الرأي اليوم / الإطراء المفخخ

بيت الاحلام

عضو مميز
الرأي اليوم / الإطراء المفخخ

ارسال | حفظ | طباعة | تصغير الخط | الخط الرئيسي | تكبير الخط








كثرت في الايام الماضية عبارات الاطراء والمديح لسمو رئيس الوزراء الشيخ ناصر المحمد من عدد من النواب والكتاب كما كثر الانتقاد للطريقة التي يدير بها الحكومة، وهذا امر طبيعي ومبرر في دولة مثل دولتنا تتيح قنوات التواصل الدائمة بين المواطن والمسؤول فيها علاقات تتجاوز الرسميات الى ابداء الرأي علنا وجهارا سواء بالمدح او الانتقاد.
لكن اللافت للنظر ما ذهب إليه عدد من النواب وهم يمدحون الرئيس من إكثار استخدام عبارات مثل ان الشيخ ناصر «صحح اخطاء وزرائه» او انه بقراراته الاخيرة التي جاء بعضها مخالفا لمواقف الوزراء اثبت انه «رجل اصلاحي واكثر قربا من الناس ومن همومهم»... وهذا الامر من الخطورة بمكان، اذ يخشى حقيقة مع سيادة نهج كهذا ان تطرب أذن سمو الرئيس وتستلطف المواقف التي تنسب النجاحات لفرد لا لمؤسسة ويصير الاهتمام بهذه المواقف ادمانا لا يمكن التراجع عنه ولو ادى ذلك الى تعطيل روح الفريق والجماعة.
صحيح ان الانتقادات التي تطول رئيس الحكومة لا تنطلق كلها من حرص على الصالح العام، وصحيح ان وراء بعض التهجمات اهدافا معروفة ومكشوفة لراغبين في اضعاف موقع رئاسة الوزراء لاسباب تتعلق بلعبة السلطة، لكن نظامنا الديموقراطي يسمح بتصويب المسار كلما امكن، ويضع المسؤول تحت سقف النقد والانتقاد والملاحظة والنصيحة، ولذلك فان النظر الى ما تتعرض له الحكومة ورئيسها يجب ان يستند على مبدأي الرقابة والمحاسبة والاصلاح بغض النظر عن النيات الكامنة في نفوس المنتقدين، فإذا كانت الملاحظات دقيقة ومفيدة للصالح العام يجب التوقف عندها والاخذ بها، واذا كانت شخصية كيدية تترك للفضاء الاعلامي والاستهلاك السياسي لان الكويتيين باتوا يميزون بالفطرة بين ما هو خاص وشخصي وما هو عام ووطني.
اما بالنسبة الى ذهاب الدفاع عن رئيس الوزراء من قبل بعض النواب الى الحدود التي تصوره وكأنه «بطل ملهم» يلتصق بالناس وهمومهم وآمالهم ومطالبهم اكثر من وزرائه، فهذا امر نعتقد انه يسيء الى الشيخ ناصر اكثر من اساءته الى الوزراء او مؤسسة مجلس الوزراء. طبعا الكلام قاله نائبان أو ثلاثة وهم في نشوة الفرح لأن قرارات الحكومة الاخيرة استجابت لبعض مطالبهم في ما يتعلق بالعام الدراسي وفضيحة محطة مشرف وبعض الكوادر الوظيفية. ونحن هنا لا نريد ان نناقش مواقف الوزراء المعنيين وما اذا كانت توصياتهم موافقة ام مغايرة. صحيحة أم خاطئة. نحن نتوقف هنا عند اشادات برئيس الوزراء الذي صحح في نظر بعض النواب ما يعتبرونه «اخطاء ارتكبها وزراء»، او اتخذ القرارات السديدة الجيدة في مواجهة مواقف وزارية سيئة.
في العالم الثالث نماذج كثيرة لا تعد ولا تحصى عن الزعامات الفردية التي كرست اعلام الدولة والحزب الحاكم وتصريحات المسؤولين فيها للحديث عن «الزعيم» وامجاده وسياساته ورؤاه، وكيف انه الاكثر التصاقا بالناس ومصالحهم من مسؤولي الدولة الآخرين، وكيف ان كل قرار جيد يصدر عنه وكل قرار سيئ يصدر عن وزرائه. وحتى القرارات الخاطئة التي تترك بصمة سوداء على صفحة التاريخ تجد لاحقا من يبررها بالقول إن الزعيم كان رأيه مختلفا لكن بطانته هي التي خدعته، او يذهبون الى فيلم الخيانات فيصورون ان القرار كان صائبا لكن الخيانات بين الوزراء والمسؤولين السياسيين والعسكريين هي التي ادت الى الهزيمة او الخسارة او النتائج المعيبة المخجلة.
ونحمد الله اننا في الكويت لم نكن في يوم من الايام جزءا من هذا النموذج العالمثالثي بل كنا النموذج المعاكس القائم على الواقعية السياسية والقراءات المنطقية لتطور الاحداث، واضعين نصب اعيننا تنمية البلد بكل مقدراته الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. ويذكر جميع من كانت ذاكرتهم حية كيف تحملت الكويت في منعطفات كثيرة ضغوطا هائلة كبيرة شارك فيها كويتيون من مختلف الاطياف وفي غمرة الحماسة الثورية والقومية، من اجل ان نصبح جزءا من صورة الحكم والقرار والزعامة في العالم الثالث، لكن بصيرة حكامنا وحكمائنا واجهت الضغوط وابقت البلد على ما هو عليه في حين دفعت شعوب النموذج الثوري القومي، وما زالت، اثمانا مريعة من اجل شعارات اتضح لاحقا ان مضمونها حكم وسلطة وان تم تغليفها بالتحرير والتنمية والوحدة والاشتراكية والعدالة الاجتماعية.
ومثلما ان بعض الانتقاد لرئيس الحكومة لا يهدف الى المصلحة العامة، فإن بعض المديح للرئيس يسيء الى المصلحة العامة كونه يكرس مفهوم الفرد في مواجهة المؤسسة. والرد على هذين النهجين يكون بأن يتقدم الرئيس خطوات الى الامام في اتجاه دعم دور مؤسسة الحكومة وتكريس مبدأ فصل السلطات والالتزام بالقسم من اجل صيانة الدستور وخدمة المواطن واطلاق المشاريع من دون توقف عجلاتها على مطبات الصفقات والاتفاقات مع بعض النواب.
نريد للرئيس ان يفرح بالمديح اذا قام بواجباته في خدمة الناس والمصلحة العامة، لكننا لا نريد له ان يطرب للمديح الذي يصور الحلول كلها في يده وانه الحريص اكثر من وزرائه على مصالح الناس وانه المنحاز الى بعض القرارات الشعبية ولو كان الوزراء المعترضون يملكون الف سبب لعدم اعتمادها.
في التاريخ والجغرافيا والمصير، نعرف هويتنا تماما. لكننا في إدارة الحكومات لا نريد ان نكون جزءا من «زعامات» العالم الثالث... ولن نكون.

جاسم بودي
 
أعلى