في الصف الرابع ابتدائي
( أي في التاسعه )
شكّلت مشاركتى في ( جماعة الاذاعه ) نقله كبيره في تكوينى المعرفي والاجتماعي ..
و في تفكيري واهتماماتى ..
وشغف يومي لكل جديد ..
لا ينتهي حتى بين صفحات المجلات والجرائد ..
كنا نقدم فقرات مثل :
الافتتاح بتلاوة من القران الكريم .. ( كان يملؤنا الخشوع المصطنع )
والحديث الشريف ( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ...الخ ) ..
كل زملائي (جماعة الاذاعه) يقولون هذه العباره بتشابه وتدرج عجيب.
ثم فقرة " كلمة الصباح " .. المميزه ..
وبعدها تمارين الصباح و ( يسار رررح .. هييييه استعد )
اهتمامى بالإذاعة المدرسيه .. جعلني اهتم أكثر بالوصول مبكراً للمدرسه .
لتوزيع المهام بيننا بمساعدة المعلم المشرف علينا ..
ولنستعد جيدا ..ويعلم كل منّا دوره ..
منذ تلك الفترة .. الي اليوم .. أصبحت ساعات الصباح الأولى .. وزغزغة العصافير ..
وقت جميل .. يذكرني بالمدرسة والإذاعة ..
***
كان ذلك اليوم .. يوما مشهودا ...
حيث سأقدم فيه فقرة ( كلمة الصباح ) كما وعدنى استاذ الاذاعه بعد إلحاح ..
وهي طبعا اطول فقره في البرنامج الاذاعي وهي ايضا الفقره المميزه التى ترضي طموحي
والتى كان يحتكر قراءتها يوميا طالب فلسطينى
هو ابن احد المدرسين ..
وقد كنت ارى انى افضل منه .. قراءة ..
وتحصيل دراسي ...
لذلك .. فاستعدادى لهذا اليوم
كان يشبه استعدادى ليوم العيد ..
طلبت من امى ان ( تكوي ) ملابسى تلك الليله .. ولم تقصّر..
ثم اخذت منها القميص .. والبنطال .. ووضعتهم بجانب رأسي
قبل ذلك .. كنت قد انتهيت من الاستحمام ..
كل ذلك للظهور غدا بمظهر افضل ..
فهي .. كلمة الصباح .. (الحلم ) ..
بعد الاطمئنان على جهوزيتى لليوم المصيري ..
دلفت للفراش .. ونمت
وليتنى مانمت ..
لاول مره .. تأخرت امي في ايقاظنا على غير العادة ...
يالله ..!!
وكلمة الصباح !!
.. ياساتر!!
ما تأخرت الا اليوم ؟؟؟!!!
وبحركه سريعه ..
وخلال دقيقه .. او اقل .. غسلت وجهى .. ووجدت نفسي داخل البنطال الرمادى والقميص الابيض ( المكوي جيدا ) ..
وبأقل من دقيقه ايضا .. وجدتنى قد التهمت بيضه .. وارتشفت كوب الحليب الساخن
وامسكت بيد اخي الصغير ( كان بالصف الاول الابتدائي ) و اسرعنا بالخروج،
كان منزلنا يبعد عن (موقف الباص) 100 متر تقريبا أو اكثر ..
وكان الباص لحظتها هناك .. يوشك ان ينطلق ..
كنت اراه .. لكنى لا اثق بالسائق الهندى وعدم مبالاته ..
كان حب الإذاعة عندى .. أهم بكثير من الاصابات الخفيفه التى ستصيب قدمي وقدم أخي ..
لذا .. أمسكت بيده .. وقبل أن امنحه حتى (ثانيه ) لالتقاط انفاسه بعد الفطور الاجباري السريع ...
انطلقت بسرعه كالريح .. وبكل ما اوتيت من قوه ..
وكان المسكين ضئيلا وقصيرا ..
ولا اظن أن قدماه قد لمست الأرض خلال ركضنا..
وصلنا ..
شعرت براحة كبيرة ما إن وطئت قدمي سلم الباص ..
التفت باتجاه اخي المنهك .. مددت كفي له ..
وبنبرة حازمة : هيّا اصعد .. بسرعة .
(للعلم ... الباص كان سيكون بانتظارنا اصلا وإن لم نركض ..
فكلّ الطلبه سيحاولن ايقافه لانهم رأونا )
المهم .. وصلنا ..
هي ثوانى معدوده ، لكنّها بدت سنين طوال ...
خصوصا وأنني كنت أفكر بـ " كلمة الصباح " ..
وكيف وماذا .. وهل سيقرأها غيري .. !!
استيقظت من كل هذا التفكير .. على صوت بكاء اخي ..
كانت ملامحه تتمركز في نقطه واحدة حول أنفه ..
ثمّ أفرغ ما في بطنه على السلّم ..
ووجّه وجهه بعدها شطر البيت ..
ليعود أدراجه للمنزل باكيا غاضبا وقميصه متسخ..
هل تأثرت ؟؟
هل فكرت بالنزول واللحاق به ؟؟
بكل تأكيد .. لا
بل التفت للهندى سائق الباص
وقلت بلهجة أكثر حزماً : انطلق بسرعه .. ورانا اذاعة .
...
دون طلعت اناني من قلب
ماشاءالله عليك ذاكرتك جميله
طموحك كفتي صغير راااائع
بس بذمتك جاوب بصراحه علي السؤال
انت كنت تحب كلمة الصباح ولا نكايه بالطالب الفلسطيني فقط
..