الرأي اليوم / ... وماذا عن بيت الداء يا صاحب السمو؟

ليتل سيزر

عضو مميز
«اخواني وأبناء وطني، أتحدث إليكم اليوم حديث القلب... حديث الأب»...
«يعلم الله ان القرار الذي اتخذته اليوم لم يكن يسيرا على قلبي بل هو قرار حتمي (...) أن ألجأ الى حل مجلس الامة وفقا لاحكام المادة 107 من الدستور»...
«واجد لزاما علي هنا ان اتوجه بعتاب كبير هو عتاب الاب وهو عتاب ولي الامر الى مؤسساتنا الاعلامية بوسائلها المختلفة»...
«لاشك بأن هناك بعض اوجه القصور في اداء الاجهزة الحكومية»...
أربع عبارات لأربعة محاور اساسية وردت في خطاب صاحب السمو التاريخي وهو يستنهض في كل سطر منه الاحساس بالمسؤولية لدى الجميع من اجل صيانة امن الكويت واستقرارها ووحدتها الوطنية في مناخ اقليمي ودولي يموج بالتحديات والتفجيرات.
المحور الاول، حديث الاب قبل ان يكون حديث القائد، هو المحور الاساس بعيدا من كل الازمات التي عصفت او ستعصف، فالعلاقة مع الحاكم يا صاحب السمو يحكمها الدستور وتنظمها القوانين، اما علاقتنا بك كوالد فيحكمها الايمان والاخلاق والقيم والولاء. ولا يفوتنا هنا ان ننسى ان رهان النظام العراقي السابق في غزوه للكويت ارتكز في اساسياته على تضييع البلد بأرضها وسيادتها ودستورها من اجل خلق وضع جديد نتيجة الاحتلال يفرز في حدوده الدنيا سلطة جديدة قابلة للخضوع محليا وللمساومة دوليا... ويومها رد الكويتيون الذين يعتبرون حاكمهم والدا لا قائدا على «أم المعارك» بـ«أم الولاءات» وانتصروا عليها مستعيدين الارض والسيادة والدستور والشرعية.
هكذا نفهم تركيز الشيخ صباح الاحمد في اكثر من موقع في كلمته على علاقة الأبوة التي تربطه بجميع ابنائه... وعلى هذا الاساس نستمر في قراءة الخطاب.
استخدام المادة 107 من الدستور حق لا يجادل ولن يجادل احد فيه، ونعلم تماما حجم المرارة خلف كل حرف من الحروف التي نطقها سمو الامير وهو كان صريحا الى ابعد مدى.
نعم يا سيدي، هناك اخطاء شابت مسيرة العمل البرلماني ويعترف بها حتى اعضاء في مجلس الأمة ساءهم ان تتحول المؤسسة التشريعية الأم الى منبر للمزايدات السياسية «يشوبه خلل وانتهاك للدستور وللقانون وتجاوز لحدود السلطات الاخرى وتدني لغة الحوار وتشويه لوجه الحرية والديموقراطية»، وهي التعابير التي استخدمتموها قبل ان «يفيض الكيل». وقد حاولتم مرارا وتكرارا بالنصيحة والدعوة الى التهدئة واعلاء الاحساس بالمسؤولية... الى ان وصلتم الى القرار الذي لم يكن يسيرا على قلبكم وهو حل المجلس وفق الدستور، على أمل ان يتعلم الجميع الدرس وتتغير وتيرة العمل السياسي مستقبلا لخدمة الكويت والكويتيين.
وتتوجهون بعتاب كبير الى المؤسسات الاعلامية التي رأيتم ان بعضها تم استغلاله كمعاول هدم لمجتمعنا ولثوابتنا الوطنية. ونحن معك في ان تكون الثوابت الوطنية دستورا إعلاميا لا يجوز لاي وسيلة اعلام الخروج على بنوده، خصوصا اذا تعلق الامر بالوحدة الوطنية ونبذ الطائفية والمناطقية والقبائلية، فالوسيلة الاعلامية التي توجه عملها عمدا لبث روح التفرقة في المجتمع وتنتقل، بشهادة الجميع، من معالجة القضايا العامة الى الفتن المذهبية والطائفية هي وسيلة خارجة على الثوابت الوطنية... ومع ذلك فالتعامل مع المؤسسات الاعلامية الكويتية، التي تحتل المركز الاول في العالم العربي منذ سنوات، ممكن ومتاح دائما من خلال التوجيه والنصح والعلاقة المباشرة مع اصحاب القرار وتطبيق القانون وبنوده.
ونصل يا سمو الامير الى «بيت الداء»، اي «أوجه القصور في اداء الاجهزة الحكومية». اخطاء السلطة التنفيذية التي لا تحملها البعارين. فالعلاقة الابوية بين الكويتيين وقائدهم تعمدت بالولاء واثبتت اصعب التجارب تناميها وتعاظمها، والتعامل مع اخطاء مجلس الامة تم مرارا عبر المادة 107 من الدستور، و«التجاوزات الاعلامية» يحدها النصح والتوجيه والقانون... فماذا عن الحكومة وكيف تنتهي اوجه القصور فيها؟
لا شك وانتم تكيلون بمكيال واحد هو العدل والموضوعية والانصاف، لاحظتم ان المشكلة لا تقتصر على مجلس الأمة بل تكمن في صلب عمل الحكومة ايضا، فهي الجهاز المكلف تسيير الامور التنفيذية للبلد بالتعاون مع السلطات الاخرى فهل نجح هذا الجهاز في مهمته ام زاد الامور تعقيدا؟
قبل ان نجيب لابد ان ننوه الى ان ما سنقوله يتعلق بنهج حكومي عام وسلوك حكومي عام وليس بشخص الرئيس ناصر المحمد الذي يكن له الكويتيون كل التقدير والاحترام والمودة.
مشاريع لا عد ولا حصر لها تتخذ ويدافع عنها بقوة وتمتلئ وسائل الاعلام بتصريحات الوزراء والمختصين حول فائدتها وضرورتها، ثم فجأة تتبخر لأن نائبا اعترض (او كتلة) وهدد بالمساءلة، ويضحى بالوزير المختص، بل في احيان كثيرة تتواطأ، نعم تتواطأ، الحكومة مع النواب المعترضين ضد الوزير كما حصل في صفقة «داو» حين تولى وزيران تحريض النواب على زميلهما. لن ندخل في اسماء المشاريع كلها فالجميع يعرفها لكننا نسأل: هل تمت المحاسبة للحكومة على هذا التخبط وسوء الاداء؟ الجواب معروف لأن التجربة تكررت من «داو» الى المصفاة الرابعة مرورا بالقرارات الاقتصادية المتعلقة بالشركات والبورصة التي عطلها القضاء لاحقا.
حكومة تفصل مشاريع الانقاذ الاقتصادي على جسد شركات يساهم فيها وزراء ونواب «موقفهم زين» معها، وتصم الاذان عن اي تعديلات نيابية كي لا تؤدي الى حرمان شركات الحلفاء من الامتيازات.
حكومة تقصي وزراء شرفاء فيها لانهم ارادوا تطبيق مقولتك يا سمو الامير: «طول ما شغلك صح اطلع وناقش ولا تخاف اي استجواب». ويعرف الجميع كيف ان وزيرا مثل عبد الله المعتوق تمنى ان يسمح له بصعود المنصة ليدافع عن عمل وزارته وكفاءة الحكومة متعهدا ان يستقيل بعدها حرصا على العلاقة بين السلطتين الا انه «اقيل» وعاد الى بيته محملا بحسرة عدم السماح له بالدفاع عن اتهامات طالت ذمته، فيما ملفه نظيف من جهة ومليء بالوثائق عن ذمم من استجوبه... من جهة اخرى.
حكومة تقدم هذا التيار السياسي على ما عداه من تيارات لانها لا تخطط ابعد من اللحظة التي تتشكل فيها، ثم تقصيه وتقدم تيارا آخر، ثم تقصيه لمصلحة تيار ثالث وهكذا دواليك. لا خطة عمل ولا رؤية ولا نظام محدد ولا معايير واضحة للعلاقة مع المجلس.
حكومة لم تبن جامعة ولم توسع المطار ولم تحل مشكلة الاستشفاء في بلد يشكو من قلة الأسرّة في المستشفيات. طلاب في مدارس حكومية يجلسون على الارض وكهرباء تنقطع في بلد نفطي انعم الله عليه بالوفرة والثروات. وفوق هذا وتحته والى يمينه ويساره احاديث عن صفقات وتنفيعات وربط لعلاقة النواب بـ «اللامانع» للعلاج في الخارج او الدراسة في الخارج.
حكومة تهرول لعقد صفقات تسليحية ضخمة برا وبحرا وجوا مع ما يرافقها من عمولات وسمسرات... ويضيق صدرها ببحث قروض المواطن، ولا تتسع ذاكرتها لملفات مشاريع حيوية وتنموية مركونة في الادراج منذ سنين.
حكومة لم تستدع وزيرا واحدا لتسأله عن مشاريع وزارته، واين اصبحت، ولماذا التأخير، وكيف تغيرت المناقصة وما هي اسبابها؟ تاركة إثارة ذلك كله لطرف آخر قد يكون نيابيا وقد يكون اعلاميا بينما كان الاجدر برئيسها ان يقص الحق بنفسه فيقيل الوزير ويجعله عبرة للآخرين.
حكومة ساهمت في تكريس امراض المجتمع التي تطالبون ونطالب بالتخلص منها يا سمو الامير، فتجري عملية التوزير والتعيينات على اساس الحصص المذهبية والمناطقية، والجميع بات يعلم كيف يتم السؤال في اللحظات الاخيرة: من يعرف شخصا من القبيلة الفلانية او المذهب الفلاني؟ فيتم توزيره في تخصص لا علاقة له به.
حكومة، الوزراء ابناء النظام فيها يعملون كأفراد لخدمة اجندات «جهال» يتحكمون بوسائل اعلامية وتنظيمات سياسية... بدل ان يكونوا فريقا متجانسا على قلب واحد هدفهم الكويت ورفعتها.
الحديث يطول ويطول ولا نخالكم ايها الوالد القائد بغافل عنه، وعليه نريد في الحكومة المقبلة ان يتغير «بيت الداء» الى بيت الدواء، وان تكون السلطة التنفيذية قدوة للسلطات الأخرى. سلطة تتعامل بروحية اصلاحية شفافة متوثبة للانجاز. سلطة تكافح الفساد وتحاربه. سلطة تعيد للكويت وجهها التنموي الحضاري. سلطة تقرر وتنفذ وتتعاون وتواجه... تختار اعضاءها من ذوي الكفاءة فقط بغض النظر عن انتماءاتهم.
نحن نقرأ في سطور خطابكم يا صاحب السمو الكثير الكثير، ونرى فيها مشروعا تأسيسيا لكويت مختلفة عن السنوات السابقة... يبقى ان يقرأ ما بين السطور من يجب ان يقرأ، وان يفهم من يجب ان يفهم حتى يحصل التغيير الذي تنشدونه وينشده الكويتيون جميعا.
استمعنا اليك كأب، وتستمع إلينا كأبناء... الله في السرائر والوطن في الضمائر، ونسأل الباري جل جلاله مثلما سألتموه بالامس يا صاحب السمو، العدل في الرضا والغضب، والقصد في الغنى والفقر... وأن يهبنا نورا نمشي به في الناس.

جاسم بودي

صدقت يا جاسم بودي ، الخلل الكبير يكمن في عدم وجود حكومة قوية وقادرة على الدفع نحو التنمية فالحكومة السابقة لم تحمل أي خطط تنموية وغير قادرة على تسيير عجلة التنمية
 
أعلى