==================
تمهيد ( فوائد دراسة السيرة )
==================
تمهيد ( فوائد دراسة السيرة )
==================
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد , اللهم صلي وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه واتبع سنته إلى يوم الدين ثم أما بعد...
هذه سلسلة في دراسة السيرة النبوية العطرة على صاحبها ألف صلاة وسلام , وهذا الموضوع أي السيرة النبوية من أهم الموضوعات التي يجب أن يعتني بها المسلم في حياته , بل هي أهم الموضوعات على الإطلاق.
فهذه سيرة أعظم رجل عرفته البشرية , وأفضل من مشى على ظهر الأرض , سيرة رجل تفوق في كل المجالات , فإذا كانت البرشية تتقدم في مجال وتتأخر في آخر فإن النبي صلى الله عليه وسلم تفوق في كل المجالات.
تفوق في عبادته وتفوق في حكمته وفي ذكاءه وفي حروبه وفي كل شيء لا تجد أحدا من الناس سبقه أو حتى قاربه, ما بالك بإنسان قال تعالى في حقه ((وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم/4] )) , ما بالك بإنسان أقسم رب العالمين بحيته فقال تعالى (( لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ [الحجر/72])).
لن يحاسب رب العالمين الناس يوم القيامة إلا بعدما يقوم هذا الرجل صلى الله عليه وسلم بالشفاعة لكي يبدأ الحساب ,لن يدخل أحد الجنة إلا خلفه , فهو الماحي الذي محا الله به الكفر , وهو الذي يرفع راية الحمد يوم القيامة.
في هذه السلسلة نتناول سيرة النبي الحبيب القائد القدوة محمد صلى الله عليه وسلم , نلتمس الضوء من سيرته وحياته لنضيء حياتنا وسبيلنا , وسوف أستأنس في هذه الدراسة بمحاضرات الشيخ راغب السرجاني حفظه الله في شرحه للسرية مع عددا من الكتب.
أهمية دراسة السيرة النبوية
نحن الآن نعيش في زمن وحال الأمة في ضعف شديد , وفي تصدع وإنحلال في أجزاء كثيرة من بدن الأمة , وإذا رجعنا إلى كتاب الله تعالى نجد تباينا كبيرا بين قوله تعالى (( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آَمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ [آل عمران/110] )) وبين واقعنا الآن
ونحن الآن متأخرون في شتى المجالات , وهذا التأخر يقدر بمئات السنين عن الدول المتقدمة , انظر إلى الخلل عندنا في الأخلاق وفي انتشار الرشاوي وفي معاملة الناس بعضها ببعض وفي الجامعات في كل المجالات لا تجد الخيرية ظاهرة إلا من رحم الله تعالى .
والقرآن الكريم صدق ولا ريب ولا يكذب أبدا ومن هنا فالخلل عندنا وفي تطبيقنا بل وفي فهمنا أصلا قبل التطبيق , العيب فينا وعندنا وليس في المنهج ولابد من إعادة البناء والترميم ولا يكون ذلك إلا بدراسة سيرة النبي صلى الله عليه وسلم.
لقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أنه سوف يكون هناك إختلاف كثير كما في حديث العرباض بن ساية (( وَعَظَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا بَعْدَ صَلَاةِ الْغَدَاةِ مَوْعِظَةً بَلِيغَةً ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ فَقَالَ رَجُلٌ إِنَّ هَذِهِ مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ فَمَاذَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَإِنْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ يَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ فَإِنَّهَا ضَلَالَةٌ فَمَنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَعَلَيْهِ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ )) , وكل مسلم يريد أن ينتهض بأمته يلتمس المنهج الذي يظنه سليما وصحيحا , فهذا يرجو الشيوعية وهذا يظن أن الخير في الرأسمالية وهذا يرى العلمانية , وكل تجربة تأخذ من أعمار الأمة الكثير , ولكن إذا اختلفنا من الذي يحكم بيننا...
ومن هنا تأتي أهمية دراسة سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم لأنه قدوة وحياته كلها كانت حكمة , فإذا فعل أمرا دل ذلك على أنه أفضل تصرف , وإذا ترك أمرا دل ذلك على الترك , ولعل من الحكمة اختصاصه صلى الله عليه وسلم بالزواج من أكثر من أربع نسوة هو أن ينقلن أزواجه صلى الله عليه وسلم كل ما كان يقع في بيوتهن من أخباره لأنه كما سبق قدوة للمسلمين.
ولكن إستقصاء كل ما كان في حياة النبي صلى الله عليه وسلم من الصعوبة بمكان , لأن حياة النبي صلى الله عليه وسلم متنوعة ومختلفة فأحيانا يكون فقيرا وأحيانا يكون غنيا وأحيانا محاربا وأحيانا مسالما صلوات ربي وسلامه عليه.
وأيضا مما يجعل الإستقصاء صعب جدا هو أنه الصحابة رضي الله عنهم وإن كانوا نقلوا عنه كل شيء علموه عنه صلى الله عليه وسلم إلا أنهم كانوا عباقرة في شتى المجالات أيضا , والرجل العظيم إن عاش بين عظماء تكبر السيرة جدا وتحتاج إلى عشرات المجلدات لحصرها , لأن العظماء يتفاعلون بإجابية ويتناقشون بذكاء ويفكرون بعلم ويتحركون بوعي وإدراك ومن هنا فالسيرة تكبر جدا وتبلغ حدا من الضخامة بحيث أن سيرة كل صحابي والذي تحتاج إلى مجلدات ومجلدات ما هي إلا جزء صغير من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم.
والسيرة معين لا ينضب وكلما نظر فيها المفكرين استخرجوا منها كنوز , وحكم كثيرة , وكيف لا وقد تعيش أمة من الأمم ولا يقع في تاريخها حدث عظيم إلا كل سنين طويلة جدا والنبي صلى الله عليه وسلم في حياته قد وقعت أخبارا عظيمة جدا تقريبا في كل سنة وربما حدثين أو ثلاثة أو أكثر في السنة الواحدة.
تأمل حرب اسرائيل في رمضان مازال الناس يكتبون عنها والمحللين يحللونها وهي وقد وقعت منذ ما يزيد على ثلاثين سنة , فما بالك بحياة النبي صلى الله عليه وسلم وما وقع في حياته من أحداث وخطوب , السنة الثانية هجريا حرب بدر , السنة الثالثة هجريا حرب أحد وبنو قينقاع , في السنة الرابعة هجريا بنو النضير وفي السنة الخامسة هجريا الأحزاب وهكذا , أحداث عظيمة جدا فكيف يمكن استقصاء كل الأخبار والأحوال لحياة هذا الرجل العظيم النبي الرسول صلى الله عليه وسلم.
قواعد أساسية لدراسة السيرة
هناك أربعة قواعد أساسية لابد أن يتخذها المسلم في أثناء دراسته للسيرة النبوية
القاعدة الأولى : دراسة السيرة هي وسيلة للتفقه في الدين وفهم السنة النبوية والتي هي المصدر الثاني من مصادر التشريع, ولا يمكن أن تفهم السنة إلا من خلال السيرة.
وحتى فهم القرآن الكريم يحتاج إلى دراسة السيرة أيضا و فالسيرة إذا ليست من طرق التسلية وإنما هي دراسة للدين الإسلامي والتفقه به.
القاعدة الثانية : هي التعرف على شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم , وهي أعظم شخصية عاشت على وجه الأرض ولكن ينبغي أن نضع مسألة هامة في أذهاننا.
أن النبي صلى الله عليه وسلم هو رسول , وقد شاء رب العالمين أن لا يكلم الناس كفاحا وإنما اختار النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون هو المبلغ بين رب العالمين وبين خلقه , ومن هنا فينبغي أن نتلقى السيرة بهذا النوع من الإهتمام العظيم والعناية الكبيرة.
فالسيرة النبوية إذا هي البوصلة التي نحتاجها في سيرنا للحياة وكلما كان فهم الإنسان لها سليما كلما وصل إلى غايته وما ضاع ولا تاه في ضروب الفتن والحياة.
القاعدة الثالثة : تعلم كيفية حب النبي صلى الله عليه وسلم , لأن التعرف السطحي على سيرة النبي صلى الله عليه وسلم لا يولد إلا حبا ضعيفا أو تقديسا ولكن التعرف على هذه السيرة بنوع من الإهتمام والتبحر فيها يورث صاحبها حبا وشغفا يملأ قلبه فلا يجرؤ على العصيان.
وهذا الجب لازم للمسلم لكي ينجو يوم القيامة ففي الحديث النبوي ( لا يؤمن العبد )
القاعدة الرابعة : أن نتعلم الحكمة في الأقوال والإفعال والآراء , وحياة النبي صلى الله عليه وسلم هي الحكمة بعينها , فقد امتلك النبي صلى الله عليه وسلم قلوب أصحابه وامتلك أيضا قلوب أعداءه وهذا فن.
نتعلم حكمة المرحلية وفقه الواقع , وكيف أن المواقف قد تتغير , ففي الوقت الذي يمر النبي صلى الله عليه وسلم على ياسر وهو يعذب ولا يملك له إلا أن يقول ( صبرا ) , في وقت آخر يسير جيشا كبيرا لحرب بنو قينقاع لقتلهم رجل واحد مسلم.
نتعلم التوازن والحكمة والنظر إلى الواقع وغير ذلك من الأمور الكثيرة جدا والفوائد العظيمة من دراسة السيرة النبوية العطرة على صاحبها الصلاة والسلام.
وفي النهاية أقول إن هذه السيرة ربما تطول ولكنها من الأمور التي لا يحسن الإختصار فيها بل هي من المواضيع التي يحسن التبحر فيها والتوسع والتدبر , ولهذا نويت أن أبدا في هذه السلسلة حرصا على تقوية المحبة في قلبي والإستعداد لشهر رمضان , الإستذكار مع إخواني في هذا المنتدى فيما ننقله من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم , على أن يكون نفس المنهج في العرض وهو أن نضع المشاركة ثم نترك يوما لأي أسئلة أو تعليقات أو مناقشات في ذات الموضوع , واليوم التالي له نضع القضية التالية وهكذا...
والله أسأل أن يوفقنا جميعا لما يحبه ويرضاه والحمد لله رب العالمين
هذه سلسلة في دراسة السيرة النبوية العطرة على صاحبها ألف صلاة وسلام , وهذا الموضوع أي السيرة النبوية من أهم الموضوعات التي يجب أن يعتني بها المسلم في حياته , بل هي أهم الموضوعات على الإطلاق.
فهذه سيرة أعظم رجل عرفته البشرية , وأفضل من مشى على ظهر الأرض , سيرة رجل تفوق في كل المجالات , فإذا كانت البرشية تتقدم في مجال وتتأخر في آخر فإن النبي صلى الله عليه وسلم تفوق في كل المجالات.
تفوق في عبادته وتفوق في حكمته وفي ذكاءه وفي حروبه وفي كل شيء لا تجد أحدا من الناس سبقه أو حتى قاربه, ما بالك بإنسان قال تعالى في حقه ((وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم/4] )) , ما بالك بإنسان أقسم رب العالمين بحيته فقال تعالى (( لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ [الحجر/72])).
لن يحاسب رب العالمين الناس يوم القيامة إلا بعدما يقوم هذا الرجل صلى الله عليه وسلم بالشفاعة لكي يبدأ الحساب ,لن يدخل أحد الجنة إلا خلفه , فهو الماحي الذي محا الله به الكفر , وهو الذي يرفع راية الحمد يوم القيامة.
في هذه السلسلة نتناول سيرة النبي الحبيب القائد القدوة محمد صلى الله عليه وسلم , نلتمس الضوء من سيرته وحياته لنضيء حياتنا وسبيلنا , وسوف أستأنس في هذه الدراسة بمحاضرات الشيخ راغب السرجاني حفظه الله في شرحه للسرية مع عددا من الكتب.
أهمية دراسة السيرة النبوية
نحن الآن نعيش في زمن وحال الأمة في ضعف شديد , وفي تصدع وإنحلال في أجزاء كثيرة من بدن الأمة , وإذا رجعنا إلى كتاب الله تعالى نجد تباينا كبيرا بين قوله تعالى (( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آَمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ [آل عمران/110] )) وبين واقعنا الآن
ونحن الآن متأخرون في شتى المجالات , وهذا التأخر يقدر بمئات السنين عن الدول المتقدمة , انظر إلى الخلل عندنا في الأخلاق وفي انتشار الرشاوي وفي معاملة الناس بعضها ببعض وفي الجامعات في كل المجالات لا تجد الخيرية ظاهرة إلا من رحم الله تعالى .
والقرآن الكريم صدق ولا ريب ولا يكذب أبدا ومن هنا فالخلل عندنا وفي تطبيقنا بل وفي فهمنا أصلا قبل التطبيق , العيب فينا وعندنا وليس في المنهج ولابد من إعادة البناء والترميم ولا يكون ذلك إلا بدراسة سيرة النبي صلى الله عليه وسلم.
لقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أنه سوف يكون هناك إختلاف كثير كما في حديث العرباض بن ساية (( وَعَظَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا بَعْدَ صَلَاةِ الْغَدَاةِ مَوْعِظَةً بَلِيغَةً ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ فَقَالَ رَجُلٌ إِنَّ هَذِهِ مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ فَمَاذَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَإِنْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ يَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ فَإِنَّهَا ضَلَالَةٌ فَمَنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَعَلَيْهِ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ )) , وكل مسلم يريد أن ينتهض بأمته يلتمس المنهج الذي يظنه سليما وصحيحا , فهذا يرجو الشيوعية وهذا يظن أن الخير في الرأسمالية وهذا يرى العلمانية , وكل تجربة تأخذ من أعمار الأمة الكثير , ولكن إذا اختلفنا من الذي يحكم بيننا...
ومن هنا تأتي أهمية دراسة سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم لأنه قدوة وحياته كلها كانت حكمة , فإذا فعل أمرا دل ذلك على أنه أفضل تصرف , وإذا ترك أمرا دل ذلك على الترك , ولعل من الحكمة اختصاصه صلى الله عليه وسلم بالزواج من أكثر من أربع نسوة هو أن ينقلن أزواجه صلى الله عليه وسلم كل ما كان يقع في بيوتهن من أخباره لأنه كما سبق قدوة للمسلمين.
ولكن إستقصاء كل ما كان في حياة النبي صلى الله عليه وسلم من الصعوبة بمكان , لأن حياة النبي صلى الله عليه وسلم متنوعة ومختلفة فأحيانا يكون فقيرا وأحيانا يكون غنيا وأحيانا محاربا وأحيانا مسالما صلوات ربي وسلامه عليه.
وأيضا مما يجعل الإستقصاء صعب جدا هو أنه الصحابة رضي الله عنهم وإن كانوا نقلوا عنه كل شيء علموه عنه صلى الله عليه وسلم إلا أنهم كانوا عباقرة في شتى المجالات أيضا , والرجل العظيم إن عاش بين عظماء تكبر السيرة جدا وتحتاج إلى عشرات المجلدات لحصرها , لأن العظماء يتفاعلون بإجابية ويتناقشون بذكاء ويفكرون بعلم ويتحركون بوعي وإدراك ومن هنا فالسيرة تكبر جدا وتبلغ حدا من الضخامة بحيث أن سيرة كل صحابي والذي تحتاج إلى مجلدات ومجلدات ما هي إلا جزء صغير من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم.
والسيرة معين لا ينضب وكلما نظر فيها المفكرين استخرجوا منها كنوز , وحكم كثيرة , وكيف لا وقد تعيش أمة من الأمم ولا يقع في تاريخها حدث عظيم إلا كل سنين طويلة جدا والنبي صلى الله عليه وسلم في حياته قد وقعت أخبارا عظيمة جدا تقريبا في كل سنة وربما حدثين أو ثلاثة أو أكثر في السنة الواحدة.
تأمل حرب اسرائيل في رمضان مازال الناس يكتبون عنها والمحللين يحللونها وهي وقد وقعت منذ ما يزيد على ثلاثين سنة , فما بالك بحياة النبي صلى الله عليه وسلم وما وقع في حياته من أحداث وخطوب , السنة الثانية هجريا حرب بدر , السنة الثالثة هجريا حرب أحد وبنو قينقاع , في السنة الرابعة هجريا بنو النضير وفي السنة الخامسة هجريا الأحزاب وهكذا , أحداث عظيمة جدا فكيف يمكن استقصاء كل الأخبار والأحوال لحياة هذا الرجل العظيم النبي الرسول صلى الله عليه وسلم.
قواعد أساسية لدراسة السيرة
هناك أربعة قواعد أساسية لابد أن يتخذها المسلم في أثناء دراسته للسيرة النبوية
القاعدة الأولى : دراسة السيرة هي وسيلة للتفقه في الدين وفهم السنة النبوية والتي هي المصدر الثاني من مصادر التشريع, ولا يمكن أن تفهم السنة إلا من خلال السيرة.
وحتى فهم القرآن الكريم يحتاج إلى دراسة السيرة أيضا و فالسيرة إذا ليست من طرق التسلية وإنما هي دراسة للدين الإسلامي والتفقه به.
القاعدة الثانية : هي التعرف على شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم , وهي أعظم شخصية عاشت على وجه الأرض ولكن ينبغي أن نضع مسألة هامة في أذهاننا.
أن النبي صلى الله عليه وسلم هو رسول , وقد شاء رب العالمين أن لا يكلم الناس كفاحا وإنما اختار النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون هو المبلغ بين رب العالمين وبين خلقه , ومن هنا فينبغي أن نتلقى السيرة بهذا النوع من الإهتمام العظيم والعناية الكبيرة.
فالسيرة النبوية إذا هي البوصلة التي نحتاجها في سيرنا للحياة وكلما كان فهم الإنسان لها سليما كلما وصل إلى غايته وما ضاع ولا تاه في ضروب الفتن والحياة.
القاعدة الثالثة : تعلم كيفية حب النبي صلى الله عليه وسلم , لأن التعرف السطحي على سيرة النبي صلى الله عليه وسلم لا يولد إلا حبا ضعيفا أو تقديسا ولكن التعرف على هذه السيرة بنوع من الإهتمام والتبحر فيها يورث صاحبها حبا وشغفا يملأ قلبه فلا يجرؤ على العصيان.
وهذا الجب لازم للمسلم لكي ينجو يوم القيامة ففي الحديث النبوي ( لا يؤمن العبد )
القاعدة الرابعة : أن نتعلم الحكمة في الأقوال والإفعال والآراء , وحياة النبي صلى الله عليه وسلم هي الحكمة بعينها , فقد امتلك النبي صلى الله عليه وسلم قلوب أصحابه وامتلك أيضا قلوب أعداءه وهذا فن.
نتعلم حكمة المرحلية وفقه الواقع , وكيف أن المواقف قد تتغير , ففي الوقت الذي يمر النبي صلى الله عليه وسلم على ياسر وهو يعذب ولا يملك له إلا أن يقول ( صبرا ) , في وقت آخر يسير جيشا كبيرا لحرب بنو قينقاع لقتلهم رجل واحد مسلم.
نتعلم التوازن والحكمة والنظر إلى الواقع وغير ذلك من الأمور الكثيرة جدا والفوائد العظيمة من دراسة السيرة النبوية العطرة على صاحبها الصلاة والسلام.
وفي النهاية أقول إن هذه السيرة ربما تطول ولكنها من الأمور التي لا يحسن الإختصار فيها بل هي من المواضيع التي يحسن التبحر فيها والتوسع والتدبر , ولهذا نويت أن أبدا في هذه السلسلة حرصا على تقوية المحبة في قلبي والإستعداد لشهر رمضان , الإستذكار مع إخواني في هذا المنتدى فيما ننقله من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم , على أن يكون نفس المنهج في العرض وهو أن نضع المشاركة ثم نترك يوما لأي أسئلة أو تعليقات أو مناقشات في ذات الموضوع , واليوم التالي له نضع القضية التالية وهكذا...
والله أسأل أن يوفقنا جميعا لما يحبه ويرضاه والحمد لله رب العالمين