى الله عليه وسلم متنوعة ومختلفة فأحيانا يكون فقيرا وأحيانا يكون غنيا وأحيانا محاربا وأحيانا مسالما صلوات ربي وسلامه عليه.
وأيضا مما يجعل الإستقصاء صعب جدا هو أنه الصحابة رضي الله عنهم وإن كانوا نقلوا عنه كل شيء علموه عنه صلى الله عليه وسلم إلا أنهم كانوا عباقرة في شتى المجالات أيضا , والرجل العظيم إن عاش بين عظماء تكبر السيرة جدا وتحتاج إلى عشرات المجلدات لحصرها , لأن العظماء يتفاعلون بإجابية ويتناقشون بذكاء ويفكرون بعلم ويتحركون بوعي وإدراك ومن هنا فالسيرة تكبر جدا وتبلغ حدا من الضخامة بحيث أن سيرة كل صحابي والذي تحتاج إلى مجلدات ومجلدات ما هي إلا جزء صغير من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم.
والسيرة معين لا ينضب وكلما نظر فيها المفكرين استخرجوا منها كنوز , وحكم كثيرة , وكيف لا وقد تعيش أمة من الأمم ولا يقع في تاريخها حدث عظيم إلا كل سنين طويلة جدا والنبي صلى الله عليه وسلم في حياته قد وقعت أخبارا عظيمة جدا تقريبا في كل سنة وربما حدثين أو ثلاثة أو أكثر في السنة الواحدة.
تأمل حرب اسرائيل في رمضان مازال الناس يكتبون عنها والمحللين يحللونها وهي وقد وقعت منذ ما يزيد على ثلاثين سنة , فما بالك بحياة النبي صلى الله عليه وسلم وما وقع في حياته من أحداث وخطوب , السنة الثانية هجريا حرب بدر , السنة الثالثة هجريا حرب أحد وبنو قينقاع , في السنة الرابعة هجريا بنو النضير وفي السنة الخامسة هجريا الأحزاب وهكذا , أحداث عظيمة جدا فكيف يمكن استقصاء كل الأخبار والأحوال لحياة هذا الرجل العظيم النبي الرسول صلى الله عليه وسلم.


قواعد أساسية لدراسة السيرة

هناك أربعة قواعد أساسية لابد أن يتخذها المسلم في أثناء دراسته للسيرة النبوية
القاعدة الأولى : دراسة السيرة هي وسيلة للتفقه في الدين وفهم السنة النبوية والتي هي المصدر الثاني من مصادر التشريع, ولا يمكن أن تفهم السنة إلا من خلال السيرة.
وحتى فهم القرآن الكريم يحتاج إلى دراسة السيرة أيضا و فالسيرة إذا ليست من طرق التسلية وإنما هي دراسة للدين الإسلامي والتفقه به.
القاعدة الثانية : هي التعرف على شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم , وهي أعظم شخصية عاشت على وجه الأرض ولكن ينبغي أن نضع مسألة هامة في أذهاننا.
أن النبي صلى الله عليه وسلم هو رسول , وقد شاء رب العالمين أن لا يكلم الناس كفاحا وإنما اختار النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون هو المبلغ بين رب العالمين وبين خلقه , ومن هنا فينبغي أن نتلقى السيرة بهذا النوع من الإهتمام العظيم والعناية الكبيرة.
فالسيرة النبوية إذا هي البوصلة التي نحتاجها في سيرنا للحياة وكلما كان فهم الإنسان لها سليما كلما وصل إلى غايته وما ضاع ولا تاه في ضروب الفتن والحياة.
القاعدة الثالثة : تعلم كيفية حب النبي صلى الله عليه وسلم , لأن التعرف السطحي على سيرة النبي صلى الله عليه وسلم لا يولد إلا حبا ضعيفا أو تقديسا ولكن التعرف على هذه السيرة بنوع من الإهتمام والتبحر فيها يورث صاحبها حبا وشغفا يملأ قلبه فلا يجرؤ على العصيان.
وهذا الجب لازم للمسلم لكي ينجو يوم القيامة ففي الحديث النبوي ( لا يؤمن العبد )
القاعدة الرابعة : أن نتعلم الحكمة في الأقوال والإفعال والآراء , وحياة النبي صلى الله عليه وسلم هي الحكمة بعينها , فقد امتلك النبي صلى الله عليه وسلم قلوب أصحابه وامتلك أيضا قلوب أعداءه وهذا فن.
نتعلم حكمة المرحلية وفقه الواقع , وكيف أن المواقف قد تتغير , ففي الوقت الذي يمر النبي صلى الله عليه وسلم على ياسر وهو يعذب ولا يملك له إلا أن يقول ( صبرا ) , في وقت آخر يسير جيشا كبيرا لحرب بنو قينقاع لقتلهم رجل واحد مسلم.
نتعلم التوازن والحكمة والنظر إلى الواقع وغير ذلك من الأمور الكثيرة جدا والفوائد العظيمة من دراسة السيرة النبوية العطرة على صاحبها الصلاة والسلام.


وفي النهاية أقول إن هذه السيرة ربما تطول ولكنها من الأمور التي لا يحسن الإختصار فيها بل هي من المواضيع التي يحسن التبحر فيها والتوسع والتدبر , ولهذا نويت أن أبدا في هذه السلسلة حرصا على تقوية المحبة في قلبي والإستعداد لشهر رمضان , الإستذكار مع إخواني في هذا المنتدى فيما ننقله من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم , على أن يكون نفس المنهج في العرض وهو أن نضع المشاركة ثم نترك يوما لأي أسئلة أو تعليقات أو مناقشات في ذات الموضوع , واليوم التالي له نضع القضية التالية وهكذا...


والله أسأل أن يوفقنا جميعا لما يحبه ويرضاه والحمد لله رب العالمين



 

سعيد

عضو ذهبي
اللهم صل وسلم على نبينا محمد ..

لا تنهض أمة الإسلام بغير اتباعها النبي محمد صلى الله عليه وسلم ...الذي يمثل الصورة التطبيقية لمنهج الله ..

كم نقرأ قول الله تعالى في سورة الحمد .. اهدنا الصراط المستقيم ،صراط الذين أنعمت عليهم ..

فالاهتداء بسيرة الذين أنعم الله عليهم يدلنا على الصراط المستقيم .. وقول الله .."فبهداهم اقتده " يدل على ذلك ..

فقراءة وتدارس قصص الأنبياء والسيرة النبوية وسير الصالحين مما يعين على الاستقامة ..

وهذا ما فهمه الصحابة والتابعون .. فكانوا يتناقلون هذه السير ويعلمونها أبناءهم ..

يقول علي بن الحسين : " كنا نتعلم مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم كما نتعلم السورة من القرآن " .

شكر الله لك أبا عمر .. وبارك فيك وسدد خطاك ..
 

أبو عمر

عضو بلاتيني / العضو المثالي لشهر أغسطس
اللهم صل وسلم على نبينا محمد ..

لا تنهض أمة الإسلام بغير اتباعها النبي محمد صلى الله عليه وسلم ...الذي يمثل الصورة التطبيقية لمنهج الله ..

كم نقرأ قول الله تعالى في سورة الحمد .. اهدنا الصراط المستقيم ،صراط الذين أنعمت عليهم ..

فالاهتداء بسيرة الذين أنعم الله عليهم يدلنا على الصراط المستقيم .. وقول الله .."فبهداهم اقتده " يدل على ذلك ..

فقراءة وتدارس قصص الأنبياء والسيرة النبوية وسير الصالحين مما يعين على الاستقامة ..

وهذا ما فهمه الصحابة والتابعون .. فكانوا يتناقلون هذه السير ويعلمونها أبناءهم ..

يقول علي بن الحسين : " كنا نتعلم مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم كما نتعلم السورة من القرآن " .

شكر الله لك أبا عمر .. وبارك فيك وسدد خطاك ..



جزاكم الله خيرا على هذه الكلمة الطيبة أخي سعيد , وهي مناسبة للمقدمة , وفعلا السير هي التي تعين على الفهم والإتباع.


ورضي الله عنه عن ابن مسعود إذ قال (( من كان مستناً فليستن بمن قد مات فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة أولئك أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أبر هذه الأمة قلوباً وأعمقها علماً وأقلها تكلفا قوم أختارهم الله تعالى لصحبة نبيه وإقامة دينه فاعرفوا حقهم وتمسكوا يهديهم فإنهم على الهدي المستقيم )) رواه ابن عبد البر .


هذا موضوع نفتحه لنعيش فيه السُنة والسيرة ونتشبع من رحيقها , وليس هناك أفضل من الإنشغال بسيرة خير البشر صلوات ربي وسلامه عليه.
 

أبو عمر

عضو بلاتيني / العضو المثالي لشهر أغسطس
السلام عليكم

كثر الله من امثالك اخوي ابو عمر وربي يطرح فيك البركه ....

دمت بود


وعليكم السلام


آمين , وجزاكم الله على دعاءك الطيب , غفر الله لنا و لك وهدانا وإياكم لما يحبه ويرضاه
 

أبو عمر

عضو بلاتيني / العضو المثالي لشهر أغسطس
=============================
حالة العالم قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم
=============================


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد , اللهم صلي وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه واتبع سنته إلى يوم الدين ثم أما بعد....



في هذه المشاركة نستعرض إستعراضا سريعا لحالة الزمان قبيل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم , فقد أظلم الجهل وأطبق على عقول الناس جميعا من مشرقهم إلى مغربهم , وما كان منهم من يدين الله تعالى بالوحدانية إلا القليل النادر.

ففي صحيح مسلم من حديث عياض بن حمار رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم (( وَإِنَّ اللَّهَ نَظَرَ إِلَى أَهْلِ الْأَرْضِ فَمَقَتَهُمْ عَرَبَهُمْ وَعَجَمَهُمْ إِلَّا بَقَايَا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ )), فكل أهل الأرض إلا القليل جدا كانوا على التوحيد أما الباقيين فيخبطون في الجهل والجهالة وفساد الرأي والعقول وسخافة الأفهام والمعتقدات.



نظرة على حال الدولة الرومانية
فالدولة الرومانية مثلا , وهي دولة كبيرة جدا في ذلك الزمان وكان لها تقريبا نصف الأرض تحكمها , لم تكن بعيدة عن ظلم الناس وفساد المعتقدات وإعتقاد الخرافات ...


كان المال في أيدي القلة القليلة من الحكام والتجار , وأمست الرشوة هي الأساس في المعاملات , والضرائب باهظة على كل سكان البلاد , ويكفيك أن تنظر إلى وسائل التسلية المشهورة عنهم من قتل العبيد بعضهم لبعض أو على طريق افتراس الوحوش والسباع لهم والناس ينظون ويضحكون ويتسلون.


وإذا انتشرت الضرائب وكانت الثروات في أيدي القلة منهم , فمن الطبيعي أن ينتشر الزنا والفساد على أوسع نطاع , ويتحكم في سير الكثير من الأوضاع في حياة الإمبراطورية الرومانية الكبيرة...


وإذا كانت تسليتهم هي بقتل العبيد بهذه الطريقة المتطرفة فلا عجب أن اتق{ا عنهم في حروبهم وتنظر لما يفعلوه إذا غلبوا قوما وظهروا عليهم , فأحد قياصرة الرومان ( فاسباسيان ) حاصر اليهود في أورشليم سنة 70 ميلادية وظل محاصر لهم قرابة الخمسة أشهر , ولما انتهى الحصار أمر اليهوج بأن يقتلوا أزواجهم وأبناءهم بأيديهم , والعجيب أن اليهود قد وافقوا على ذلك رجاء النجاة والحياة - مصداقا لقوله تعالى ( ولتجدنهم أحرص الناس على حياة ) - وقد قام اليهود بقتل أولادهم وأزواجهم ثم لما خرجوا إلى الرومان اقترع الرومان بين كل اثنين منهم وأمروه أن يقتل أخاه فلما فعل أبادوهم ولم ينجوا منهم إلا الشريد والهارب , هذا نموذج من حروبهم وتطرفهم في معاملة عدوهم.


والمجتمع الروماني كان يحوي من العبيد الكثير , يصل العبيد فيه إلى ثلاث أضعاف السكان وعلى الرغم من ذلك فإن أفلاطون المفكر الكبير عندهم والذي ألف المدينة الفاضلة الخيالية ذهب إلى عدم جواز اعطاء العبيد حق المواطنة مع ما اشتهر عنه في نظرته للمرأة بصفة عامة.


المرأة في النصوص الدينية عند الغرب

حال المرأة في الغرب كان مزريا إلى حد كبير , فلا كرامة ولا حقوق ولا شيء , وكانت هذا الإمتهان ينبع من تعاليم كتبهم المحرفة وما انعكس على القوانين أو حتى ما جعلوه شريعة وقانونا بأيديهم , ويكفي في ذكر ذلك المؤتمر الذي عقد في القرن الخامس (مؤتمر ماكون ) للنظر هل للمرأة روح أم لا ؟ و قرر المؤتمر خلو المرأة عن الروح الناجية .

و في عام 586م عقد مؤتمر لبحث إنسانية المرأة ، ثم قرر المؤتمر بأغلبية صوت واحد بأن المرأة إنسان خلق لخدمة الرجل . و بعد ظهور البروتستانت في القرن السادس عشر عقد اللوثريون مؤتمراً في وتنبرج لبحث إنسانية المرأة .

ولمزيد حول مكانة المرأة عند الغرب وامتهانها في النصوص الدينية والتشريعية ينظر هذا الرابط من هنا


ملخص الحالة ننقله من قول المؤرخ الفرنسي رينو فيقول : طفحت أوربا في ذلك الزمان بالعيوب والآثام، وهربت من النظافة والعناية بالإنسان والمكان، وزخرت بالجهل والفوضى والتأخر، وشيوع الظلم والاضطهاد، وفشت فيها الأمية. انتهى
ويصف البكري بعض أصناف الصقالبة سكان المناطق الشمالية في أوربا، فيقول: لهم أفعال مثل أفعال الهند، فيحرقون الميت عند موته، وتأتي نساء الميت يقطعن أيديهن ووجوههن بالسكاكين، وبعض النساء المحبات لأزواجهن يشنقن أنفسهن على الملأ، ثم تُحرق الجثة بعد الموت، وتوضع مع الميت. انتهى
ولوبون في كتاب حضارة العرب يقول ( ودامت همجية أوروبا البالغة زمنا طويلا من غير أن تشعر بها .ولم يبدأ في أوروبا بعض الميل إلى العلم إلا في القرن الحادي عشر وفى القرن الثاني عشر من الميلاد وذلك حين ظهر فيها أناس رأوا أن يرفعوا أكفان الجهل الثقيل عنهم فولوا وجوههم شطر العرب ـ المسلمين ـ الذين كانوا أئمة وحدهم) انتهى
ويصف المؤرخ الأوروبي ستانلي لين بول حضارة الأندلس الإسلامية فيقول: ( تظهر المقابلة جلية بين حضارة الأندلس وغيرها من المدن إذا ذكرنا أن أوروبا كلها في هذا العهد كانت غارقة في حمأة من الجهل وخشونة الأخلاق ثم يصف قرطبة فيقول: قرطبة العظيمة التي كانت أعجوبة العصور الوسطى والتي حملت وحدها في الغرب الثقافة والمدنية وهاجة وقت أن كانت أوروبا غارقة في الجهالة البربرية فريسة للشقاق والحروب ) انتهى

يقول المؤرخ صاعد بن احمد الماضي الطليطلي صاحب كتب كتاب طبقات الأمم وقد توفي في القرن الخامس الهجري سنة 462 بطليطلة , وهو يصف أهل شمال أوروبا ( كانوا قوما أشبه بالبهائم ,قد يكون ذلك من إفراط بُعد الشمس عن مسام رؤوس أهل الشمال قد برّد هواءهم وكثّف جوّهم، فصارت لذلك امزجتهم باردة وأخلاقهم جافة ... فعدموا دقّة الأفهام وثقوب الخواطر، وغلب عليهم الجهل والبلادة وفشا فيهم العمى والغباوة)انتهى

الرحالة إبراهيم الطرطوشي يصف أهل جليكية : (( هم أهل غدر ودناءة أخلاق , لا يتنظفون ولا يغتسلون في العام إلا مرة أو مرتين بالماء البارد , لا يغسلون ثيابهم منذ أن يلبسونها إلى أن تنقطع عليهم , يزعمون أن الوسخ الذي يعلوهم من عرقهم تصح به أبدانهم)).

يروي ابن فضلان الرَّحَّالة المسلم في القرن الرابع الهجري ما شاهده بنفسه من موت أحد السادة في أوروبا، فجاءوا بجاريته لتموت معه، فشربت الخمر ورقصت، وقامت بطقوس معينة، ثم قيدوها بالحبال من رقبتها، ثم أقبلت امرأة عجوز يسمونها: ملك الموت، وبيدها خنجر كبير، ثم أخذت تطعنها في صدرها بين الضلوع في أكثر من موضع، والرجال يخنقونها بالحبل حتى ماتت، ثم أحرقوها، ووضعوها مع سيدها الميت، وهم بهذا يظنون أنهم يوفون السيد حقه من التكريم.انتهى



نظرة على الدولة الفارسية

والحال في الدولة الفارسية لم يكن بأفضل من ذلك وإنما كانت حالتهم مزرية..


يقول الشيخ السرجاني (( انتشر الانحلال الأخلاقي، حتى سقط الفرس في مستنقع زواج المحارم فـ (كسرى يزدجرد الثاني) كان متزوجًا من ابنته ثمّ قتلها، وتزوج (بهرام جوبين) بأخته، ومنهم من تزوج أمه، ولم يكن هذا الداء منتشرًا في الأمم في ذلك العصر، بل كان مستقبحًا، وكانت كل المجتمعات تستنكر على الفرس نكاحهم المحارم.

في عهد (قباذ) ظهر رجل يذكر في الفلاسفة، بينما هو في الواقع مصيبة وكارثة ضربت الفرس في مقتل، فقد قال: إنّ الناس سواسية في كل شيء، وهذه الكلمة ظاهرها طيب، ولكنّ باطنها خبيث، فهو لم يدع إلى المساواة في الحقوق والواجبات، والمعاملات والاحترام، بل دعا إلى اشتراك الناس في المال والنساء، أي هم متساوون في ملكية هذين الشيئين، فهي في حقيقتها دعوة شيوعية خبيثة.

فأصبح الرجل القويُّ يدخل على الرجل الضعيف بيته، فيغلبه على ماله وزوجته، والضعيف لا يستطيع أن يعترض، فقد صارت الشيوعية دينًا لهم، وليس هناك احترام للملكية الخاصة، فامتنع الناس عن العمل، لعدم استفادتهم بما يكسبونه من أجر، وعمّت السرقات التي صارت الطريق الأسهل للحصول على المال، وباركها (كسرى قباذ) الذي كان يرى ذلك دينًا، وفسد الناس كلهم أجمعون.

وقد كانوا يعتقدون أن الأكاسرة تجري بعروقهم دماء إلهية، وأنهم فوق البشر، وفوق القانون، فكانوا يعظمونهم؛ فكان الرجل إذا دخل على كسرى ارتمى ساجدًا على الأرض، فلا يقوم حتى يؤذن له.
كانوا يضعون على أفواههم غلالة من القماش الأبيض الرقيق إذا دخلوا على كسرى حتى لا يلوثوا الحضرة الملكية بأنفاسهم.

يفعلون ذلك بينما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استقبله رجل فصافحه لا ينزع يده من يده حتى يكون الرجل ينزع، ولا يصرف وجهه عن وجهه حتى يكون الرجل هو الذي يصرفه، ولم ير مقدمًا ركبتيه بين يدي جليس له (أي يتواضع لجليسه فلا يمد رجله أمامه).. روى ذلك الترمذي وابن ماجة عن أنس رضي الله عنه.

ـ كانت مكانة الإنسان في المجتمع الفارسي تخضع لنظام شديد الطبقية، وفيه مهانة كبيرة للإنسانية فكان المجتمع مقسمًا إلى سبع طبقات:

*طبقة الأكاسرة: وهي أعلى الطبقات وأرقاها.
*طبقة الأشراف: وهي سبع عائلات لا يتخطاها الشرف إلى غيرها.
*طبقة رجال الدين.
*طبقة قواد الجيش رجال الحرب.
*طبقة المثقفين: من الكُتاب والأطباء والشعراء (لذا ليس مستغربًا أن يعم الجهل، وتنتشر الخرافات في المجتمع، ما دام أهل العلم في المؤخرة).
*طبقة الدهاقين: وهم رؤساء القرى، وجامعوا الضرائب.
*عامة الشعب: وهم أكثر من 90% من مجموع سكان فارس من العمال والفلاحين، والتجار والجنود والعبيد، وهؤلاء ليس لهم حقوق بالمرة، لدرجة أنهم كانوا يربطون في المعارك بالسلاسل، ففي موقعة (الأُبلَّة) أولى المواقع الإسلامية في فارس بقيادة خالد بن الوليد رضي الله عنه كان الفُرس يربطون ستين ألفًا من الجنود بالسلاسل كي لا يهربوا: كل سلسلة تضم عشرة جنود ))




الوضع في مصر

لقد كانت مصر محتلةً من الرومان منذ هزيمة (كليوباترا) على يد (أوكتافيوس) سنة 31 قبل الميلاد، وكان الاحتلال من قبل الدولة الرومانية الغربية في عهد (أوغسطس قيصر)، وعندما سقطت الدولة الرومانية الغربية سنة 476 ميلادية (أي قبل ميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم بحوالي مائة عام آلت أملاك الدولة الرومانية الغربية إلى الدولة الرومانية الشرقية، فماذا كان الرومان من الغربيين ثمّ الشرقيين يفعلون في أهل مصر:

ـ تحولت مصر إلى مخزن يُمد الإمبراطورية الرومانية باحتياجاتها من الغذاء.
ـ حدث تدهور شديد في مصر اقتصاديًا وعلميًا واجتماعيًا.
ـ فقد المصريون السلطة بكاملها في بلادهم، وإن كان الرومان قد حرصوا على أن يتركوا بعض الرموز المصرية كصورة فقط، وذلك لتجنب ثورة الشعب.
ـ تمّ فرض الضرائب الباهظة جدًا بمختلف أنواعها على الشعب المعدم فمنها:

ضرائب عامة على الشعب.
ضرائب على الصناعات.
ضرائب على الأراضي.
ضرائب على الماشية.
ضرائب على المبيعات.
ضرائب على أثاث المنازل.
ضرائب على المارة من أجل عبور المصري من مكان إلى مكان.
وتجاوزت الضرائب الأحياء ـ في سابقة تاريخية ـ إلى الأموات، فلم يكن يسمح بدفن الميت إلا بعد دفع ضريبة معينة (مثل ضريبة التركات، وكأنه لا يكفيهم مصيبة الموت).
وفوق كل ذلك الضغط المادي كان التعذيب لأجل المخالفة في المعتقد الديني المذهبي، وإن كان الجميع ـ كما ذكرنا ـ تحت مظلة النصرانية الأرثوذكسية.



الصين

وجد في الصين ثلاث ديانات هي:

1ـ ديانة لاتسو: وقد وضع (لاتسو) هذا ديانة سلبية وغير عملية، فهي تدعو إلى: البعد الكامل عن النساء، والزهد الكامل في الدنيا، والانعزال الكامل عن المجتمع.

2ـ ديانة كونفوشيوس: ويعدونه من كبار الفلاسفة والحكماء الصينين، وديانته مادية بحتة، حيث تعني بقوانين وقواعد وتجارب، وتشير إلى أن الحياة بصفة عامة شيء بائس، أما من ناحية العبادة فلك أن تعبد ما تشاء: شجرًا، أو نهرًا، أو أيًا ما كان.

3ـ ديانة بوذا: وبوذا معدود أيضًا من كبار الفلاسفة والحكماء وشريعته الوضعية تدعو إلى تعاليم أخلاقية معينة، ولكنها ـ أيضًا ـ تدعو إلى الإنعزال عن المجتمع، والزهد في الحياة، وقد تحول بوذا مع مرور الوقت من حكيم ومشرّع وضعيٍّ إلى معبود لبعض أهل الصين، وصنعت له التماثيل، وظل يعبد على مدار السنين حتى الآن.



الهند

تميزت الهند بعدة ظواهر، منها:
1ـ كثرة المعبودات والآلهة، فكل شيء من الممكن أن يعبد في الهند، فهناك تماثيل لكل شيء، قد يعبدون الأشخاص، والجبال، والأنهار كنهر الكنج الذي يقدسونه، ويعبدون المعادن، ومن أشهر المعادن التي عبدوها : الذهب والفضة، ويعبدون آلات الحرب كالسيف والدّرع، ومنهم من يعبد آلات الكتابة كالقلم والأوراق، وكذلك الأجرام الفلكية، والحيوانات وأكثر حيوان عُبد وعظم في الهند هو البقرة وما زالت إلى الآن، ومن المؤسف أن تجد من الهنود علماء في الكمبيوتر والذرة يعبدون بقرة.

وقد عبد الهنود حيوانات كثيرة، حتى أنّ بلادهم أصيبت ذات مرة بمجاعة شديدة نتيجة التهام الفئران التي يعبدونها للمزروعات والمحاصيل.

2ـ الشهوة الجنسية الجامحة: فهم يدَّعون تزاوج الآلهة، كما عبدوا أعضاء التناسل، وتوَّجوا ذلك بارتكاب الكهنة لأبشع الفواحش في معابدهم، وكانوا يعتبرون هذه الفواحش من الدين، أي أنهم كانوا يتقربون لآلهتهم بارتكاب هذه الفواحش.

3ـ الطبقية البشعة: قسّم الهنود المجتمع أربع طبقات هي:

طبقة البراهمة وهم الكهنة والحكام.
طبقة شترى وهم رجال الحرب.
طبقة ويش وهم التجار والزراع.
طبقة شودر وهم المنبوذون: وهم بحسب التقسيم أحط من البهائم، وأذل من الكلاب ويصرح القانون بأنه من سعادة شودر أن يقوموا بخدمة البراهمة دون أجر.

قارن هذا بما رواه ابن ماجه عن ابن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أَعْطُوا الْأَجِيرَ أَجْرَهُ قَبْلَ أَنْ يَجِفَّ عَرَقُهُ.

كما أن ليس لطبقة شودر أن يقتنوا مالا، فإن ذلك يؤذي البراهمة، وإذا همّ شودري أن يضرب برهمي قطعت يده، وإذا همّ بالجلوس إليه كُوِي استه بالنار، ونُفى خارج البلاد، وإذا سبّه أقتلع لسانه، وإذا ادعى أنه يعلمه شيئًا سُقى زيتًا مغليًا، وكفّارة قتل الكلب والقطة والضفدعة والبومة مثل كفارة قتل الشودر سواء بسواءٍ.

والأنكى من ذلك أنّ من كان في طبقة من الطبقات لا يستطيع أن يرتقي للطبقة الأعلى مهما اكتسب من علم أو مال أو جاه.



اليهود

عاش اليهود مضطهدين في آسيا وأوروبا وكل مكان وقد تركزوا بالشام في هذا الوقت، ولم يكن لأحدٍ من الناس بمعاشرتهم طاقة.

فهم في لحظات الضعف يبدون الخنوع والنفاق والدّس والوقيعة والكيد والكذب، وفي لحظات القوة يبدون التجبر والتكبر والظلم والوحشية والربِّا.

ففي سنة (610) ميلادية، انتصر الفرس على الروم [غُلِبَتِ الرُّومُ] {الرُّوم:2} ، فانقلب اليهود على نصارى الشام، وقد ضعفت جيوش الروم هناك، فخرَّبوا الكنائس، وقتلوا الرهبان، وظهرت لهم شوكة وتكبر لعدة سنوات.

ثم انتصر الروم على الفرس [وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ] {الرُّوم:3}، فذهب اليهود إلى هرقل، وتذلّلوا له، وأظهروا الانصياع الكامل له، والتبعية لحكومته، فقبل منهم،وأعطاهم العهد بالأمان، ولكن أتى رهبان الشام، فذكروا لهرقل ما فعله اليهود وقت هزيمة الروم، فغضب هرقل وأراد معاقبة اليهود، ولكن منعه العهد الذي أعطاه إياهم، فجاء رهبان النصارى وقالوا لهرقل: لا عليك من العهد، اقتلهم وسنصوم عنك جمعة كل سنةٍ أبد الدّهر.

وهؤلاء هم رفقاء السوء، وبطانة السوء، فقبل هرقل وعذب اليهود عذابًا شديدًا حتى لم يفلت إلا الذي هرب من الشام.

فقد كان العداء واضحًا وشديدًا بين اليهود والنصارى منذ ادعى النصارى أنً اليهود صلبوا السيد المسيح عليه السلام، وقتلوه [وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ] {النساء:157} ، حتى أن النصارى في عهدهم مع أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه عند فتح القدس سنة (16)هـ اشترطوا ألا يعيش في القدس يهودي. لا يبقى فيها يومًا وليلة، وقد أعطاهم الفاروق عمر العهد بذلك.

تمركز اليهود في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم في شمال المدينة المنورة، وكانوا ـ كعادتهم ـ قومًا غلاظ الطباع، قساة القلوب، منحرفي الأخلاق، يعيشون على الرِّبا، وإشعال الفتن، والتكسب من بيع السلاح، وعلى إيقاع السادة في الفضائح الأخلاقية وتهديدهم بها، وعلى السيطرة على الجهال بكتبهم المحرفة وأفكارهم الضالة.


الحبشة (أثيوبيا )

كان أهل الحبشة على النصرانية المحرفة، وكانوا يتبعون الكرسيّ البابويّ الإسكندريّ في الدين (المنوفيسية)، فيعتقدون أنّ المسيح هو الله أو هو ابن الله وليس له طبيعة بشرية. وكانت حياتهم بدائية إلى حد كبير، وإن كان لديهم قوة وجيش وسلاح. وفي زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد البعثة كان يحكمهم رجل لا يظلم عنده أحد وهو النجاشي أصحمة، النجاشي لقب وليس اسمًا كما يلقب ملك الفرس بكسرى وملك الروم بقيصر وملك مصر بفرعون.


الأمريكتان

كانت الأمريكتان تعيشان في ذلك الوقت مرحلة طفولة حضارية في حياة بدائية تمامًا، وقد شاهدت آثار السكان الأصليين لأمريكا الذين يطلق عليهم الهنود الحمر وهي آثار بدائية للغاية، وظلت كذلك حتى جاء الأوروبيون من المجرمين والأفاكين وأبادوا الملايين من السكان الأصليين، وأقاموا على أشلاء جثثهم الحضارة الأمريكية المعاصرة.


يتبع حالة العرب في الجزيرة العربية قبل البعثة...


 

أبو عمر

عضو بلاتيني / العضو المثالي لشهر أغسطس
=======================
حالة العرب في الجزيرة العربية قبل البعثة
=======================



وثنية مفرطة:
رغم إيمان العرب بالله عز وجل إلا أنهم اتخذوا إليه شفعاء ووسطاء وقالوا: ((مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللهِ زُلْفَى )) {الزُّمر:3} . وبمرور الأيام أصبحوا يعتقدون أنّ هذه الأصنام "الشفعاء" تملك قدرة ذاتية على النفع والضر والخير والشر، فأصبحوا يتوجهون إليها بعبادة مباشرة.

وقد كان لكل مدينة صنم، بل كان لكل قبيلة صنم، فمكة- مثلا- كان أعظم أصنامها (هبل) بينما كان (اللات) أعظم أصنام الطائف، وهكذا.

وكان لكل بيت صنم، وأصبحت تجارة الأصنام لها تجار وصناع، وقد امتلأت الكعبة بالأصنام حتى بلغ عددها ثلاثمائة وستين صنمًا من مختلف الأنواع والأشكال، ومن أعجبها (إساف) و(نائلة) وهما: رجل وامرأة من اليمن زنيا بالبيت الحرام فمسخهما الله عز وجل أحجارًا، ومع مرور الزمن عبدهما الناس، ووضعوا أحدهما على الصفا، والآخر على المروة، إلى هذا الحد بلغت سفاهتهم!!

وعن كيفية صناعتهم لهذه الأصنام يروي البخاري عن أبي رجاء العطاردي رحمه الله وهو من التابعين رغم معاصرته للرسول صلى الله عليه وسلم لأنه اتبع مسيلمة الكذاب، ثم رجع وآمن مرةً أخرى بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم يقول:

كُنَّا نَعْبُدُ الْحَجَرَ، فَإِذَا وَجَدْنَا حَجَرًا هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ أَلْقَيْنَاهُ وَأَخَذْنَا الْآخَرَ، فَإِذَا لَمْ نَجِدْ حَجَرًا جَمَعْنَا جَثِيرَةً مِنْ تُرَابٍ (كوم من تراب)، ثُمَّ جِئْنَا بِالشَّاةِ فَحَلَبْنَاهُ عَلَيْهِ، ثُمَّ طُفْنَا بِهِ.

وكان عمرو بن الجموح رضي الله عنه يعبد في جاهليته صنمًا من خشب صنعه بيده.

ولننتبه ! فهؤلاء هم الذين سيصبحون بعد ذلك أعظم علماء في الأرض، وأعظم فاتحين لها، وأعظم مجاهدين فيها، وأعظم دعاةٍ على ظهرها، ثمّ سيكونون بعد ذلك أسبق أهل الأرض إلى الجنة؛ وذلك حتى ترى عظمة هذا الدين وإعجازه في تغيير الشخصيات.

ـ شناعة الأدواء الأخلاقية المتفشية في جزيرة العرب:

أ ـ تفشي شرب الخمر لأبعد درجة، حتى كتبت فيه أشعار تصفه، وتصف مجلسه بأدق التفاصيل، مع أنه كان يؤدي إلى كثير من النزاعات بين الناس.

ب ـ تفشي الميسر- كذلك- بصورة واسعة، وكثيرًا ما أورث الناس البغضاء والشحناء، لذا يقول الله سبحانه وتعالى: (( إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ العَدَاوَةَ وَالبَغْضَاءَ فِي الخَمْرِ وَالمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ)){المائدة:91} .

جـ ـ كما كان الربا عندهم من المعاملات الأساسيةوقالوا (( إِنَّمَا البَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا )){البقرة:275} .

د ـ وكان للزنا صور بشعة في المجتمعات العربية قبل الإسلام، وتصف ذلك السيدة عائشة رضي الله عنها كما جاء في صحيح البخاري، فتقول:
النكاح في الجاهلية كان على أربعة أنحاء:فنكاح منها نكاح الناس اليوم، يخطب الرجل إلى الرجل وليته أو ابنته فيصدقها ثم ينكحها , ونكاح آخر كان الرجل يقول لأمرأته إذا طهرت من طمثها: أرسلي إلى فلان فاستبضعي منه، ويعتزلها زوجها، ولا يمسها أبدًا حتى يتبين حملها من ذلك الرجل الذي تستبضع منه، فإذا تبين حملها أصابها زوجها إذا أحب، وإنما يفعلون ذلك رغبة في نجابة الولد، فكان هذا النكاح هو نكاح الاستبضاع ,ونكاح آخر يجتمع الرهط ما دون العشرة، فيدخلون على المرأة كلهم يصيبها فإذا حملت ووضعت ويمرّ عليها ليالٍ بعد أن تضع حملها، أرسلت إليهم فلم يستطع رجل منهم أن يمتنع، حتى يجتمعوا عندها تقول لهم: قد عرفتم الذي كان من أمركم وقد ولدت فهو ابنك يا فلان، تسمي من أحبت بأسمه فيلحق به ولدها لا يستطيع أن يمتنع منه الرجل, ونكاح رابع يجتمع الناس الكثير، فيدخلون على المرأة، لا تمتنع ممَّن جاءها، وهنّ البغايا كنّ ينصبن على أبوابهن رايات تكون علمًا (الرايات الحمر)، فمن أرادهن دخل عليهن، فإذا حملت إحداهن ووضعت حملها جمعوا لها، ودعوا لها القافة (الرجال الذين يستطيعون تمييز الوالد للولد عن طريق الشبه) ثم ألحقوا ولدها بالذي يرون، فالتاط به (التصق به) ودُعي ابنه لا يمتنع من ذلك.

فلما بعث محمد صلى الله عليه وسلم بالحق، هدم نكاح الجاهلية كله إلا نكاح الناس اليوم.

هـ ـ عادة وأد لبنات:

وهي عادة بشعة غاية البشاعة، ومعناها: دفن البنت حيةً، وكان هذا الوأد يفعل لأسباب كثيرة أهمها:

*خشية الفقر، لذا قال تعالى: (( وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا )) {الإسراء:31} .
*خوف العار. *العيوب الخلقية أو اختلاف اللون كمن ولدت سوداء.
*ادعاءهم أن الملائكة بنات الله سبحانه عما يقولون فقالوا: ألحقوا البنات به تعالى، فهو أحق بهن، يقول سبحانه: (( وَإِذَا المَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ )). {التَّكوير8 ،9} .

وحتى الذي لم يكن يئد ابنته كان يحزن حزنًا شديدًا إذا ذكروا له أنه رزق ببنت: (( وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ(58) يَتَوَارَى مِنَ القَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ)) {النحل:58 ،59}.
ـ وكانوا يئدون البنات أحيانًا وهن يعقلن، وفي بعض الأحيان كانوا يلقوهن من شاهقٍ.

روى البخاري في صحيحه عن عبد الله مسعود رضي الله عنه أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ؟ قَالَ أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ. قُلْتُ: إِنَّ ذَلِكَ لَعَظِيمٌ. قُلْتُ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: ثُمَّ أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ تَخَافُ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ. قُلْتُ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: ثُمَّ أَنْ تُزَانِيَ بِحَلِيلَةِ جَارِكَ.

و ـ العصبية والحروب المستمرة بين القبائل:

لقد كانت الإغارة على الغير عادة عند بعض القبائل، يظهر ذلك قول الشاعر:

وَيَوْمًا عَلَى بَكْرٍ أَخِينَا *** إِذَا لَمْ نَجِدْ إِلَّا أَخَانَا

فقد كانت الحروب تشتعل لأتفه الأسباب، ويتساقط الضحايا بالمئات والآلاف فهذه حرب البسوس سببها أن رئيس قبيلة بني بكر ضرب ناقة امرأة من تغلب تسمى البسوس بنت منقذ، حتى اختلط لبنها بدمها، فقتل رجل من تغلب رجلا من بني بكر، فدارت حرب بين القبيلتين استمرت أربعين سنة حتى كادتا تفنيان.

ـ حرب داحس والغبراء: اسمان لفرسين دخل صاحباهما سباقًا، لطم أحدهما فرس الآخر على وجهه، ليمنعه من الفوز، فقامت حرب بين القبيلتين قتل فيها الألوف.

هكذا كان الوضع في جزيرة العرب، ومثله في العالم كله، لم يكن على الحقِّ في هذه البلاد، وفي كل هذه الحضارات (إن جاز أن نسمي هذه التجمعات بالحضارات) إلا أفراد قلائل، وقلائل جدًا.

يوضح ذلك حديث سلمان الفارسي رضي الله عنه المشهور وهو المعروف بالباحث عن الحقيقة...


وفي هذا القدر الكفاية والحمد لله رب العالمين
 

أبو عمر

عضو بلاتيني / العضو المثالي لشهر أغسطس
========================
أسباب إختيار العرب لحمل الرسالة الخاتمة
========================



الحمد لله رب العالمين , والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد اللهم صلي وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه واتبع سنته إلى يوم الدين...



قبل الدخول في السيرة وبعد استعراض حال العالم قبيل البعثة , لنا أن نسأل سؤالا هاما وهو لماذا نزلت الرسالة الخاتمة العالمية في جزيرة العرب وفي مكة بالذات ولم تنزل في مكان آخر...


كانت هناك أمم وممالك أقوى بالطبع من جزيرة العرب , بل إن العرب كانوا يعتبرون كأقل دولة نامية في وقتنا الحاضر , وعلى الرغم من ذلك نزلت الرسالة بينهم ولم تنزل عند الروم أو الفرس أو اليهود أو غيرهم.

والدول الأخرى أخرجت مفكرين وفلاسفة من أول الصيت مرورا بالهند والفرس والروم والمصريين وحتى اليهود , وهذا السؤال هام جدا لفهم بعض جوانب الحكمة الإلهية في اختيار العرب لحمل هذه الرسالة الخاتمة...

ومن الأسباب الهامة لاختيار العرب لحمل الرسالة الخاتمة

السبب الأول تفنيد الشبهات حول الدين الإسلامي : وبيان ذلك أن الرسالة لو كانت قد نزلت في بلاد قد ظهر فيها حكماء أو فلاسفة لقال الناس فيلسوف آخر أو حكيم آخر ظهر في بلادهم , أخذ من ينابيع الحكمة التي سجلوها عندهم ثم جددها بنوع من التحديث البياني ثم عرضها على الناس , ولكن النبي صلى الله عليه وسلم بعث في قوم ليس لهم تاريخ يذكر إلا في الشعر الذي اعتنوا به واهتموا به.
فلم يكن معلوما عند العرب حكيم أو مفكر معين قد يمكن أن يقال إن النبي صلى الله عليه وسلم قد أخذ منه الدين أو الشريعة ثم حرف بعض ألفاظها وحدودها.
وحتى اليهود والنصارى لم يكن أحد منهم في مكة حيث بعث النبي صلى الله عليه وسلم , وما كانت اليهود تحب العرب بل كانوا يعلنون لهم أنهم سوف يقتلونهم قتلا شديدا إذا بعث النبي الذي اقترب زمانه ( وما حرفوا ذلك الجزء من كتابهم ظنا منهم أن النبي سوف يبعث فيهم ) , واليهود كانوا قوما منغلقين على أنفسهم لأنهم شعب الله المختار ودماءهم مختلفهم وهم أبناء الله وأحباءه كما كانوا ينشرون ويرددون , ومن هنا فلم تكن هناك دعوة يهودية بالإضافة إلى حرصهم على عزل أصل دينهم عن الناس أجميعن.
ولو كانت هذه الرسالة نزلت في بلاد يقطنها اليهود لقالوا إنما هي من تشريعاتهم ولكنها حرفت وتغايرت ألفاظها وتسمت باسم جديد , ولكنها ظلت ثلاثة عشرة سنة في مكة تدعو إلى عبادة الواحد القهار وتفنيد شبهات المشركين وحججهم , حتى استقام أمر التوحيد في نفوس أتباعه ثم بعد ذلك هاجروا.
وما كانت النصراينة كذلك لتجد مكانا عند العرب بعد الخلط الكبير بين الإله والإنسان و وهذه الفلسفة التي ما فهمها حتى قساوستهم , وما كان العربي بطبيعة الحال أن يقبل بشريعة تأمره بأن يدير خده الأيسر لمن ضربه ليضربه مرة أخرى , كيف ذلك وهو السريع إلى سيفه إذا اشتم رائحة ضيم أو هوان.

ولهذا تجد أن هرقل عندما سأل أبو سفيان عن أمر هذه الدعوة , اهتم جدا بمعرفة إن كان في أجداد النبي صلى الله عليه وسلم ملك , بل وسأله عدة أسئلة يريد أن يعلم منها صدق الرسالة من عدمها , نقتبس من صحيح البخاري الخبر وهو في (ج 1 / ص 8)
حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ قَالَ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ هِرَقْلَ أَرْسَلَ إِلَيْهِ فِي رَكْبٍ مِنْ قُرَيْشٍ وَكَانُوا تِجَارًا بِالشَّأْمِ فِي الْمُدَّةِ الَّتِي كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَادَّ فِيهَا أَبَا سُفْيَانَ وَكُفَّارَ قُرَيْشٍ فَأَتَوْهُ وَهُمْ بِإِيلِيَاءَ فَدَعَاهُمْ فِي مَجْلِسِهِ وَحَوْلَهُ عُظَمَاءُ الرُّومِ ثُمَّ دَعَاهُمْ وَدَعَا بِتَرْجُمَانِهِ
فَقَالَ أَيُّكُمْ أَقْرَبُ نَسَبًا بِهَذَا الرَّجُلِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ
فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ فَقُلْتُ أَنَا أَقْرَبُهُمْ نَسَبًا
فَقَالَ أَدْنُوهُ مِنِّي وَقَرِّبُوا أَصْحَابَهُ فَاجْعَلُوهُمْ عِنْدَ ظَهْرِهِ ثُمَّ قَالَ لِتَرْجُمَانِهِ قُلْ لَهُمْ إِنِّي سَائِلٌ هَذَا عَنْ هَذَا الرَّجُلِ فَإِنْ كَذَبَنِي فَكَذِّبُوهُ فَوَاللَّهِ لَوْلَا الْحَيَاءُ مِنْ أَنْ يَأْثِرُوا عَلَيَّ كَذِبًا لَكَذَبْتُ عَنْهُ ثُمَّ كَانَ أَوَّلَ مَا سَأَلَنِي عَنْهُ أَنْ
قَالَ كَيْفَ نَسَبُهُ فِيكُمْ
قُلْتُ هُوَ فِينَا ذُو نَسَبٍ
قَالَ فَهَلْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ مِنْكُمْ أَحَدٌ قَطُّ قَبْلَهُ
قُلْتُ لَا قَالَ فَهَلْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مِنْ مَلِكٍ
قُلْتُ لَا قَالَ فَأَشْرَافُ النَّاسِ يَتَّبِعُونَهُ أَمْ ضُعَفَاؤُهُمْ
فَقُلْتُ بَلْ ضُعَفَاؤُهُمْ
قَالَ أَيَزِيدُونَ أَمْ يَنْقُصُونَ
قُلْتُ بَلْ يَزِيدُونَ
قَالَ فَهَلْ يَرْتَدُّ أَحَدٌ مِنْهُمْ سَخْطَةً لِدِينِهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ
قُلْتُ لَا قَالَ فَهَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالْكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ
قُلْتُ لَا قَالَ فَهَلْ يَغْدِرُ قُلْتُ لَا وَنَحْنُ مِنْهُ فِي مُدَّةٍ لَا نَدْرِي مَا هُوَ فَاعِلٌ فِيهَا قَالَ وَلَمْ تُمْكِنِّي كَلِمَةٌ أُدْخِلُ فِيهَا شَيْئًا غَيْرُ هَذِهِ الْكَلِمَةِ
قَالَ فَهَلْ قَاتَلْتُمُوهُ
قُلْتُ نَعَمْ
قَالَ فَكَيْفَ كَانَ قِتَالُكُمْ إِيَّاهُ
قُلْتُ الْحَرْبُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ سِجَالٌ يَنَالُ مِنَّا وَنَنَالُ مِنْهُ
قَالَ مَاذَا يَأْمُرُكُمْ
قُلْتُ يَقُولُ اعْبُدُوا اللَّهَ وَحْدَهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَاتْرُكُوا مَا يَقُولُ آبَاؤُكُمْ وَيَأْمُرُنَا بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّدْقِ وَالْعَفَافِ وَالصِّلَةِ
فَقَالَ لِلتَّرْجُمَانِ قُلْ لَهُ سَأَلْتُكَ عَنْ نَسَبِهِ فَذَكَرْتَ أَنَّهُ فِيكُمْ ذُو نَسَبٍ فَكَذَلِكَ الرُّسُلُ تُبْعَثُ فِي نَسَبِ قَوْمِهَا وَسَأَلْتُكَ هَلْ قَالَ أَحَدٌ مِنْكُمْ هَذَا الْقَوْلَ فَذَكَرْتَ أَنْ لَا فَقُلْتُ لَوْ كَانَ أَحَدٌ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ قَبْلَهُ لَقُلْتُ رَجُلٌ يَأْتَسِي بِقَوْلٍ قِيلَ قَبْلَهُ وَسَأَلْتُكَ هَلْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مِنْ مَلِكٍ فَذَكَرْتَ أَنْ لَا قُلْتُ فَلَوْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مِنْ مَلِكٍ قُلْتُ رَجُلٌ يَطْلُبُ مُلْكَ أَبِيهِ وَسَأَلْتُكَ هَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالْكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ فَذَكَرْتَ أَنْ لَا فَقَدْ أَعْرِفُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِيَذَرَ الْكَذِبَ عَلَى النَّاسِ وَيَكْذِبَ عَلَى اللَّهِ وَسَأَلْتُكَ أَشْرَافُ النَّاسِ اتَّبَعُوهُ أَمْ ضُعَفَاؤُهُمْ فَذَكَرْتَ أَنَّ ضُعَفَاءَهُمْ اتَّبَعُوهُ وَهُمْ أَتْبَاعُ الرُّسُلِ وَسَأَلْتُكَ أَيَزِيدُونَ أَمْ يَنْقُصُونَ فَذَكَرْتَ أَنَّهُمْ يَزِيدُونَ وَكَذَلِكَ أَمْرُ الْإِيمَانِ حَتَّى يَتِمَّ وَسَأَلْتُكَ أَيَرْتَدُّ أَحَدٌ سَخْطَةً لِدِينِهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ فَذَكَرْتَ أَنْ لَا وَكَذَلِكَ الْإِيمَانُ حِينَ تُخَالِطُ بَشَاشَتُهُ الْقُلُوبَ وَسَأَلْتُكَ هَلْ يَغْدِرُ فَذَكَرْتَ أَنْ لَا وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ لَا تَغْدِرُ وَسَأَلْتُكَ بِمَا يَأْمُرُكُمْ فَذَكَرْتَ أَنَّهُ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَيَنْهَاكُمْ عَنْ عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ وَيَأْمُرُكُمْ بِالصَّلَاةِ وَالصِّدْقِ وَالْعَفَافِ فَإِنْ كَانَ مَا تَقُولُ حَقًّا فَسَيَمْلِكُ مَوْضِعَ قَدَمَيَّ هَاتَيْنِ وَقَدْ كُنْتُ أَعْلَمُ أَنَّهُ خَارِجٌ لَمْ أَكُنْ أَظُنُّ أَنَّهُ مِنْكُمْ فَلَوْ أَنِّي أَعْلَمُ أَنِّي أَخْلُصُ إِلَيْهِ لَتَجَشَّمْتُ لِقَاءَهُ وَلَوْ كُنْتُ عِنْدَهُ لَغَسَلْتُ عَنْ قَدَمِهِ. انتهى


وعند تأمل هذا الكلام تجد أن هرقل سأل عن سلف النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الدعوة , وإن كان من آباءه ملك أم لا لأن هذه من أهم العوامل التي تقدح في الرسالة عند المتشككين , ومن هنا تظهر الحكمة في إرسال الرسالة بين العرب.

والقرآن الكريم يفند هذه الشبهات أولا بأول , فلما زعمت قريشا أن هناك من يعلم النبي صلى الله عليه وسلم هذا الأمر وهذه الدعوة نزل القرآن الكريم بإبطال هذه الشبهة فقال تعالى (( وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ ))[النحل/103]


وقالوا أيضا كما حكى القرآن (( وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (5) قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا )) , ولكن القرآن الكريم يبطل هذا الكذب فإذا كانت أساطير الأولين فهذا لسان عربي مبين , وإن كنتم تزعمون أنه اكتتبها فهو رسول أمي قال تعالى ((الذين يَتَّبِعُونَ الرسول النبي الأمي )) , وكيف يكتبها وهو لا يقرأ ولا يكتب عليه الصلاة والسلام قال تعالى (( وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلاَ تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لاَّرْتَابَ المبطلون )) , فالقرآن ينزل ويفضح تلك الأكاذيب ويذب عن رسول الدعوة الشبهات صلوات ربي وسلامه عليه.
والأمثلة على ذلك كثيرة.



السبب الثاني أخلاق العرب الطيبة

وأقتبس الآن بتصرف من كلام الكلام للشيخ المباركافوري رحمه الله عن أخلاق العرب الطيبة وكان منها

1- الكرم
كان فيهم الكرم وكانوا يتبارون فيه ويفتخرون به , وقد استنفدوا فيه نصف أشعارهم , فكان الرجل يأتيه الضيف في شدة البرد والجوع وليس عنده إلا ناقته التي هي حياته وحياة اسرته , فتأخذه هزة الكرم فيقوم إليها , ويذبحها لضيفه, ومن آثرا هذا الكرم أنهم كانوا يتحملون الديات الهائلة والحمالات المدهشة , يكفون بذلك سفك الدماء وضياع الإنسان ويمتدحون بها مفتخرين غيرهم من الرؤساء والسادات.
وكان من نتاج كرمهم أنهم كانوا يمتدحون بشرب الخمور , لا لأنها مفخرة في ذاتها بل لأنها سبيل من سبل الكرم , ولأجل ذلك كانوا يسمون شجر العنب بالكرم , وخمرة ببنت الكرم...
ومن نتائج كرمهم اشتغالهم بالميسر , فإنهم كانوا يرون أنه سبيل من سبل الكرم , لأنهم كانوا يطعمون المساكين ما ربحوه , أو ما كان يفضل عن سهام الرابحين , ولذلك تجد أن القرآن لا ينكر نفع الخمر والميسر وإنما يقول ( وإثمهما أكبر من نفعهما )


2- الوفاء بالعهد , فقد كان العهد عندهم دينا يتمسكون به ويستهينون في سبيله قتل أولادهم , تخريب ديارهم وتكفي في ذلك قصة هانئ بن مسعود الشيباني , والسموأل بن عاديا وحاجب بن زراية التميمي.

3- عزة النفس والإباء عن قبول الخسف والضيم , وكان من نتاج ذلك فرط الشجاعة , وشدة الغيرة , وسرعة الإنفعال , فكانوا لا يسمعون كلمة يشمون منها رائحة الهوان إلا قاموا إلا السيوف والسنان , واثاروا الرحوب العوان , وكانوا لا يبالون بتضحية أنفسهم في هذا السبيل.

4- المضي في العزائم فإذا عزموا على شيء يرون فيه المجد والإفتخار لا يصرفهم عنه صارف , بل كانوا يخاطرون بأنفسهم في سبيله.

5- الحلم والأناة والتؤدة , كانوا يمتدحون بها إلا أنها كانت فيهم عزيزة الوجود لفرط شجاعتهم وسرعة إقدامهم في القتال.

6- السذاجة البدوية , وعدم تلوثهم بلوثات الحضارة ومكائدها , وكان من نتائجه الصدق والأمانة والنفور من الخداع والغدر.

نرى أن هذه الأخلاق الثمينة مع ما كان لجزيرة العرب من الموقع الجغرافي بالنسبة للعالم , كان سببا في إختيارهم حمل عبء الرسالة العامة , وقيادة الأمة الإنسانية والمجتمع البشري. انتهى


هذه الأخلاق مطلوبة للدعوة ولكنها تحتاج إلى تعديل في القصد والنية وهذا ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم معهم , فعلى سبيل المثال بعدما كان العرب يتبنون مبدأ انصر أخاك ظالما أو مظلوما , عدل الإسلام هذا الأمر وجعل نصرة أخيه الظالم بمنعه عن الظلم وليس باستمرار اعانته عليه.


ومع هذه الأخلاق كان العرب أهل ترحال وأهل قتال , وهذه تحتاجه الدعوة الإسلامية في فتحها للدول ونشرها للدين الإسلامي ولكن بعد تصحيح الأفهام وإزالة ما علق بها من جاهلية وتنقية القلوب من الشركيات وملئها بنور التوحيد الصافي.



السبب الثالث إظهار اعجاز الإسلام بدلالة التحول الرهيب الذي حدث للعرب بعد الإسلام

العرب كانوا معروف حالهم من التشتت والتشرذم والتقال بينهم وبين بعضهم , فهم كانوا كحال دولة نامية في عصرنا الحالي , كان الفقر منتشرا والقتل كذلك وعاهات الجاهلية هي السائدة فكيف يتحولون إلى حال مغاير تماما لهذه الحالة , ولنأخذ على ذلك أمثلة على التغير الهائل في شخصية العربي بعد الإسلام

الصيد
العربي الذي كان يقتل بغير رحمة ولربما وأد ابنته في الرمال , تحولوا بعد الإسلام حتى أن منهم من يضع فتات الخبز بجوار باب بيته لأن النمل يمر فهن بمثابة الجارات له وله عليه حق.

العربي الذي كان يقتل في سبيل السلب والنهب , فلا يبالي بقتل إنسان واستعباد أسرته واهتمامه بالقنص والصيد أمر لا يجهله أحد , هذا الإنسان يبتليه رب العالمين وهو محرم بصيد , فلا يعين على الصيد ولو برفع قوس سقط من غير محرم , وإذا قتل صيدا وهو محرم بغير تعمد منه وجب عليه أن يفتدي! , قال تعالى (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ ))[المائدة/94] , وهذا امتحان وابتلاء , صيد سهل يستطيع أن يرميه ويصطاده ويأكله والعرب كانت حالتهم شديدة ولكنه محرم ولا يجوز ذلك له فيترك الصيد , فلقد خرجوا في عمرة القضية، فأرسل الله الطيور تقع على أسنة الرماح، وتقع على أعواد الركاب أمام الإنسان، وجاءت الغزلان وصيد البر تتخلل بين أرجل الخيل والإبل كأنها غنم تمشي معهم، وهذا شيء يسيل له اللعاب وخاصة عند العرب، فإن الصيد من ألذ ما يكون لهم وإن لم يأكلوه، فلم تمتد يد إنسان منهم لا على طائر فوق رمحه ولا على غزال بين قدم فرسه، وكفوا أيديهم فعلاً
ويترك مساعدة أي إنسان يصيد حتى ولو كان غير محرم , تأمل هذا الخبر عند مسلم وغيره عن أب قتادة رضي الله عنه قال ((خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالْقَاحَةِ فَمِنَّا الْمُحْرِمُ وَمِنَّا غَيْرُ الْمُحْرِمِ إِذْ بَصُرْتُ بِأَصْحَابِي يَتَرَاءَوْنَ شَيْئًا فَنَظَرْتُ فَإِذَا حِمَارُ وَحْشٍ فَأَسْرَجْتُ فَرَسِي وَأَخَذْتُ رُمْحِي ثُمَّ رَكِبْتُ فَسَقَطَ مِنِّي سَوْطِي فَقُلْتُ لِأَصْحَابِي وَكَانُوا مُحْرِمِينَ نَاوِلُونِي السَّوْطَ فَقَالُوا وَاللَّهِ لَا نُعِينُكَ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ فَنَزَلْتُ فَتَنَاوَلْتُهُ ثُمَّ رَكِبْتُ فَأَدْرَكْتُ الْحِمَارَ مِنْ خَلْفِهِ وَهُوَ وَرَاءَ أَكَمَةٍ فَطَعَنْتُهُ بِرُمْحِي فَعَقَرْتُهُ فَأَتَيْتُ بِهِ أَصْحَابِي فَقَالَ بَعْضُهُمْ كُلُوهُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا تَأْكُلُوهُ وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَامَنَا فَحَرَّكْتُ فَرَسِي فَأَدْرَكْتُهُ فَقَالَ هُوَ حَلَالٌ فَكُلُوهُ )) ...

فلا يعينونه حتى على اعطاءه القوس لأنهم محرمين , قارن بين هؤلاء وبين اليهود الذين امتحنهم الله تعالى بصيد البحر فاحتالوا على النهي فمسخوا قردة وخنازير..


القتال والجهاد في سبيل الله
الأمة العربية كانت ضعيفة , ليس فيها جيش واحد نظامي , بل كانوا عشائر وقبائل متقاتلين ومتحاربين , ولكن بعد الإسلام أمسوا جيشا واحدا قويا يهز عروش الملوك في مشارك الأرض ومغاربها.
كيف كانت هذه المعجزة العسكرية بكل ما تحمله هذه الكلمة من معاني , كيف يمكن لهذه الأمة الفقيرة الجائعة أن تنتظم في هدف واحد , حتى أن أعظم دولتين في العالم انهارتا تحت أقدام الفاتحين العرب المسلمين المجاهدين في زمن قياسي جدا , أقل من ثلاثين سنة كانت هذه الدول والممالك في خبر كان.
كيف يمكن لاثنى عشر ألفا من الصحابة أن يفتحوا بلاد فارس ومقابلهم ألوف مؤلفة , وكيف يمكن لأثنين وثلاثين ألفا من المسلمين أن يهزموا أكثر من مائتين وخمسين ألفا من الروم الأشداء !!

أمور إعجازية بكل ما تحمله هذه الكلمة من معان ,تنهار الدولتان في نفس الزمن تقريبا و فهؤلاء العرب الفقراء الجياع يحاربون ويفاوضون ويتصالحون ويوقعون المعاهدات وغير ذلك , من الذي علمهم كل ذلك وفتح عليهم وساعدهم ....
لك أن تتخيل أنه مما ذكر أن ماهان قال لخالد بن الوليد رضي الله عنه : إنا قد علمنا أنما أخرجكم من بلادكم الجهد والجوع، فهلموا إليَّ أن أعطي كل رجل منكم عشرة دنانير وكسوة وطعاما وترجعون إلى بلادكم. انتهى
هذه كانت نظرتهم للعرب , أنهم إذا أعطوا العرب " عشرة دنانير " وكسوة واحدة فإن هذا قد يكون إغراءا كبيرا لهم ليكفوا أيديهم ويرجعوا إلى بلادهم!!!!

نماذج من المفاوضات بين المسلمين وغيرهم

بين خالد رضي الله عنه وجرجة:
خرج جرجة أحد أمراء الجند الكبار من الصف يوم اليرموك واستدعى خالد بن الوليد، فجاء إليه حتى اختلفت أعناق فرسيهما، فقال جرجة: يا خالد، أخبرني فاصدقني ولا تكذبني، فإن الحر لا يكذب، ولا تخادعني فإن الكريم لا يخادع المسترسل بالله، هل أنزل الله على نبيكم سيفا من السماء فأعطاكه فلا تسله على أحد إلا هزمتهم؟ قال: لا، قال: فبم سميت سيف الله؟ قال: إن الله بعث فينا نبيه فدعانا فنفرنا منه ونأينا عنه جميعا، ثم إن بعضنا صدقه وتابعه، وبعضنا كذبه وباعده، فكنت فيمن كذبه وباعده، ثم إن الله أخذ بقلوبنا ونواصينا فهدانا به وبايعناه، فقال لي: "أنت سيف من سيوف الله سله الله على المشركين"، ودعا لي بالنصر، فسميت سيف الله بذلك، فأنا من أشد المسلمين على المشركين. فقال جرجة: يا خالد، إلامَ تدعون؟ قال: إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله، والإقرار بما جاء به من عند الله عز وجل، قال: فمن لم يجبكم؟ قال: فالجزية ونمنعهم. قال: فإن لم يعطها، قال: نؤذنه بالحرب، ثم نقاتله. قال: فما منزلة من يجيبكم ويدخل في هذا الأمر اليوم؟ قال: منزلتنا واحدة فيما افترض الله علينا، شريفنا ووضيعنا وأولنا وآخرنا. قال جرجة: فلمن دخل فيكم اليوم من الأجر ما لكم من الأجر والذخر؟ قال: نعم وأفضل. قال: وكيف يساويكم وقد سبقتموه؟ فقال خالد: إنا قبلنا هذا الأمر عنوة وبايعنا نبينا وهو حي بين أظهرنا، تأتيه أخبار السماء ويخبرنا بالكتاب ويرينا الآيات، وحق لمن رأي ما رأينا، وسمع ما سمعنا أن يسلم ويبايع، وإنكم أنتم لم تروا ما رأينا، ولم تسمعوا ما سمعنا من العجائب والحجج، فمن دخل في هذا الأمر منكم بحقيقة ونية كان أفضل منا ؟ فقال جرجة: بالله لقد صدقتني ولم تخادعني؟ قال: تالله لقد صدقتك، وإن الله ولي ما سألت عنه. فعند ذلك قلب جرجة الترس ومال مع خالد وقال: علمني الإسلام، فمال به خالد إلى فسطاطه، فشن عليه قربة من ماء، ثم صلى به ركعتين. وحملت الروم مع انقلابه إلى خالد وهم يرون أنها منه حملة، فأزالوا المسلمين عن مواقفهم إلا المحامية عليهم عكرمة بن أبي جهل والحارث بن هشام، فركب خالد وجرجة معه والروم خلال المسلمين، فتنادى الناس وثابوا وتراجعت الروم إلى مواقفهم وزحف خالد بالمسلمين حتى تصافحوا بالسيوف، فضرب فيهم خالد وجرجة من لدن ارتفاع النهار إلى جنوح الشمس للغروب. وصلى المسلمون صلاة الظهر وصلاة العصر إيماء، وأصيب جرجة رحمه الله ولم يصل لله إلا تلك الركعتين مع خالد رضي الله عنهما.انتهى


يتبع...
 

أبو عمر

عضو بلاتيني / العضو المثالي لشهر أغسطس
تابع نماذج من مفاوضات المسلمين



بين سعد رضي الله عنه ورستم
بعث رستم إلى سعد بن أبي وقاص أن يرسل إليه برجل عاقل عالم بما يسأله عنه، فبعث إليه المغيرة بن شعبة رضي الله عنهم جميعا، فلما قدم عليه جعل رستم يقول له: إنكم جيراننا وكنا نحسن إليكم ونكف الأذى عنكم، فارجعوا إلى بلادكم ولا نمنع تجارتكم من الدخول إلى بلادنا، فقال له المغيرة: إنَّا ليس طلبنا الدنيا، وإنما همنا وطلبنا الآخرة، و قد بعث الله إلينا رسولا قال له: إني قد سلطت هذه الطائفة على من لم يَدِن بديني فأنا منتقم بهم منهم وأجعل لهم الغلبة ما داموا مقرين به، وهو دين الحق لا يرغب عنه أحد إلا ذل، ولا يعتصم به إلا عز. فقال له رستم: فما هو؟ فقال: أما عموده الذي لا يصلح شيء منه إلا به فشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، والإقرار بما جاء من عند الله، فقال: ما أحسن هذا؟! وأي شيء أيضا؟ قال: وإخراج العباد من عبادة العباد على عبادة الله. قال: وحسن أيضا، وأي شيء أيضا؟ قال: والناس بنو آدم، فهم إخوة لأب وأم، قال: وحسن أيضا، ثم قال رستم: أرأيت إن دخلنا في دينكم أترجعون عن بلادنا؟ قال: إي والله لا نقرب بلادكم إلا في تجارة أو حاجة. قال: وحسن أيضا. قال: ولما خرج المغيرة من عنده ذاكر رستم رؤساء قومه في الإسلام فأنفوا ذلك وأبوا أن يدخلوا فيه، قبحهم الله وأخزاهم، وقد فعل.
ثم بعث إليه سعد رسولا آخر بطلبه وهو ربعي بن عامر، فأقبل يتوكأ على رمحه فوق النمارق فخرق عامتها، فقالوا: ما جاء بكم؟ فقال: الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، فأرسلنا بدينه إلى خلقه لندعوهم إليه، فمن قبل ذلك قبلنا منه ورجعنا عنه، ومن أبى قاتلناه أبدا حتى نفضي إلى موعود الله. قالوا: وما موعود الله؟ قال: الجنة لمن مات على قتال من أبى، والظفر لمن بقي. فقال رستم: قد سمعت مقالتكم، فهل لكم أن تؤخروا هذا الأمر حتى ننظر فيه وتنظروا؟ قال: نعم، كم أحب إليكم؟ يوما و يومين؟ قال: لا، بل حتى نكاتب أهل رأينا ورؤساء قومنا. فقال: ما سن لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نؤخر الأعداء عند اللقاء أكثر من ثلاث، فانظر في أمرك وأمرهم واختر واحدة من ثلاث بعد الأجل، فقال: أسيدهم أنت؟ قال: لا، ولكن المسلمين كالجسد الواحد يجير أدناهم على أعلاهم، فاجتمع رستم برؤساء قومه، فقال: هل رأيتم قط أعزّ وأرجح من كلام هذا الرجل؟ فقالوا: معاذ الله أن تميل إلى شيء من هذا وتدع دينك إلى هذا الكلب، أما ترى إلى ثيابه؟ فقال: ويلكم لا تنظروا إلى الثياب، وانظروا إلى الرأي والكلام والسيرة. إن العرب يستخفون بالثياب والمأكل، ويصونون الأحساب. ثم بعثوا يطلبون في اليوم الثاني رجلا فبعث إليهم حذيفة بن محصن فتكلم نحو ما قال ربعي. وفي اليوم الثالث المغيرة بن شعبة فتكلم بكلام حسن طويل. قال فيه رستم للمغيرة: إنما مثلكم في دخولكم أرضنا كمثل الذباب رأى العسل، فقال: من يوصلني إليه وله درهمان؟ فلما سقط عليه غرق فيه، فجعل يطلب الخلاص فلا يجده، وجعل يقول: من يخلصني وله أربعة دراهم؟ ومثلكم كمثل ثعلب ضعيف دخل جحرا في كَرْم فلما رآه صاحب الكَرْم ضعيفا رحمه فتركه، فلما سمن أفسد شيئا كثيرا فجاء بجيشه، واستعان عليه بغلمانه فذهب ليخرج فلم يستطع لسمنه فضربه حتى قتله، فهكذا تخرجون من بلادنا. ثم استشاط غضبا وأقسم بالشمس لأقتلنكم غدا. فقال المغيرة: ستعلم. ثم قال رستم للمغيرة: قد أمرت لكم بكسوة، ولأميركم بألف دينار وكسوة ومركوب وتنصرفون عنا. فقال المغيرة: أبعد أن أوهنا ملككم وضعفنا عزكم، ولنا مدة نحو بلادكم ونأخذ الجزية منكم عن يد وأنتم صاغرون وستصيرون لنا عبيدا على رغمكم.
وفي رواية: أن رستم بعث إلى سعد: ابعثوا لنا رجلا من عقلائكم يبيّن لنا ما جاء بكم. فقال المغيرة بن شعبة: أنا، فعبر إليهم فقعد مع رستم على السرير فنخروا وصاحوا، فقال: إن هذا لم يزدني رفعة ولم ينقص صاحبكم، فقال رستم: صدق، وما جاء بكم ؟ فقال: إنا كنا قوما في شر وضلالة، فبعث الله إلينا نبيا فهدانا الله به ورزقنا على يديه، فكان فيما رزقنا حبة تنبت في هذا البلد، فلما أكلناها وأطعمناها أهلينا قالوا: لا صبر لنا عنها أنزلونا هذه الأرض حتى نأكل من هذه الحبة، فقال رستم: إذاً نقتلكم. قال: إن قتلتمونا دخلنا الجنة، وإن قتلناكم دخلتم النار وأديتم الجزية. قال: فلما قال: وأديتم الجزية نخروا وصاحوا، وقالوا: لا صلح بيننا وبينكم. فقال المغيرة: تعبرون إلينا أو نعبر إليكم؟ فقال رستم: نعبر إليكم، فاستأخر المسلمون حتى عبروا فحملوا عليهم فهزموهم.

بين النعمان بن مقرن وكسرى
وقد حدثت محاورات بين قادة المسلمين وكسرى ملك الفرس عند فتوحات فارس كان منها لقاء النعمان ومن معه مع قائد أقوى دولة في ذلك الزمن فكان مما قاله النعمان بن مقرن لملك الفرس: "إن الله رحمنا فأرسل إلينا رسولا يدلنا على الخير ويأمرنا به، ويعرفنا الشر وينهانا عنه، ووعدنا على إجابته خير الدنيا والآخرة، فلم يدع إلى ذلك قبيلة إلا صاروا فرقتين؛ فرقة تقاربه، و فرقة تباعده، ولا يدخل معه في دينه إلا الخواص، فمكث كذلك ما شاء الله أن يمكث، ثم أمره أن ينهد إلى من خالفه من العرب ويبدأ بهم، ففعل، فدخلوا معه جميعا على وجهين مكره عليه فاغتبط وطائع إياه فازداد، فعرفنا جميعا فضل ما جاء به على الذي كنا عليه من العداوة والضيق، وأمرنا أن نبدأ بمن يلينا من الأمم فندعوهم إلى الإنصاف، فنحن ندعوكم إلى ديننا وهو دين الإسلام، حسّن الحسن وقبّح القبيح كله، فإن أبيتم فأمر من الشر هو أهون من آخر شر منه الجزية فإن أبيتم فالمناجزة. وإن أجبتم إلى ديننا خلفنا فيكم كتاب الله وأقمناكم عليه على أن تحكموا بأحكامه ونرجع عنكم، وشأنكم وبلادكم، وإن أتيتمونا بالجزية قبلنا ومنعناكم وإلا قاتلناكم.
فتكلم يزدجرد فقال: إني لا أعلم في الأرض أمة كانت أشقى ولا أقل عددا ولا أسوأ ذات بين منكم، قد كنا نوكل بكم قرى الضواحي ليكفوناكم، لا تغزوكم فارس ولا تطمعون أن تقوموا لهم، فإن كان عددكم كثر فلا يغرنكم منا، وإن كان الجهد دعاكم فرضنا لكم قوتا إلى خصبكم وأكرمنا وجوهكم وكسوناكم وملكنا عليكم ملكاً يرفق بكم.. فأسكت القوم.
فقام المغيرة بن شعبة فقال: أيها الملك، إن هؤلاء رءوس العرب ووجوههم، وهم أشراف يستحيون من الأشراف، وإنما يكرم الأشرافَ الأشرافُ، ويعظم حقوق الأشراف الأشرافُ، وليس كل ما أرسلوا له جمعوه لك، ولا كل ما تكلمت به أجابوك عليه، وقد أحسنوا ولا يحسن بمثلهم إلا ذلك، فجاوبني فأكون أنا الذي أبلغك ويشهدون على ذلك، إنك قد وصفتنا صفة لم تكن بها عالما، فأما ما ذكرت من سوء الحال فما كان أسوأ حالا منا، وأما جوعنا فلم يكن يشبه الجوع، كنا نأكل الخنافس والجعلان والعقارب والحيات، ونرى ذلك طعامنا، وأما المنازل فإنما هي ظهر الأرض، ولا نلبس إلا ما غزلنا من أوبار الإبل وأشعار الغنم، ديننا أن يقتل بعضنا بعضا، وأن يبغي بعضنا على بعض، وإن كان أحدنا ليدفن ابنته وهي حية كراهية أن تأكل من طعامه، وكانت حالنا قبل اليوم على ما ذكرت لك فبعث الله إلينا رجلا معروفا نعرف نسبه ونعرف وجهه ومولده، فأرضه خير أرضنا، وحسبه خير أحسابنا، وبيته خير بيوتنا، وقبيلته خير قبائلنا، وهو نفسه كان خيرنا في الحال التي كان فيها أصدقنا وأحلمنا، فدعانا إلى أمر فلم يجبه أحد، أول ترب كان له الخليفة من بعده فقال وقلنا، وصدق وكذبنا، وزاد ونقصنا، فلم يقل شيئا إلا كان، فقذف الله في قلوبنا التصديق له واتباعه، فصار فيما بيننا وبين رب العالمين، فما قال لنا فهو قول الله، وما أمرنا فهو أمر الله، فقال لنا: إن ربكم يقول: أنا الله وحدي لا شريك لي، كنت إذ لم يكن شيء، وكل شيء هالك إلا وجهي، وأنا خلقت كل شيء وإليّ يصير كل شيء، وإن رحمتي أدركتكم فبعثت إليكم هذا الرجل لأدلكم على السبيل التي أنجيكم بها بعد الموت من عذابي، ولأحلكم داري دار السلام، فنشهد عليه أنه جاء بالحق من عند الحق، وقال: من تابعكم على هذا فله ما لكم وعليه ما عليكم، ومن أبى فاعرضوا عليه الجزية ثم امنعوه مما تمنعون منه أنفسكم، ومن أبى فقاتلوه فأنا الحكم بينكم، فمن قتل منكم أدخلته جنتي، ومن بقي منكم أعقبته النصر على من ناوأه. فاختر إن شئت الجزية وأنت صاغر، وإن شئت فالسيف، أو تسلم فتنجي نفسك.
فقال يزدجرد: أتستقبلني بمثل هذا؟
فقال: ما استقبلت إلا من كلمني، ولو كلمني غيرك لم أستقبلك به.
فقال: لولا أن الرسل لا تُقتل لقتلتكم، لا شيء لكم عندي. وقال: ائتوني بوقر من تراب فاحملوه على أشرف هؤلاء ثم سوقوه حتى يخرج من أبيات المدائن، ارجعوا إلى صاحبكم فأعلموه أني مرسل إليه رستم حتى يدفنه وجنده في خندق القادسية وينكل به وبكم من بعد، ثم أورده بلادكم حتى أشغلكم في أنفسكم بأشد مما نالكم من سابور. ثم قال: من أشرفكم؟ فسكت القوم، فقال عاصم بن عمرو وقام ليأخذ التراب: أنا أشرفهم.
فكان في أخذه التراب فأل حسن أن أخذ الله بلادهم للإسلام.انتهى



العرب والخمر
مقارنة بين ترك الصحابة للخمر ومحاولة الولايات المتحدة
[font=fs_graphic]أكبر تجربة جربها الإنسان لإصلاح الأخلاق والسلوك الإنساني بقوة القانون وسلطة الحكم في التاريخ هي التي قامت بها أميركا سنة 1933 عندما أصدرت قانون بتحريم الخمر[/font]
[font=fs_graphic]وقبل إصدار هذا القانون وهذا التعديل الثامن عشر على الدستور الأمريكي أقيمت في البلاد دعاية واسعة جدا ضد الخمر وكانت هناك رابطة محاربة لوجود الحانات التي كانت تسعى وتجتهد في ترغيب الأمريكيين عن الخمر وتثبيت مضارها في قلوبهم بإلقاء الخطب وتأليف الرسائل والكتب وعرص المسرحيات والأفلام وحتى قدرت تكاليف نشرات النشر والإذاعة من سنة 1925 خمسة وستين مليون دولار وبلغت عدد الصفحات التي سود بياضها لبيان مساويء الخمر تسعة آلاف مليون صفحة...[/font]


[font=fs_graphic]وكل ذلك قبل التجربة وأما ما تحملته الأمة الأمريكية أثناء التنفيذ فقد قدر بأربعة ونصف مليون دولار وقتل في سبيل التنفيذ مائتي نفس وسجن نصف مليون وغرم الجناة ما يربو على مليون ونصف دولار وصودرت من الأملاك ما مقداره أربعمائة مليون دولار...[/font]​

[font=fs_graphic]كل هذا النقص الهائل في الأنفس والأموال كابدته أميركا لغرض واحد هو تلقين الأمة الأمريكية المتحضرة مفاسد الخمر وتنبيهها إلى مضارها الروحية والصحية والإقتصادية.[/font]
[font=fs_graphic]لكن كل هذه الجهود المتوالية ومن وراءها سلطة الحكومة خابت واخفقت [/font]
[font=fs_graphic]ولم يكن هذا الإخفاق نتيجة أنه تم إكتشاف منافع للخمر بل قد ثبت لدى العقلاء جميعا أنها السبب الرئيسي في الجرائم كلها من الزنا والبغاء واللواط والسرقة والمقامرة والقتل وأن لها النصيب الأكبر في تشويه أخلاق الأمم الغربية وتخريب صحة أبدانها وإفساد معيشتها[/font]
[font=fs_graphic]ولكن الذي أدى إلى تراجع أميركا عن هذا القانون بعد أربعة عشر سنة فقط هو أن الأغلبية الساحقة من المجتمع الأمريكي لم ترض مفارقة الخمر وكون الشعب الذي قد صوت على إلغاءها قد عاد هو نفسه وأيد وأصر على إباحتها وإطلاق الحرية في إستعمالها[/font]
[font=fs_graphic]فقد صوت على هذا القانون رغم علمه بأن الحياة سوف تكون فيه خشونة وجافة إلا إنه مع العلم بمضارها صوت على هذا القانون ست وأربعين ولاية ومجلس النواب والأعيان..[/font]
[font=fs_graphic]والعجيب أنه أول ما بدأ هذا القانون يدخل حيز التنفيذ حتى تبدلت الأمة غير الأمة فعادت وهي أقوى الأمم الأرضية وأرقاها وأغزرها علما لا تطيق الصبر على أم الخبائث...[/font]​

[font=fs_graphic]سريان القانون[/font]
[font=fs_graphic]فما كادت تغلق الحانات القانونية العلنية في البلاد حتى فتحت الآف من الحانات السرية حتى كان من بر الرجل بأهله أن يدلهم على كلمة سر تدخله حانة من الحانات الممنوعة وبعد أن كانت الحكومة تراقب عددا من الحانات خرج الأمر من سيطرتها لأنها اصبحت آلاف مؤلفة[/font]
[font=fs_graphic]بل وطفق يباع كل أنواع الخمر حتى الرديء جدا الذي يضر بصحة الإنسان أكثر من السم الزعاف وغلت أثمان الخمور غلاء فاحشا وعادت تجارة الخمور من أربح المهن وأنفعها فصار يحترفها الملايين وظهر الباعة المتجولون الذي وصلوا إلى عشرة أضعاق عددهم قبل التحريم[/font]
[font=fs_graphic]وبينما كان عدد مصانع الخمر قبل التحريم لا يعدو أربعمائة فقد عثروا في سبع سنوات فقط بعد التحريم على ثمانين ألف مصنع وتسعين ألف أتون لصنع الخمر وقال رئيس سابق لقسم التحريم لم نعثر إلا على عشر ما في البلاد...[/font]
[font=fs_graphic]واصبح الأمريكيون يشربون في كل سنة مائتي مليون غالون من الخمر...[/font]​

[font=fs_graphic]وهذه الخمور الرديئة أضرت جدا بصحتهم ففي نيويورك كان عدد المتضررين من إستعمال الكحول قبل التحريم3471 وعدد الهالكين 252 نفسا ثم بعد التحريم بلغ عدد المتضررين أحد عشر ألفا والهالكين سبعة آلاف ونصف الألف[/font]​

[font=fs_graphic]ناهيك عن إرتكاب الجرائم التي صرح الأميرالاي موس مدير المجلس الأعلى للنظر في الجرائم أن واحدا من كل ثلاثة أميركين يتعاطي الجرائم وقد إزدادت عندنا نسبة الجرائم بقدر 300% مما كان منها من قبل.[/font]​

آثار تطبيق هذا القانون في أرقى دولة في العالم
[font=fs_graphic]فحاصل الأقوال أن النتائج التي ظهرت في أميركا عقب التحريم تتلخص في الاتي[/font]
[font=fs_graphic]زالت عن القلوب حرمة القانون ونشأت نزعة البغي والتمرد عليه في كل طبقات المجتمع[/font]
[font=fs_graphic]لم تتحقق الغاية بل زاد إستعمالها[/font]
[font=fs_graphic]تجشمت الحكومة خسائر لا تحصى في تنفيذ القانون ومثلها أيضا الشعب الأمريكي فتأثرت إقتصاديات البلاء[/font]
[font=fs_graphic]كثرت الأمراض وإختلت الصحة وإزدادت نسبة الوفيات وشاعت الرذائل وتفاحشت الجرائم في جميع طبقات المجتمع وعلى الأخص الجيل الناشيء...[/font]​

[font=fs_graphic]هذه النتائج ظهرت في دولة تعد من أرقى دول العالم حضارة في زمان هو آلق أزمنة التاريخ بضياء العلم وإن ابناءها أو فر حظا من التهذيب والثقافة تشرق عقولهم بنور الحكمة والعلم فهم أحرى أن يعلموا ما ينفعهم ولا يضرهم...[/font]
[font=fs_graphic]وظهرت هذه النتائج مع أنها دولة جبارة وتمتاز بأحسن ما يمتاز به القرن العشرين من الإدارة والتنظيم مدة أربعة عشر سنة...[/font]​

تحريم الخمر في زمن النبي صلى الله عليه وسلم
[font=fs_graphic]وتعالى نرسل الطرف في قطر كان يعد أجهل أقطار الأرض في أظلم عصور التاريخ قبل ما يزيد على أربعة عشر قرنا من الزمان أهاليه أميون والعلم والحكمة فيه معدومة والتمدن والحضارة أمر لا يعرفه فيه أحد وعدد المتعلمين فيه لا يعدو الواحد في العشرة آلاف وهذا المتعلم ليس له نصيب في العلم إلا مثل لعامتنا منه هذه الآيام ونظام الحكم فيه بدائيا لم يمض على قيامه إلا بضع سنين وأما أهله فعشاق للخمر متهالكون عليها متفنون فيها في لغتهم نحو مائتي ونصف علم لهذا الشراب وحده مما لا نظير له في أية لغة أخرى وإن أردت أن تعلم قدر شغفهم بالخمر فهذا شعرهم باق مما يخيل للقاريء أنهم رضعوا هذا الحب مع لبن الأمهات...[/font]
[font=fs_graphic]يخطر في بال هؤلاء مسألة الخمر فيأتون النبي صلى الله عليه وسلم يسألونه عن الخمر فينزل قوله تعالى (يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما)[/font]
[font=fs_graphic]فيسمع الناس آية وليس فيها أمر ولا نهي فيكون من نتيجة هذا أن يتركها قوم كثير ويقولون لا حاجة لنا في شربها ولا في شيء فيه إثم كبير[/font]​

[font=fs_graphic]ثم أعيد السؤال عن الخمر مرة أخرى لأن بعضهم كان يصلي وهو سكران فنزل قوله تعالى (يا أيها [/font][font=fs_graphic]الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا )[/font]​

[font=fs_graphic]فحرمت الخمر في أوقات الصلاة فتركها قوم آخرون وقالوا لا حاجة لما في شيء يحول بيننا وبين الصلاة وقال قوم نشربها ونجلس في بيوتنا[/font]
[font=fs_graphic]إلا أن مضرة الخمر كانت باقية لأن بعضهم كان يشربها فيفسدون وتطلعت النفوس إلى بيان شاف في الخمر فأنزل الله تعالى (يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والزلام رجس من عمل الشيطان فإجتنبوه لعلكم تفلحون* إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء بالخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون* وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول واحذورا فإن توليتم فاعلموا أنما على رسولنا البلاغ المبين)[/font]
[font=fs_graphic]فقال عمر رضي الله عنه إنتهينا يارب [/font]
[font=fs_graphic]وقال أنس رضي الله عنه حرمت ولم يكن للعرب يؤمئذ عيش أعجب منها فأخرجنا الحباب إلى الطريق فصببنا ما فيه فمنا من كسر حبه ومنا من غسله بالماء والطين.[/font]
[font=fs_graphic]وقال أنس رضي الله عنه كنت ساقي القوم يوم حرمت الخمر في بيت أبي طلحة فإذا مناد ينادي فقال القوم إخرج فإنظر فإذا المنادي ينادي ألا إن الخمر قد حرمت قال فجرت في سكك المدينة فقال لي أبو طلحة أخرج فأهرقها فهرقتها.[/font]
[font=fs_graphic]وقيل أنه كان رجل يشرب الخمر وأوشكت الكأس أن تمس شفتيه إذا بداخل دخل عليه وقرأ آية التحريم فإنفصلت الكأس ولم يذق لسانه قطرة مما فيها بعد ذلك..[/font]​

العقل يحكم بين التجربتين
[font=fs_graphic]والعقل يحكم بين التجربتين فترى أمة قوية في العهد القريب مسلحة بكل وسائل العلم ومؤيدة بالإعلام والدعاية وأنفقت ملايين الدولارات وأروا الناس مفاسد الخمر بأعينهم في الصور إلا أنهم بعد أربعة عشر سنة رجعوا فأحلوا ما كانوا حرموه من تلقاء أنفسهم[/font]
[font=fs_graphic]وفي الناحية الأخرى ما قام أحد بنوع من الدعاية وما بذلت لا بيضاء ولا صفراء في النشر والإذاعة وما قامت في البلاد رابطة بحارب وجود الحانات وإنما أعلن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يا قوم إن الله تعالى حرم الخمر ولم يخفت دوي إعلانه حتى إمتنعت الأمة التي كانت أعشق الأمم للخمر ولم يكن لها من العلم والتعقل في ذلك الزمان شيء يذكر فأمسكت عن الخمر وودعتها وداعا لا رجعة لها بعده ما دامت في دائرة الإسلام[/font]​

[font=fs_graphic]ولم يكن في هذا العهد سجن أو غرامة أو حكم محدد على شاربها حتى يخاف الناس , ولكن المنهج الفريد في التربية هو الذي اثمر مثل هذا الإصلاح العظيم.[/font]​

وتأمل بين كم الجهد في الأمة الأمريكية وبين الجهد المبذول في الأمة الإسلامية مع فشل التجربة الأولى ونجاح الثانية بفضل الله تعالى , ثم تأمل قوله تعالى ( واعلموا أن فيكم رسول الله لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان أولئك هم الراشدون * فضلا من الله ونعمة والله عليم حكيم )



*** يظهر من هذه الأمثلة الثلاثة التغير الهائل في شخصية العربي وهي أمثلة بسيطة , ولكن جوانب التغير عند العرب بعد المسلمين كثيرة جدا في كل نواحي الحياة ولا نستطيع أن نحيط بها في صفحة أو صفحتين , وأكتفي بهذا القدر والحمد لله رب العالمين
 

أبو عمر

عضو بلاتيني / العضو المثالي لشهر أغسطس
============
بين يدي نزول الوحي
============

الحمد لله رب العالمين , والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد , اللهم صلي وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه واتبع سنته إلى يوم الدين ثم أما بعد...



فدراسة السرية النبوية غير استقصاء لحياة النبي صلى الله عليه وسلم , فكثير من الناس يعلمون عن الكثير من تفاصيل حياة النبي صلى الله عليه وسلم , أين ولد وأين مات وكيف عاش في مكة ...


ولكن ليس هذا هو هدفي من دراسة السيرة النبوية على صاحبها ألف صلاة وسلام وإنما هي دعوة للتفكر في كل حركة وكل فعل وقول من أقوال النبي صلى الله عليه وسلم لأتعلم وأستفيد من الحكمة النبوية.


فحياة النبي صلى الله عليه وسلم كلها حكمة , كلامه حكمة وسكوته حكمة وسلامه حكمة وحربه حكمة ومعاهداته حكمة , كل شيء فعله النبي صلى الله عليه وسلم فيه حكمة يجب على المسلم أن يتعلمها ويفقهها إن كان يرجو بناء شخصيته على المنهج القويم والطريقة المنضبطة.


ولك أن تتخيل أن النبي صلى الله عليه وسلم الذي صنع على عين الله تعالى يُربى ويُجهز للرسالة لمدة أربعين سنة وتكون مدة الدعوة ثلاث وعشرين سنة فقط , وانظر إلى كل هذه المدة الكبيرة في التربية والتجهيز حتى يتحمل أداء الرسالة الخاتمة العالمية...


فالتجهيز يحتاج إلى تدرج وتروي , وهناك فرق كبير بين أن تبحث الدعوة عن أحد يحملها وبين أن يبحث الإنسان عن الدعوة ليحملها , فارق كبير جدا , ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم كارها لما عهده أهل مكة من عبادة الأوثان ونداءهم والإستشفاع بهم وطلب الحوائج منهم وهذه الأمور التي هي من أمور العبادة وقد صرفوها لغير الله تعالى.


أمور عجيبة قبل بداية الوحي
وقد حدثت للنبي صلى الله عليه وسلم أمور عجيبة جدا قبل الوحي , فمنها مثلا حادثة شق الصدر والتي حدثت للنبي صلى الله عليه وسلم , وهي " العملية الجراحية " التي أجراها جبريل عليه السلام للنبي صلى الله عليه وسلم , وشق صدره وأخرج منه حظ الشطان ثم لأمه مرة أخرى حتى أن أنس رضي الله عنه كان يرى اثر هذه العملية في صدر النبي صلى الله عليه وسلم.


ومنها أيضا مسألة الرؤيا الصادقة , فقد ظل النبي صلى الله عليه وسلم مدة ستة أشهر يرى الرؤيا ثم يجدها تتحقق كما رآها بالضبط , ستة اشهر كاملة ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم كما يروي البخاري رحمه الله وغيره عن عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ(( رُؤْيَا الْمُؤْمِنِ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّةِ )) , وذلك أن فترة الرؤيا الصادقة كانت ستة أشهر كما تقدم وفترة الدعوة كانت ثلاث وعشرين سنة فتصبح جزءا من ستة وأربعين جزءا من النبوة.


وأيضا كان هناك حجر يسلم على النبي صلى الله عليه وسلم قبل البعثة , كان بمكة ولقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك كما روى مسلم رحمه الله عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (( إِنِّي لَأَعْرِفُ حَجَرًا بِمَكَّةَ كَانَ يُسَلِّمُ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ أُبْعَثَ إِنِّي لَأَعْرِفُهُ الْآنَ )) , وكان ذلك من الأمور العجيبة والغير مفهومة طبعا أن يسلم حجر على النبي صلى الله عليه وسلم وهو بعد لا يدري أنه سوف يبعث أو أنه سوف يمسي رسول البشرية الخاتم...


والحكمة من ذلك ظاهرة وهي أن هذا الأمور العجيبة رسالة للنبي صلى الله عليه وسلم تفيد أنه غير الناس جميعا , وأنك مختلف يا رسول الله وكان هذا من تجهيز الرسول لرسالته صلوات ربي وسلامه عليه.



جبريل ينزل يظهر لأول مرة للنبي صلى الله عليه وسلم
حُبب للنبي صلى الله عليه وسلم الخلاء , فكان يخرج إلى غار حراء يتفكر فيه ويجلس , وفي يوم من الأيام وفي لحظة مميزة جدا , لحظة لم تحدث على الأرض منذ أكثر من ستمائة عام ظهر جبريل عليه السلام للنبي صلى الله عليه وسلم...


موقف مهيب , ينزل الملك وبغير سلام ولا كلام ولا بيان ولا أي شيء يقول للنبي صلى الله عليه وسلم ( اقرأ ) , فيرد النبي صلى الله عليه وسلم ( ما أنا بقارئ ) , فيأخذه الملك ويغطه بشدة كبيرة جدا حتى أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول ( حتى بلغ مني الجهد ) ثم يرسله ويقول له مرة ثانية ( اقرأ ) فيرد النبي صلى الله عليه وسلم مرة أخرى بنفس الإجابة فيغطه الملك بشدة كبيرة حتى يبلغ الجهد من النبي صلى الله عليه وسلم ثم في المرة الثالثة والأخيرة يقول الملك عليه السلام (( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ ))...


و تأمل حالة النبي صلى الله عليه وسلم وهذا الخوف الشديد من هذا المخلوق الذي ظهر له وهو يأمره بالقراءة والنبي صلى الله عليه وسلم يردد أنه لا يقرأ والملك يضمه بشدة وكأنه يريد أن يقول له أنت لست نائم هذه حقيقة أنت تحمل كلاما كبيرا جدا الآن , هذا ليس توهم...


النبي صلى الله عليه وسلم أخذ هذه الكلمات ورجع بها مسرعا إلى بيته وهو مرتجف الفؤاد من هذا الموقف الرهيب الذي حدث له ويقول زملوني زملوني ويحكي لخديجة رضي الله عنها هذا الموقف ويصف الموقف بأكمله بقوله ( لقد خشيت على نفسي )....


موقف أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها العجيب
العجيب في الأمر أن خديجة رضي الله عنه قد سمعت هذا الكلام بغير أن تظهر تعجبا وكأن النبي صلى الله عليه وسلن يحكي لها أمرا عاديا , وعندما قال النبي صلى الله عليه وسلم قولته التي تفيد خشيته على نفسه قالت بمنتهى اليقين (( كَلَّا وَاللَّهِ مَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ وَتَحْمِلُ الْكَلَّ وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ وَتَقْرِي الضَّيْفَ وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ )), فانظر إلى موقف الزوجة المؤمنة من زوجها وهي تذكره بمواقفه الطيبة مع الناس والتي تستدعي أن يكون الله تعالى بجانبه ناصره وآزره.


ومن العجيب أيضا أن خديجة رضي الله عنها لم تأتي على ذكر عبادته وتحنثه في غار حراء بل رجعت إلى الأمور الطيبة والتي كان يقوم بها النبي صلى الله عليه وسلم في حياته مع الناس , فالكرم والإغاثة والإعانة وغير ذلك كان مستقرا عندها أن هذه المكارم العالية والأخلاق الفاضلة كفيلة بأن يطمئن فؤاد النبي صلى الله عليه وسلم من أي توقع سوء.



كلام ورقة بن نوفل فيما نزل بالنبي صلى الله عليه وسلم
انطلقت خديجة رضي الله عنها بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى ورقة بن نوفل , ولم تنطلق به إلى أي أحد من " حكماء العرب " ولكنها ذهبت به إلى رجل يقرأ الكتب السماوية القديمة , فهو أقدر على فهم هذا الكلام وإبداء رأيا سليما فيه وقد كان.
ما ان سمع ورقة رحمه الله هذا الكلام حتى أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأن الذي يأتيه ملك وقال له (( هَذَا النَّامُوسُ الَّذِي نَزَّلَ اللَّهُ عَلَى مُوسَى يَا لَيْتَنِي فِيهَا جَذَعًا لَيْتَنِي أَكُونُ حَيًّا إِذْ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ )) فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (( أَوَمُخْرِجِيَّ هُمْ )) قَالَ(( نَعَمْ لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ قَطُّ بِمِثْلِ مَا جِئْتَ بِهِ إِلَّا عُودِيَ وَإِنْ يُدْرِكْنِي يَوْمُكَ أَنْصُرْكَ نَصْرًا مُؤَزَّرًا )).
يخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن هذا هو الوحي , وأنه سوف يكون نبي كما كان موسى , لأن أهل الكتاب كانوا يعلمون بأن هناك نبي خاتم سوف يبعث ولكنهم كانوا يظنون أنه من اليهود, المهم أخبر ورقة النبيَ صلى الله عليه وسلم أنه سوف يخرجه قومه بسبب هذه الدعوة لأن هذه الدعوة تورث العداوة , وفي هذا توضيح لكل من يحمل هم الدعوة ويدعو بها لابد أن يعلم أن هذه الدعوة تورث بعض العداوات لابد ولو حرص على عدم حدوثها , فهذه سنة الله تعالى في أرضه أن يتصارع الحق والباطل.


فتور الوحي
بعد كلام ورقة للنبي صلى الله عليه وسلم , أصبح هناك شكا في المسألة فهل النبي صلى الله عليه وسلم سوف يكون نبيا فعلا كما قال ورقة أم أن المسألة غير ذلك , وفي هذه الأثناء وهذا الوقت المهم والذي يحتاج النبي صلى الله عليه وسلم أن يتأكد منه فتر الوحي مدة من الزمان , واختلف العلماء في هذه الفترة بين ثلاثة أيام إلى أربعين يوما ,والنبي صلى الله عليه وسلم ينتظر خبر السماء أو ظهور هذا الملك ليؤكد له ماهية تلك الأمور التي تحدث له.

وهذا التأخير حكمته أن يزداد النبي صلى الله عليه وسلم شوقا , فالمسألة ثقيلة جدا وهو قول خطير وهام قال تعالى (( إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا )) , فليست الدعوة بالأمر الهين أو الأمر الميسر بل هو أمر ثقيل ولذلك جهز النبي صلى الله عليه وسلم لهذه الدعوة مدة أربعين سنة..

حزن النبي صلى الله عليه وسلم لفتور الوحي عنه في هذه الفترة الهامة , ثم ما لبث أن بدأ جبريل عليه السلام يقول له بين وقت وآخر (( يا محمد إنك لرسول الله حقا )) فيسكن جأش النبي صلى الله عليه وسلم , ثم ما يلبث أن يهجم الشك والحيرة مرة أخرى على قلب النبي صلى الله عليه وسلم , يريد أن يعلم ماهية أمره وما رسالته وكيف وكيف....


الملك يظهر بين السماء والأرض وانتهاء فترة الراحة
يحكي النبي صلى الله عليه وسلم هذا الموقف أيضا كما صح في الحديث أنه قال صلوات ربي وسلامه عليه ((ثُمَّ فَتَرَ عَنِّي الْوَحْيُ فَتْرَةً فَبَيْنَا أَنَا أَمْشِي سَمِعْتُ صَوْتًا مِنْ السَّمَاءِ فَرَفَعْتُ بَصَرِي قِبَلَ السَّمَاءِ فَإِذَا الْمَلَكُ الَّذِي جَاءَنِي بِحِرَاءٍ قَاعِدٌ عَلَى كُرْسِيٍّ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ فَجُئِثْتُ مِنْهُ حَتَّى هَوَيْتُ إِلَى الْأَرْضِ فَجِئْتُ أَهْلِي فَقُلْتُ زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى
(( يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ إِلَى قَوْلِهِ وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ )).


تأمل حالة الخوف التي اعترت النبي صلى الله عليه وسلم حتى أنه هوى إلى الأرض وعاد مسرعا إلى بيته داعيا إياهم ليزملوه , ثم أنزل الله تعالى قوله (( يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ )) ...


انتهت فترة الراحة وبدأت المشقة وبدأت الدعوة إلى الله تعالى , وقام النبي صلى الله عليه وسلم يدعو الناس فما ترك حرا ولا عبدا ولا كبيرا ولا صغيرا إلا دعاه إلى التوحيد وترك عبادة الأوثان.
ولقد ظل النبي صلى الله عليه وسلم على هذه الحال مدة الدعوة بكاملها , وقام برسالته كما لم يقم نبي قط وبذلك كل ما يملك وما كان في وسعه حتى أنه ربما يمشي المسافات الطويلة وما يقدر على استئجار دابة توصله وهو التاجر...


وفي اليوم الأول دعا النبي صلى الله عليه وسلم عددا من الصحابة لاسيما الأربعة الأول , وهؤلاء لهم قصة مهمة جدا ودرسا في غاية الأهمية من دروس الدعوة أتركها للمشاركة القادمة إن كتب الله لنا بقاء وقدر في العمر بقية والحمد لله رب العالمين





 
أعلى