حلوة الكويت
عضو مخضرم
صباح الخير..طبعا اول مرة اهجر منتدي الاجتماعي ..للدخول في هذا الباب الحر...بما انه حر طليق للعنان..وحرية الراي..وابدي كل الحقائق..
لذلك ..وجدت فكرة ربما قديمة..ربما جديدة الا علم لي بها..ولكنها فتحت امام عيني...
لذلك..
لكم الفكرة كل منا يحب ان يتصفح الجرائد..المجالات..المقالات...الحكايات..والكتابات..بشتي انواعها..لذلك..
هنا في هذا الموضوع نتبادل الافكار..والخبرات..بالمقالات..التي حازت على اعجابكم..فهناك..مقالات تستحق ان نقف لحظة عندها...لنقرءها ونستفيد من قوة الاسلوب ..وروعة الكلمات...
فاننا لابد ان قرءنا في احدي الايام..مقالات ..ادهشتنا..لروعت اسلوب كتابتها..وقلنا في يوم..اف..مدهشة هالمقالة...
بختصار من لديه مقالات الاي كاتب..ومهما كانت..والاي موضوع...ضعها هنا لننعم بقرءتها..
وهذي كل الحكاية...
والانني من فتح باب روعة المقالات..
اهديك هذه المقالات...لا تعبؤا لما لمن كتبت..ولكن انظروا لجمال اسلوبها..وكيف صقلها مؤلفها..
كانها اعزوفة ..لحنت لكلماته...
ملاحظة اول مرة اقراء لهذا الكاتب...
....
Sunday, 17 أغسطس 2008
منصور مبارك
«تُنسى كأنك لم تكن..
تُنسى كمصرع طائر,
ككنيسة مهجورة تنسى..
كحب عابر وكوردة
في الليل تنسى...»
هكذا صور الراحل محمود درويش النسيان. فأحياناً يطلب المرء النسيان ويتمناه في لحظات الفقد الكاوية عندما يهجر الطير عشه الدافئ ويفتح جرح الحزن شفتيه فاغراً فمه واسعاً باتساع الدنيا، وأحياناً أخرى يصارع المرء النسيان بالذكريات، محاولا أن يضفي حضوراً على الغياب، ويتشبث ببقايا حنين، متنكبا جهدا مبددا ومنثورا في مصادقة الفجيعة واستئناسها. انه الزمن الذي تغرس فيه الحسرة أنيابها في الروح.
يتناوب النسيان والذكريات احتلال حياة الإنسان، إذ تتبدى تلك الحياة بتفاصيلها الدقيقة ميدان كر وفر بينهما. فهما لا يجتمعان معاً سوى في خاتمة الحياة، عندما يبتلع قبر النسيان المرء وتبقى ذكراه منقوشة فوقه. فأيهما أشد إيلاماً النسيان أم الذكريات؟ قال نيتشه بأن الحيوانات، على عكس البشر، لا يلحق بها الألم والحزن لكونها لاتحمل الذكريات وليس لها تاريخ. لذا أهدانا تلك النصيحة الجارحة بأننا إن أردنا المضي بالحياة، يتوجب علينا أن نهجر الماضي، لأنه سيعود دوماً إلينا كشبح شرير يعكر صفو الحياة، ففي نظر نيتشه المستقبل مرتهن بنسيان الماضي. ولكن هل بالإمكان محو الذاكرة؟
يلوح النسيان والذكريات مرتبطان بالزمن وإيقاعه. ففي رواية غابرييل غارسيا ماركيز «الحب في زمن الكوليرا» تبتهج فارمينا لأنها ستلاقي حبيبها فلورنتينو وتبحر معه في رحلة طويلة. وفيما يشبه محو الذاكرة، تغادر على عجل إلى الموعد الوردي، وترمي وراء ظهرها المنزل المملوء بكل متعلقاتها، والتوافه الصغيرة، والذكريات.
هنا يلوح النسيان محاولة لمغادرة التاريخ، أو سعيا يقوم به الإنسان لانتشال نفسه من تاريخه الشخصي، وبخاصة حينما يكون الماضي مؤلماً وجارحاً. ولكن مايلفت في هكذا حالات هي حركة المرء في الزمن وارتباطها بالنسيان والذكريات، إذ يبدو أن النسيان مشروط بالسرعة وبالإيقاع السريع للحياة، في حين تتطلب الذكريات بطئا في الحركة والتعامل مع الحياة. بوسعنا أن نتخيل لو أن أحدهم يمضي سائرا في طريقه، وداهمته فجأة الذكريات، سنجده يتمهل ويبطئ من سرعته، انه يحاول معانقة الذكرى واحتضانها، و لكن ما أن يعاود الخطى السريعة سندرك بأنه يجاهد للنسيان والتفلت من الذكريات. فالذاكرة تتطلب إيقاف الزمن وتثبيته،على النقيض من النسيان الذي لا تستدعيه سوى السرعة.
أن يحيا المرء مع الذكريات معناه أن يطأ كل يوم جمر الوجد والوله والشغف، ويلفي نفسه كطواحين الهواء التي لا تعانق سوى الريح والخواء. فمعاشرة الذكريات تغدو كالعيش في مراتع الشهوة الموعودة، وارتشاف كؤوس النشوة المهدورة.
ولكن هل ثمة التزام أخلاقي تفرضه علينا الذكريات؟ ربما ليس الوفاء للذكريات محتوما سوى لذلك الشخص المفرد الفريد الذي يقينا لن تهدينا الدنيا مثله أبدا، ولن نعثر على شبيه له فيما سيأتي من أيام. ويدفعنا الهيام الحارق به إلى تمني لقياه في حياة أخرى.
للذكريات ثلاثة وجوه، أولها الحنين الذي يستوطن القلب وتلوذ به الروح التي أعياها الجوى. وثانيها الوفاء الذي يلملم المبدد والمنثور والمضيع من غرام لم تحده حدود ويحجزه حاجز. وثالثها الخلود الذي يحدو بالعاشق إلى الاقتران الأبدي بطيف من أحب ليقطع معه سهول الزمن البعيدة.
قد يكون ذلك ضلالة يرتضي صاحبها النوم على سرير من الجمر كل ليلة، ولكنها تمد الذات باكتمالها ومعنى وجودها. قال ديستويفسكي محقا من الأفضل أن ترتجف طوال العمر على شفير الجحيم عن أن لا تكون موجوداً أبداً.
حينما تهوي مطرقة الألم على المرء فيسقط على ركبتيه، تنهض الذكريات في الروح، وتأخذها عبر دروب الأشلاء والتشظي، إيذانا ببدء الرحيل المضني إلى سكناها البعيد. للذكريات سلطة عارمة، تخضع العقل والضمير والوجدان لانتشائها العارم، وتؤثث الواقع بشهوة التمرد والعناد، وتحيل المرء إلى ناسك متوحد لا يجد السلوى إلا في الانحسار عن وقائع الحياة اليومية.
مع ذلك فإن الذكريات هي الامتنان الذي نصوغه بالمشاعر والأحاسيسس طائعين مختارين لمن أكسب حياتنا الدفء والمعنى. وعلى الرغم من أننا نعرف تمام المعرفة أن الذكريات قد تفتح جروحا، ارتجينا الزمن أن يغلقها، فالذكريات الملتهبة تكوي النفس وتجعل الجسد محموما ومرتجا ومهزوزا وتخصبه ببذور الفتنة الموجعة. فكم من ذكرى هجمت على حين غرة فذابت بفعلها الروح وصرخ من حلولها اللحم الحي. يعلم من ترك ميسم الذكريات علامته على قلبه ما كان يقصده أبي صخر الهذلي بقوله: وإني لتعروني لذكراك هزة... كما انتفض العصفور بلله القطر.
أعظم الذكريات تلك التي تكون نتاجا للفقد المطلق. آنذاك تصبح الحياة أصل الفقد، ولا يكون العيش محاولة لتجاوز ذلك الفقد، لكن بالأحرى ضربا من التناغم معه، أو ربما وسيلة نجعل من خلالها من فقدنا حاضرا متوهجا لن تفلته الروح مهما كان الذي بكل شوق ينتظرها.
كاتب كويتي
.......
ارجو ان يكون هذا الموضوع..راقي برقي..الكتاب فيه..
تحياتي..
منصور مبارك
«تُنسى كأنك لم تكن..
تُنسى كمصرع طائر,
ككنيسة مهجورة تنسى..
كحب عابر وكوردة
في الليل تنسى...»
هكذا صور الراحل محمود درويش النسيان. فأحياناً يطلب المرء النسيان ويتمناه في لحظات الفقد الكاوية عندما يهجر الطير عشه الدافئ ويفتح جرح الحزن شفتيه فاغراً فمه واسعاً باتساع الدنيا، وأحياناً أخرى يصارع المرء النسيان بالذكريات، محاولا أن يضفي حضوراً على الغياب، ويتشبث ببقايا حنين، متنكبا جهدا مبددا ومنثورا في مصادقة الفجيعة واستئناسها. انه الزمن الذي تغرس فيه الحسرة أنيابها في الروح.
يتناوب النسيان والذكريات احتلال حياة الإنسان، إذ تتبدى تلك الحياة بتفاصيلها الدقيقة ميدان كر وفر بينهما. فهما لا يجتمعان معاً سوى في خاتمة الحياة، عندما يبتلع قبر النسيان المرء وتبقى ذكراه منقوشة فوقه. فأيهما أشد إيلاماً النسيان أم الذكريات؟ قال نيتشه بأن الحيوانات، على عكس البشر، لا يلحق بها الألم والحزن لكونها لاتحمل الذكريات وليس لها تاريخ. لذا أهدانا تلك النصيحة الجارحة بأننا إن أردنا المضي بالحياة، يتوجب علينا أن نهجر الماضي، لأنه سيعود دوماً إلينا كشبح شرير يعكر صفو الحياة، ففي نظر نيتشه المستقبل مرتهن بنسيان الماضي. ولكن هل بالإمكان محو الذاكرة؟
يلوح النسيان والذكريات مرتبطان بالزمن وإيقاعه. ففي رواية غابرييل غارسيا ماركيز «الحب في زمن الكوليرا» تبتهج فارمينا لأنها ستلاقي حبيبها فلورنتينو وتبحر معه في رحلة طويلة. وفيما يشبه محو الذاكرة، تغادر على عجل إلى الموعد الوردي، وترمي وراء ظهرها المنزل المملوء بكل متعلقاتها، والتوافه الصغيرة، والذكريات.
هنا يلوح النسيان محاولة لمغادرة التاريخ، أو سعيا يقوم به الإنسان لانتشال نفسه من تاريخه الشخصي، وبخاصة حينما يكون الماضي مؤلماً وجارحاً. ولكن مايلفت في هكذا حالات هي حركة المرء في الزمن وارتباطها بالنسيان والذكريات، إذ يبدو أن النسيان مشروط بالسرعة وبالإيقاع السريع للحياة، في حين تتطلب الذكريات بطئا في الحركة والتعامل مع الحياة. بوسعنا أن نتخيل لو أن أحدهم يمضي سائرا في طريقه، وداهمته فجأة الذكريات، سنجده يتمهل ويبطئ من سرعته، انه يحاول معانقة الذكرى واحتضانها، و لكن ما أن يعاود الخطى السريعة سندرك بأنه يجاهد للنسيان والتفلت من الذكريات. فالذاكرة تتطلب إيقاف الزمن وتثبيته،على النقيض من النسيان الذي لا تستدعيه سوى السرعة.
أن يحيا المرء مع الذكريات معناه أن يطأ كل يوم جمر الوجد والوله والشغف، ويلفي نفسه كطواحين الهواء التي لا تعانق سوى الريح والخواء. فمعاشرة الذكريات تغدو كالعيش في مراتع الشهوة الموعودة، وارتشاف كؤوس النشوة المهدورة.
ولكن هل ثمة التزام أخلاقي تفرضه علينا الذكريات؟ ربما ليس الوفاء للذكريات محتوما سوى لذلك الشخص المفرد الفريد الذي يقينا لن تهدينا الدنيا مثله أبدا، ولن نعثر على شبيه له فيما سيأتي من أيام. ويدفعنا الهيام الحارق به إلى تمني لقياه في حياة أخرى.
للذكريات ثلاثة وجوه، أولها الحنين الذي يستوطن القلب وتلوذ به الروح التي أعياها الجوى. وثانيها الوفاء الذي يلملم المبدد والمنثور والمضيع من غرام لم تحده حدود ويحجزه حاجز. وثالثها الخلود الذي يحدو بالعاشق إلى الاقتران الأبدي بطيف من أحب ليقطع معه سهول الزمن البعيدة.
قد يكون ذلك ضلالة يرتضي صاحبها النوم على سرير من الجمر كل ليلة، ولكنها تمد الذات باكتمالها ومعنى وجودها. قال ديستويفسكي محقا من الأفضل أن ترتجف طوال العمر على شفير الجحيم عن أن لا تكون موجوداً أبداً.
حينما تهوي مطرقة الألم على المرء فيسقط على ركبتيه، تنهض الذكريات في الروح، وتأخذها عبر دروب الأشلاء والتشظي، إيذانا ببدء الرحيل المضني إلى سكناها البعيد. للذكريات سلطة عارمة، تخضع العقل والضمير والوجدان لانتشائها العارم، وتؤثث الواقع بشهوة التمرد والعناد، وتحيل المرء إلى ناسك متوحد لا يجد السلوى إلا في الانحسار عن وقائع الحياة اليومية.
مع ذلك فإن الذكريات هي الامتنان الذي نصوغه بالمشاعر والأحاسيسس طائعين مختارين لمن أكسب حياتنا الدفء والمعنى. وعلى الرغم من أننا نعرف تمام المعرفة أن الذكريات قد تفتح جروحا، ارتجينا الزمن أن يغلقها، فالذكريات الملتهبة تكوي النفس وتجعل الجسد محموما ومرتجا ومهزوزا وتخصبه ببذور الفتنة الموجعة. فكم من ذكرى هجمت على حين غرة فذابت بفعلها الروح وصرخ من حلولها اللحم الحي. يعلم من ترك ميسم الذكريات علامته على قلبه ما كان يقصده أبي صخر الهذلي بقوله: وإني لتعروني لذكراك هزة... كما انتفض العصفور بلله القطر.
أعظم الذكريات تلك التي تكون نتاجا للفقد المطلق. آنذاك تصبح الحياة أصل الفقد، ولا يكون العيش محاولة لتجاوز ذلك الفقد، لكن بالأحرى ضربا من التناغم معه، أو ربما وسيلة نجعل من خلالها من فقدنا حاضرا متوهجا لن تفلته الروح مهما كان الذي بكل شوق ينتظرها.
كاتب كويتي
.......
ارجو ان يكون هذا الموضوع..راقي برقي..الكتاب فيه..
تحياتي..