رحلة مع الأعلام (موضوع متجدد)

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين محمد وعلى آله وصحبه الطيبين أما بعد فسأشرع في هذه الصفحة إن شاء الله بوضع سير وتراجم أهم أعلامنا من عصر التابعين بمساعدة عدة كتب كسير أعلام النبلاء للذهبي وتاريخ دمشق لابن عساكر وطبقات االشافعية والحنابلة وغيرهم وأرجوا من الله التوفيق:
أويس القرني : هو القدوة الزاهد، سيد التابعين في زمانه.
أبو عمرو، أويس بن عامر ابن جزء بن مالك القرني المرادي اليماني.
وقرن بطن من مراد، وفد على عمر وروى قليلا عنه، وعن علي.
روى عنه يسير بن عمرو، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وأبو عبد رب الدمشقي وغيرهم، حكايات يسيرة، ما روى شيئا مسندا ولا تهيأ أن يحكم عليه بلين، وقد كان من أولياء الله المتقين ومن عباده المخلصين.
عفان (م): حدثنا حماد بن سلمة عن الجريري، عن أبي نضرة عن أسير بن جابر، قال: لما أقبل أهل اليمن، جعل عمر رضي الله عنه يستقرئ الرفاق فيقول: هل فيكم أحد من قرن، فوقع زمام عمر أو زمام أويس فناوله - أو ناول أحدهما الآخر - فعرفه، فقال عمر: ما اسمك ؟ قال: أنا أويس.
قال: هل لك والدة ؟.
قال: نعم.
قال: فهل كان بك من البياض شئ ؟ قال: نعم، فدعوت الله فأذهبه عني إلا موضع الدرهم من سرتي لاذكر به ربي.
قال له عمر: استغفر لي.
قال: أنت أحق أن تستغفر لي، أنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقال عمر: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن خير التابعين رجل يقال له أويس، وله والدة وكان به بياض، فدعا الله، فأذهبه عنه إلا موضع الدرهم في سرته " فاستغفر له، ثم دخل في غمار الناس فلم ندر أين وقع
قال: فقدم الكوفة.
قال: فكنا نجتمع في حلقة، فنذكر الله، فيجلس معنا.
فكان إذا ذكر هو، وقع في قلوبنا، لا يقع حيث غيره.

قال أسير: فما لبث أن فشا حديثه بالكوفة، فأتيته فقلت: يا أخي، ألا أراك أنت العجب وكنا لا نشعر، قال: ما كان في هذا ما أتبلغ به إلى الناس وما يجزى كل عبد إلا بعمله.
فلما فشا الحديث هرب فذهب.
ورواه أبو أسامة عن سليمان بن المغيرة، وفي لفظ " أو يستغفر لمثلك " وروى نحوا من ذلك عثمان بن عطاء الخراساني عن أبيه، وزاد فيها: ثم إنه غزا أذربيجان فمات، فتنافس أصحابه في حفر قبره .

أخبرنا إسحاق بن أبي بكر، أنبأنا يوسف بن خليل، أنبأنا أبو المكارم المعدل، أنبأنا أبو علي الحداد، أنبأنا أو نعيم الحافظ، حدثنا حبيب بن الحسن، حدثنا أبو شعيب الحراني، حدثنا خالد بن يزيد العمري، حدثنا عبد العزيز بن أبي رواد، عن علقمة بن مرثد، قال: انتهى الزهد إلى ثمانية: عامر بن عبدالله [ بن عبد قيس ] وأويس القرني، وهرم بن حيان، والربيع بن خثيم، ومسروق بن الاجدع، والاسود بن يزيد، وأبي مسلم الخولاني، والحسن بن أبي الحسن .
عن أصبغ بن زيد، قال: إنما منع أويسا أن يقدم على النبي صلى الله عليه وسلم بره بأمه .
عبدالله بن أحمد: حدثني عثمان بن أبي شيبة، حدثنا أبو بكر بن عياش، عن مغيرة، قال: إن كان أويس القرني ليتصدق بثيابه، حتى يجلس عريانا لا يجد ما يروح فيه إلى الجمعة .
أبو زرعة الرازي: حدثنا سعيد بن أسد، حدثنا ضمرة عن أصبغ بن زيد، قال: كان أويس إذا أمسى يقول: هذه ليلة الركوع، فيركع حتى يصبح، وكان إذا أمسى يقول: هذه ليلة السجود، فيسجد حتى يصبح.
وكان إذا أمسى تصدق بما في بيته من الفضل من الطعام والشراب .
ثم قال: اللهم من مات جوعا فلا تؤاخذني به، ومن مات عريافلا تؤاخذني به .
أبو نعيم: حدثنا مخلد بن جعفر، حدثنا ابن جرير، حدثنا محمد بن حميد، حدثنا زافر بن سليمان، عن شريك عن جابر، عن الشعبي، قال: مر رجل من مراد على أويس القرني فقال: كيف أصبحت ؟ قال: أصبحت أحمد الله عزو جل.
قال: كيف الزمان عليك ؟ قال: كيف الزمان على رجل إن أصبح ظن أنه لا يمسي، وإن أمسى ظن أنه لا يصبح، فمبشر بالجنة أو مبشر بالنار.
يا أخا مراد، إن الموت وذكره لم يترك لمؤمن فرحا، وإن علمه بحقوق الله لم يترك له في ماله فضة ولا ذهبا، وإن قيامه لله بالحق لم يترك له صديقا
شريك عن يزيد بن أبي زياد، عن عبدالرحمن بن أبي ليلى، قال: نادى رجل من أهل الشام يوم صفين: أفيكم أويس القرني ؟ قلنا: نعم، وما تريد منه ؟ قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " أويس القرني خير التابعين بإحسان "وعطف دابته فدخل مع أصحاب علي رضي الله عنه .
رواه عبدالله بن أحمد عن علي بن حكيم الاودي، أنبأنا شريك.
وزاد بعض الثقات فيه عن يزيد، عن ابن أبي ليلى، قال: فوجد في قتلى صفين.
فضيل بن عياض: حدثنا أبو قرة السدوسي ، عن سعيد بن المسيب، قال: نادى عمر بمنى على المنبر: يا أهل قرن، فقام مشايخ.
فقال: أفيكم من اسمه أويس ؟ فقال شيخ: يا أمير المؤمنين، ذاك مجنون يسكن القفار، لا يألف ولا يؤلف.
قال: ذاك الذي أعنيه، فإذا عدتم فاطلبوه وبلغوه سلامي وسلام رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال، فقال: عرفني أمير المؤمنين وشهر باسمي.
اللهم صلى على محمد وعلى آله، السلام على رسول الله.
ثم هام على وجهه، فلم يوقف له بعد ذلك على أثر دهرا، ثم عاد في أيام علي رضي الله عنه، فاستشهد معه بصفين، فنظروا، فإذا عليه نيف وأربعون جراحة .
وروى هشام بن حسان، عن الحسن، قال: يخرج من النار بشفاعة أويس أكثر من ربيعة ومضر.
وروى خالد الحذاء، عن عبدالله بن شقيق، عن ابن أبي الجدعاء، سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " يدخل [ الجنة ] بشفاعة رجل من أمتي أكثر من بني تميم " .
قال أبو أحمد بن عدي في " الكامل ": أويس ثقة صدوق، ومالك
ينكر أويسا، ثم قال: ولا يجوز أن يشك فيه.
أخبار أويس مستوعبة في تاريخ الحافظ أبي القاسم ابن عساكر .
الحاكم في " مستدركه ": من طريق إسماعيل بن عمرو البجلي، عن حبان بن علي، عن سعد بن ظريف عن أصبغ بن نباتة: شهدت عليا يوم صفين يقول: من يبايعني على الموت ؟ فبايعه تسعة وتسعون، فقال: أين التمام ؟ فجاء رجل على أطمار صوف، محلوق الرأس، فبايع، فقيل: هذا أويس القرني فما زال يحارب بين يديه حتى قتل.
سنده ضعيف.
أبو الأحوص سلام بن سليم: حدثني فلان، قال: جاء رجل من مراد فقال له أويس: يا أخا مراد، إن الموت لم يبق لمؤمن فرحا، وإن عرفان المؤمن بحق الله، لم يبق له فضة ولا ذهبا، ولم يبق له صديقا.
وعن عطاء الخراساني ؟ قال: قيل لاويس: أما حججت ؟ فسكت، فأعطوه نفقة وراحلة، فحج.

 
الاسود بن يزيد :ابن قيس، الامام، القدوة، أبو عمرو النخعي الكوفي.
وقيل: يكنى أبا عبدالرحمن، وهو أخو عبدالرحمن بن يزيد، ووالد عبدالرحمن بن الاسود، وابن أخي علقمة بن قيس، وخال إبراهيم النخعي.
فهؤلاء أهل بيت من رؤوس العلم والعمل.
وكان الاسود مخضرما، أدرك الجاهلية والاسلام.
وحدث عن معاذ بن جبل، وبلال، وابن مسعود، وعائشة، وحذيفة بن اليمان، وطائفة سواهم.
حدث عنه ابنه عبدالرحمن، وأخوه وإبراهيم النخعي، وعمارة بن عمير، وأبو إسحاق السبيعي، والشعبي، وآخرون.
وهو نظير مسروق في الجلالة والعلم والثقة والسن يضرب بعبادتهما المثل.
قال ابن سعد : كان يذكر أنه ذهب بمهر أم علقمة إليها من قيس
جده، وروى عن الصديق، أنه جرد معه الحج.
وروى عن عمرو علي، وسمع باليمن من معاذ.
قال عبدالرحمن بن الاسود: كان أبي يسجد في برنس طيالسة ويداه فيه، أو في ثيابه.
وقال ابن أبي خالد: رأيت الاسود وعليه عمامة سوداء وقد أرسلها من خلفه، ورأيته أصفر الرأس واللحية.
قرأت على إسحاق بن طارق: أخبركم ابن خليل، أنبأنا أبو المكارم التيمي، أنبأنا أبو علي الحداد، أنبأنا أبو نعيم، حدثنا أبو بكر بن مالك، حدثنا عبدالله بن أحمد، حدثني أبي، حدثنا عبدالرحمن بن مهدي، حدثنا شعبة عن أبي إسحاق، قال: حج الاسود ثمانين، من بين حجة وعمرة.
وبه إلى عبدالله بن أحمد، حدثنا عبدالله بن صندل، حدثنا فضيل بن عياض، عن ميمون، عن منصور، عن إبراهيم، قال: كان الاسود يختم القرآن في رمضان في كل ليلتين، وكان ينام بين المغرب والعشاء، وكان يختم القرآن في غير رمضان في كل ست ليال.
قال ابن عون: سئل الشعبي عن الاسود بن يزيد فقال: كان صواما قواما
حجاجا.
قال إبراهيم: ربما أحرم الاسود من جبانة عرزم .
وقال جابر الجعفي، عن عبدالرحمن بن الاسود، قال: ما سمعت الاسود إذا أهل يسمي حجا ولا عمرة قط، يقول: إن الله يعلم نيتي.
قال أبو إسحاق: كان الاسود يقول في تلبيته: لبيك غفار الذنوب.
ومن مناكير موسى بن عمير، تفرد به عن الحكم، عن إبراهيم النخعي،
عن الاسود، عن عبدالله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " حصنوا أموالكم بالزكاة، وداووا مرضاكم بالصدقة، وأعدوا للبلاء الدعاء " .
قرأ الاسود على عبدالله بن مسعود.
تلا عليه يحيى بن وثاب، وإبراهيم النخعي، وأبو إسحاق السبيعي.
وروى يحيى بن سعيد العطار في زهد الثمانية عن يزيد بن عطاء، عن علقمة بن مرثد قال: كان الاسود يجتهد في العبادة، ويصوم حتى يخضر ويصفر، فلما احتضر بكى، فقيل له: ما هذا الجزع ؟ فقال: مالي لاأجزع، والله لو أتيت بالمغفرة من الله لاهمني الحياء منه مما صنعت، إن الرجل ليكون بينه وبين آخر الذنب الصغير فيعفو عنه، فلا يزال مستحيا منه.
وروى شعبة، عن الحكم، أن الاسود كان يصوم الدهر - هذا صحيح عنه - وكأنه لم يبلغه النهي عن ذلك ، أو تأول.
وروى حماد عن إبراهيم، كان الاسود يصوم حتى يسود لسانه من الحر.
وروى منصور، عن إبراهيم، أن الاسود كان يحرم من بيته.
وقال أشعث بن أبي الشعثاء: رأيت الاسود وعمرو بن ميمون أهلا من الكوفة.
قال ابن أبي خالد: رأيت الاسود وعليه عمامة سوداء، وقال الحسن بن عبيدالله: رأيت الاسود يسجد في برنس طيالسة.
قد نقل العلماء في وفاة الاسود أقوالا، أرجحها سنة خمس وسبعين، والله يرحمه.

قال إبراهيم النخعي: كان الاسود إذا حضرت الصلاة، أناخ بعيره ولو على حجر.
 
أبو مسلم الخولاني : الداراني، سيد التابعين وزاهد العصر.
اسمه على الاصح: عبد الله بن ثوب، وقيل: اسمه عبد الله بن عبد الله، وقيل: عبد الله بن ثواب.
وقيل: ابن عبيد.ويقال: اسمه يعقوب بن عوف.
قدم من اليمن.وقد أسلم في أيام النبي صلى الله عليه وسلم.فدخل المدينة في خلافة الصديق.
وحدث عن عمر، ومعاذ بن جبل، وأبي عبيدة، وأبي ذرالغفاري، وعبادة بن الصامت.
روى عنه أبو إدريس الخولاني، وأبو العالية الرياحي، وجبير بن نفير، وعطاء بن أبي رباح، وشرحبيل بن مسلم - وما أدركاه - وعطية بن قيس، وأبو قلابة الجرمي، ومحمد بن زياد الالهاني وعمير بن هانئ ويونس بن ميسرة، ولم يلحقوه، لكن أرسلوا عنه.
قال إسماعيل بن عياش: حدثنا شرحبيل بن مسلم، قال: أتى أبو مسلم الخولاني المدينة وقد قبض النبي صلى الله عليه وسلم، واستخلف أبو بكر.
فحدثنا شرحبيل: أن الاسود تنبأ باليمن، فبعث إلى أبي مسلم، فأتاه بنار عظيمة، ثم إنه ألقى أبا مسلم فيها، فلم تضره، فقيل للاسود: إن لم تنف هذا عنك أفسد عليك من اتبعك.
فأمره بالرحيل فقدم المدينة، فأناخ راحلته، ودخل المسجد يصلي، فبصر به عمر رضي الله عنه، فقام إليه، فقال: ممن الرجل ؟ قال: من اليمن.
قال: ما فعل الدي حرقه الكذاب بالنار ؟ قال: ذاك عبد الله بن ثوب.
قال: نشدتك بالله، أنت هو ؟ قال: اللهم نعم.
فاعتنقه عمر وبكى، ثم ذهب به حتى أجلسه فيما بينه وبين الصديق.
فقال: الحمدلله الذي لم يمتني حتى أراني في أمة محمد من صنع به كما صنع بإبراهيم الخليل.
رواه عبد الوهاب بن نجدة، وهو ثقة، عن إسماعيل لكن شرحبيل أرسل الحكاية.
ويروي عن مالك بن دينار، أن كعبا رأى أبا مسلم الخولاني، فقال: من هذا ؟ قالوا: أبو مسلم، فقال: هذا حكيم هذه الامة.
وروى معمر عن الزهري، قال: كنت عند الوليد بن عبدالملك، فكان يتناول عائشة رضي الله عنها.
فقلت: يا أمير المؤمنين، ألا أحدثك عن رجل من أهل الشام، كان قد أوتي حكمة ؟ قال: من هو ؟ قلت: أبو مسلم الخولاني، سمع أهل الشام ينالون من عائشة فقال: ألا أخبركم بمثلي ومثل أمكم هذه ؟ كمثل عينين في رأس، تؤذيان صاحبهما، ولا يستطيع أن يعاقبهما إلا بالذي هو خير لهما فسكت.
فقال الزهري: أخبرنيه أبو إدريس الخولاني عن أبي مسلم.
قال عثمان بن أبي العاتكة: علق أبو مسلم سوطا في المسجد، فكان يقول: أنا أولى بالسوط من البهائم، فإذا فتر، مشق ساقيه سوطا أوسوطين.
قال: وكان يقول: لو رأيت الجنة عيانا أو النار عيانا ما كان عندي مستزاد.
إسماعيل بن عياش: عن شرحبيل، أن رجلين أتيا أبا مسلم، فلم يجداه في منزله، فأتيا المسجد، فوجداه يركع، فانتظراه، فأحصى أحدهما أنه ركع ثلاث مئة ركعة.
الوليد بن مسلم: أنبأنا عثمان بن أبي العاتكة، أن أبا مسلم الخولاني سمع رجلا يقول: سبق اليوم [ فلان ] فقال: أنا السابق، قالوا: وكيف يا أبا مسلم ؟ قال: أدلجت من داريا، فكنت أول من دخل مسجدكم.
قال أبو بكر بن أبي مريم: عن عطية بن قيس، قال: دخل ناس من أهل دمشق على أبي مسلم وهو غاز في أرض الروم، وقد احتفر جورة في فسطاطه ، وجعل فيها نطعا وأفرغ فيه الماء وهو يتصلق فيه ، فقالوا: ما حملك على الصيام وأنت مسافر ؟ قال: لو حضر قتال لافطرت، ولتهيأت له وتقويت، إن الخيل لا تجري الغايات وهن بدن، إنما تجري وهن ضمر، ألا وإن أيامنا باقية جائية لها نعمل.
وقيل: كان يرفع صوته بالتكبير حتى مع الصبيان ويقول: اذكر الله حتى يرى الجاهل أنه مجنون.
وروى محمد بن زياد الالهاني، عن أبي مسلم الخولاني، أنه كان إذا غزا أرض الروم، فمروا بنهر فقال: أجيزوا بسم الله، ويمر بين أيديهم، فيمرون بالنهر الغمر، فربما لم يبلغ من الدواب إلا الركب، فإذا جازوا قال: هل ذهب لكم شئ ؟ [ فمن ذهب له شئ فأنا ضامن له ] فألقى بعضهم مخلاته [ عمدا ].
فلما جاوزوا قال [ الرجل ]: مخلاتي وقعت، قال: اتبعني فاتبعه، فإذا بها معلقة بعود في النهر، قال: خذها.
سليمان بن المغيرة: عن حميد الطويل، أن أبا مسلم أتى على دجلة وهي ترمي بالخشب من مدها فذهب عليها، ثم حمدالله وأثنى عليه، وذكر مسير بني إسرائيل في البحر، ثم لهز دابته، فخاضت الماء، وتبعه الناس حتى قطعوها، ثم قال: هل فقدتم شيئا [ من متاعكم ] فأدعوا الله أن يرده [ علي ] ؟ عنبسة بن عبد الواحد: عن عبدالملك بن عمير، قال: كان أبو مسلم
الخولاني إذا استسقى سقي.
وروى بقية عن محمد بن زياد: عن أبي مسلم، أن امرأة خببت عليه امرأته، فدعا عليها، فعميت، فأتته فاعترفت وتابت، فقال: اللهم إن كانت صادقة، فاردد بصرها، فأبصرت.
ضمرة بن ربيعة عن بلال بن كعب، أن الصبيان قالوا لابي مسلم الخولاني: ادع الله أن يحبس علينا هذا الظبي فنأخذه.
فدعا الله، فحبسه، فأخذوه.
وعن عطاء الخراساني، أن امرأة أبي مسلم قالت: ليس لنا دقيق.
فقال: هل عندك شئ ؟ قالت: درهم بعنا به غزلا.
قال: ابغينيه وهاتي الجراب، فدخل السوق، فأتاه سائل، وألح، فأعطاه الدرهم، وملا الجراب نشارة مع تراب، وأتى وقلبه مرعوب منها، وذهب، ففتحته، فإذا به دقيق حوارى.
فعجنت وخبزت، فلما جاء ليلا، وضعته، فقال: من أين هذا ؟ قالت: من الدقيق، فأكل وبكى.
أبو مسهر، عن سعيد بن عبد العزيز، أن أبا مسلم استبطأ خبر جيش
كان بأرض الروم، فدخل طائر فوقع، فقال: أنا رتبابيل مسلي الحزن، من صدور المؤمنين، فأخبره خبر الجيش فقال: ما جئت حتى استبطأتك ؟.
قال سعيد بن عبد العزيز، كان أبو مسلم يرتجز يوم صفين ويقول: ما علتي ما علتي * وقد لبست درعتي أموت عند طاعتي.
وقيل: إن أبا مسلم قام إلى معاوية، فوعظه، وقال: إياك أن تميل على قبيلة فيذهب حيفك بعدلك.
وروى أبو بكر بن أبي مريم: عن عطيه بن قيس، قال: دخل أبو مسلم على معاوية، فقام بين السماطين، فقال: السلام عليك أيها الاجير، فقالوا: مه.
قال: دعوه، فهو أعرف بما يقول، وعليك السلام يا أبا مسلم.
ثم وعظه، وحثه على العدل.
وقال شرحبيل بن مسلم: كان الولاة يتيمنون بأبي مسلم، ويؤمرونه على
المقدمات.
قال سعيد بن عبد العزيز: مات أبو مسلم بأرض الروم، وكان شتا مع بسر بن أبي أرطاة، فأدركه أجله، فعاده بسر، فقال [ له أبو مسلم ]: يابسر، اعقد لي على من مات في هذه الغزاة، فإني أرجو أن آتي بهم يوم القيامة على لوائهم.
قال أحمد بن حنبل: حدثنا عن محمد بن شعيب عن بعض المشيخة قال: أقبلنا من أرض الروم فمررنا بالعمير على أربعة أميال من حمص في آخر الليل، فاطلع راهب من صومعة، فقال: هل تعرفون أبا مسلم الخولاني ؟ قلنا: نعم.
قال: إذا أتيتموه، فأقرؤوه السلام، فإنا نجده في الكتب رفيق عيسى ابن مريم، أما إنكم لا تجدونه حيا.قال: فلما أشرفنا على الغوطة، بلغنا موته.
قال الحافظ أبو القاسم ابن عساكر: يعني سمعوا ذلك، وكانت وفاته بأرض الروم.
وروى إسماعيل بن عياش، عن شرحبيل بن مسلم، عن سعيد بن هانئ قال، قال معاوية: إنما المصيبة كل المصيبة بموت أبي مسلم الخولاني، وكريب بن سيف الانصاري.
إسناده صالح.
فعلى هذا يكون أبو مسلم مات قبل معاوية، إلا أن يكون هذا هو معاوية بن يزيد.
وقد قال المفضل بن غسان الغلابي: إن علقمة وأبا مسلم ماتا في سنة اثنتين وستين.
فالله أعلم.

 
عامر بن عبد قيس : القدوة الولي الزاهد أبو عبد الله، ويقال: أبو عمرو التميمي، العنبري، البصري.
روى عن عمر وسلمان.
وعنه: الحسن، ومحمد بن سيرين، وأبو عبد الرحمن الحبلي وغيرهم، وقلما روى.
قال العجلي: كان ثقة من عباد التابعين، رآه كعب الاحبار فقال: هذا راهب هذه الامة.
وقال أبو عبيد في " القراءات ": كان عامر بن عبد الله الذي يعرف بابن عبد قيس يقرئ الناس.
حدثنا عباد: عن يونس، عن الحسن، أن عامرا كان يقول: من أقرئ ؟ فيأتيه ناس، فيقرئهم [ القرآن ] ثم يقوم فيصلي إلى الظهر، ثم يصلي إلى العصر، ثم يقرئ الناس إلى المغرب، ثم يصلي ما بين العشاءين ثم ينصرف إلى منزله، فيأكل رغيفا، وينام نومة خفيفة، ثم يقوم لصلاته، ثم
يتسحر رغيفا ويخرج.
قال بلال بن سعد: وشي بعامر بن عبد قيس إلى زياد، فقالوا: هاهنا رجل قيل له: ما إبراهيم عليه السلام خيرا منك فسكت، وقد ترك النساء.
فكتب فيه إلى عثمان، فكتب إليه: انفه إلى الشام على قتب.
فلما جاءه الكتاب، أرسل إلى عامر، فقال: أنت قيل لك: ما إبراهيم خيرا منك فسكت ؟ ! قال: أما والله، ما سكوتي إلا تعجب، ولوددت أني غبار قدميه.
قال: وتركت النساء ؟ قال: والله ما تركتهن إلا أني قد علمت أنه يجئ الولد وتشعب في الدنيا، فأحببت التخلي.
فأجلاه على قتب إلى الشام، فأنزله معاوية معه في الخضراء وبعث إليه بجارية، وأمرها أن تعلمه ما حاله.
فكان يخرج من السحر، فلا تراه إلا بعد العتمة فيبعث معاوية إليه بطعام، فلا يعرض له، ويجئ معه بكسر، فيبلها ويأكل، ثم يقوم إلى أن يسمع النداء فيخرج، فكتب معاوية إلى عثمان يذكر حاله.
فكتب: اجعله أول داخل وآخر خارج، ومر له بعشرة من الرقيق، وعشرة من الظهر، فأحضره وأخبره.فقال: إن علي شيطانا قد غلبني، فكيف أجمع علي عشرة.
وكانت له بغلة.
فروى بلال بن سعد، عمن رآه بأرض الروم عليها، يركبها عقبة، ويحمل المهاجرين عقبة قال بلال: كان إذا فصل غازيا يتوسم من يرافقه، فإذا رأى رفقة تعجبه، اشترط عليهم أن يخدمهم، وأن يؤذن، وأن ينفق عليهم طاقته، رواه ابن المبارك بطوله في " الزهد " له.
همام: عن قتادة، قال: كان عامر بن عبد قيس يسأل ربه أن ينزع شهوة النساء من قلبه، فكان لا يبالي أذكرا لقي أم أنثى.
وسأل ربه أن يمنع قلبه من الشيطان وهو في الصلاة فلم يقدر عليه.
وقيل: إن ذلك ذهب عنه.
وعن أبي الحسين المجاشعي، قال: قيل لعامر بن عبد قيس: أتحدث نفسك في الصلاة ؟ قال: أحدثها بالوقوف بين يدي الله، ومنصرفي.
وعن كعب، أنه رأى بالشام عامر بن عبد قيس، فقال: هذا راهب هذه الامة.
قال أبوعمران الجوني: قيل لعامر بن عبد قيس: إنك تبيت خارجا، أما تخاف الاسد ! ؟ قال: إني لاستحيي من ربي أن أخاف شيئا دونه.
وروى همام عن قتادة مثله.
حماد: عن أيوب، عن أبي قلابة، لقي رجل عامر بن عبد قيس، فقال: ما هذا ؟ ألم يقل الله: (وجعلنا لهم أزواجا وذرية) [ الرعد: 38 ] ؟ قال: أفلم يقل الله تعالى: (وما خلقت الجن والانس إلا ليعبدون) [ الذاريات: 56 ].
وقيل: كان عامر لا يزال يصلي من طلوع الشمس إلى العصر، فينصرف وقد انتفخت ساقاه فيقول: يا أمارة بالسوء، إنما خلقت للعبادة.
وهبط واديا به عابد حبشي، فانفرد يصلي في ناحية، والحبشي في ناحية، أربعين يوما لا يجتمعان إلا في فريضة.
محمد بن واسع: عن يزيد بن الشخير، أن عامرا كان يأخذ عطاءه، فيجعله في طرف ثوبه، فلا يلقى مسكينا إلا أعطاه، فإذا دخل بيته، رمى به إليهم، فيعدونها فيجدونها كما أعطيها.
جعفر بن برقان: حدثنا ميمون بن مهران، أن عامر بن عبد قيس، بعث إليه أمير البصرة: مالك لا تزوج النساء ؟ قال: ما تركتهن وإني لدائب في الخطبة.
قال: ومالك لا تأكل الجبن ؟ قال: إنا بأرض فيها مجوس، فما شهد مسلمان أن ليس فيه ميتة أكلته.
قال: وما يمنعك أن تأتي الامراء ؟ قال: إن لدى أبوابكم طلاب الحاجات، فادعوهم واقضوا حاجاتهم، ودعوا من لا حاجة له إليكم.
قال مالك بن دينار: حدثني فلان، أن عامرا مر في الرحبة، وإذا رجل يظلم، فألقى رداءه وقال: لا أرى ذمة الله تخفر وأنا حي، فاستنقذه.
ويروى أن سبب إبعاده إلى الشام، كونه أنكر وخلص هذا الذمي.
قال جعفر بن سليمان: حدثنا الجريري قال: لما سير عامر بن عبد الله الذي يقال له: ابن عبد قيس، شيعه إخوانه، وكان بظهر المربد، فقال: إني داع فأمنوا: اللهم من وشى بي، وكذب علي وأخرجني من مصري، وفرق بيني وبين إخواني، فأكثر ماله، وأصح جسمه وأطل عمره.
قال الحسن البصري: بعث بعامر بن عبد قيس إلى الشام، فقال: الحمد لله الذي حشرني راكبا.
قال قتادة: لما احتضر عامر بكى، فقيل: ما يبكيك ؟ قال: ما أبكي جزعا من الموت، ولا حرصا على الدنيا، ولكن أبكي على ظمأ الهواجر، وقيام الليل.
وروى عثمان بن عطاء الخراساني، عن أبيه، أن قبر عامر بن عبد قيس ببيت المقدس.
وقيل: توفي في زمن معاوية.
 
عبيدة بن عمرو السلماني: الفقيه المرادي، الكوفي، أحد الاعلام.
وسلمان جدهم.
هو ابن ناجية بن مراد.
أسلم عبيدة في عام فتح مكة بأرض اليمن، ولا صحبة له، وأخذ عن علي وابن مسعود، وغيرهما، وبرع في الفقه، وكان ثبتا في الحديث.
روى عنه إبراهيم النخعي، والشعبي، ومحمد بن سيرين، وعبد الله بن
سلمة المرادي، وأبو إسحاق، ومسلم أبو حسان الاعرج، وآخرون.
قال الشعبي، كان عبيدة يوازي شريحا في القضاء.
وقال ابن سيرين: ما رأيت رجلا كان أشد توقيا من عبيدة.
وكان محمد [ ابن سيرين ] مكثرا عنه.
قال أحمد العجلي: كان عبيدة أحد أصحاب عبد الله [ بن مسعود ] الذين يقرئون ويفتون.
وكان أعور.
قرأت على أحمد بن إبراهيم الخطيب عام سبع مئة: أنبأنا أبو الحسن السخاوي، أنبأنا أبو طاهر السلفي، أنبأنا المبارك بن عبد الجبار، أنبأنا محمد ابن محمد السواق، أنبأنا عيسى بن حامد الرخجي، حدثنا الهيثم بن خلف، حدثنا أحمد بن إبراهيم، حدثنا معاذ بن معاذ، عن هشام، عن ابن سيرين،
عن عبيدة، قال: صليت قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بسنتين ولم أره.
قال أبو عمرو بن الصلاح: روينا عن عمرو بن علي الفلاس، أنه قال: أصح الاسانيد ابن سيرين عن عبيدة، عن علي.
قلت: لا تفوق لهذا الاسناد مع قوته على إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله، ولا على الزهري، عن سالم، عن أبيه، ثم إن هذين الاسنادين روي بهما أحاديث جمة في الصحاح وليس كذلك الاول، فما في " الصحيحين " لعبيدة عن علي سوى حديث واحد.
وعند البخاري حديث آخر موقوف بهذا الاسناد، وانفرد مسلم بحديث آخر سأرويه بعد.
قال أبو أحمد الحاكم: كنية عبيدة، أبو مسلم، وأبو عمرو.
وروى هشام بن حسان، عن محمد، عن عبيدة، قال: اختلف الناس في الاشربة فمالي شراب منذ ثلاثين سنة إلا العسل واللبن والماء.
قال محمد: وقلت لعبيدة: إن عندنا من شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا من قبل أنس بن مالك، فقال: لان يكون عندي منه شعرة أحب إلي من كل صفراء وبيضاء على ظهر الارض.
قلت: هذا القول من عبيدة هو معيار كمال الحب، وهو أن يؤثر شعرة نبوية على كل ذهب وفضة بأيدي الناس.
ومثل هذا يقوله هذا الامام بعد النبي صلى الله عليه وسلم، بخمسين سنة، فما الذي نقوله نحن في وقتنا لو وجدنا بعض شعره بإسناد ثابت، أو شسع نعل كان له، أو قلامة ظفر، أو شقفة من إناء شرب فيه.فلو بذل الغني معظم أمواله في تحصيل شئ من ذلك عنده، أكنت تعده مبذرا أو سفيها ؟ كلا.فابذل ما لك في زورة مسجده الذي بنى فيه بيده والسلام عليه عند حجرته في بلده، والتلذ بالنظر إلى " أحده " وأحبه، فقد كان نبيك صلى الله عليه وسلم يحبه، وتملا بالحلول في روضته ومقعده، فلن تكون مؤمنا حتى يكون هذا السيد أحب إليك من نفسك وولدك وأموالك والناس كلهم.
وقبل حجرا مكرما نزل من الجنة، وضع فمك لاثما مكانا قبله سيد البشر بيقين، فهنأك الله بما أعطاك، فما فوق ذلك مفخر.
ولو ظفرنا بالمحجن الذي أشار به الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الحجر ثم قبل محجنه، لحق لنا أن نزدحم على ذلك المحجن بالتقبيل والتبجيل.
ونحن ندري بالضرورة أن تقبيل الحجر أرفع وأفضل من تقبيل محجنه ونعله.وقد كان ثابت البناني إذا رأى أنس بن مالك أخذ يده فقبلها، ويقول: يد مست يد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنقول نحن إذ فاتنا ذلك: حجر معظم بمنزلة يمين الله في الارض مسته شفتا نبينا صلى الله عليه وسلم لاثما له.
فإذا فاتك الحج وتلقيت الوفد فالتزم الحاج وقبل فمه وقل: فم مس بالتقبيل حجرا قبله خليلي صلى الله عليه وسلم.
قال ابن سيرين، قال علي: يا أهل الكوفة، أتعجزون أن تكونوا مثل السلماني والهمداني ؟ - يعني الحارث بن الازمع وليس بالاعور - إنما هما شطرا رجل.
قال حماد بن زيد: وكان عبيدة أعور.
قال ابن سيرين: كان اصحاب عبد الله منهم من يقدم عبيدة، ومنهم من يقدم علقمة، ولا يختلفون أن شريحا آخرهم.
قال الثوري: عن النعمان بن قيس، قال: دعا عبيدة بكتبه عند موته فمحاها وقال: أخشى أن تضعوها على غير موضعها.
قال عاصم: عن ابن سيرين، جاء قوم إلى عبيدة ليصلح بينهم، فقال: لا أقول حتى تؤمروني.
عبد الواحد بن زياد: حدثنا النعمان بن قيس، حدثني أبي، قلت لعبيدة: بلغني أنك تموت، ثم ترجع قبل يوم القيامة، تحمل راية فيفتح لك فتح.
قال: لئن أحياني الله اثنتين، وأماتني اثنتين قبل يوم القيامة، ما أراد بي خيرا.
قال أبو حصين: أوصى عبيدة أن يصلي عليه الاسود بن يزيد، فقال الاسود: عجلوا به قبل أن يجئ الكذاب - يعني المختار.
أخبرنا محمد بن عبد السلام التميمي، أنبأنا عبدالمعز بن محمد، أنبأنا تميم بن أبي سعيد، أنبأنا أبو سعد محمد بن عبدالرحمن، أنبأنا محمد ابن أحمد، أنبأنا أبو يعلى، حدثنا القواريري، حدثنا حماد، عن أيوب عن محمد، عن عبيدة، قال: ذكر علي رضي الله عنه أهل النهروان فقال: فيهم رجل مودن اليد أو مثدن اليد أو مخدج اليد، لولا أن تبطروا، لانبأتكم ما وعد الله الذين يقتلونه على لسان محمد صلى الله عليه وسلم.قلت: أنت سمعته منه ؟ قال:إي ورب الكعبة.
هذا حديث صحيح، رواه ابن علية أيضا عن أيوب السختياني، ورواه ابن أبي عدي، عن ابن عون، عن ابن سيرين، أخرجه مسلم وأبو داود.
وفي وفاة عبيدة أقوال، أصحها في سنة اثنتين وسبعين.


 
علقمة :فقيه الكوفة وعالمها ومقرئها، الامام، الحافظ، المجود، المجتهد الكبير، أبو شبل علقمة بن قيس بن عبد الله بن مالك بن علقمة بن سلامان ابن كهل ، وقيل: ابن كهيل بن بكر بن عوف، ويقال: ابن المنتشر بن النخع، النخعي، الكوفي، الفقيه عم الاسود بن يزيد وأخيه عبدالرحمن، وخال فقيه العراق إبراهيم النخعي.
ولد في أيام الرسالة المحمدية، وعداده في المخضرمين، وهاجر في طلب العلم والجهاد، ونزل الكوفة، ولازم ابن مسعود حتى رأس في العلم والعمل، وتفقه به العلماء، وبعد صيته.
حدث عن عمر، وعثمان، وعلي، وسلمان، وأبي الدرداء، وخالد بن الوليد، وحذيفة، وخباب، وعائشة، وسعد، وعمار، وأبي مسعود البدري، وأبي موسى، ومعقل بن سنان، وسلمة بن يزيد الجعفي، وشريح بن أرطاة، وقيس بن مروان، وطائفة سواهم.
وجود القرآن على ابن مسعود.
تلا عليه يحيى بن وثاب، وعبيد بن نضيلة وأبو إسحاق السبيعي.
وتفقه به أئمة: كإبراهيم، والشعبي.وتصدى للامامة والفتيا بعد علي وابن مسعود.
وكان يشبه بابن مسعود في هديه ودله وسمته.
وكان طلبته يسألونه ويتفقهون به والصحابة متوافرون.
حدث عنه أبو وائل، والشعبي، وعبيد بن نضيلة، وإبراهيم النخعي، ومحمد بن سيرين، وأبو الضحى مسلم بن صبيح، وإبراهيم بن سويد النخعي، وأبو ظبيان حصين بن جندب الجنبي، وأبو معمر عبد الله بن سخبرة، وسلمة بن كهيل، وابن أخيه عبدالرحمن بن يزيد، وأبو إسحاق السبيعي، وعمارة بن عمير، وأبو قيس عبدالرحمن بن ثروان الاودي، وعبد الرحمن بن عوسجة، والقاسم بن مخيمرة، وقيس بن رومي، ومرة الطيب، وهني بن نويرة، ويحيى بن وثاب، ويزيد بن أوس، ويزيد بن معاوية النخعي لا الاموي، وأبو الرقاد النخعي، والمسيب بن رافع.
ووأرسل عنه أبو الزناد وغيره.
روى مغيرة، عن إبراهيم، قال: كنى عبد الله بن مسعود علقمة أبا شبل وكان علقمة عقيما لا يولد له.
الاعمش، عن إبراهيم، قال علقمة: ما حفظت وأنا شاب، فكأني أنظر إليه في قرطاس أو رقعة.
قال أحمد بن حنبل: علقمة ثقة، من أهل الخير، وكذا وثقه يحيى بن معين، وسئل عنه وعن عبيدة في عبد الله فلم يخير.وقال عثمان بن سعيد: علقمة أعلم بعبد الله.
قال ابن المديني: لم يكن أحد من الصحابة له أصحاب حفظوا عنه، وقاموا بقوله في الفقه إلا ثلاثة: زيد بن ثابت، وابن مسعود، وابن عباس، وأعلم الناس بابن مسعود: علقمة، والاسود، وعبيدة، والحارث.وروى زائدة عن أبي حمزة، قال: قلت لرباح أبي المثنى: أليس قد رأيت عبد الله ؟ قال: بلى وحججت مع عمر ثلاث حجات وأنا رجل.
قال: وكان عبد الله وعلقمة يصفان الناس صفين عند أبواب كندة، فيقرئ عبد الله رجلا، ويقرئ علقمة رجلا، فإذا فرغا، تذاكرا أبواب المناسك، وأبواب الحلال والحرام.
فإذا رأيت علقمة، فلا يضرك أن لا ترى عبد الله، أشبه الناس به سمتا وهديا.
وإذا رأيت إبراهيم النخعي، فلا يضرك أن لا ترى علقمة، أشبه الناس به سمتا.وهديا.
الاعمش: عن عمارة بن عمير قال: قال لنا أبو معمر: قوموا بنا إلى أشبه الناس بعبد الله هديا ودلا وسمتا، فقمنا معه حتى جلسنا إلى علقمة.
وروى سفيان بن عيينة عن داود بن أبي هند قال: قلت للشعبي: أخبرني عن أصحاب عبد الله حتى كأني أنظر إليهم، قال: كان علقمة أبطن
القوم: به، وكان مسروق قد خلط منه ومن غيره، وكان الربيع بن خثيم أشد القوم اجتهادا، وكان عبيدة يوازي شريحا في العلم والقضاء.
روى إبراهيم، عن علقمة، أنه قدم الشام، فدخل مسجد دمشق، فقال اللهم ارزقني جليسا صالحا، فجاء فجلس إلى أبي الدرداء، فقال له: ممن أنت ؟ قال: من أهل الكوفة، قال: كيف سمعت ابن أم عبد يقرأ (والليل إذا يغشى) الحديث.
وقال الاسود: إني لاذكر ليلة عرس أم علقمة.
وقال شباب: شهد علقمة صفين مع علي.
وروى الهيثم بن عدي، عن مجالد، عن الشعبي، قال: كان الفقهاء بعد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالكوفة في أصحاب عبد الله: علقمة، وعبيدة، وشريح، ومسروق.
وروى حفص بن غياث، عن أشعث، عن ابن سيرين، قال: أدركت القوم وهم يقدمون خمسة: من بدأ بالحارث الاعور، ثنى بعبيدة، ومن بدأ بعبيدة، ثنى بالحارث، ثم علقمة الثالث، لاشك فيه، ثم مسروق، ثم شريح، وإن قوما أخسهم شريح، لقوم لهم شأن وروى ابن عون، عن محمد، قال: كان أصحاب عبد الله خمسة كلهم فيه عيب: عبيدة أعور، ومسروق أحدب، وعلقمة أعرج، وشريح كوسج ، والحارث أعور.
وروى منصور عن إبراهيم، قال: كان أصحاب عبد الله الذين يقرئون
الناس القرآن، ويعلمونهم السنة، ويصدر الناس عن رأيهم ستة: علقمة، والاسود، ومسروق، وعبيدة، وأبو ميسرة عمرو بن شرحبيل، والحارث بن قيس.
وروى إسرائيل، عن غالب أبي الهذيل، قلت لابراهيم: أعلقمة كان أفضل أو الاسود ؟ قال: علقمة، وقد شهد صفين.
وقال ابن عون: سألت الشعبي عن علقمة والاسود، فقال: كان الاسود صواما قواما، كثير الحج، وكان علقمة مع البطئ ويدرك السريع.
وقال مرة الهمداني: كان علقمة من الربانيين، وكان علقمة عقيما لا يولد له.
وروى عنه إبراهيم، قال: صليت خلف عمر سنتين.
وروى مغيرة عن إبراهيم أن علقمة والاسود كانا يسافران مع أبي بكر وعمر.
قال الشعبي: كان علقمة أبطن القوم بابن مسعود.
الاعمش: عن إبراهيم، عن علقمة، قال: أتي عبد الله بشراب فقال: أعط علقمة، أعط مسروقا، فكلهم قال: إني صائم، فقال: (يخافون يوما تتقب فيه القلوب والابصار) [ النور: 37 ]، وقال إبراهيم: كان علقمة يقرأ القرآن في خمس. الاعمش: عن شقيق، قال [ كان ] ابن زياد يراني مع مسروق فقال: إذا قدمت فالقني، فأتيت علقمة فقال: إنك لم تصب من دنياهم شيئا إلا أصابوا
من دينك ما هو أفضل منه، ما أحب أن لي مع ألفي ألفين واني أكرم الجند عليه.
وقال إبراهيم: كتب أبو بردة علقمة في الوفد إلى معاوية، فقال له علقمة: امحني امحني.
وقال علقمة: ما حفظت وأنا شاب، فكأني أنظر إليه في قرطاس.
قال إبراهيم عن علقمة: إنه كان له برذون يراهن عليه.
الاعمش: عن مالك بن الحارث، عن عبدالرحمن بن يزيد، قلنا لعلقمة: لو صليت في المسجد وجلسنا معك فتسأل، قال: أكره أن يقال: هذا علقمة، قالوا: لو دخلت على الامراء، قال: أخاف أن ينتقصوا مني أكثر مما أنتقص منهم.
وروى إبراهيم عن علقمة، قال: كنت رجلا قد أعطاني الله حسن الصوت بالقرآن، وكان ابن مسعود يرسل إلى، فأقرأ عليه، فإذا فرغت من قراءتي قال: زدنا فداك أبي وأمي، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن حسن الصوت زينة القرآن ".
أبو إسحاق: عن عبدالرحمن بن يزيد، قال عبد الله: ما أقرأ شيئا ولا أعلمه إلا علقمة يقرؤه أو يعلمه، قال زياد بن حدير: يا أبا عبدالرحمن،والله ما علقمة بأقرئنا، قال: بلى والله، وإن شئت لاخبرنك بما قيل في قومك وقومه.
وروى الاعمش، عن إبراهيم قال: كان علقمة يقرأ القرآن في خمس، والاسود في ست، وعبد الرحمن بن يزيد في سبع.
جرير بن عبدالحميد، عن قابوس بن أبي ظبيان، قال: قلت لابي.لاي شئ كنت تأتي علقمة وتدع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قال: أدركت ناسا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يسألون علقمة ويستفتونه.
شريك: عن أبي إسحاق، عن عبدالرحمن بن يزيد، قال: قيل لابن مسعود: ما علقمة بأقرئنا، قال: بلى والله إنه لاقرؤكم.
أخبرنا إسحاق بن طارق، أنبأنا أبو المكارم التيمي، أنبأنا الحداد، أنبأنا أبو نعيم، حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن، حدثنا محمد بن عثمان، حدثنا ابن نمير، حدثنا حفص بن غياث عن الاعمش، عن المسيب بن رافع، قال: قيل لعلقمة: لو جلست فأقرأت الناس وحدثتهم، قال: أكره أن يوطأ عقبي وأن يقال: هذا علقمة، فكان يكون في بيته يعلف غنمه ويقت لهم، وكان معه شئ يفرع بينهن إذا تناطحن.
ابن عيينة، عن عمربن سعد، قال: كان الربيع بن خثيم يأتي علقمة فيقول: ما أزور أحدا غيرك أو ما أزور أحدا ما أزورك.
قال إسماعيل بن أبي خالد، عن الشعبي: إن كان أهل بيت خلقوا للجنة، فهم أهل هذا البيت، علقمة والاسود.
وقال أبو قيس الاودي: رأيت إبراهيم آخذا بالركاب لعلقمة.
الاعمش، عن مالك بن الحارث، عن عبدالرحمن بن يزيد، قال: قيل لعلقمة: ألا تغشى الامراء، فيعرفون من نسبك ؟ قال: ما يسرني أن لي مع ألفي ألفين، واني أكرم الجند عليه.
فقيل له: ألا تغشى المسجد فتجلس وتفتي الناس ؟ قال: تريدون أن يطأ الناس عقبي ويقولون: هذا علقمة !.
حصين، عن إبراهيم، عن علقمة أنه أوصى، قال: إذا أنا حضرت فأجلسوا عندي من يلقنني: لا إله إلا الله، وأسرعوا بي إلى حفرتي، ولا تنعوني إلى الناس، فإني أخاف أن يكون ذلك نعيا كنعي الجاهلية.
قال بعض الحفاظ، وأحسن: أصح الاسانيد، منصور، عن إبراهيم، عن علقمة، عن ابن مسعود.
فعلى هذا، أصح ذلك شعبة وسفيان، عن منصور، وعنهما يحيى القطان وعبد الرحمن بن مهدي، وعنهما علي بن المديني، وعنه أبو عبد الله البخاري، رحمهم الله.
قال الهيثم بن عدي: مات علقمة في خلافة يزيد.
وقال أبو نعيم، وقعنب بن محرر: سنة إحدى وستين.
وقال المدائني، ويحيى بن بكير، وأبو عبيد، وابن معين، وابن سعد، وعدة: مات سنة اثنتين وستين.
ويقال: توفي سنة خمس وستين.
ويقال: سنة ثلاث ولم يصح، وشذ أبو نعيم عبدالرحمن ابن هانئ النخعي فقال: مات سنة اثنتين وسبعين.
وكذا نقل عن أبي بكر بن أبي شيبة، ومحمد بن عبد الله بن نمير.
وقيل غير ذلك.
وقال أبو نعيم النخعي: عاش تسعين سنة.
 
مسروق ابن الاجدع:الامام، القدوة، العلم، أبو عائشة الوادعي، الهمداني، الكوفي.
وهو مسروق بن الاجدع بن مالك بن أمية بن عبد الله بن مر بن سلمان بن معمر، ويقال: سلامان بن معمر بن الحارث بن سعد بن عبد الله ابن وادعة بن عمر بن عامر بن ناشح بن دافع بن مالك بن جشم بن حاشد بن جشم بن خيوان بن نوف بن همدان.
قال أبو بكر الخطيب: يقال إنه سرق وهو صغير ثم وجد فسمي مسروقا.وأسلم أبوه الاجدع.
حدث هو عن أبي بن كعب، وعمر، وعن أبي بكر الصديق - إن صح - وعن أم رومان، ومعاذ بن جبل، وخباب، وعائشة، وابن مسعود، وعلي، وعبد الله بن عمرو، وابن عمرو سبيعة، ومعقل بن سنان، والمغيرة بن شعبة، وزيد حتى إنه روى عن عبيد بن عمير، قاص مكة، وعنه: الشعبي، وإبراهيم النخعي، ويحيى بن وثاب، وعبد الله بن مرة، وأبو وائل، ويحيى بن الجزار، وأبو الضحى، وعبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود، وعبيد بن نضيلة، ومكحول الشامي - وما أراه لقيه - وأبو إسحاق، ومحمد بن المنتشر، ومحمد بن نشر الهمداني، وأبو الاحوص الجشمي، وأيوب بن هانئ وعمارة بن عمير، وحبال بن رفيدة، وأنس بن سيرين، وأبو الشعثاء المحاربي، وآخرون.
وعداده في كبار التابعين وفي المخضرمين الذين أسلموا في حياة النبي صلى الله عليه وسلم قال أبو داود: كان أبو الأجدع أفرس فارس باليمن.
قال أبو داود أيضا: ومسروق هو ابن أخت عمرو بن معد يكرب.
مجالد: عن الشعبي، عن مسروق، قال: لقيت عمر فقال: ما اسمك ؟ فقلت: مسروق بن الاجدع.
قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول:" الاجدع شيطان " أنت مسروق بن عبدالرحمن.
قال الشعبي: فرأيته في الديوان ، مسروق بن عبدالرحمن.
وقال مالك بن مغول: سمعت أبا السفر، عن مرة، قال: ما ولدت همدانية مثل مسروق.
وقال أيوب الطائي، عن الشعبي، قال: ما علمت أن أحدا كان أطلب للعلم في أفق من الآفاق، من مسروق.
وقال منصور عن إبراهيم، قال: كان أصحاب عبد الله الذين يقرئون الناس ويعلمونهم السنة: علقمة، والاسود وعبيدة، ومسروقا، والحارث بن قيس، وعمرو بن شرحبيل.
وروى عبدالملك بن أبجر، عن الشعبي، كان مسروق أعلم بالفتوى من شريح، وكان شريح أعلم بالقضاء من مسروق، وكان شريح يستشير مسروقا، وكان مسروق لا يستشير شريحا.
وروى شعبة عن أبي إسحاق، حج مسروق فلم ينم إلا ساجدا على وجهه حتى رجع، وروى أنس بن سيرين، عن امرأة مسروق قالت: كان مسروق يصلي حتى تورم قدماه، فربما جلست أبكي مما أراه يصنع بنفسه.
المثنى القصير: عن محمد بن المنتشر، عن مسروق، قال: كنت مع أبي موسى أيام الحكمين، فسطاطي إلى جانبه، فأصبح الناس ذات يوم قد لحقوا بمعاوية، فرفع أبو موسى رفرف فسطاطه وقال: يا مسروق، قلت:لبيك، قال: إن الامارة ما أتمر فيها، وإن الملك ما غلب عليه بالسيف.
مجالد: عن الشعبي، عن مسروق، قالت عائشة: يا مسروق إنك من ولدي، وإنك لمن أحبهم إلي، فهل لك علم بالمخدج.
قال أبو السفر: ما ولدت همدانية مثل مسروق.
وقال الشعبي: لما قدم عبيدالله بن زياد الكوفة، قال: من أفضل الناس ؟ قالوا له: مسروق.
وقال ابن المديني: أنا ما أقدم على مسروق أحدا صلى خلف أبي بكر.
مجالد: عن الشعبي، قال مسروق: لان أفتي يوما بعدل وحق، أحب إلي من أن أغزو سنة.
قال إبراهيم بن محمد بن المنتشر: أهدى خالد بن عبد الله بن أسيد عامل البصرة إلى عمي مسروق ثلاثين ألفا، وهو يومئذ محتاج فلم يقبلها: وقال أبو إسحاق السبيعي: زوج مسروق بنته بالسائب بن الاقرع على عشرة آلاف لنفسه يجعلها في المجاهدين والمساكين.
الاعمش: عن أبي الضحى قال: غاب مسروق عاملا على السلسلة سنتين، ثم قدم، فنظر أهله في خرجه فأصابوا فأسا، فقالوا: غبت ثم جئتنا بفأس بلا عود، قال: إنا لله، استعرناها، نسينا نردها.
قال سعيد بن جبير، قال لي مسروق: ما بقي شئ يرغب فيه إلا أن نعفر وجوهنا في التراب، وما آسى على شئ إلا السجود لله تعالى.
وقال الكلبي: شلت يد مسروق يوم القادسية، وأصابته آمة.
قال وكيع: تخلف عن علي مسروق، والاسود، والربيع بن خثيم وأبو عبد الرحمن السلمي.
ويقال: شهد صفين، فوعظ وخوف ولم يقاتل، وقيل: شهد قتال الحرورية مع علي، واستغفر الله من تأخره عن علي.وقيل: إن قبره بالسلسلة بواسط.
قال أحمد بن حنبل، قال ابن عيينة: بقي مسروق بعد علقمة لا يفضل عليه أحد.
وقال يحيى بن معين: مسروق ثقة، لا يسأل عن مثله.
وسأل عثمان بن سعيد يحيى عن مسروق وعروة في عائشة، فلم يخير.
وقال علي بن المديني: ما أقدم على مسروق أحدا من أصحاب عبد الله صلى خلف أبي بكر ولقي عمر وعليا، ولم يرو عن عثمان شيئا.
وقال العجلي: تابعي ثقة، كان أحد أصحاب عبد الله الذين يقرئون ويفتون.وكان يصلي حتى ترم قدماه.وقال ابن سعد: كان ثقة له أحاديث صالحة.
روى سعيد بن عثمان التنوخي الحمصي، حدثنا علي بن الحسن السامي، حدثنا الثوري عن فطر بن خليفة، عن الشعبي، قال: غشي على مسروق في يوم صائف، وكانت عائشة قد تبنته، فسمى بنته عائشة.
وكان لا يعصي ابنته شيئا.
قال: فنزلت إليه فقالت: يا أبتاه أفطر واشرب.
قال: ما أردت بي يا بنية ؟ قالت: الرفق، قال: يا بنية إنما طلبت الرفق لنفسي في يوم
كان مقداره خمسين ألف سنة.
قال أبو نعيم: مات سنة اثنتين وستين.
وقال يحيى بن بكير وابن سعد وابن نمير: مات سنة ثلاث وستين.
قال علي بن الجعد: حدثنا شعبة، عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر، عن أبيه، أن مسروقا كان لا يأخذ على القضاء أجرا، ويتأول هذه الآية (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم) الآية.
[ التوبة: 111 ].
الاعمش: عن مسلم، عن مسروق، قال: كفى بالمرء علما أن يخشى الله تعالى: وكفى بالمرء جهلا أن يعجب بعمله.
منصور: عن هلال بن يساف، قال: قال مسروق: من سره أن يعلم علم الاولين والآخرين، وعلم الدنيا والآخرة، فليقرأ سورة الواقعة.
قلت: هذا قاله مسروق على المبالغة، لعظم ما في السورة من جمل أمور الدارين.
ومعنى قوله: فليقرأ الواقعة - أي: يقرأها بتدبر وتفكر وحضور، ولا يكن كمثل الحمار يحمل أسفارا.
عمرو بن مرة: عن الشعبي، قال: كان مسروق إذا قيل له: أبطأت عن علي وعن مشاهده، فيقول: أرأيتم لو أنه حين صف بعضكم لبعض فنزل بينكم ملك فقال: (ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما) [ النساء: 29 ] أكان ذلك حاجزا لكم ؟ قالوا: نعم، قال: فوالله لقد نزل بها ملك كريم على لسان نبيكم، وإنها لمحكمة ما نسخها شئ.
قرأت على أبي المعالي، أحمد بن إسحاق بمصر: أخبركم الفتح بن عبد الله الكاتب، أنبأنا محمد بن عمر القاضي، وأبو غالب محمد بن علي، ومحمد بن أحمد الطرائفي، قالوا: أنبأنا محمد بن أحمد بن المسلمة، أنبأنا عبيدالله بن عبدالرحمن الزهري، حدثنا جعفر بن محمد الفريابي، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا عبد الله بن نمير، حدثنا الاعمش (ح) قال الفريابي: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا جرير عن الاعمش، عن عبد الله بن مرة، عن مسروق، عن عبد الله بن عمرو، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أربع من كن فيه كان منافقا " زاد عثمان: " خالصا " ثم اتفقا " ومن كانت فيه خلة منهن كانت فيه خلة من النفاق حتى يدعها: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر " أخرجه مسلم عن أبي بكر به.
قال مجالد، عن الشعبي: إن مسروقا قال: لان أقضي بقضية وفق الحق أحب إلي من رباط سنة في سبيل الله.أو قال: من غزو سنة.
قال أبو الضحى: سئل مسروق عن بيت شعر فقال: أكره أن أجد في صحيفتي شعرا.
حماد بن أبي سليمان، عن أبي الضحى، عن مسروق قال: صليت خلف أبي بكر.
 
الاحنف بن قيس :ابن معاوية بن حصين، الامير الكبير، العالم النبيل، أبو بحر التميمي، أحد من يضرب بحلمه وسؤدده المثل.
اسمه ضحاك، وقيل: صخر، وشهر بالاحنف لحنف رجليه، وهو العوج والميل.كان سيد تميم.
أسلم في حياة النبي صلى الله عليه وسلم.ووفد على عمر.
حدث عن عمر، وعلي، وأبي ذر، والعباس، وابن مسعود، وعثمان بن عفان وعدة.
وعنه: عمرو بن جاوان، والحسن البصري، وعروة بن الزبير، وطلق ابن حبيب وعبد الله بن عميرة، ويزيد بن الشخير، وخليد العصري، وآخرون.
وهو قليل الرواية.
كان من قواد جيش علي يوم صفين.
قال ابن سعد: كان ثقة مأمونا، قليل الحديث وكان صديقا لمصعب ابن الزبير، فوفد عليه إلى الكوفة، فما عنده بالكوفة.
قال سليمان بن أبي شيخ: كان أحنف الرجلين جميعا، ولم يكن له إلا بيضة واحدة، واسمه صخر بن قيس أحد بني سعد.
وأمه باهلية، فكانت ترقصه وتقول: والله لولا حنف برجله * وقلة أخافها من نسله
ما كان في فتيانكم من مثله.
العلاء بن الفضل المنقري: حدثنا العلاء بن جرير، حدثني عمر بن مصعب بن الزبير عن عمه عروة، حدثني الاحنف، أنه قدم على عمر بفتح تستر فقال: قد فتح الله عليكم تستر وهي من أرض البصرة.
فقال رجل من المهاجرين: يا أمير المؤمنين، إن هذا - يعني الاحنف - الذي كف عنا بني مرة حين بعثنا رسول الله في صدقاتهم، وقد كانوا هموا بنا.
قال الاحنف: فحبسني عمر عنده سنة يأتيني في كل يوم وليلة، فلا يأتيه عني إلا ما يحب، ثم
دعاني فقال: يا أحنف هل تدري لم حبستك عندي ؟ قلت: لا يا أمير المؤمنين.
قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حذرنا كل منافق عليم ، فخشيت أن تكون منهم، فاحمد الله يا أحنف.
حماد: عن ابن جدعان، عن الحسن، عن الاحنف، قال: احتبسني عمر عنده حولا، وقال: قد بلوتك وخبرتك فرأيت علانيتك حسنة، وأنا أرجو أن تكون سريرتك مثل علانيتك، وإنا كنا نتحدث، إنما يهلك هذه الامة كل منافق عليم.
قال العجلي: الاحنف بصري ثقة، كان سيد قومه، وكان أعور أحنف، دميما قصيرا كوسجا ، له بيضة واحدة، حبسه عمر سنة يختبره فقال: هذا والله السيد.
معمر: عن قتادة، قال: قدم الاحنف فخطب فأعجب عمر منطقه، قال: كنت أخشى أن تكون منافقا عالما، فانحدر إلى مصرك، فإني أرجو أن تكون مؤمنا.
وعن الاحنف قال: كذبت مرة واحدة، سألني عمر عن ثوب: بكم أخذته، فأسقطت ثلثي الثمن.
يونس بن بكير: حدثنا السري بن إسماعيل، عن الشعبي قال: وفد أبو موسى وفدا من البصرة إلى عمر، منهم الاحنف بن قيس، فتكلم كل رجل في خاصة نفسه، وكان الاحنف في آخر القوم، فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد يا أمير المؤمنين، فإن أهل مصر نزلوا منازل فرعون وأصحابه، وإن أهل الشام نزلوا منازل قيصر وأصحابه، وإن أهل الكوفة نزلوا منازل كسرى، ومصانعه في الانهار والجنان، وفي مثل عين البعير وكالحوار في السلى، تأتيهم ثمارهم قبل أن تبلغ، وإن أهل البصرة نزلوا في أرض سبخة، زعقة،نشاشة لا يجف ترابها، ولا ينبت مرعاها، طرفها في بحر أجاج، وطرف في فلاة، لا يأتينا شئ إلا في مثل مرئ النعامة، فارفع خسيستنا وانعش وكيستنا، وزد في عيالنا عيالا، وفي رجالنا رجالا، وصغر درهمنا، وكبر قفيزنا، ومر لنا بنهر نستعذب منه.فقال عمر: عجزتم أن تكونوا مثل هذا، هذا والله السيد.
قال فما زلت أسمعها بعد.وفي رواية: في مثل حلقوم النعامة.
قال خليفة: توجه ابن عامر إلى خراسان، وعلى مقدمته الاحنف، فلقي أهل هراة فهزمهم، فافتتح ابن عامر أبرشهر صلحا - ويقال عنوة - وبعث الاحنف في أربعة آلاف، فتجمعوا له مع طوقان شاه، فاقتتلوا قتالا شديدا، فهزم الله المشركين.
قال ابن سيرين: كان الاحنف يحمل، ويقول: إن على كل رئيس حقا * أن يخضب القناة أو تندقا
وقيل: سار الاحنف إلى بلخ، فصالحوه على أربع مئة ألف، ثم أتى خوارزم، فلم يطقها، فرجع.
وعن ابن إسحاق، أن ابن عامر خرج من خراسان معتمرا قد أحرم
منها، وخلف على خراسان الاحنف، وجمع أهل خراسان جمعا كبيرا، وتجمعوا بمرو، فالتقاهم الاحنف فهزمهم، وكان ذلك الجمع لم يسمع بمثله.
ابن علية: عن أيوب، عن محمد قال: نبئت أن عمر ذكر بني تميم فذمهم، فقام الاحنف فقال: يا أمير المؤمنين ائذن لي، قال: تكلم.
قال: إنك ذكرت بني تميم، فعممتهم بالذم، وإنماهم من الناس، فيهم الصالح والطالح.
فقال: صدقت.
فقام الحتات - وكان يناوئه - فقال: يا أمير المؤمنين ائذن لي فلا تكلم، قال: اجلس، فقد كفاكم سيدكم الاحنف.
روى ابن جدعان، عن الحسن، أن عمر كتب إلى أبي موسى: ائذن للاحنف بن قيس وشاوره واسمع منه.
قتادة عن الحسن قال: ما رأيت شريف قوم كان أفضل من الاحنف.
قال ابن المبارك: قيل للاحنف: بم سودوك ؟ قال: لو عاب الناس الماء لم أشربه.
وقيل: عاشت بنو تميم بحلم الاحنف أربعين سنة.
وفيه قال الشاعر: إذا الابصار أبصرت ابن قيس * ظللن - مهابة منه - خشوعا وقال خالد بن صفوان: كان الاحنف يفر من الشرف، والشرف يتبعه.
وقيل للاحنف: إنك كبير، والصوم يضعفك.
قال: إني أعده لسفر طويل.
وقيل: كانت عامة صلاة الاحنف بالليل، وكان يضع أصبعه على المصباح، ثم يقول: حس ويقول: ما حملك يا أحنف على أن صنعت كذا يوم كذا.
مسلم بن إبراهيم: حدثنا أبو كعب صاحب الحرير، حدثنا أبو الأصفر،أن الاحنف استعمل على خراسان، فأجنب في ليلة باردة، فلم يوقظ غلمانه وكسر ثلجا واغتسل.
وقال عبد الله بن بكر المزني عن مروان الاصفر ، سمع الاحنف يقول: اللهم إن تغفر لي، فأنت أهل ذاك، وإن تعذبني، فأنا أهل ذاك.
قال مغيرة: ذهبت عين الاحنف فقال: ذهبت من أربعين سنة ما شكوتها إلى أحد.
ابن عون: عن الحسن قال: ذكروا عند معاوية شيئا، فتكلموا والاحنف ساكت، فقال: يا أبا بحر، مالك لا تتكلم ؟ قال: أخشى الله إن كذبت، وأخشاكم إن صدقت.
وعن الاحنف: عجبت لمن يجري في مجرى البول مرتين كيف يتكبر ! قال سليمان التيمي، قال الاحنف: ثلاث في ما أذكرهن إلا لمعتبر، ما أتيت باب السلطان إلا أن أدعى، ولا دخلت بين اثنين حتى يدخلاني [ بينهما ]، وما أذكر أحدا بعد أن يقوم من عندي إلا بخير.
وعنه: ما نازعني أحد إلا أخذت أمري بأمور، إن كان فوقي، عرفت له، وإن كان دوني رفعت قدري عنه، وإن كان مثلي، تفضلت عليه.
وعنه، قال: لست بحليم ولكني أتحالم.
وقيل: إن رجلا خاصم الاحنف، وقال: لئن قلت واحدة، لتسمعن عشرا.
فقال: لكنك إن قلت عشرا لم تسمع واحدة.
وقيل: إن رجلا قال للاحنف: بم سدت ؟ وأراد أن يعيبه - قال الاحنف: بتركي من مالا يعنيني كما عناك ؟ ؟ من أمري مالا يعنيك.
الاصمعي: عن معتمر بن حيان، عن هشام بن عقبة أخي ذي الرمة، قال: شهدت الاحنف بن قيس وقد جاء إلى قوم في دم، فتكلم فيه، وقال: احتكموا.
قالوا: نحتكم ديتين قال: ذاك لكم.
فلما سكتوا قال: أنا أعطيكم ما سألتم، فاسمعوا: إن الله قضى بدية واحدة، وإن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بدية واحدة، وإن العرب تعاطى بينها دية واحدة، وأنتم اليوم تطالبون، وأخشى أن تكونوا غدا مطلوبين، فلا ترضى الناس منكم إلا بمثل ما سننتم، قالوا: ردها إلى دية (1).
عن الاحنف: ثلاثة لا ينتصفون من ثلاثة: شريف من دنئ وبر من فاجر، وحليم من أحمق.
وقال: من أسرع إلى الناس بما يكرهون، قالوا فيه مالا يعلمون.
وعنه وسئل: ما المروءة ؟ قال: كتمان السر، والبعد من الشر.
وعنه: الكامل من عدت سقطاته.
وعنه قال: رأس الادب آلة المنطق، لا خير في قول بلا فعل، ولا في منظر بلا مخبر، ولا في مال بلا جود، ولا في صديق بلا وفاء، ولا في فقه بلا ورع، ولا في صدقة إلا بنية، ولا في حياة إلا بصحة وأمن.وعنه: العتاب مفتاح الثقالى، والعتاب خير من الحقد.
هشام: عن الحسن، قال: رأى الاحنف في يد رجل درهما، فقال: لمن هذا ؟ قال: لي: قال: ليس هو لك حتى تخرجه في أجر أو اكتساب شكر
وتمثل: أنت للمال إذا أمسكته * وإذا أنفقته فالمال لك وقيل: كان الاحنف إذا أتاه رجل وسع له، فإن لم يكن له سعة، أراه كأنه يوسع له.
وعنه قال: جنبوا مجالسنا ذكر النساء والطعام، إني أبغض الرجل يكون وصافا لفرجه وبطنه.
وقيل: إنه كلم مصعبا في محبوسين وقال: أصلح الله الامير، إن كانوا حبسوا في باطل، فالعدل يسعهم، وإن كانوا حبسوا في حق، فالعفو يسعهم.
وعنه، قال: لا ينبغي للامير الغضب، لان الغضب في القدرة لقاح السيف والندامة.
الاصمعي، قال: عبدالملك بن عمير، قال: قدم علينا الاحنف الكوفة مع مصعب، فما رأيت صفة تذم إلا رأيتها فيه، كان ضئيلا، صعل الرأس، متراكب الاسنان، مائل الذقن، ناتئ الوجنة، باخق العين، خفيف العارضين، أحنف الرجلين، فكان إذا تكلم، جلا عن نفسه.
الصعل: صغر الرأس، والبخق: انخساف العين، والحنف: أن تفتل كل رجل على صاحبتها.
وقيل: كان ملتصق الالية، فشق له.وقال ابن الاعرابي: الاحنف الذي يمشي على ظهر قدمه.
علي بن عاصم: عن خالد الحذاء، عن ابن سيرين، عن الاحنف، قال: سمعت خطبة أبي بكر وعمر والخلفاء، فما سمعت الكلام من مخلوق أفخم ولا أحسن من أم المؤمنين عائشة.
وعنه: لا يتم أمر السلطان إلا بالوزراء والاعوان، ولا ينفع الوزراء والاعوان إلا بالمودة والنصيحة، ولا تنفع المودة والنصيحة إلا بالرأي والعفة.
قيل: كان زياد معظما للاحنف، فلما ولي بعده ابنه عبيدالله تغير أمر الاحنف، وقدم عليه من هو دونه، ثم وفد على معاوية في الاشراف فقال لعبيد الله: أدخلهم علي على قدر مراتبهم.
فأخر الاحنف، فلما رآه معاوية أكرمه لمكان سيادته.
وقال: إلي يا أبا بحر، وأجلسه معه وأعرض عنهم، فأخذوا في شكر عبيدالله بن زياد، وسكت الاحنف.
فقال له: لم لا تتكلم ؟ قال: إن تكلمت خالفتهم.
قال: اشهدوا أني قد عزلت عبيدالله.
فلما خرجوا كان فيهم من يروم الاماره.
ثم أتوا معاوية بعد ثلاث، وذكر كل واحد شخصا، وتنازعوا، فقال معاوية: ما تقول يا أبا بحر ؟ قال: إن وليت أحدا من أهل بيتك لم تجد مثل عبيدالله.فقال: قد أعدته.
قال: فخلا معاوية بعبيد الله وقال: كيف ضيعت مثل هذا الرجل الذي عزلك وأعادك وهو ساكت ! ؟ فلما رجع عبيدالله جعل الاحنف صاحب سره.
عبدالرحمن بن القاسم المصري الفقيه، عن أبي شريح المعافري، عن عبدالرحمن بن عمارة بن عقبة، قال: حضرت جنازة الاحنف بالكوفة،فكنت فيمن نزل قبره، فلما سويته، رأيته قد فسح له مد بصري، فأخبرت بذلك أصحابي، فلم يروا ما رأيت.
قال أبو عمرو بن العلاء: توفي الاحنف في دار عبيدالله بن أبي
غضنفر، فلما دلي في حفرته، أقبلت بنت لاوس السعدي وهي على راحلتها عجوز، فوقفت عليه، وقالت: من الموافى به حفرته لوقت حمامه ؟ قيل لها: الاحنف بن قيس.
قالت: والله لئن كنتم سبقتمونا إلى الاستمتاع به في حياته لا تسبقونا إلى الثناء عليه بعد وفاته.
ثم قالت: لله درك من مجن في جنن، ومدرج في كفن، وإنا لله وإنا إليه راجعون: نسأل من ابتلانا بموتك، وفجعنا بفقدك أن يوسع لك في قبرك، وأن يغفر لك يوم حشرك.
أيها الناس، إن أولياء الله في بلاده هم شهوده على عباده، وإنا لقائلون حقا، ومثنون صدقا، وهو أهل لحسن الثناء، أما والذي كنت من أجله في عدة، ومن الحياة في مدة، ومن المضمار إلى غاية، ومن الآثار إلى نهاية، الذي رفع عملك عند انقضاء أجلك، لقد عشت مودودا حميدا، ومت سعيدا فقيدا، ولقد كنت عظيم الحلم، فاضل السلم، رفيع العماد، واري الزناد، منيع الحريم، سليم الاديم، عظيم الرماد، قريب البيت من الناد.
قال قرة بن خالد: حدثنا أبو الضحاك أنه أبصر مصعبا يمشي في جنازة الاحنف بغير رداء.
قال الفسوي: مات الاحنف سنة سبع وستين.
وقال غيره: توفي سنة إحدى وسبعين.
وقال جماعة: مات في إمرة مصعب بن الزبير على العراق رحمه الله.
 
محمد ابن الحنفية :السيد الامام أبو القاسم وأبو عبد الله، محمد بن الامام علي بن أبي طالب عبد مناف بن عبدالمطلب، شيبة بن هاشم، عمرو بن عبد مناف بن قصي بن كلاب، القرشي الهاشمي، المدني، أخو الحسن والحسين.وأمه من سبي اليمامة زمن أبي بكر الصديق، وهي خولة بنت جعفر الحنفية.
فروى الواقدي، حدثني ابن أبي الزناد، عن هشام بن عروة، عن فاطمة بنت المنذر، عن أسماء قالت: رأيت الحنفية وهي سوداء، مشرطة حسنة الشعر، اشتراها علي بذي المجاز، مقدمه من اليمن، فوهبها لفاطمة فباعتها، فاشتراها مكمل الغفاري فولدت له عونة.
وقيل: بل تزوج بها مكمل، فولدت له عونة، وقيل: إن أبا بكر وهبها عليا.

ولد في العام الذي مات فيه أبو بكر.
ورأى عمر، وروى عنه، وعن أبيه، وأبي هريرة، وعثمان، وعمار بن ياسر، ومعاوية، وغيرهم.
حدث عنه بنوه، عبد الله، والحسن، وإبراهيم، وعون، وسالم بن أبي الجعد، ومنذر الثوري، وأبو جعفر الباقر، وعبد الله بن محمد بن عقيل، وعمرو بن دينار، ومحمد بن قيس بن مخرمة، وعبد الاعلى بن عامر الثعلبي، وآخرون.
ووفد على معاوية، وعبد الملك بن مروان، وكانت الشيعة في زمانه تتغالى فيه، وتدعي إمامته، ولقبوه بالمهدي، ويزعمون أنه لم يمت.
قال أبو عاصم النبيل: صرع محمد بن علي مروان يوم الجمل، وجلس على صدره.
قال: فلما وفد على عبدالملك قال له: أتذكر يوم جلست على صدر مروان ؟ قال: عفوا يا أمير المؤمنين.قال: أم والله ما ذكرته لك وأنا أريد أن أكافئك، لكن أردت أن تعلم أني قد علمت.
الواقدي: حدثنا معاوية بن عبد الله بن عبيدالله بن أبي رافع عن أبيه، قال: لما صار محمد بن علي إلى المدينة، وبنى داره بالبقيع، كتب إلى عبد الملك يستأذنه في الوفود عليه، فأذن له، فوفد عليه في سنة ثمان وسبعين إلى دمشق، فأنزله بقربه.وكان يدخل على عبدالملك في إذن العامة،
فيسلم مرة ويجلس، ومرة ينصرف.فلما مضى شهر، كلم عبدالملك خاليا، فذكر قرابته ورحمه، وذكر دينا، فوعده بقضائه، ثم قضاه وقضى جميع حوائجه.
قلت: كان مائلا إلى عبد الملك لاحسانه إليه، ولاساءة ابن الزبير إليه.
قال الزبيربن بكار: سمته الشيعة المهدي، فأخبرني عمي مصعب قال، قال كثير عزة: هو المهدي أخبرناه كعب أخو الاحبار في الحقب الخوالي.
قال الزبير: كانت شيعة ابن الحنفية يزعمون أنه لم يمت، وفيه يقول السيد الحميري: ألا قل للوصي فدتك نفسي * أطلت بذلك الجبل المقاما أضر بمعشر والوك منا * وسموك الخليفة والاماما وعادوا فيك أهل الارض طرا * مقامك عنهم ستين عاما وما ذاق ابن خولة طعم موت * ولا وارت له أرض عظاما لقد أمسى بمورق شعب رضوى * تراجعه الملائكة الكلاما وإن له به لمقيل صدق * وأندية تحدثه كراما هدانا الله إذ خزتم لامر * به وعليه نلتمس التماما تمام مودة المهدي حتى * تروا راياتنا تترى نظاما
وللسيد الحميري: يا شعب رضوى ما لمن بك لا يرى * وبنا إليه من الصبابة أولق حتى متى، وإلى متى وكم المدى * يابن الوصي وأنت حي ترزق قال محمد بن سعد: مولده في خلافة أبي بكر.
الواقدي: حدثنا ابن أبي الزناد، عن هشام بن عروة، عن فاطمة بنت المنذر، عن أسماء بنت أبي بكر، قالت: رأيت أم محمد بن الحنفية سندية سوداء، كانت أمة لبني حنيفة، لم تكن منهم وإنما صالحهم خالد على الرقيق، ولم يصالحهم على أنفسهم.

وكناه أبو عمر الضرير والبخاري أبا القاسم.
قال فطر بن خليفة، عن منذر، سمع ابن الحنفية يقول: كانت رخصة لعلي، قال: يا رسول الله، إن ولد لي بعدك ولد أسميه باسمك وأكنيه بكنيتك ؟ قال: " نعم " وقال يزيد بن هارون: أنبأنا أبو مالك الاشجعي، حدثنا سالم بن أبي الجعد، أنه كان مع محمد بن الحنفية في الشعب، فقلت له [ ذات يوم ]: يا أبا عبد الله - وكناه بها.
النسائي، وأبو أحمد، وروى ابن حميد، حدثنا سلمة الابرش، حدثنا زهير، عن يحيى بن سعيد، قلت لابن المسيب: ابن كم كنت في خلافة عمر ؟ قال: ولدت لسنتين بقيتا من خلافته.
فذكرت ذلك لمحمد بن الحنفية، فقال: ذاك مولدي.
زيد بن الحباب: حدثنا الربيع بن منذر، حدثنا أبي، سمعت ابن الحنفية يقول: دخل عمر وأنا عند أختي أم كلثوم، فضمني وقال: ألطفيه بالحلواء.
سالم بن أبي حفصة: عن منذر، عن ابن الحنفية، قال: حسن وحسين خير مني، ولقد علما أنه كان يستخليني دونهما، وإني صاحب البغلة الشهباء.
قال إبراهيم بن الجنيد: لا نعلم أحدا أسند عن علي أكثر ولا أصح مما أسند ابن الحنفية.
إسرائيل: عن عبدالاعلى، أن محمد بن علي كان يكنى أبا القاسم.وكان ورعا كثير العلم.
وقال خليفة ، قال أبو اليقظان: كانت راية علي رضي الله عنه لما سار من ذي قار مع ابنه محمد.
ابن سعد ، حدثنا أبونعبم، حدثنا فطر عن منذر الثوري، قال: كنت عند محمد بن الحنفية فقال: ما أشهد على أحد بالنجاة، ولا أنه من أهل الجنة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا على أبي، فنظر إليه القوم، فقال: من كان في الناس مثل علي سبق له كذا، سبق له كذا.
أبو شهاب الحناط، عن ليث، عن محمد الازدي، عن ابن الحنفية، قال: أهل بيتين من العرب يتخذهما الناس أندادا من دون الله: نحن، وبنو عمنا هؤلاء، يريد بني أمية.
أبو نعيم: حدثنا إسماعيل بن مسلم الطائي، عن أبيه قال: كتب عبد الملك: من عبدالملك أمير المؤمنين إلى محمد بن علي، فلما نظر محمد إلى عنوان الكتاب قال: إنا لله، الطلقاء ولعناء رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنابر ! والذي نفسي بيده إنها لامور لم يقر قرارها.
قلت: كتب إليه يستميله فلما قتل ابن الزبير واتسق الامر لعبد الملك بايع محمد.
الواقدي، حدثنا عبد الله بن جعفر، عن عبد الواحد بن أبي عون، قال ابن الحنفية: وفدت على عبدالملك فقضى حوائجي، وودعته، فلما كدت أن أتوارى ناداني: يا أبا القاسم، يا أبا القاسم، فرجعت، فقال: أما إن الله يعلم أنك يوم تصنع بالشيخ ما تصنع ظالم له - يعني، لما أخذ يوم الدار مروان فدغته بردائه - قال عبدالملك: وأنا أنظر يومئذ ولي ذؤابة.
إبراهيم بن بشار: حدثنا ابن عيينة، سمع الزهري يقول: قال رجل لابن الحنفية: ما بال أبيك كان يرمي بك في مرام لا يرمي فيها الحسن والحسين ؟ قال: لانهما كانا خديه وكنت يده، فكان يتوقى بيديه عن خديه.
أنبأنا أحمد بن سلامة، عن ابن كليب، أنبأنا ابن بيان، أنبأنا ابن مخلد، أنبأنا إسماعيل الصفار، حدثنا ابن عرفة، حدثنا ابن المبارك، عن الحسن بن عمرو، عن منذر الثوري، عن ابن الحنفية قال: ليس بحكيم من لم يعاشر بالمعروف من لا يجد من معاشرته بدا حتى يجعل الله من أمره فرجا، أو قال: مخرجا.
وعن ابن الحنفية قال: من كرمت عليه نفسه لم يكن للدنيا عنده قدر.
وعنه: أن الله جعل الجنة ثمنا لانفسكم فلا تبيعوها بغيرها.
وروى الواقدي بإسناده قال: لما جاء نعي معاوية إلى المدينة كان بها الحسين، وابن الحنفية وابن الزبير، وكان ابن عباس بمكة، فخرج الحسين وابن الزبير إلى مكة، وأقام ابن الحنفية، فلما سمع بدنو جيش مسرف زمن الحرة رحل إلى مكة، وأقام مع ابن عباس، فلما مات يزيد بويع ابن الزبير، فدعاهما إلى بيعته، فقالا: لا حتى تجتمع لك البلاد.
فكان مرة يكاشرهما ومرة يلين لهما، ثم غلظ عليهما، ووقع بينهم حتى خافاه، ومعهما النساء والذرية، فأساء جوارهم وحصرهم، وقصد محمدا، فأظهر شتمه وعيبه، وأمرهم وبني هاشم أن يلزموا شعبهم، وجعل عليهم الرقباء، وقال فيما يقول: والله لتبايعن أو لاحرقنكم.فخافوا.
قال سليم أبو عامر: فرأيت ابن الحنفية محبوسا في زمزم، والناس يمنعون من الدخول عليه، فقلت: والله لادخلن عليه، فقلت: ما بالك وهذا الرجل ؟ قال: دعاني إلى البيعة فقلت: إنما أنا من المسلمين، فإذا اجتمعوا عليك فأنا كأحدهم، فلم يرض بهذا مني، فاذهب إلى ابن عباس فسلم عليه وقل: ما ترى ؟ قال: فدخلت على ابن عباس وهو ذاهب البصر فقال: من أنت ؟ قلت: أنصاري.قال: رب أنصاري هو أشد علينا من عدونا.
قلت: لا تخف، أنا ممن لك كله، قال: هات، فأخبرته، فقال: قل له: لا تطعه ولا نعمة عين إلا ما قلت، ولا تزده عليه.فأبلغته.فهم ابن الحنفية أن يسير إلى الكوفة.
وبلغ ذلك المختار، فثقل عليه قدومه فقال: إن في المهدي علامة يقدم بلدكم هذا، فيضربه رجل في السوق بالسيف لا يضره ولا يحيك فيه.فبلغ ذلك ابن الحنفية فأقام.
فقيل له: لو بعثت إلى شيعتك بالكوفة فأعلمتهم ما أنت فيه.
فبعث أبا الطفيل إلى شيعتهم، فقال لهم: إنا لا نأمن ابن الزبير على هؤلاء، وأخبرهم بما هم فيه من الخوف، فقطع المختار بعثا إلى مكة، فانتدب معه أربعة آلاف، فعقد لابي عبد الله الجدلي عليهم،
وقال له: سر، فإن وجدت بني هاشم في حياة، فكن لهم عضدا وانفذ لما أمروك به، وإن وجدت ابن الزبير قد قتلهم، فاعترض أهل مكة حتى تصل إلى ابن الزبير، ثم لا تدع لآل الزبير شعرا ولا ظفرا.وقال: يا شرطة الله، لقد أكرمكم الله بهذا المسير، ولكم بهذا الوجه عشر حجج وعشر عمر.وساروا حتى أشرفوا على مكة، فجاء المستغيث: عجلوا فما أراكم تدركونهم.
فانتدب منهم ثمانمائة رأسهم عطية بن سعد العوفي حتى دخلوا مكة، فكبروا تكبيرة سمعها ابن الزبير، فهرب إلى دار الندوة، ويقال: تعلق بأستار الكعبة وقال: أنا عائذ الله.
قال عطية: ثم ملنا إلى ابن عباس وابن الحنفية وأصحابهما في دور قد جمع لهم الحطب فأحيط بهم حتى ساوى الجدر، لو أن نارا تقع فيه مارئي منهم أحد.
فأخرناه عن الابواب وعجل علي ابن عبد الله بن عباس وهو يومئذ رجل، فأسرع في الحطب ليخرج فأدماه.وأقبل أصحاب ابن الزبير، فكنا صفين، نحن وهم في المسجد نهارنا لا ننصرف إلى صلاة حتى أصبحنا، وقدم الجدلي في الجيش، فقلنا لابن عباس وابن الحنفية: ذرونا نرح الناس من ابن الزبير، فقالا: هذا بلد حرمه الله، ما أحله لاحد إلا لنبيه ساعة، فامنعونا وأجيرونا.
قال: فتحملوا وإن مناديا لينادي في الجبل: ما غنمت سرية بعد نبيها، ما غنمت هذه السرية.
إن السرية تغنم الذهب والفضة، وإنما غنمتم دماءنا.
فخرجوا بهم، فأنزلوهم منى، فأقاموا مدة، ثم خرجوا إلى الطائف، وبها توفي ابن عباس، وصلى عليه محمد، فبقينا معه.فلما كان الحج، وافى محمد بأصحابه فوقف، ووقف نجدة بن عامر الحنفي في الخوارج ناحية، وحجت بنو أمية على لواء، فوقفوا بعرفة.
وعن محمد بن جبير أن الذي أقام الحج ابن الزبير.
وحج ابن الحنفية في الخشبية أربعة آلاف نزلوا في الشعب الايسر من منى، فخفت الفتنة، فجئت ابن الحنفية، فقلت: يا أبا القاسم اتق الله، فإنا في مشعر حرام، في بلد حرام، والناس وفد الله، فلا تفسد عليهم حجهم، فقال: والله ما أريد ذلك، ولكني أدفع عن نفسي، وما أطلب هذا الامر إلا أن لا يختلف علي فيه اثنان، فائت ابن الزبير وكلمه، وعليك بنجدة فكلمه.
فجئت ابن الزبير فقال: أنا أرجع ! قد اجتمع علي وبايعني الناس.وهؤلاء أهل خلاف.
قلت: إن خيرا لك الكف.قال: أفعل.ثم جئت نجدة الحروري، فأجده في أصحابه وعكرمة عنده.
فقلت: استأذن لي عليه.قال: فدخل فلم ينشب أن أذن لي، فدخلت، فعظمت عليه وكلمته، فقال: أما أن أيتدئ أحدا بقتال، فلا.قلت: إني رأيت الرجلين لا يريدان قتالك.
ثم جئت شيعة بني أمية، فكلمتهم، فقالوا: لا نقاتل، فلم أر في تلك الالوية أسكن من أصحاب ابن الحنفية.ووقفت تلك العشية إلى جنبه، فلما غابت الشمس، التفت إلي، فقال: يا أبا سعيد ادفع، فدفعت معه، فكان أول من دفع.
قال خليفة: في سنة خمس وستين دعا ابن الزبير ابن الحنفية إلى بيعته، فأبى، فحصره في شعب بني هاشم وتوعدهم، حتى بعث المختار أبا عبد الله الجدلي إلى ابن الحنفية في أربعة آلاف سنة ست، فأقاموا معه حتى قتل المختار في رمضان سنة سبع وستين.
الواقدي: حدثني جعفر بن محمد الزبيري، عن عثمان بن عروة، عن أبيه.
وحدثنا إسحاق بن يحيى بن طلحة وغيره، قالوا: كان المختار أشد شئ على ابن الزبير، وجعل يلقي إلى الناس أن ابن الزبير كان يطلب هذا الامر لابن الحنفية ثم ظلمه، وجعل يعظم ابن الحنفية ويدعو إليه فيبايعونه سرا، فشك قوم وقالوا: أعطينا هذا عهودنا أن زعم أنه رسول ابن الحنفية وهو بمكة ليس منا ببعيد.فشخص إليه قوم فأعلموه أمر المختار، فقال: نحن قوم حيث ترون محبوسون ، وما أحب أن لي سلطان الدنيا بقتل مؤمن، ولوددت أن الله انتصر لنا بمن يشاء، فاحذروا الكذابين، قال: وكتب المختار كتابا على لسان ابن الحنفية إلى إبراهيم بن الاشتر وجاءه يستأذن - وقيل: المختار أمين آل محمد ورسولهم - فأذن له ورحب به، فتكلم المختار وكان مفوها، ثم قال: إنكم أهل بيت قد أكرمكم الله بنصرة آل محمد وقد ركب منهم ما قد علمت، وقد كتب إليك المهدي كتابا وهؤلاء الشهود عليه ، فقالوا: نشهد أن هذا كتابه ورأيناه حين دفعه إليه.فقرأه إبراهيم، ثم قال: أنا أول من يجيب، قد أمرنا بطاعتك ومؤازرتك، فقل ما بدا لك.
ثم كان يركب إليه [ في كل يوم ].فزرع ذلك في الصدور.وبلغ ذلك ابن الزبير، فتنكر لابن الحنفية.وجعل أمرالمختار يغلظ، وتتبع قتلة الحسين، فقتلهم، وجهز ابن الاشتر في عشرين ألفا إلى عبيدالله بن زياد، فظفر بن ابن الاشتر، وبعث برأسه إلى المختار، فبعث به إلى ابن الحنفية وعلي بن الحسين، فدعت بنو هاشم للمختار، وكان ابن الحنفية لا يحب كثيرا مما يأتي به، وكتب المختار
إليه: لمحمد المهدي من المختار الطالب بثأر آل محمد.
أبو غسان النهدي: حدثنا عمر بن زياد، عن الاسود بن قيس، قال: لقيت رجلا من عنزة فقال: انتهيت إلى ابن الحنفية، فقلت: السلام عليك يا مهدي، قال: وعليك السلام.قلت: إن لي حاجة.
فلما قام، دخلت معه، فقلت: ما زال بنا الشين في حبكم حتى ضربت عليه الاعناق، وشردنا في البلاد وأوذينا.ولقد كانت تبلغنا عنك أحاديث من وراء وراء، فأحببت أن أشافهك.
فقال: إياكم وهذه الاحاديث، وعليكم بكتاب الله، فإنه به هدي أولكم، وبه يهدى آخركم، ولئن أوذيتم، لقد أوذي من كان خيرا منكم، ولامر آل محمد أبين من طلوع الشمس.
ابن عيينة: حدثنا أبو الجحاف - شيعي - عن رجل [ من أهل البصرة ] قال: أتيت ابن الحنفية حين خرج المختار فقلت: إن هذا خرج عندنا يدعو إليكم، فإن كان عن أمركم، اتبعناه.
قال: سآمرك بما أمرت به ابني هذا، إنا أهل بيت لا نبتز هذه الامة أمرها، ولا نأتيها من غير وجهها، وإن علياكان يرى أنه له، ولكن لم يقاتل حتى جرت له بيعة .
ابن عيينة: عن ليث، عن منذر الثوري، عن محمد بن علي: سمعت أبا هريرة يقول: لا حرج إلا في دم امرئ مسلم.فقلت: يطعن على أبيك.
قال: لا، بايعه أولو الامر، فنكث ناكث فقاتله، وإن ابن الزبير يحسدني على مكاني، ود أني ألحد في الحرم كما ألحد.
الثوري: عن الحارث الازدي، قال: قال ابن الحنفية: رحم الله امرأ أغنى نفسه، وكف يده، وأمسك لسانه، وجلس في بيته، له ما احتسب، وهو مع من أحب.
ألا إن أعمال بني أمية أسرع فيهم من سيوف المسلمين.
ألا إن لاهل الحق دولة يأتي بها الله إذا شاء.فمن أدرك ذلك، كان عندنا في السهم الاعلى، ومن يمت، فما عند الله خير وأبقى.
أبو عوانة: حدثنا أبو جمرة قال: كانوا يقولون لابن الحنفية: سلام عليك يا مهدي، فقال: أجل أنا مهدي، أهدي إلى الرشد والخير، اسمي محمد، فقولوا: سلام عليك يا محمد أو يا أبا القاسم .
روى الربيع بن منذر الثوري، عن أبيه، قال: قال محمد بن الحنفية: لوددت أني فديت شيعتنا هؤلاء ببعض دمي.ثم قال: بحديثهم الكذب،وإذاعتهم السر حتى لو كانت أم أحدهم، لاغرى بها حتى تقتل.
قال ابن سعد: قتل المختار في سنة ثمان وستين، وفي سنة تسع بعث ابن الزبير أخاه عروة إلى محمد بن الحنفية يقول: إني غير تاركك أبدا حتى تبايعني أو أعيدك في الحبس، وقد قتل الله الكذاب الذي كنت تدعي نصرته.
وأجمع أهل العراق علي، فبايع.
فقال: يا عروة، ما أسرع أخاك إلى قطع الرحم والاستخفاف بالحق، وما أغفله عن تعجيل عقوبة الله، ما يشك أخوك في الخلود، ووالله ما بعث المختار داعيا ولا ناصرا.
ولهو -كان - أشد إليه انقطاعا منه إلينا.فإن كان كذابا فطالما قربه على كذبه.
وإن كان غير ذلك، فهو أعلم به، وما عندي خلاف ما أقمت في جواره، ولو كان، لخرجت إلى من يدعوني، ولكن ها هنا لاخيك قرن - وكلاهما يقاتلان على الدنيا - عبدالملك، فلكأنك بجيوشه قد أحاطت برقبة أخيك، وإني لاحسب [ أن ] جواره خير من جواركم، ولقد كتب إلي يعرض علي ما قبله ويدعوني إليه.

قال عروة: فما يمنعك ؟ قال: أستخير الله، وذلك أحب إلي من صاحبك.
فقال بعض أصحاب ابن الحنفية: والله لو أطعتنا، لضربنا عنقه، فقال: وعلى ماذا ؟ رجل جاء برسالة من أخيه، وأنتم تعلمون أن رأيي لو اجتمع الناس علي سوى إنسان لما قاتلته، فانصرف عروة، وأخبر أخاه، وقال: ما أرى لك أن تعرض له، دعه، فليخرج عنك، فعبد الملك أمامه لا يتركه يحل بالشام حتى يبايعه، وهو فلا يبايعه أبدا حتى يجمع عليه الناس.
أبو عوانة: عن أبي جمرة، قال: سرنا مع ابن الحنفية من الطائف إلى أيلة بعد موت ابن عباس، وكان عبدالملك قد كتب له على أن يدخل في أرضه هو وأصحابه حتى يتفق الناس على رجل واحد، فإذا اصطلحوا على رجل بعهد الله وميثاقه - في كلام طويل - فلما قدم محمد الشام، كتب إليه عبد الملك: إما أن تبايعني، وإما أن تخرج من أرضي - ونحن يومئذ سبعة آلاف - فبعث إليه: على أن تؤمن أصحابي، ففعل، فقام، فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: الله ولي الامور كلها وحاكمها، ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، والذي نفس محمد بيده ليعودن فيهم الامر كما بدأ، الحمد لله الذي حقن دماءكم، وأحرز دينكم، من أحب منكم أن يأتي مأمنه إلى بلده
آمنا محفوظا فليفعل.
كل ما هو آت قريب، عجلتم بالامر قبل نزوله، والذي نفسي بيده إن في أصلابكم لمن يقاتل مع آل محمد، ما يخفى على أهل الشرك أمر آل محمد، أمر آل محمد مستأخر.
قال، فبقي في تسع مئة، فأحرم بعمرة وقلد هديا.فلما أردنا أن ندخل الحرم، تلقتنا خيل ابن الزبير،فمنعتنا أن ندخل، فأرسل إليه محمد: لقد خرجت وما أريد قتالا، ورجعت كذلك، دعنا ندخل، فلنقض نسكنا ثم لنخرج عنك.فأبى، قال: ومعنا البدن مقلدة فرجعنا إلى المدينة، فكنا بها حتى قدم الحجاج، وقتل ابن الزبير، ثم سار إلى العراق، فلما سار مضينا فقضينا نسكنا، وقد رأيت القمل يتناثر من ابن الحنفية، قال: ثم رجعنا إلى المدينة فمكث ثلاثة أشهر ثم توفي.
الواقدي: حدثنا موسى بن عبيدة، عن زيد بن عبدالرحمن بن زيد بن الخطاب، قال: وفدت مع أبان على عبدالملك وعنده ابن الحنفية، فدعا عبد الملك بسيف رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودعا بصيقل (2) فنظر فقال: ما رأيت حديدة قط أجود منها، قال عبدالملك: ولا والله ما رأى الناس مثل صاحبها، يا محمد، هب لي هذا السيف.قال [ محمد ]: أينا أحق به فليأخذه.
قال [ عبد الملك ]: إن كان لك قرابة فلكل قرابة.
فأعطاه محمد إياه ثم قال: يا أمير المؤمنين [ إن ] هذا - وأشار إلى الحجاج - قد استخف بي وآذاني، ولو كانت خمسة دراهم أرسل إلي فيها.قال: لا إمرة له عليك.
فلما ولى محمد، قال عبدالملك للحجاج: أدركه فسل سخيمته.
فأدركه فقال: إن أمير المؤمنين قد أرسلني اليك لاسل سخيمتك، ولا مرحبا بشئ ساءك، قال: ويحك يا حجاج اتق الله واحذره، ما من صباح إلا ولله في كل عبد من عبادة ثلاث مئة وستون لحظة، إن أخذ، أخذ بمقدرة، وإن عفا، عفا بحلم، فاحذر الله.
فقال: لا تسألني شيئا إلا أعطيتكه، قال: وتفعل ؟ قال: نعم.قال: صرم الدهر.
الثوري: عن مغيرة، عن أبيه أن الحجاج أراد أن يضع رجله على المقام، فزجره ابن الحنفية ونهاه.
إسرائيل: حدثنا ثوير قال: رأيت ابن الحنفية يخضب بالحناء والكتم.
وعن أبي مالك أنه رأى ابن الحنفية يرمي الجمار على برذون أشهب.
وروى الثوري، عن الشيباني: رأيت على ابن الحنفية مطرف خز أصفر بعرفة .
وعن رشدين بن كريب: رأيت ابن الحنفية يعتم بعمامة سوداء ويرخيها شبرا أو دونه .
وقال عبد الواحد بن أيمن: رأيت على ابن الحنفية عمامة سوداء .
وقيل لابن الحنفية: لم تخضب ؟ قال: أتشبب به للنساء .
أبو نعيم: حدثنا عبد الواحد بن أيمن، قال: أرسلني أبي إلى محمد بن الحنفية فإذا هو مكحل، مصبوغ اللحية بحمرة، فرجعت فقلت لابي: بعثتني
إلى شيخ مخنث ؟ ! قال: يا ابن اللخناء ذاك محمد بن علي .
قال ابن سعد: أنبأنا محمد بن الصلت، حدثنا ربيع بن منذر، عن أبيه قال: كنا مع ابن الحنفية، فأراد أن يتوضأ، فنزع خفيه، ومسح على قدميه .
قلت: هذا قد يتعلق به الامامية وبظاهر الآية، لكن غسل الرجلين شرع لازم بينه لنا الرسول - اللهم صل عليه - وقال: " ويل للاعقاب من النار " وعليه عمل الامة ولا اعتبار بمن شذ.
قال رافضي: فأنتم ترون مسح موضع ثلاث شعرات بل شعرة من الرأس يجزئ، والنص فلا يحتمل هذا، ولا يسمى من اقتصر عليه ماسحا لرأسه عرفا، ولا رأينا للنبي صلى الله عليه وسلم، ولا أحدا من أصحابه اجتزأ بذلك ولا جوزه.
فالجواب: أن الباء للتبعيض في قوله " برؤوسكم " وليس هذا الموضع يحتمل تقرير هذه المسألة.
قال الواقدي: حدثنا عبد الله بن جعفر، عن صالح بن كيسان، عن الحسن بن محمد بن الحنفية قال: لم يبايع أبي الحجاج، [ لما قتل ابن الزبير ] بعث [ الحجاج ] إليه أن قد قتل عدو الله، فقال: إذا بايع الناس بايعت.قال: والله لاقتلنك.
قال: إن لله في كل يوم ثلاث مئة وستين نظرة.
، [ في كل لحظة ثلاث مئة وستون قضية ] فلعله أن يكفيناك [ في قضية من قضاياه ]، وكتب الحجاج فيه إلى عبدالملك بذلك، فأعجب عبدالملك قوله، وكتب بمثلها إلى طاغية [ الروم ] وذلك أن صاحب الروم كتب إلى عبد الملك يتهدده بأنه قد جمع له جموعا كثيرة.
وكتب إلى الحجاج: قد عرفنا أن محمدا ليس عنده خلاف، فارفق به فسيبايعك.
فلما اجتمع الناس على عبد الملك، وبايع له ابن عمر، قال ابن عمر لمحمد: ما بقي شئ فبايع، فكتب بالبيعة إلى عبدالملك وهي: أما بعد، فإني لما رأيت [ الامة ] قد اختلفت، اعتزلتهم.
فلما أفضى الامر إليك، وبايعك الناس، كنت كرجل منهم، فقد بايعتك وبايعت الحجاج لك، ونحن نحب أن تؤمننا، وتعطينا ميثاقا على الوفاء فإن الغدر لا خير فيه.

فكتب إليه عبدالملك: إنك عندنا محمود، أنت أحب إلينا وأقرب بنا رحما من ابن الزبير، فلك ذمة الله ورسوله أن لا تهاج ولا أحد من أصحابك بشئ.
قال أبو نعيم الملائي: مات ابن الحنفية سنة ثمانين.
وقال الواقدي: أنبأنا زيد بن السائب، قال: سألت عبد الله بن الحنفية: أين دفن أبوك ؟ قال: بالبقيع، سنة إحدى وثمانين في المحرم، وله خمس وستون سنة.
فجاء أبان بن عثمان والي المدينة ليصلي عليه، فقال أخي: ما ترى ؟ فقال أبان: أنتم أولى بجنازتكم.فقلنا: تقدم فصل، فتقدم.الواقدي: حدثنا علي بن عمر بن علي بن الحسين، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، سمعت ابن الحنفية سنة إحدى وثمانين يقول: لي خمس وستون سنة، جاوزت سن أبي.فمات تلك السنة.وفيها أرخه أبو عبيد، وأبو حفص الفلاس.
وانفرد المدائني، فقال: مات سنة ثلاث وثمانين.
 
مطرف بن عبد الله :ابن الشخير، الامام، القدوة، الحجة، أبو عبد الله الحرشي العامري البصري، أخو يزيد بن عبد الله.
حدث عن أبيه رضي الله عنه، وعلي، وعمار، وأبي ذر، وعثمان، وعائشة، وعثمان بن أبي العاص، ومعاوية، وعمران بن حصين، وعبد الله بن مغفل المزني، وغيرهم.
وعن أبي مسلم الجذمي، وحكيم بن قيس بن عاصم المنقري.وأرسل عن أبي بن كعب.
حدث عنه: الحسن البصري، وأخوه يزيد بن عبد الله، وأبو التياح يزيد ابن حميد، وثابت البناني، وسعيد بن أبي هند، وقتادة، وغيلان بن جرير، ومحمد بن واسع، وأبو نضرة العبدي، ويزيد الرشك، وحميد بن هلال، وسعيد الجريري، وابن أخيه عبد الله بن هانئ بن عبد الله بن الشخير، وعبدالكريم بن رشيد، وأبو نعامة السعدي، وخلق سواهم.
أنبأنا ابن أبي الخير، عن اللبان، أنبأنا الحداد، أنبأنا أبو نعيم، حدثنا يوسف النجيرمي (1)، حدثنا الحسن بن المثنى، حدثنا عفان، حدثنا حماد ابن سلمة، عن ثابت، عن مطرف بن عبد الله بن الشخير، عن أبيه قال: " أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي ولصدره أزيز كأزيز المرجل من البكاء ".
ذكره ابن سعد فقال: روى عن أبي بن كعب.وكان ثقة له فضل وورع وعقل وأدب.
وقال العجلي: كان ثقة لم ينج بالبصرة من فتنة ابن الاشعث إلا هو واين سيرين.
ولم ينج منها بالكوفة إلا خيثمة بن عبدالرحمن، وإبراهيم النخعي.
قال مهدي بن ميمون: حدثنا غيلان بن جرير، أنه كان بينه وبين رجل كلام، فكذب عليه فقال: اللهم إن كان كاذبا فأمته.فخر ميتا مكانه.قال فرفع
ذلك إلى زياد فقال: قتلت الرجل.
قال: لا، ولكنها دعوة وافقت أجلا.
وعن غيلان أن مطرفا كان يلبس المطارف والبرانس، ويركب الخيل، ويغشى السلطان، ولكنه إذا أفضيت إليه، أفضيت إلى قرة عين.
وكان يقول: عقول الناس على قدر زمانهم.
وروى قتادة عن مطرف بن عبد الله، قال: فضل العلم أحب إلي من فضل العبادة.
وخير دينكم الورع.
قال يزيد بن عبد الله بن الشخير: مطرف أكبر مني بعشر سنين، وأنا أكبر من الحسن البصري بعشر سنين.
قلت: على هذا يقتضي أن مولد مطرف كان عام " بدر " أو عام " أحد " ويمكن أن يكون سمع من عمر وأبي.
قال ابن سعد: توفي مطرف في أول ولاية الحجاج.
قلت: بل بقي [ إلى ] أن خرج عبدالرحمن بن محمد بن الاشعث بعد الثمانين.
وأما عمرو بن علي والترمذي، فأرخا موته في سنة خمس وتسعين.وهذا أشبه.
وفي " الحلية ": روى أبو الأشهب، عن رجل، قال مطرف بن عبد الله: لان أبيت نائما وأصبح نادما أحب إلي من أن أبيت قائما وأصبح معجبا.
قلت: لا أفلح والله من زكى نفسه أو أعجبته.
وعن ثابت البناني، عن مطرف قال: لان يسألني الله تعالى يوم القيامة، فيقول: يا مطرف، ألا فعلت.أحب إلي من أن يقول: لم فعلت؟.
جرير بن حازم: حدثنا حميد بن هلال قال: قال مطرف بن عبد الله: إنما وجدت العبد ملقى بين ربه وبين الشيطان، فإن استشلاه ربه واستنقذه نجا، وإن تركه والشيطان، ذهب به.
جعفر بن سليمان: حدثنا ثابت قال: قال مطرف: لو أخرج قلبي، فجعل في يساري وجئ بالخير، فجعل في يميني، ما استطعت أن أولج قلبي منه شيئا حتى يكون الله يضعه.
أبو جعفر الرازي: عن قتادة، عن مطرف قال: إن هذا الموت قد أفسد
على أهل النعيم نعيمهم.فاطلبوا نعيما لا موت فيه.
حمادبن يزيد: عن داود بن أبي هند، عن مطرف بن عبد الله قال: ليس لاحد أن يصعد فيلقي نفسه من شاهق، ويقول: قدر لي ربي.
ولكن يحذر ويجتهد ويتقي، فإن أصابة شئ، علم أنه لن يصيبه إلا ما كتب الله له .
غيلان بن جرير، عن مطرف قال: لا تقل: فإن الله يقول، ولكن قل:قال الله تعالى.
وقال: إن الرجل ليكذب مرتين، يقال له: ماهذا ؟ فيقول: لا شئ إلا شئ ليس بشئ.
أبو عقيل بشير بن عقبة قال: قلت ليزيد بن الشخير: ما كان مطرف يصنع إذا هاج الناس ؟ قال: يلزم قعر بيته، ولا يقرب لهم جمعة ولا جماعة حتى تنجلي.
وقال أيوب: قال مطرف: لان آخذ بالثقة في القعود أحب إلي من أن ألتمس فضل الجهاد بالتغرير.
قال غيلان بن جرير: كان مطرف يلبس البرانس والمطارف، ويركب الخيل، ويغشى السلطان، لكن إذا أفضيت إليه، أفضيت إلى قرة عين.
قال مسلمة بن إبراهيم: حدثنا أبو طلحة بشر بن كثير، قال: حدثتني
امرأة مطرف أنه تزوجها على ثلاثين ألفا وبغلة وقطيفة وماشطة .
وروى مهدي ابن ميمون، أن غيلان قال: تزوج مطرف امرأة على عشرين ألفا.
قلت: كان مطرف له مال وثروة وبزة جميلة، ووقع في النفوس.
وروى أبو خلدة أن مطرفا كان يخضب بالصفرة.
أخبرنا إسحاق بن أبي بكر، أنبأنا ابن خليل، أنبأنا أبو المكارم اللبان،
أنبأنا أبو علي المقرئ، أنبأنا أبو نعيم الحافظ، حدثنا يوسف بن يعقوب النجيرمي، حدثنا الحسن بن المثنى، حدثنا عفان، حدثنا همام، سمعت قتادة يقول: حدثنا مطرف قال: كنا نأتي زيد بن صوحان فكان يقول: يا عباد الله، أكرموا وأجملوا، فإنما وسيلة العباد إلى الله بخصلتين: الخوف والطمع.
فأتيته ذات يوم وقد كتبوا كتابا، فنسقوا كلاما من هذا النحو: إن الله ربنا، ومحمد نبينا، والقرآن إمامنا، ومن كان معنا كنا وكنا.
ومن خالفنا كانت يدنا عليه وكنا وكنا.
قال: فجعل يعرض الكتاب عليهم رجلا رجلا، فيقولون: أقررت يا فلان ؟ حتى انتهوا إلي فقالوا: أقررت يا غلام ؟ قلت: لا، قال يعني زيدا: لا تعجلوا على الغلام، ما تقول يا غلام ؟ قلت: إن الله قد أخذ علي عهدا في كتابه، فلن أحدث عهدا سوى العهد الذي أخذه علي.
فرجع القوم من عند آخرهم ما أقر منهم أحد.وكانوا زهاء ثلاثين نفسا .
قال قتادة فكان مطرف إذا كانت الفتنة نهى عنها وهرب.وكان الحسن ينهى عنها ولا يبرح.
قال مطرف: ما أشبه الحسن إلا برجل يحذر الناس السيل ويقوم بسننه.
وبه، قال أبو نعيم: حدثنا سليمان بن أحمد، حدثنا إسحاق، أنبأنا عبد الرزاق، حدثنا معمر، عن قتادة قال: كان مطرف بن عبد الله وصاحب له سريا في ليلة مظلمة فإذا طرف سوط أحدهما عنده ضوء، فقال: أما إنه لو حدثنا الناس بهذا، كذبونا.
فقال مطرف، المكذب أكذب يقول: المكذب بنعمة الله أكذب.
وبه، حدثنا أبو حامد بن جبلة: حدثنا محمد بن إسحاق، حدثنا الحسين بن منصور، حدثنا حجاج، عن مهدي بن ميمون، عن غيلان بن جرير، قال: أقبل مطرف مع ابن أخ له من البادية - وكان يبدو - فبينا هو يسير سمع في طرف سوطه كالتسبيح فقال له ابن أخيه: لو حدثنا الناس بهذا، كذبونا.فقال: المكذب أكذب الناس.
وبه، حدثنا أبو بكر بن مالك، حدثنا عبد الله بن أحمد، حدثنا محمد ابن عبيد بن حساب، حدثنا جعفر بن سليمان، حدثنا أبوالتياح قال: كان مطرف بن عبد الله يبدو، فإذا كان ليلة الجمعة، أدلج على فرسه، فربما نور له سوطه، فأدلج ليلة حتى إذا كان عند القبور، هوم على فرسه، قال: فرأيت أهل القبور، صاحب كل قبر جالسا على قبره، فلما رأوني، قالوا: هذا مطرف يأتي الجمعة قلت: أتعلمون عندكم يوم الجمعة ؟ قالوا: نعم، نعلم ما تقول الطير فيه.
قلت: وما تقول الطير ؟ قالوا: تقول: سلام سلام من يوم صالح.إسنادها صحيح.
عبد الله بن جعفر الرقي، حدثنا الحسن بن عمرو الفزاري، عن ثابت البناني ورجل آخر، أنهما دخلا على مطرف وهو مغمى عليه، قال: فسطعت مع ثلاثة أنوار: نور من رأسه، ونور من وسطه، ونور من رجليه، فهالنا ذلك،
فأفاق فقلنا: كيف أنت يا أبا عبد الله ؟ قال: صالح.
فقيل: لقد رأينا شيئا هالنا.
قال: وما هو ؟ قلنا: أنوار سطعت منك.
قال: وقد رأيتم ذلك ؟ قالوا: نعم.
قال: تلك تنزيل السجدة، وهي تسع وعشرون آية، سطع أولها من رأسي ووسطها من وسطي وآخرها من قدمي.
وقد صورت تشفع لي، فهذه ثوابية تحرسني.
وعن محمد بن واسع قال: كان مطرف يقول: اللهم ارض عنا، فإن لم ترض عنا فاعف عنا، فإن المولى قد يعفو عن عبده وهو عنه غير راض.
وعن مطرف أنه قال لبعض إخوانه: يا أبا فلان إذا كانت لك حاجة، فلا تكلمني واكتبها في رقعة، فإني أكره أن أرى في وجهك ذل السؤال.
روى ابو التياح عن يزيد بن عبد الله أن أخاه أوصى أن لا يؤذن بجنازته أحدا.
وكان يزيد أخو مطرف من ثقات التابعين، عاش بعد أخيه عواما.
ابن أبي عروبة: عن قتادة، عن مطرف قال: لقيت عليا رضي الله عنه، فقال لي: يا أبا عبد الله، ما بطأبك ؟ أحب عثمان ؟ ثم قال: لئن قلت ذاك، لقد كان أوصلنا للرحم، وأتقانا للرب.
وقال مهدي بن ميمون: قال مطرف: لقد كاد خوف النار يحول بيني وبين أن أسأل الله الجنة.
وقال ابن عيينة: قال مطرف بن عبد الله: ما يسرني أني كذبت كذبة وأن لي الدنيا وما فيها.
وقال أبو نعيم: حدثنا عمارة بن زاذان قال: رأيت على مطرف بن الشخير مطرف خز أخذه بأربعة آلاف درهم.
وقال حميد بن هلال: أتت الحرورية مطرف بن عبد الله يدعونه إلى رأيهم، فقال: يا هؤلاء، لو كان لي نفسان بايعتكم بإحداهما وأمسكت الاخرى، فإن كان الذي تقولون هدى أتبعتها الاخرى، وإن كان ضلالة، هلكت نفس وبقيت لي نفس، ولكن هي نفس واحدة لاأغرر بها.
قال قتادة: قال مطرف: لان أعافي فأشكر أحب إلي من [ أن ] أبتلى فأصبر.
قال سليمان بن المغيرة: كان مطرف إذا دخل بيته، سبحت معه آنية بيته.
وقال سليمان بن حرب: كان مطرف مجاب الدعوة، قال لرجل: إن كنت كذبت فأرنا به.
فمات مكانه وقال مهدي بن ميمون عن غيلان بن جرير، قال: حبس السلطان ابن أخي مطرف، فلبس مطرف خلقان ثيابه، وأخذ عكازا وقال: أستكين لربي لعله أن يشفعني في ابن أخي.
قال خليفة بن خياط: مات مطرف سنة ست وثمانين.
وقيل في وفاته غير ذلك كما مضي.
 
أبو العالية :رفيع بن مهران، الامام المقرئ الحافظ المفسر، أبو العالية الرياحي البصري، أحد الاعلام.كان مولى لامرأة من بني رياح بن يربوع، ثم من بني تميم.
أدرك زمان النبي صلى الله عليه وسلم وهو شاب، وأسلم في خلافة أبي بكر الصديق، ودخل عليه.
وسمع من عمر، وعلي، وأبي، وأبي ذر، وابن مسعود، وعائشة، وأبي موسى، وأبي أيوب، وابن عباس، وزيد بن ثابت، وعدة.
وحفظ القرآن وقرأه على أبي بن كعب، وتصدر لافادة العلم، وبعد صيته.
قرأ عليه أبو عمرو بن العلاء فيما قيل، وماذاك ببعيد فإنه تميمي،وكان معه ببلده.
وأدرك من حياة أبي العالية نيفا وعشرين سنة.
قال أبو عمرو الداني: أخذ أبو العالية القراءة عرضا عن أبي، وزيد، وابن عباس.
ويقال: قرأ على عمر.
روى عنه القراءة عرضا شعيب بن الحبحاب، وآخرون.
قال قتادة: قال أبو العالية: قرأت القرآن بعد وفاة نبيكم صلى الله عليه وسلم بعشر سنين.
وروى معتمر بن سليمان، وغيره عن هشام بن حسان، عن حفصة بنت سيرين، قالت: قال لي أبو العالية: قرأت القرآن على عمر رضي الله عنه ثلاث مرار.
وعن أبي خلدة، عن أبي العالية، قال: كان ابن عباس يرفعني على السرير وقريش أسفل من السرير، فتغامزت بي قريش، فقال ابن عباس: هكذا العلم يزيد الشريف شرفا، ويجلس المملوك على الاسرة.
قلت: هذا كان سريردار الامرة لما كان ابن عباس متوليها لعلي رضي الله عنهما.
قال أبو بكر بن أبي داود: وليس أحد بعد الصحابة أعلم بالقرآن من أبي العالية.
وبعده سعيد بن جبير.
وقد وثق أبا العالية الحافظان أبو زرعة وأبو حاتم.
قال خالد أبو المهاجر، عن أبي العالية: كنت بالشام مع أبي ذر.
وقال أبو خلدة خالد بن دينار: سمعت أبا العالية يقول: كنا عبيدا مملوكين، منا من يؤدي الضرائب، ومنا من يخدم أهله، فكنا نختم كل ليلة،
فشق علينا حتى شكا بعضنا إلى بعض.
فلقينا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعلمونا أن نختم كل جمعة، فصلينا ونمنا ولم يشق علينا.
قال أبو خلدة: ذكر الحسن البصري لابي العالية، فقال: رجل مسلم يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وأدركنا الخير وتعلمنا قبل أن يولد.
وكنت آتي ابن عباس وهو أمير البصرة فيجلسني على السرير وقريش أسفل.
وروى جرير عن مغيرة قال: كان أشبه أهل البصرة علما بإبراهيم النخعي أبو العالية.
وقال أبو جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية، قال: كنت أرحل إلى الرجل مسيرة أيام لاسمع منه، فأتفقد صلاته، فإن وجدته يحسنها، أقمت عليه، وإن أجده يضيعها، رحلت ولم أسمع منه، وقلت: هو لما سواها أضيع .
قال شعيب بن الحبحاب: حابيت أبا العالية في ثوب، فأبى أن يشتري مني الثوب.
قال أبو خلدة: قال أبو العالية: لما كان زمان علي ومعاوية، وإني لشاب القتال أحب إلي من الطعام الطيب، فتجهزت بجهاز حسن حتى أتيتهم، فإذا صفان ما يرى طرفا هما، إذا كبر هؤلاء، كبر هؤلاء، وإذا هلل هؤلاء هلل هؤلاء.
فراجعت نفسي، فقلت: أي الفريقين أنزله كافرا ؟ ومن أكرهني على هذا ؟ قال: فما أمسيت حتى رجعت وتركتهم.
قال عاصم الاحول: كان أبو العالية إذا جلس إليه أكثر من أربعة قام فتركهم.
معمر: عن عاصم، عن أبي العالية، قال: أنتم أكثر صلاة وصياما ممن كان قبلكم، ولكن الكذب قد جرى على ألسنتكم.
زيد بن الحباب: حدثنا خالد بن دينار، عن أبي العالية، قال: تعلمت الكتابة والقرآن فما شعر بي أهلي، ولارئي في ثوبي مداد قط.
ابن عيينة: سمعت عاصما الاحول، يحدث عن أبي العالية، قال: تعلموا القرآن، فإذا تعلمتموه فلا ترغبوا عنه، وإياكم وهذه الاهواء فإنها توقع العداوة والبغضاء بينكم.
فإنا قد قرأنا القرآن قبل أن يقتل - يعني عثمان - بخمس عشرة سنة.
قال: فحدثت به الحسن، فقال: قد نصحك والله، وصدقك.
أبو نعيم: حدثنا أبو خلدة، عن أبي العالية، قال: ما مسست ذكري بيميني منذ ستين أو سبعين سنة.
حماد بن سلمة: عن ثابت، أن أبا العالية قال: إني لارجو أن لا يهلك عبد بين نعمتين: نعمة يحمد الله [ عليها ] وذنب يستغفر الله منه .
وقال أبو خلدة: سمعت أبا العالية يقول: تعلموا القرآن خمس آيات، خمس آيات، فإنه أحفظ عليكم، وجبريل كان ينزل به خمس آيات،خمس آيات.
قتيبة: حدثنا جرير، عن مغيرة، قال: أول من أذن بما وراء النهر أبو العالية الرياحي.
أبو خلدة، قال: كان أبو العالية إذا دخل عليه أصحابه يرحب بهم ويقرأ (وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم) الآية [ الانعام: 54 ].
محمد بن مصعب: عن أبي جعفر الرازي، عن الربيع، عن أبي العالية، قال: إن الله قضى على نفسه أن من آمن به هداه، وتصديق ذلك في كتاب الله: (ومن يؤمن بالله يهد قلبه) [ التغابن: 11 ] ومن توكل عليه كفاه، وتصديق ذلك في كتاب الله: (ومن يتوكل على الله فهو حسبه) [ الطلاق 3 ] ومن أقرضه جازاه، وتصديق ذلك في كتاب الله: (من ذاالذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة) [ البقرة: 245 ] ومن استجار من عذابه أجاره، وتصديق ذلك في كتاب الله: (واعتصموا بحبل الله جميعا) [ آل عمران: 103 ] والاعتصام الثقة بالله.
ومن دعاه أجابه، وتصديق ذلك في كتاب الله: (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان) [ البقرة: 186 ].
ومن مراسيل أبي العالية الذي صح إسناده إليه: الامر بإعادة الوضوء والصلاة على من ضحك في الصلاة.
وبه يقول أبو حنيفة وغيره من أئمة العلم.
وقال أبو حاتم: حدثنا حرملة، سمعت الشافعي يقول: حديث أبي العالية الرياحي قال أبو حاتم - يعني ما يروى في الضحك في الصلاة.
وروى حماد بن زيد، عن شعيب بن الحبحاب، قال: قال أبو العالية: اشترتني امرأة فأرادت أن تعتقني، فقال بنو عمها: تعتقينه فيذهب إلى الكوفة فينقطع.
فأتت لي مكانا في المسجد فقالت: أنت سائبة - تريد لا ولاء لاحد عليك.
قال: فأوصى أبو العالية بماله كله.
وقال أبو خلدة، عن أبي العالية، قال: ما تركت من مال فثلثه في سبيل الله، وثلثه في أهل بيت البني صلى الله عليه وسلم، وثلثه في الفقراء.
قلت له: فأين مواليك ؟ قال: السائبة يضع نفسه حيث شاء.
همام بن يحيى: حدثنا قتادة، عن أبي العالية، قال: قرأت المحكم بعد وفاة نبيكم صلى الله عليه وسلم بعشر سنين.
فقد أنعم الله علي بنعمتين لاأدري أيهما أفضل: أن هداني للاسلام، ولم يجعلني حروريا.
قال أبو خلدة: سمعت أبا العالية يقول: زارني عبد الكريم أبو أمية وعليه ثياب صوف، فقلت له: هذا زي الرهبان، إن المسلمين إذا تزاوروا تجملوا.
وروى حماد بن سلمة، عن عاصم الاحول، أن أبا العالية أوصى مورقا العجلي أن يجعل في قبره جريدتين.
وقال مورق: وأوصى بريدة الاسلمي رضي الله عنه أن يوضع في قبره جريدتان.
قرأت على إسحاق الاسدي: أخبركم ابن خليل، أنبأنا أبو المكارم التيمي، أنبأنا الحداد، أنبأنا أبو نعيم، حدثنا سليمان بن أحمد، حدثنا إسحاق، أنبأنا عبد الرزاق، أنبأنا معمر، عن ثابت، عن أبي العالية، قال: ما ترك عيسى ابن مريم - عليه السلام - حين رفع إلا مدرعة صوف وخفي راع وقذافة يقذف بها الطير.
قال أبو خلدة: مات أبو العالية في شوال سنة تسعين.
وقال البخاري وغيره: مات سنة ثلاث وتسعين.
وشذ المدائني فوهم وقال: مات سنة ست ومئة.
 
سعيد بن المسيب :ابن حزن بن أبي وهب بن عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم بن
يقظة، الامام العلم، أبو محمد القرشي المخزومي، عالم أهل المدينة،وسيد التابعين في زمانه.
ولد لسنتين مضتا من خلافة عمر رضي الله عنه، وقيل: لاربع مضين منها بالمدينة.
رأى عمر، وسمع عثمان، وعليا، وزيد بن ثابت، وأبا موسى، وسعدا، وعائشة وأبا هريرة، وابن عباس، ومحمد بن مسلمة، وأم سلمة، وخلقا سواهم.
وقيل: إنه سمع من عمر.
وروى عن أبي بن كعب مرسلا، وبلال كذلك، وسعد بن عبادة كذلك، وأبي ذر وأبي الدرداء كذلك.
وروايته عن علي، وسعد، وعثمان، وأبي موسى، وعائشة، وأم شريك، وابن عمر، وأبي هريرة، وابن عباس،
وحكيم بن حزام، وعبد الله بن عمرو، وأبيه المسيب، وأبي سعيد في " الصحيحين " وعن حسان بن ثابت، وصفوان بن أمية، ومعمربن عبد الله، ومعاوية، وأم سلمة، في صحيح مسلم.
وروايته عن جبير بن مطعم وجابر، وغيرهما في البخاري.وروايته عن عمر في السنن الاربعة.
وروى أيضا عن زيد بن ثابت، وسراقة بن مالك، وصهيب، والضحاك بن سفيان، وعبد الرحمن بن عثمان التيمي، وروايته عن عتاب بن أسيد في السنن الاربعة، وهو مرسل.
وأرسل عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أبي بكر الصديق وكان زوج بنت أبي هريرة، وأعلم الناس بحديثه.
روى عنه خلق: منهم إدريس بن صبيح، وأسامة بن زيد الليثي، وإسماعيل بن أمية، وبشير ، وعبد الرحمن بن حرملة، وعبد الرحمن بن حميد بن عبدالرحمن، وعبد الكريم الجزري، وعبد المجيد بن سهيل، وعبيدالله بن سليمان العبدي، وعثمان بن حكيم، وعطاء الخراساني، وعقبة
ابن حريث، وعلي بن جدعان، وعلي بن نفيل الحراني، وعمارة بن عبد الله ابن طعمة، وعمرو بن شعيب، وعمرو بن دينار، وعمرو بن مرة، وعمرو بن مسلم الليثي، وغيلان بن جرير، والقاسم بن عاصم، وابنه محمد بن سعيد، وقتادة، ومحمد بن صفوان، ومحمد بن عبدالرحمن بن أبي لبيبة، وأبو جعفر محمد بن علي، ومحمد بن عمرو بن عطاء، والزهري، وابن المنكدر، ومعبد ابن هرمز، ومعمر بن أبي حبيبة، وموسى بن وردان، وميسرة الاشجعي، وميمون بن مهران، وأبو سهيل نافع بن مالك، وأبو معشر نجيح السندي، وهو
عند الترمذي، وهاشم بن هاشم الوقاصي، ويحيى بن سعيد الانصاري، ويزيد بن قسيط، ويزيد بن نعيم بن هزال، ويعقوب بن عبد الله بن الاشج، ويونس بن سيف، وأبو جعفر الخطمي ، وأبو قرة الاسدي، من " التهذيب ".
وعنه: الزهري، وقتادة، وعمرو بن دينار، ويحيى بن سعيد الانصاري، وبكير بن الاشج، وداود بن أبي هند، وسعد بن إبراهيم، وعلي بن زيد بن جدعان، وشريك بن أبي نمر، وعبد الرحمن بن حرملة ، وبشر كثير.
وكان ممن برز في العلم والعمل، وقع لنا جملة من عالي حديثه.
أخبرنا أبو المعالي أحمد بن إسحاق القرافي، انبأنا الفتح بن عبد الله الكاتب، أنبأنا محمد بن عمر الشافعي، ومحمد بن أحمد الطرائفي، ومحمد ابن علي بن الداية، قالوا: أنبأنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن المسلمة، أنبأنا عبيدالله بن عبدالرحمن الزهري سنة ثمانين وثلاث مئة، أنبأنا جعفر بن
محمد الفريابي، حدثنا إبراهيم بن الحجاج السامي، حدثنا حمادبن سلمة، عن داود بن أبي هند، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ثلاث من كن فيه فهو منافق وإن صام وصلى، وزعم أنه مسلم: من إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان ".
عبد العزيز بن المختار، عن علي بن زيد، حدثني سعيد بن المسيب ابن حزن أن جده حزنا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " ما اسمك ؟ قال: حزن،قال: بل أنت سهل " قال: يا رسول الله، اسم سماني به أبواي وعرفت به في الناس، فسكت عنه النبي صلى الله عليه وسلم.قال سعيد: فمازلنا تعرف الحزونة فينا أهل البيت ".هذا حديث مرسل، ومراسيل سعيد محتج بها.
لكن علي بن زيد ليس بالحجة و [ أما ] الحديث فمروي بإسناد صحيح، متصل، ولفظه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: " ما اسمك ؟ قال: حزن.
قال: أنت سهل " فقال لاأغير اسما سمانيه أبي.قال سعيد: فما زالت تلك الحزونة فينا بعد.
العطاف بن خالد: عن أبي حرملة، عن ابن المسيب قال: ما فاتتني الصلاة في جماعة منذ أربعين سنة .سفيان الثوري: عن عثمان بن حكيم، سمعت سعيد بن المسيب يقول: ما أذن المؤذن منذ ثلاثين سنة إلا وأنا في المسجد.
إسناده ثابت حماد بن زيد: حدثنا يزيد بن حازم، أن سعيد بن المسيب كان يسرد الصوم .
مسعر : عن سعيد بن إبراهيم، سمع ابن المسيب يقول: ما أحد أعلم بقضاء قضاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أبو بكر، ولا عمر مني.
أسامة بن زيد: عن نافع، أن ابن عمر ذكر سعيد بن المسيب فقال: هو والله أحد المفتين.
قال أحمد بن حنبل، وغير واحد: مرسلات سعيد بن المسيب صحاح.
وقال قتادة، ومكحول، والزهري، وآخرون، واللفظ لقتادة: ما رأيت أعلم من سعيد بن المسيب.
قال علي بن المديني: لا أعلم في التابعين أحدا أوسع علما من ابن المسيب.
هو عندي أجل التابعين.
عبدالرحمن بن حرملة: سمعت ابن المسيب يقول: حججت أربعين حجة.
قال يحيى بن سعيد الانصاري: كان سعيد يكثر أن يقول في مجلسه: اللهم سلم سلم .
معن: سمعت مالكا يقول، قال ابن المسيب: إن كنت لاسير الايام والليالي في طلب الحديث الواحد .
ابن عيينة: عن إبراهيم بن طريف، عن حميد بن يعقوب، سمع سعيد ابن المسيب يقول: سمعت من عمر كلمة ما بقي أحد سمعها غيري .
أبو إسحاق الشيباني: عن بكير بن الاخنس، عن سعيد بن المسيب، قال: سمعت عمر على المنبر.وهو يقول: لا أجد أحدا جامع فلم يغتسل، أنزل أو لم ينزل، إلا عاقبته.ابن عيينة: عن يحيى بن سعيد، عن ابن المسيب، قال: ولدت لسنتين مضتا من خلافة عمر.وكانت خلافته عشر سنين وأربعة أشهر.
الواقدي: حدثني هشام بن سعد، سمعت الزهري وسئل عمن أخذ سعيد بن المسيب علمه ؟ فقال: عن زيد بن ثابت.وجالس سعدا، وابن عباس، وابن عمر.
ودخل على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم: عائشة وأم سلمة.
وسمع من عثمان، وعلي، وصهيب، ومحمد بن مسلمة.وجل روايته المسندة عن أبي هريرة، كان زوج ابنته.وسمع من أصحاب عمر، وعثمان، وكان يقال:ليس أحد أعلم بكل ما قضى به عمر وعثمان منه.وعن قدامة بن موسى، قال: كان ابن المسيب يفتي والصحابة أحياء.
وعن محمد بن يحيى بن حبان، قال: كان المقدم في الفتوى في دهره سعيد بن المسيب، ويقال له: فقيه الفقهاء.الواقدي: حدثنا ثور بن يزيد، عن مكحول، قال: سعيد بن المسيب عالم العلماء.
وعن علي بن الحسين، قال: ابن المسيب أعلم الناس بما تقدمه من الآثار، وأفقههم في رأيه.
جعفر بن برقان: أخبرني ميمون بن مهران، قال: أتيت المدينة فسألت عن أفقه أهلها، فدفعت إلى سعيد بن المسيب.قلت: هذا يقوله ميمون مع لقيه لابي هريرة وابن عباس.
عمر بن الوليد الشني: عن شهاب بن عباد العصري: حججت فأتينا المدينة، فسألنا عن أعلم أهلها فقالوا: سعيد.قلت: عمر ليس بالقوي.قاله النسائي.
معن بن عيسى، عن مالك، قال: كان عمر بن عبد العزيز لا يقضي
بقضية - يعني وهو أمير المدينة - حتى يسأل سعيد بن المسيب، فأرسل إليه
إنسانا يسأله، فدعاه، فجاء فقال عمر له: أخطأ الرسول، إنما أرسلناه يسألك في مجلسك.
وكان عمر يقول: ما كان بالمدينة عالم إلا يأتيني بعلمه، وكنت أوتى بما عند سعيد بن المسيب.
سلام بن مسكين: حدثني عمران بن عبد الله الخزاعي، قال: سألني سعيد بن المسيب فانتسبت له، فقال: لقد جلس أبوك إلي في خلافة معاوية وسألني.
قال سلام: يقول عمران: والله ما أراه مر على أذنه شئ قط إلا وعاه قلبه - يعني ابن المسيب - وإني أرى أن نفس سعيد كانت أهون عليه في ذات الله من نفس ذباب.
جعفر بن برقان: حدثنا ميمون بن مهران، بلغني أن سعيد بن المسيب بقي أربعين سنة لم يأت المسجد فيجد أهله قد استقبلوه خارجين من الصلاة.
عفان: حدثنا حماد بن سلمة، حدثنا علي بن زيد، قلت لسعيد بن المسيب: يزعم قومك أن ما منعك من الحج إلا أنك جعلت لله عليك إذا رأيت الكعبة أن تدعو على ابن مروان.
قال: ما فعلت، وما أصلي صلاة إلا دعوت الله عليهم، وإني قد حججت واعتمرت بضعا وعشرين مرة، وإنما كتبت علي حجة واحدة وعمرة، وإني أرى ناسا من قومك يستدينون ويحجون ويعتمرون ثم يموتون، ولا يقضى عنهم، ولجمعة أحب إلي من حجة أو عمرة تطوعا.
فأخبرت بذلك الحسن، فقال: ما قال شيئا، لو كان كما قال ما حج أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا اعتمروا.
فصل في عزة نفسه وصدعه بالحق سلام بن مسكين: حدثنا عمران بن عبد الله، قال: كان لسعيد بن المسيب في بيت المال بضعة وثلاثون ألفا، عطاؤه.
وكان يدعى إليها فيأبى ويقول: لا حاجة لي فيها.
حتى يحكم الله بيني وبين بني مروان.
حماد بن سلمة: أنبأنا علي بن زيد أنه قيل لسعيد بن المسيب: ما شأن الحجاج لا يبعث إليك، ولا يحركك، ولا يؤذيك ؟ قال: والله ما أدري، إلا أنه دخل ذات يوم مع أبيه المسجد، فصلى صلاة لايتم ركوعها ولا سجودها، فأخذت كفا من حصى فحصبته بها.
زعم أن الحجاج قال: مازلت بعد أحسن الصلاة.
في " الطبقات " لابن سعد: أنبأنا كثير بن هشام، حدثنا جعفر بن برقان، حدثنا ميمون، وأنبأنا عبد الله بن جعفر، حدثنا أبو المليح، عن ميمون ابن مهران، قال: قدم عبدالملك بن مروان المدينة فامتنعت منه القائلة، واستيقظ، فقال لحاجبه: انظر، هل في المسجد أحد من حداثنا ؟ فخرج فإذا سعيد بن المسيب في حلقته، فقام حيث ينظر إليه، ثم غمزه وأشار بأصبعه، ثم ولى، فلم يتحرك سعيد، فقال: لا أراه فطن، فجاء ودنا منه، ثم غمزه وقال: ألم ترني أشير إليك ؟ قال: وما حاجتك ؟ قال: أجب أمير المؤمنين.
فقال: إلي أرسلك ؟ قال: لا، ولكن قال: انظر بعض حداثنا فلم أر أحدا أهيأ منك.
قال: اذهب فأعلمه أني لست من حداثه.
فخرج الحاجب وهو يقول: ما أرى هذا الشيخ إلا مجنونا، وذهب فأخبر عبدالملك، فقال: ذاك سعيد بن المسيب فدعه.
سليمان بن حرب: وعمرو بن عاصم، حدثنا سلام بن مسكين، عن عمران بن عبد الله بن طلحة الخزاعي، قال: حج عبد الملك بن مروان، فلما قدم المدينة، ووقف على باب المسجد أرسل إلى سعيد بن المسيب رجلا يدعوه ولا يحركه، فأتاه الرسول وقال: أجب أمير المؤمنين، واقف بالباب يريد أن يكلمك.
فقال: ما لامير المؤمنين إلي حاجة، ومالي إليه حاجة، وإن حاجته لي لغير مقضية، فرجع الرسول، فأخبره فقال: ارجع فقل له: إنما أريد أن أكلمك، ولا تحركه.
فرجع إليه، فقال له: أجب أمير المؤمنين.
فرد عليه مثل ما قال أولا.
فقال: لولا أنه تقدم إلي فيك ما ذهبت إليه إلا برأسك، يرسل إليك أمير المؤمنين يكلمك تقول مثل هذا ! فقال: إن كان يريد أن يصنع بي خيرا، فهو لك، وإن كان يريد غير ذلك فلا أحل حبوتي حتى يقضي ما هو قاض، فأتاه فأخبره، فقال: رحم الله أبا محمد، أبى إلا صلابة.
زاد عمرو بن عاصم في حديثه بهذا الاسناد: فلما استخلف الوليد، قدم المدينة، فدخل المسجد، فرأى شيخا قد اجتمع عليه الناس، فقال: من هذا ؟ قالوا: سعيد بن المسيب، فلما جلس أرسل إليه، فأتاه الرسول فقال: أجب أمير المؤمنين، فقال: لعلك أخطأت باسمي، أو لعله أرسلك إلى غيري، فرد الرسول، فأخبره، فغضب وهم به، قال: وفي الناس يومئذ تقية، فأقبلوا عليه، فقالوا: يا أمير المؤمنين، فقيه المدينة، وشيخ قريش، وصديق أبيك، لم يطمع ملك قبلك أن يأتيه.
فما زالوا به حتى أضرب عنه.
عمران بن عبد الله - من أصحاب سعيد بن المسيب: ما علمت فيه لينا.
قلت: كان عند سعيد بن المسيب أمر عظيم من بني أمية وسوء سيرتهم.وكان لا يقبل عطاءهم.
قال معن بن عيسى: حدثنا مالك، عن ابن شهاب، قلت لسعيد بن المسيب: لو تبديت، وذكرت له البادية وعيشها والغنم، فقال: كيف بشهود العتمة.
ابن سعد: أنبأنا الوليد بن عطاء بن الاغر المكي، أنبأنا عبدالحميد بن سليمان، عن أبي حازم، سمعت سعيد بن المسيب، يقول: لقد رأيتني ليالي الحرة وما في المسجد أحد غيري، وإن أهل الشام ليدخلون زمرا يقولون: انظرو إلى هذا المجنون.وما يأتي وقت صلاة إلا سمعت أذانا في القبر.
ثم تقدمت فأقمت وصليت وما في المسجد أحد غيري.عبدالحميد هذا، ضعيف.
الواقدي: حدثنا طلحة بن محمد بن سعيد بن المسيب، عن أبيه، قال: كان سعيد أيام الحرة في المسجد لم يخرج، وكان يصلي معهم الجمعة ويخرج في الليل.
قال: فكنت إذا حانت الصلاة، أسمع أذانا يخرج من قبل القبر حتى أمن الناس.
ذكر محنته: الواقدي: حدثنا عبد الله بن جعفر، وغيره من أصحابنا، قالوا: استعمل ابن الزبير جابر بن الاسود بن عوف الزهري على المدينة، فدعا الناس إلى البيعة [ لابن الزبير ] فقال سعيد بن المسيب: لا، حتى يجتمع الناس.
فضربه ستين سوطا.فبلغ ذلك ابن الزبير، فكتب إلى جابر يلومه ويقول: مالنا ولسعيد، دعه.
وعن عبد الواحد بن أبي عون، قال: كان جابر بن الاسود عامل ابن الزبير على المدينة قد تزوج الخامسة قبل انقضاء عدة الرابعة، فلما ضرب سعيد بن المسيب صاح به سعيد والسياط تأخذه: والله ما ربعت على كتاب الله، وإنك تزوجت الخامسة قبل انقضاء عدة الرابعة، وما هي إلا ليال فاصنع ما بدا لك، فسوف يأتيك ما تكره.فما مكث إلا يسيرا حتى قتل ابن الزبير.
الواقدي: حدثنا عبد الله بن جعفر وغيره أن عبد العزيز بن مروان توفي
بمصر سنة أربع وثمانين، فعقد عبدالملك لابنيه: الوليد وسليمان بالعهد، وكتب بالبيعة لهما إلى البلدان، وعامله يومئذ على المدينة هشام بن إسماعيل المخزومي، فدعا الناس إلى البيعة، فبايعوا، وأبى سعيد بن المسيب أن يبايع لهما وقال: حتى أنظر، فضربه هشام ستين سوطا، وطاف به في تبان من شعر، حتى بلغ به رأس الثنية، فلما كروا به قال: أين تكرون بي ؟ قالوا إلى السجن.
فقال: والله لولا أني ظننته الصلب، ما لبست هذا التبان أبدا.
فردوه إلى السجن، فحبسه وكتب إلى عبدالملك يخبره بخلافه.
فكتب إليه عبد الملك يلومه فيما صنع به ويقول: سعيد، كان والله أحوج إلى أن تصل رحمه من أن تضربه، وإنا لنعلم ما عنده خلاف.
وحدثني أبو بكر بن أبي سبرة، عن المسور بن رفاعة، قال: دخل قبيصة بن ذؤيب على عبدالملك بكتاب هشام بن إسماعيل يذكر أنه ضرب سعيدا وطاف به.
قال قبيصة: يا أمير المؤمنين، يفتات عليك هشام بمثل هذا، والله لا يكون سعيد أبدا أمحل ولا ألج منه حين يضرب، لو لم يبايع سعيد ما كان يكون منه، وما هو ممن يخاف فتقه، يا أمير المؤمنين اكتب إليه.فقال عبدالملك: اكتب أنت إليه عنى تخبره برأيي فيه، وما خالفني من ضرب هشام إياه.فكتب قبيصة بذلك إلى سعيد.فقال سعيد حين قرأ الكتاب: الله بيني وبين من ظلمني.
حدثني عبد الله بن يزيد الهذلي، قال: دخلت على سعيد بن المسيب السجن فإذا هو قد ذبحت له شاة، فجعل الاهاب على ظهره، ثم جعلوا له بعد ذلك قضبا رطبا، وكان كلما نظر إلى عضديه قال: اللهم انصرني من هشام.
شيبان بن فروخ: حدثنا سلام بن مسكين، حدثنا عمران بن عبد الله الخزاعي قال: دعي سعيد بن المسيب للوليد وسليمان بعد أبيهما فقال: لا أبايع اثنين ما اختلف الليل والنهار.
فقيل: ادخل واخرج من الباب الآخر، قال: والله لا يقتدي بي أحد من الناس، قال: فجلده مئة وألبسه المسوح.

 
تابع ترجمة ابن المسيب

ضمرة بن ربيعة: حدثنا رجاء بن جميل، قال: قال عبدالرحمن بن عبد القاري لسعيد بن المسيب حين قامت البيعة للوليد وسليمان بالمدينة: إني مشير عليك بخصال، قال: ما هن ؟ قال: تعتزل مقامك، فإنك تقوم حيث يراك هشام بن إسماعيل، قال: ماكنت لاغير مقاما قمته منذ أربعين سنة.
قال: تخرج معتمرا.
قال: ماكنت لانفق مالي وأجهد بدني في شئ ليس لي فيه نية، قال: فما الثالثة ؟ قال: تبايع، قال: أرأيت إن كان الله أعمى قلبك كما أعمى بصرك فما علي ؟ قال - وكان أعمى - قال رجاء: فدعاه هشام بن إسماعيل إلى البيعة، فأبى، فكتب فيه إلى عبدالملك.
فكتب إليه عبد الملك: مالك ولسعيد، ما كان علينا منه شئ نكرهه، فأما إذ فعلت فاضربه ثلاثين سوطا وألبسه تبان شعر، وأوقفه للناس لئلا يقتدي به الناس.
فدعاه هشام فأبى وقال: لا أبايع لاثنين.فألبسه تبان شعر، وضربه ثلاثين سوطا، وأوقفه للناس.
فحدثني الايليون الذين كانوا في الشرط بالمدينة قالوا: علمنا أنه لا يلبس التبان طائعا، قلنا له: يا أبا محمد، إنه القتل، فاستر عورتك، قال: فلبسه، فلما ضرب تبين له أنا خدعناه، قال: يا معجلة أهل أيلة، لولا أني ظننت أنه القتل ما لبسته.
وقال هشام بن زيد: رأيت ابن المسيب حين ضرب في تبان شعر.
يحيى بن غيلان: حدثنا أبو عوانة، عن قتادة، قال: أتيت سعيد بن المسيب وقد ألبس تبان شعر وأقيم في الشمس، فقلت لقائدي: أدنني منه فأدناني، فجعلت أسأله خوفا من أن يفوتني، وهو يجيبني حسبة والناس يتعجبون.
قال أبو المليح الرقي: حدثني غير واحد أن عبدالملك ضرب سعيد بن المسيب خمسين سوطا، وأقامه بالحرة وألبسه تبان شعر، فقال سعيد: لو علمت أنهم لا يزيدوني على الضرب ما لبسته.
إنما تخوفت من أن يقتلوني، فقلت: تبان أستر من غيره.
قبيصة: حدثنا سفيان عن رجل من آل عمر، قال: قلت لسعيد بن المسيب: ادع على بني أمية، قال: اللهم أعز دينك، وأظهر أولياءك، واخز أعداءك في عافية لامة محمد صلى الله عليه وسلم.
أبو عاصم النبيل: عن أبي يونس القوي ، قال: دخلت مسجد المدينة، فإذا سعيد بن المسيب جالس وحده، فقلت: ما شأنه ؟ قيل: نهي أن يجالسه أحد.
همام: عن قتادة، أن ابن المسيب كان إذا أراد أحد أن يجالسه قال: إنهم قد جلدوني، ومنعوا الناس أن يجالسوني عن أبي عيسى الخراساني، عن ابن المسيب، قال: لا تملؤوا أعينكم من أعوان الظلمة إلا بإنكار من قلوبكم، لكيلا تحبط أعمالكم.
تزويجه ابنته: أنبئت عن أبي المكارم الشروطي، أنبأنا أبو علي، أنبأنا أبو نعيم، حدثنا القطيعي، حدثنا عبد الله بن أحمد، حدثنا الحسن بن عبد العزيز، قال: كتب إلى ضمرة بن ربيعة عن إبراهيم بن عبد الله الكناني أن سعيد بن المسيب زوج ابنته بدرهمين.
سعيد بن منصور: حدثنا مسلم الزنجي، عن يسار بن عبدالرحمن، عن سعيد بن المسيب أنه زوج ابنة له على درهمين من ابن أخيه.
وقال أبو بكر بن أبي داود: كانت بنت سعيد قد خطبها عبدالملك لابنه الوليد، فأبى عليه، فلم يزل يحتال عبدالملك عليه حتى ضربه مئة سوط في يوم بارد، وصب عليه جرة ماء، وألبسه جبة صوف، ثم قال: حدثني أحمد ابن أخي [ عبدالرحمن ] بن وهب، حدثنا عمر بن وهب، عن عطاف بن خالد، عن ابن حرملة، عن ابن أبي وداعة - يعني كثيرا - قال: كنت أجالس سعيد بن المسيب، ففقدني أياما، فلما جئته قال: أين كنت ؟ قلت: توفيت أهلي فاشتغلت بها، فقال: ألا أخبرتنا فشهدناها، ثم قال: هل استحدثت امرأة ؟ فقلت: يرحمك الله، ومن يزوجني وما أملك إلا درهمين أو ثلاثة ؟ قال: أنا.
فقلت: وتفعل ؟ قال: نعم، ثم تحمد، وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم، وزوجني على درهمين - أو قال: ثلاثة - فقمت وما أدري ما أصنع من الفرح، فصرت إلى منزلي وجعلت أتفكر فيمن أستدين.
فصليت المغرب، ورجعت إلى منزلي، وكنت وحدي صائما، فقدمت عشائي أفطر، وكان خبزا وزيتا، فإذا بابي يقرع، فقلت: من هذا ؟ فقال: سعيد.
فأفكرت في كل من اسمه سعيد إلا ابن المسيب، فإنه لم ير أربعين سنة إلا بين بيته والمسجد، فخرجت، فإذا سعيد، فظننت أنه قد بدا له، فقلت: يا أبا محمد ألا أرسلت إلي فأتيك ؟ قال: لا، أنت أحق أن تؤتى، إنك كنت رجلا عزبا فتزوجت، فكرهت أن تبيت الليلة وحدك، وهذه امرأتك.
فإذا هي قائمة من خلفه في طوله، ثم أخذ بيدها فدفعها في الباب، ورد الباب.
فسقطت المرأة من الحياء، فاستوثقت من الباب، ثم وضعت القصعة في ظل السراج لكي لا
تراه، ثم صعدت إلى السطح فرميت الجيران، فجاؤوني فقالوا: ما شأنك ؟ فأخبرتهم.
ونزلوا إليها، وبلغ أمي، فجاءت وقالت: وجهي من وجهك حرام إن مسستها قبل أن أصلحها إلى ثلاثة أيام، فأقمت ثلاثا، ثم دخلت بها، فإذا هي من أجمل الناس، وأحفظ الناس لكتاب الله، وأعلمهم بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأعرفهم بحق زوج.
فمكثت شهرا لا آتي سعيد بن المسيب.
ثم أتيته وهو في حلقته، فسلمت، فرد علي السلام ولم يكلمني حتى تقوض المجلس، فلما لم يبق غيري قال: ما حال ذلك الانسان ؟ قلت: خير يا أبا محمد، على ما يحب الصديق، ويكره العدو.
قال: إن رابك شئ، فالعصا.فانصرفت إلى منزلي، فوجه إلي بعشرين ألف درهم.
قال أبو بكر بن أبي داود: ابن أبي وداعة هو كثير بن المطلب بن أبي وداعة.
قلت: هو سهمي مكي، روى عن أبيه المطلب أحد مسلمة الفتح.
وعنه: ولده جعفر بن كثير، وابن حرملة.
تفرد بالحكاية أحمد بن عبدالرحمن بن وهب.وعلى ضعفه قد احتج به مسلم.
قال عمرو بن عاصم، حدثنا سلام بن مسكين، حدثنا عمران بن عبد الله قال: زوج سعيد بن المسيب بنتا له من شاب من قريش.
فلما أمست، قال لها شدي عليك ثيابك واتبعيني، ففعلت، ثم قال: صلي ركعتين، فصلت، ثم أرسل إلى زوجها فوضع يدها في يده وقال: انطلق بها.
فذهب بها، فلمارأتها أمه، قالت: من هذه ؟ قال: امرأتي.
قالت: وجهي من وجهك حرام إن أفضيت إليها حتى أصنع بها صالح ما يصنع بنساء قريش.
فأصلحتها ثم بنى بها.
ومن معرفته بالتعبير: قال الواقدي: كان سعيد من المسيب من أعبر الناس للرؤيا، أخذ ذلك عن أسماء بنت أبي بكر الصديق، وأخذته أسماء عن أبيها، ثم ساق الواقدي عدة منامات، منها.
حدثنا موسى بن يعقوب، عن الوليد بن عمرو بن مسافع، عن عمر بن حبيب بن قليع قال: كنت جالسا عند سعيد بن المسيب يوما، وقد ضاقت بي الاشياء، ورهقني دين، فجاءه رجل، فقال: رأيت كأني أخذت عبدالملك ابن مروان، فأضجعته إلى الارض، وبطحته فأوتدت في ظهره أربعة أوتاد.
قال: ما أنت رأيتها.قال: بلى.قال: لا أخبرك أو تخبرني قال: ابن الزبير رآها، وهو بعثني إليك.
قال: لئن صدقت رؤياه قتله عبدالملك، وخرج من صلب عبدالملك أربعة كلهم يكون خليفة.
قال: فرحلت إلى عبدالملك بالشام فأخبرته، فسر، وسألني عن سعيد وعن حاله فأخبرته.
وأمر بقضاء ديني وأصبت منه خيرا.
قال: وحدثني الحكم بن القاسم، عن إسماعيل بن أبي حكيم، قال: قال رجل: رأيت كأن عبدالملك بن مروان يبول في قبلة مسجد النبي صلى الله عليه وسلم أربع مرار.
فذكرت ذلك لسعيد بن المسيب، فقال: إن صدقت رؤياك، قام فيه من صلبه أربعة خلفاء.
وأخبرنا عبد السلام بن حفص، عن شريك بن أبي نمر، قلت لسعيد ابن المسيب: رأيت كأن أسناني سقطت في يدي، ثم دفنتها.
فقال: إن صدقت رؤياك، دفنت أسنانك من أهل بيتك.
وحدثنا ابن أبي ذئب، عن مسلم الحناط، قال رجل لابن المسيب: رأيت أني أبول في يدي، فقال: اتق الله، فإن تحتك ذات محرم، فنظر، فإذا امرأة بينهما رضاع.
وبه، وجاءه آخر فقال: أراني كأني أبول في أصل زيتونة.فقال: إن تحتك ذات رحم فنظر فوجد كذلك.وقال له رجل: إنى رأيت كأن حمامة وقعت على المنارة، فقال: يتزوج الحجاج ابنة عبد الله بن جعفر.وبه، عن ابن المسيب قال: الكبل في النوم ثبات في الدين.
وقيل له: يا أبا محمد، رأيت كأني في الظل، فقمت إلى الشمس.
فقال: إن صدقت رؤياك، لتخرجن من الاسلام.
قال: يا أبا محمد، إني أراني أخرجت حتى أدخلت في الشمس، فجلست.
قال: تكره على الكفر.قال: فأسر وأكره على الكفر، ثم رجع، فكان يخبر بهذا بالمدينة.
وحدثنا عبد الله بن جعفر، عن عبيدالله بن عبدالرحمن بن السائب، قال رجل لابن المسيب: إنه رأى كأنه يخوض النار.
قال: لا تموت حتى تركب البحر، وتموت قتيلا.
فركب البحر، وأشفى على الهلكة، وقتل يوم قديد.وحدثنا صالح بن خوات، عن ابن المسيب، قال: آخر الرؤيا أربعون سنة - يعني تأويلها.روى هذا الفصل ابن سعد في " الطبقات " عن الواقدي.سلام بن مسكين: عن عمران بن عبد الله، قال: رأى الحسن بن علي كأن بين عينيه مكتوب: (قل هو الله أحد) فاستبشر به، وأهل بيته.
فقصوها على سعيد بن المسيب، فقال: إن صدقت رؤياه فقلما بقي من أجله، فمات بعد أيام.
ومن كلامه: سفيان بن عيينة: عن علي بن زيد، عن سعيد بن المسيب، قال: ما أيس الشيطان من شئ إلا أتاه من قبل النساء.
ثم قال لنا سعيد - وهو ابن أربع وثمانين سنة وقد ذهبت إحدى عينيه وهو يعشو بالاخرى: ما شئ أخوف عندي من النساء.وقال: ما أصلي صلاة إلا دعوت الله على بني مروان.
قتيبة: حدثنا عطاف بن خالد، عن ابن حرملة قال: ما سمعت سعيد ابن المسيب سب أحدا من الائمة، إلا أني سمعته يقول: قاتل الله فلانا ، كان أول من غير قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه قال: " الولد للفراش ".
سلام بن مسكين: عن عمران بن عبد الله، قال: كان ابن المسيب لا يقبل من أحد شيئا.
العطاف: عن ابن حرملة، قال: قال سعيد: لا تقولوا مصيحف، ولا مسيجد، ما كان لله فهو عظيم حسن جميل.
عبدالرحمن بن زياد بن أنعم: حدثني يحيى بن سعيد، سمع ابن المسيب يقول: لا خير فيمن لا يريد جمع المال من حله، يعطي منه حقه، ويكف به وجهه عن الناس.
الثوري: عن يحيى بن سعيد، أن ابن المسيب خلف مئة دينار.
وعن عباد بن يحيى بن سعيد، أن ابن المسيب خلف ألفين أو ثلاثة آلاف.
وعن ابن المسيب، قال: ما تركتها إلا لاصون بها ديني.
وعنه، قال: من استغنى بالله، افتقر الناس إليه.
داود بن عبدالرحمن العطار: عن بشر بن عاصم، قال: قلت لسعيد ابن المسيب: يا عم ألا تخرج فتأكل اليوم مع قومك ؟ قال: معاذ الله يا ابن أخي، أدع خمسا وعشرين صلاة خمس صلوات وقد سمعت كعبا يقول:وددت أن هذا اللبن عاد قطرانا.
تتبع قريش أذناب الابل في هذه الشعاب، وإن الشيطان مع الشاذ وهو من الاثنين أبعد.
العطاف بن خالد: عن ابن حرملة، عن سعيد بن المسيب أنه اشتكى عينه، فقالوا: لو خرجت إلى العقيق فنظرت إلى الخضرة، لوجدت لذلك خفة، قال: فكيف أصنع بشهود العتمة والصبح.
العطاف: عن ابن حرملة، قلت لبرد مولى ابن المسيب: ما صلاة ابن المسيب في بيته ؟ قال: ما أدري، إنه ليصلي صلاة كثيره، إلا أنه يقرأ ب (ص والقرآن ذي الذكر).
وقال عمرو بن عاصم: حدثنا عاصم بن العباس الاسدي، قال: كان سعيد بن المسيب يذكر ويخوف.وسمعته يقرأ في الليل على راحلته فيكثر، وسمعته يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم، وكان يحب أن يسمع الشعر، وكان لا ينشده، ورأيته يمشي حافيا وعليه بت ، ورأيته يحفي شاربه شبيها بالحلق، ورأيته يصافح كل من لقيه، وكان يكره كثرة الضحك .
سفيان الثوري: عن داود بن أبي هند، عن سعيد، أنه كان يستحب أن يسمي ولده بأسماء الانبياء.
حماد بن سلمة: عن علي بن زيد، أنه كان يصلي التطوع في رحله، وكان يلبس ملاء شرقية .
سلام بن مسكين: حدثني عمران بن عبد الله قال: ما أحصي ما رأيت على سعيد بن المسيب من عدة قمص الهروي.وكان يلبس هذه البرود الغالية البيض.
أبان بن يزيد: حدثنا قتادة، سألت سعيدا عن الصلاة على الطنفسة، فقال: محدث.
موسى بن إسماعيل: حدثنا عمران بن محمد بن سعيد بن المسيب، حدثتني غنيمة جارية سعيد، أنه كان لا يأذن لبنته في لعب العاج، ويرخص لها في الكبر - تعني الطبل.
إسماعيل بن أبي أويس: حدثنا محمد بن هلال، عن سعيد بن المسيب أنه قال: ما تجارة أعجب إلي من البز، ما لم يقع فيه أيمان.
مطرف بن عبد الله: حدثنا مالك، قال: قال برد مولى ابن المسيب لسعيد بن المسيب، ما رأيت أحسن ما يصنع هؤلاء ! قال سعيد: وما يصنعون ؟ قال: يصلي أحدهم الظهر، ثم لا يزال صافا رجليه حتى يصلي العصر.
فقال: ويحك يا برد أما والله [ ما ] هي بالعبادة، إنما العبادة التفكر في أمر الله، والكف عن محارم الله.
سلام بن مسكين: حدثنا عمران بن عبد الله الخزاعي، قال: قال سعيد ابن المسيب: ما خفت على نفسي شيئا مخافة النساء، قالوا: يا أبا محمد، إن مثلك لا يريد النساء، ولا تريده النساء، فقال: هو ما أقول لكم.
وكان شيخا كبيرا أعمش.
الواقدي: أنبأنا طلحة بن محمد بن سعيد بن المسيب، عن أبيه، قال سعيد بن المسيب: قلة العيال أحد اليسرين.
حماد بن زيد: حدثنا علي بن زيد، قال: قال لي سعيد بن المسيب: قل لقائدك يقوم، فينظر إلى وجه هذا الرجل [ وإلى جسده ] فقام، وجاء فقال: رأيت وجه زنجي وجسده أبيض.
فقال سعيد: إن هذا سب هؤلاء: طلحة
والزبير وعليا رضي الله عنهم، فنهيته [ فأبي ]، فدعوت الله عليه، قلت: إن كنت كاذبا فسود الله وجهك، فخرجت بوجهه قرحة، فاسود وجهه .
مالك: عن يحيى بن سعيد، قال: سئل سعيد بن المسيب عن آية، فقال سعيد: لا أقول في القرآن شيئا.قلت: ولهذا قل ما نقل عنه في التفسير.
ذكر لباسه: قال ابن سعد في الطبقات: أخبرنا قبيصة، عن عبيد بن نسطاس، قال: رأيت سعيد بن المسيب يعتم بعمامة سوداء، ثم يرسلها خلفه، ورأيت عليه إزارا وطيلسانا وخفين.
أخبرنا معن، حدثنا محمد بن هلال، أنه رأى سعيد بن المسيب يعتم وعليه قلنسوة لطيفة بعمامة بيضاء، لها علم أحمر يرخيها وراءه شبرا.
أخبرنا القعنبي، حدثنا عثيم: رأيت ابن المسيب يلبس في الفطروالاضحى عمامة سوداء، ويلبس عليها برنسا أحمر أرجوانا.
أخبرنا عارم، حدثنا حماد، عن شعيب بن الحبحاب: رأيت على سعيد ابن المسيب برنس أرجوان.
أخبرنا أبو نعيم، حدثنا خالد بن إلياس: رأيت على سعيد قميصا إلى نصف ساقه، وكماه إلى أطراف أصابعه، ورداء فوق القميص، خمسة أذرع وشبر .
أخبرنا روح، أخبرنا سعيد، عن قتادة، عن إسماعيل بن عمران، قال: كان سعيد بن المسيب يلبس طيلسانا أزراره ديباج .أخبرنا معن، حدثنا محمد بن هلال، قال: لم أر سعيدا لبس غير البياض .
وعن ابن المسيب أنه كان يلبس سراويل .
أخبرنا محمد بن عمر، حدثنا أبو معشر، قال: رأيت على سعيد بن المسيب الخز.
أخبرنا يزيد بن هارون، أنبأنا محمد بن عمرو ، قال: كان ابن المسيب لا يخضب.
أخبرنا خالد بن مخلد، حدثنا محمد بن هلال: رأيت سعيد بن المسيب يصفر لحيته.
أخبرنا إسماعيل بن [ عبد الله بن ] أبي أويس، حدثنا أبو الغصن أنه رأى سعيد بن المسيب أبيض الرأس واللحية .
وعن يحيى بن سعيد، أن ابن المسيب كان إذا مر بالمكتب، قال للصبيان: هؤلاء الناس بعدنا.
ذكر مرضه ووفاته: قال ابن سعد: حدثنا خالد بن مخلد، حدثني سليمان بن بلال، حدثني عبدالرحمن بن حرملة، قال: دخلت على سعيد بن المسيب وهو شديد المرض، وهو يصلي الظهر، وهو مستلق يومئ إيماء، فسمعته يقرأ بالشمس وضحاها.
الثوري: عن ابن حرملة، قال: كنت مع ابن المسيب في جنازة، فقال رجل: استغفروا لها.
فقال: ما يقول راجزهم ! قد حرجت على أهلي أن يرجز معي راجز، وأن يقولوا: مات سعيد بن المسيب، حسبي من يقلبني إلى ربي، وأن يمشوا معي بمجمر، فإن أكن طيبا، فما عند الله أطيب من طيبهم.
معاوية بن صالح: عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب قال: أوصيت أهلي بثلاث: أن لا يتبعني راجز ولا نار، وأن يعجلوا بي، فإن يكن لي عند الله خير، فهو خير مما عندكم.
أخبرنا إسماعيل بن [ عبد الله بن ] أبي أويس، حدثني أبي، عن عبد الرحمن بن الحارث المخزومي، قال: اشتد وجع سعيد بن المسيب، فدخل عليه نافع بن جبير يعوده، فأغمي عليه فقال نافع: وجهوه.ففعلوا، فأفاق فقال: من أمركم أن تحولوا فراشي إلى القبلة، أنافع ؟ قال: نعم.قال له
سعيد: لئن لم أكن على القبلة والملة والله لا ينفعني توجيهكم فراشي.
ابن أبي ذئب: عن أخيه المغيرة، أنه دخل مع أبيه على سعيد وقد أغمي عليه، فوجه إلى القبلة، فلما أفاق، قال: من صنع بي هذا، ألست امرءا مسلما ؟ وجهي إلى الله حيث ما كنت.
أخبرنا محمد بن عمر، حدثني محمد بن قيس الزيات، عن زرعة بن عبدالرحمن، قال سعيد بن المسيب: يا زرعة، إني أشهدك على ابني محمد لا يؤذنن بي أحدا، حسبي أربعة يحملوني إلى ربي .
وعن يحيى بن سعيد، قال: لما احتضر سعيد بن المسيب، ترك دنانير، فقال: اللهم إنك تعلم أني لم أتركها إلا لاصون بها حسبي وديني.
أخبرنا محمد بن عمر، حدثني عبد الحكيم بن عبد الله بن أبي فروة، شهدت سعيد بن المسيب يوم مات سنة أربع وتسعين، فرأيت قبره قد رش عليه الماء، وكان يقال لهذه السنة سنة الفقهاء لكثرة من مات منهم فيها.
وقال الهيثم بن عدي: مات في سنة أربع وتسعين عدة فقهاء، منهم سعيد بن المسيب.
وفيها أرخ وفاة ابن المسيب سعيد بن عفير، وابن نمير، والواقدي.
وما ذكر ابن سعد سواه.وقال أبو نعيم، وعلي بن المديني: توفي سنة ثلاث وتسعين.
وقال أحمد بن حنبل: حدثنا حماد بن خالد الخياط أن سعيد بن المسيب توفي سنة خمس وتسعين.
والاول أصح.وأما ما قال المدائني وغيره من أنه توفي سنة خمس ومئة فغلط.
وتبعه عليه بعضهم، وهي رواية عن ابن معين.ومال إليه أبو عبد الله الحاكم، والله أعلم.
 
الربيع بن خثيم :ابن عائذ، الامام القدوة العابد، أبو يزيد الثوري الكوفي، أحد الاعلام.
أدرك زمان النبي صلى الله عليه وسلم، وأرسل عنه.
وروى عن عبد الله بن مسعود، وأبي أيوب الانصاري، وعمرو بن ميمون وهو قليل الرواية إلا أنه كبير الشأن.
حدث عنه: الشعبي، وإبراهيم النخعي، وهلال بن يساف، ومنذر الثوري، وهبيرة بن خزيمة، وآخرون.وكان يعد من عقلاء الرجال.
روي عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود، قال: كان الربيع بن خثيم إذا دخل على ابن مسعود لم يكن له إذن لاحد حتى يفرغ كل واحد من صاحبه.
فقال له ابن مسعود: يا أبا يزيد، لو رآك رسول الله صلى الله عليه وسلم لاحبك، وما رأيتك إلا ذكرت المخبتين .
فهذه منقبة عظيمة للربيع، أخبرني بها إسحاق الاسدي، أنبأنا ابن خليل، أنبأنا أبو المكارم التيمي، أنبأنا أبو علي المقرئ، أنبأنا أبو نعيم، حدثنا الطبراني، حدثنا عبدان بن أحمد، حدثنا أزهر بن مروان، حدثنا عبد الواحد ابن زياد، حدثنا عبد الله بن الربيع بن خثيم، حدثنا أبو عبيدة.
أبو الأحوص: عن سعيد بن مسروق، عن منذر الثوري، قال: كان الربيع إذا أتاه الرجل يسأله قال: اتق الله فيما علمت، وما استوثر به عليك، فكله إلى عالمه، لانا عليكم في العمد أخوف مني عليكم في الخطأ، وما خيركم اليوم بخير، ولكنه خير من آخر شر منه، وما تتبعون الخير حق اتباعه، وما تفرون من الشر حق فراره، ولاكل ما أنزل الله على محمد صلى الله عليه وسلم أدركتم، ولا كل ما تقرؤون تدرون ما هو، ثم يقول: السرائر السرائر اللاتي يخفين من الناس وهن لله بواد ، التمسوا دواءهن، وما دواؤهن إلا أن يتوب ثم لا يعود .
روى منصور عن إبراهيم، قال: قال فلان: ما أرى الربيع بن خثيم تكلم بكلام منذ عشرين سنة إلا بكلمة تصعد.
وعن بعضهم، قال: صحبت الربيع عشرين عاما ما سمعت منه كلمة تعاب .
وروى الثوري عن رجل، عن أبيه، قال: جالست الربيع بن خثيم سنين، فما سألني عن شئ مما فيه الناس إلا أنه قال لي مرة: أمك حية ؟.
وروى الثوري، عن أبيه قال: كان الربيع بن خثيم إذا قيل له: كيف أصبحتم ؟ قال: ضعفاء مذنبين، نأكل أرزاقنا، وننتظر آجالنا .
وعنه قال: كل ما لايراد به وجه الله يضمحل .
وروى الاعمش عن منذر الثوري، أن الربيع أخذ يطعم مصابا خبيصا، فقيل له: ما يدريه ما أكل، قال: لكن الله يدري الثوري: عن سرية للربيع، أنه كان يدخل عليه الداخل وفي حجره المصحف فيغطيه.وعن ابنة للربيع، قالت : كنت أقول: يا أبتاه، ألا تنام ؟ ! فيقول: كيف ينام من يخاف البيات.
الثوري: عن أبي حيان، عن أبيه، قال: كان الربيع بن خثيم يقاد إلى الصلاة وبه الفالج، فقيل له: قد رخص لك.قال: إني أسمع " حي على الصلاة " فإن استطعتم أن تأتوها ولو حبوا.
وقيل: إنه قال: ما يسرني أن هذا الذي بي بأعتى الديلم على الله .
قال سفيان الثوري: وقيل له: لو تداويت، قال: ذكرت عادا وثمودا وأصحاب الرس، وقرونا بين ذلك كثيرا، كانت فيهم أوجاع، وكانت لهم أطباء، فما بقي المداوي ولا المداوى إلا وقد فني .
قال الشعبي: ما جلس ربيع في مجلس منذ اتزر بإزار، يقول: أخاف أن أرى أمرا، أخاف أن لا أرد السلام، أخاف أن لا أغمض بصري .
قال نسير بن ذعلوق: ما تطوع الربيع بن خثيم في مسجد الحي إلا مرة.
قال الشعبي: حدثنا الربيع وكان من معادن الصدق .
وعن منذر، أن الربيع كان إذا أخذ عطاءه، فرقه وترك قدر ما يكفيه .
وعن ياسين الزيات قال: جاء ابن الكواء إلى الربيع بن خثيم، فقال: دلني على من هو خير منك.
قال: نعم، من كان منطقه ذكرا، وصمته تفكرا ومسيره تدبرا فهو خير مني .
وعن الشعبي، قال: كان الربيع أورع أصحاب عبد الله .
أخبرنا أحمد بن أبي الخير في كتابه، عن أحمد بن محمد التيمي، أنبأنا أبو علي الحداد، أنبأنا أبو نعيم الحافظ، حدثنا أبو بكر بن خلاد، حدثنا محمد بن غالب، حدثنا أبو حذيفة، حدثنا زائدة، عن منصور، عن هلال بن
يساف، عن الربيع بن خثيم، عن عمرو بن ميمون، عن عبدالرحمن بن أبي ليلى، عن امرأة من الانصار، عن أبي أيوب الانصاري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أيعجز أحدكم أن يقرأ ليلة بثلث القرآن ؟ فأشفقنا أن يأمرنا بأمر نعجز عنه، قال: فسكتنا.
قالها ثلاث مرات: أيعجز أحدكم أن يقرأ بثلث القرآن ؟ فإنه من قرأ: الله الواحد الصمد، فقد قرأ ليلتئذ ثلث القرآن ".
ورواه الشعبي عن الربيع بن خثيم، قد تجمع في إسناده خمسة تابعيون.
أخرجه الترمذي والنسائي من طريق زائدة، وحسنه الترمذي، وقد رواه غندر عن شعبة، عن منصور، عن هلال، عن ربيع، فقال: عن عمرو، عن امرأة من الانصار فحذف منه ابن أبي ليلى.
ورواه جرير عن منصور، فحذف منه ابن أبي ليلى والمرأة.
قال سفيان الثوري: عن العلاء بن المسيب، عن أبي يعلى الثوري، قال: كان في بني ثور ثلاثون رجلا، مامنهم رجل دون الربيع بن خثيم .
قال ابن عيينة: سمعت مالكا يقول: قال الشعبي: ما رأيت قوما قط أكثر علما، ولا أعظم حلما، ولا أكف عن الدنيا من أصحاب عبد الله.
ولولا ما سبقهم به الصحابة، ما قدمنا عليهم أحدا.
حمادبن زيد: عمن ذكره، عن ابن سيرين قال: ما رأيت قوما سود الرؤوس أفقه من أهل الكوفة من قوم فيهم جرة .
قيل: توفي الربيع بن خثيم قبل سنة خمس وستين.
 
عبدالرحمن بن أبي ليلى :الامام العلامة الحافظ، أبو عيسى الانصاري الكوفي، الفقيه، ويقال:
أبو محمد، من أبناء الانصار، ولد في خلافة الصديق أو قبل ذلك.
وحدث عن عمر، وعلي، وأبي ذر، وابن مسعود، وبلال، وأبي بن كعب، وصهيب، وقيس بن سعد، والمقداد، وأبي أيوب، ووالده، ومعاذ بن جبل - وما إخاله لقيه، مع كون ذلك في السنن الاربعة.
وقيل بل ولد في وسط خلافة عمر ورآه يتوضا ويمسح على الخفين.
حدث عنه: عمرو بن مرة، والحكم بن عتيبة، وحصين بن عبد الرحمن، وعبد الملك بن عمير، والاعمش، وطائفة سواهم.وقيل: إنه قرأ القرآن على علي.
قال محمد بن سيرين: جلست إلى عبدالرحمن بن أبي ليلى، وأصحابه يعظمونه كأنه أمير.
وقال ثابت البناني: كنا إذا قعدنا إلى عبدالرحمن بن أبي ليلى، قال لرجل: اقرأ القرآن، فإنه يدلني على ما تريدون، نزلت هذه الآية في كذا، وهذه الآية في كذا.
وروى عطاء بن السائب [ عن ابن أبي ليلى ] قال: أدركت عشرين ومئة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الانصار، إذا سئل أحدهم عن شئ، ود أن أخاه كفاه.
وعن عبد الله بن الحارث، أنه اجتمع بابن أبي ليلى فقال: ما شعرت أن النساء ولدن مثل هذا.
شعبة: عن عمرو بن مرة، عن ابن أبي ليلى، قال: صحبت عليا رضي
الله عنه في الحضر والسفر، وأكثر ما يتحدثون عنه باطل .
قال الاعمش: رأيت ابن أبي ليلى وقد ضربه الحجاج، وكأن ظهره مسح وهو متكئ على ابنه وهم يقولون: العن الكذابين فيقول: لعن الله الكذابين.
يقول: الله الله، علي بن أبي طالب، عبد الله بن الزبير، المختار ابن أبي عبيد.
قال: وأهل الشام كأنهم حمير لا يدرون ما يقصد، وهو يخرجهم من اللعن .
قلت: ثم كان عبدالرحمن من كبار من خرج مع عبدالرحمن بن الاشعث من العلماء والصلحاء.
وكان له وفادة على معاوية ذكرها ولده القاضي محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى.
أخبرنا إسحاق الصفار، حدثنا ابن خليل، حدثنا اللبان، حدثنا أبو علي، أنبأنا أبو نعيم، حدثنا أبو بكر بن مالك، حدثنا عبد الله بن أحمد، حدثنا عبد الله بن عمر، حدثنا معاوية بن هشام، حدثنا سفيان، عن الاعمش، قال: كان عبدالرحمن بن أبي ليلى يصلي، فإذا دخل الداخل، نام على فراشه .
وبه قال أبو نعيم: حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن، حدثنا محمد بن
عثمان بن أبي شيبة، حدثنا يزيد بن مهران، حدثنا أبو بكر بن عياش، عن الاعمش، قال: رأيت عبدالرحمن محلوقا على المصطبة وهم يقولون له: العن الكذابين، وكان رجلا ضخما به ربو، فقال: اللهم العن الكذابين، آه [ ثم يسكت ]، علي، وعبد الله بن الزبير، والمختار.
اسم والده أبي ليلى: يسار، وقيل: بلال.
وقيل: داود بن أبي أحيحة ابن الجلاح بن الحريش بن جحجبى بن كلفة.
ابن عيينة: عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: كان لعبد الرحمن ابن أبي ليلى بيت فيه مصاحف يجتمع إليه فيه القراء، قلما تفرقوا إلا عن طعام، فأتيته ومعي تبر، فقال: أتحلي به سيفا ؟ قلت: لا.
قال: فتحلي به مصحفا ؟ قلت: لا.
قال: فلعلك تجعلها أخراصا فإنها تكره.
قال ثابت: كان ابن أبي ليلى إذا صلى الصبح نشر المصحف، وقرأ حتى تطلع الشمس.
شريك: عن مغيرة، عن الشعبي، عن عبدالرحمن بن أبي ليلى، قال: كان رجل من بني إسرائيل يعمل بمسحاة له، فأصاب أباه، فشجه، فقال: لا يصحبني من فعل بأبي ما فعل، فقطع يده، فبلغ ذلك بني إسرائيل، ثم إن ابنة الملك أرادت أن تصلي في بيت المقدس، فقال: من نبعث بها ؟ قالوا: فلان، فبعث إليه، فقال،: أعفني، قال: لا، قال: فأجلني إذا أياما.
قال: فذهب فقطع مذاكيره في حق ، ثم جاء به خاتمه عليه، فقال: هذه وديعتي عندك فاحفظها.
قال: ونزلها الملك منزلا منزلا، انزل يوم كذا وكذا، كذا وكذا، ويوم كذاو كذا، كذا وكذا، فوقت له وقتا، فلما سار، جعلت ابنة الملك لا ترتقع به ، فتنزل حيث شاءت، وترتحل متى شاءت، وجعل إنما هو يحرسها وينام عندها، فلما قدم عليه، قالوا له: إنما كان ينام عند ها، فقال له الملك: خالفت ! وأراد قتله، فقال: اردد علي وديعتي، فلما ردها، فتح الحق، وتكشف عن مثل الراحة، ففشا ذلك في بني إسرائيل.
قال: فمات قاض لهم، فقالوا: من نجعل مكانه ؟ قالوا: فلان، فأبى، فلم يزالوا به حتى قال: دعوني حتى أنظر في أمري، فكحل عينيه بشئ حتى ذهب بصره.
قال: ثم جلس على القضاء فقام ليلة فدعا الله، فقال: اللهم إن كان هذا الذي صنعت لك رضى، فاردد علي خلقي أصح ما، كان، فأصبح وقد رد الله عليه بصره ومقلتيه أحسن ما كانتا ويده ومذاكيره.
أنبأنا بها أحمد بن سلامة، عن أبي المكارم التيمي، أنبأنا أبو علي، أنبأنا أبو نعيم، حدثنا أبو أحمد - يعني العسال في كتابه - حدثنا موسى بن إسحاق، حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا شريك، فذكرها.
وبه: إلى أبي نعيم، حدثنا سليمان بن أحمد، حدثنا علي بن عبد العزيز، حدثنا أبو غسان، حدثنا إسرائيل ، عن عبدالاعلى، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، قال: كنت جالسا عند عمر فأتاه راكب فزعم أنه رأى الهلال هلال شوال، فقال: أيها الناس أفطروا، ثم قام إلى عس من ماء
فتوضأ ومسح على موقين له ، ثم صلى المغرب، فقال له الراكب: ما جئتك إلا لاسألك عن هذا، أشيئا رأيت غيرك يفعله ؟ قال: نعم، رأيت خيرا مني وخير الامة، رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل ذلك.
تفرد به إسرائيل.
روي عن أبي حصين، أن الحجاج استعمل عبدالرحمن بن أبي ليلى على القضاء ثم عزله، ثم ضربه ليسب أبا تراب رضي الله عنه، وكان قد شهد النهروان مع علي.
وقال شعبة بن الحجاج: قدم عبد الله بن شداد بن الهاد، وابن أبي ليلى فاقتحم بهما فرسهما الفرات فذهبا - يعني غرقا.
وأما أبو نعيم الملائي فقال: قتل ابن أبي ليلى بوقعة الجماجم، يعني سنة اثنتين وثمانين (4)، وقيل: سنة ثلاث.
 
أم الدرداء :السيدة العالمة الفقيهة، هجيمة، وقيل: جهيمة الاوصابية الحميرية الدمشقية، وهي أم الدرداء الصغرى.
روت علما جما عن زوجها أبي الدرداء، وعن سلمان الفارسي، وكعب ابن عاصم الاشعري، وعائشة، وأبي هريرة، وطائفة.
وعرضت القرآن وهي صغيرة على أبي الدرداء.
وطال عمرها، واشتهرت بالعلم والعمل والزهد.
حدث عنها جبير بن نفير، وأبو قلابة الجرمي، وسالم بن أبي الجعد، ورجاء بن حيوة، ويونس بن ميسرة، ومكحول، وعطاء الكيخاراني، وإسماعيل بن عبيدالله بن أبي المهاجر، وزيد بن أسلم، وأبو حازم الاعرج، وإبراهيم بن أبي عبلة، وعثمان بن حيان المري.
قال أبو مسهر الغساني: أم الدرداء هي هجيمة بنت حيي الوصابية ، وأم الدرداء الكبرى هي خيرة بنت أبي حدرد، لها صحبة.
قال محمد بن سليمان بن أبي الدرداء: اسم أم الدرداء الفقيهة التي مات عنها أبو الدرداء وخطبها معاوية، هجيمة بنت حي الاوصابية.
وقال ابن جابر وعثمان بن أبي العاتكة: كانت أم الدرداء يتيمة في حجر أبي الدرداء، تختلف معه في برنس، تصلي في صفوف الرجال، وتجلس في حلق القراء تعلم القرآن، حتى قال لها أبو الدرداء يوما: الحقي بصفوف النساء.
عبد الله بن صالح، حدثنا معاوية بن صالح عن أبي الزاهرية، عن جبير ابن نفير، عن أم الدرداء، أنها قالت لابي الدرداء عند الموت: إنك خطبتني إلى أبوي في الدنيا فأكحوك، وأنا أخطبك إلى نفسك في الآخرة، قال: فلا تنكحين بعدي.
فخطبها معاوية فأخبرته بالذي كان، فقال: عليك بالصيام.
ورويت من وجه عن لقمان بن عامر، وزاد: وكان لها جمال وحسن.
وروى ميمون بن مهران عنها، قالت: قال لي أبو الدرداء: لا تسألي أحدا شيئا، فقلت، إن احتجت ؟ قال: تتبعي الحصادين، فانظري ما يسقط منهم فخذيه فاخبطيه ثم اطحنيه وكليه.
قال مكحول: كانت أم الدرداء فقيهة.
وعن عون بن عبد الله، قال: كنا نأتي أم الدرداء فنذكر الله عندها.
وقال يونس بن ميسرة: كن النساء يتعبدن مع أم الدرداء، فإذا ضعفن عن القيام، تعلقن بالحبال .
وقال عثمان بن حيان: سمعت أم الدرداء تقول: إن أحدهم يقول:
اللهم ارزقني، وقد علم أن الله لا يمطر عليه ذهبا ولا دراهم، وإنما يرزق بعضهم من بعض، فمن أعطي شيئا، فليقبل، فإن كان غنيا، فليضعه في ذي الحاجة، وإن كان فقيرا، فليستعن به.
قال إسماعيل بن عبيدالله: كان عبدالملك بن مروان جالسا في صخرة بيت المقدس، وأم الدرداء معه جالسة، حتى إذا نودي للمغرب قام وقامت تتوكأ على عبدالملك حتى يدخل بها المسجد، فتجلس مع النساء، ويمضي عبدالملك إلى المقام يصلي بالناس.
وعن يحيى بن يحيى الغساني، قال: كان عبدالملك بن مروان كثيرا ما يجلس إلى أم الدرداء في مؤخر المسجد بدمشق.
وعن عبد ربه بن سليمان، قال: حجت أم الدرداء في سنة إحدى وثمانين.
 
الشعبي :عامر بن شراحيل بن عبد بن ذي كبار - وذو كبار: قيل من أقيال
اليمن - الامام، علامة العصر، أبو عمرو الهمداني ثم الشعبي.
ويقال: هو عامر بن عبد الله، وكانت أمه من سبي جلولاء .
مولده في إمرة عمر بن الخطاب لست سنين خلت منها.
فهذه رواية وقيل: ولد سنة إحدى وعشرين.قاله شباب .وكانت جلولاء في سنة سبع عشرة .
وروى ابن عيينة عن السري بن إسماعيل، عن الشعبي، قال: ولدت عام جلولاء .
فهذه رواية منكرة، وليس السري بمعتمد، قد اتهم.وعن أحمد بن يونس: ولد الشعبي سنة ثمان وعشرين .ويقاربها رواية حجاج الاعور عن شعبة، قال لي أبو إسحاق: الشعبي أكبر مني بسنة أو سنتين .قلت: وإنما ولد أبو إسحاق بعد سنة اثنتين وثلاثين.وقال محمد بن سعد : هو من حمير، وعداده في همدان.قلت: رأى عليا رضي الله عنه وصلى خلفه، وسمع من عدة من كبراء الصحابة.
وحدث عن سعد بن أبي وقاص، وسعيد بن زيد، وأبي موسى الاشعري، وعدي بن حاتم وأسامة بن زيد، وأبي مسعود البدري، وأبي هريرة، وأبي سعيد، وعائشة، وجابر بن سمرة، وابن عمر، وعمران بن حصين، والمغيرة بن شعبة، وعبد الله بن عمرو، وجرير بن عبد الله، وابن عباس، وكعب بن عجرة، وعبد الرحمن بن سمرة، وسمرة بن جندب، والنعمان بن بشير، والبراء بن عازب، وزيد بن أرقم، وبريدة بن الحصيب، والحسن بن علي، وحبشي بن جنادة، والاشعث بن قيس الكندي، ووهب بن
خنبش الطائي، وعروة بن مضرس، وجابر بن عبد الله، وعمرو بن حريث، وأبي سريحة الغفاري، وميمونة، وأم سلمة، وأسماء بنت عميس، وفاطمة بنت قيس، وأم هانئ، وأبي جحيفة السوائي، وعبد الله بن أبي أوفى، وعبد الله بن يزيد الانصاري، وعبد الرحمن بن أبزى، وعبد الله بن الزبير، والمقدام بن معد يكرب، وعامر بن شهر، وعروة بن الجعد البارقي، وعوف بن مالك الاشجعي، وعبد الله بن مطيع بن الاسود العدوي، وأنس بن مالك، ومحمد ابن صيفي، وغير هؤلاء الخمسين من الصحابة.وحدث عن علقمة، والاسود، والحارث الاعور، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، والقاضي شريح وعدة.روى عنه الحكم، وحماد، وأبو إسحاق، وداود بن أبي هند، وابن عون وإسماعيل بن أبي خالد، وعاصم الاحول، ومكحول الشامي، ومنصور بن عبدالرحمن الغداني، وعطاء بن السائب، ومغيرة بن مقسم، ومحمد بن سوقة، ومجالد، ويونس بن أبي إسحاق، وابن أبي ليلى، وأبو حنيفة، وعيسى بن أبي عيسى الحناط ، وعبد الله بن عياش المنتوف، وأبو بكر الهذلي، وأمم سواهم.
وقبيلته: من كان منهم بالكوفة قيل: شعبي.ومن كان بمصر قيل: الاشعوبي.
ومن كان باليمن قيل لهم: آل ذي شعبين، ومن كان بالشام قيل: الشعباني، وأرى قبيلة شعبان نزلت بمرج " كفربطنا " فعرف بهم، وهم جميعا ولد حسان بن عمرو بن شعبين .
قال الحاكم أبو عبد الله: فبنو علي بن حسان بن عمرو رهط عامر الشعبي، دخلوا في جمهور همدان.وكان الشعبي توءما ضئيلا فكان يقول: إني زوحمت في الرحم.
قال: وأقام بالمدينة ثمانية أشهر هاربا من المختار، فسمع من ابن عمر وتعلم الحساب من الحارث الاعور، وكان حافظا وما كتب شيئا قط.
قال ابن سعد : أنبأنا عبد الله بن محمد بن مرة الشعباني، حدثني أشياخ من شعبان، منهم محمد بن أبي أمية - وكان عالما - أن مطرا أصاب اليمن، فجحف السيل موضعا فأبدى عن أزج عليه باب من حجارة، فكسر الغلق ودخل، فإذا بهو عظيم فيه سرير من ذهب، فإذا عليه رجل شبرناه فإذا طوله اثنا عشر شبرا، وإذا عليه جباب من وشي منسوجة بالذهب، وإلى جنبه محجن من ذهب على رأسه ياقوتة حمراء، وإذا رجل أبيض الرأس واللحية، له ضفران، وإلى جنبه لوح مكتوب فيه بالحميرية: باسمك اللهم رب حمير أنا حسان بن عمرو القيل إذ لا قيل إلا الله، عشت بأمل، ومت بأجل، أيام وخزهيد ، وما وخزهيد ؟ هلك فيه اثنا عشر ألف قيل، فكنت آخرهم قيلا، فأتيت جبل ذي شعبين ليجيرني من الموت فأخفرني.
وإلى جنبه سيف
مكتوب فيه: أنا قيل بي يدرك الثأر.
شعبة، عن منصور بن عبدالرحمن، عن الشعبي، قال: أدركت خمس مئة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم .سعيد بن عبد العزيز، عن مكحول، قال: ما رأيت أحدا أعلم من الشعبي.
هشيم: أنبأنا إسماعيل بن سالم، عن الشعبي، قال: ما مات ذو قرابة لي وعليه دين، إلا وقضيت عنه، ولا ضربت مملوكا لي قط، ولا حللت حبوتي إلى شئ مما ينظر الناس.أبو بكر بن عياش، عن أبي حصين، قال: ما رأيت أحدا قط كان أفقه من الشعبي.
قلت: ولا شريح ؟ فغضب وقال: إن شريحا لم أنظر أمره .
زائدة، عن مجالد، قال: كنت مع إبراهيم في أصحاب الملا، فأقبل الشعبي، فقام إليه إبراهيم، فقال له: يا أعور، لو أن أصحابي أبصروك ! ثم جاء، فجلس في موضع إبراهيم.
سليمان التيمي، عن أبي مجلز، قال: ما رأيت أحدا أفقه من الشعبي، لا سعيد بن المسيب، ولا طاووس، ولاعطاء، ولا الحسن، ولا ابن سيرين، فقد رأيت كلهم.
عبد الله بن رجاء: حدثنا جرير بن أيوب، قال: سأل رجل الشعبي عن ولد الزنى شر الثلاثة هو ؟ فقال: لو كان كذلك، لرجمت أمه وهو في بطنها ولم تؤخر حتى تلد.
ابن حميد: حدثنا حر، عن مغيرة، قال رجل من الكيسانية عند الشعبي: كانت عائشة من أبغض زوجات النبي صلى الله عليه وسلم إليه.قال: خالفت سنة نبيك.
على بن القاسم، عن أبي بكر الهذلي، قال لي ابن سيرين: الزم الشعبي، فلقد رأيته يستفتى وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم متوافرون .
قال أبو الحسن المدائني في كتاب الحكمة: قيل للشعبي: من أين لك كل هذا العلم ؟ قال: بنفي الاغتمام، والسير في البلاد، وصبر كصبر الحمام، وبكور كبكور الغراب .
قال ابن عيينة: علماء الناس ثلاثة، ابن عباس في زمانه، والشعبي في زمانه، والثوري في زمانه .
قال ابن سعد : كان الشعبي ضئيلا نحيفا، ولد هو وأخ له توءما.
قال أحمد بن عبد الله العجلي: سمع الشعبي من ثمانية وأربعين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.قال: ولا يكاد يرسل إلا صحيحا.
روى عقيل بن يحيى: حدثنا أبو داود، عن شعبة، عن منصور الغداني، عن الشعبي، قال: أدركت خمس مئة صحابي أو أكثر يقولون: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي .
وأما عمرو بن مرزوق، فرواه عن شعبة، وفيه: يقولون: علي وطلحة والزبير في الجنة .
ابن فضيل، عن ابن شبرمة: سمعت الشعبي يقول: ما كتبت سوداء في بيضاء إلى يومي هذا، ولا حدثني رجل بحديث قط إلا حفظته، ولا أجبت أن يعيده علي .هذا سماعنا في " مسند الدارمي ".
أنبأنا مالك بن إسماعيل، أنبأنا ابن فضيل: فكأن الشعبي يخاطبك به وهذا يدل على أنه أمي لاكتب ولاقرأ.
الفسوي في " تاريخه ": حدثنا الحميدي حدثنا سفيان، حدثنا ابن شبرمة، سمعت الشعبي يقول: ما سمعت منذ عشرين سنة رجلا يحدث بحديث إلا أنا أعلم به منه، ولقد نسيت من العلم ما لو حفظه رجل، لكان به عالما.نوح بن قيس، عن يونس بن مسلم، عن وادع الراسبي، عن الشعبي قال: ما أروي شيئا أقل من الشعر، ولو شئت، لانشدتكم شهرا لاأعيد .
ورويت عن نوح مرة فقال: عن يونس ووادع.
محمود بن غيلان: سمعت أبا أسامة يقول: كان عمر في زمانه رأس الناس وهو جامع، وكان بعده ابن عباس في زمانه، وكان بعده الشعبي في زمانه، وكان بعده الثوري في زمانه، ثم كان بعده يحيى بن آدم .شريك، عن عبدالملك بن عمير، قال: مرابن عمر بالشعبي وهو يقرأ المغازي، فقال: كأن هذا كان شاهدا معنا، ولهو أحفظ لهامني وأعلم .أشعب بن سوار، عن ابن سيرين، قال: قدمت الكوفة وللشعبي حلقة عظيمة، والصحابة يومئذ كثير .
ابن عيينة، عن داود بن أبي هند، قال: ما جالست أحدا أعلم من الشعبي.
وقال عاصم بن سليمان: ما رأيت أحدا أعلم بحديث أهل الكوفة والبصرة والحجاز والآفاق من الشعبي .أبو معاوية: سمعت الاعمش يقول: قال الشعبي: ألا تعجبون من هذا الاعور ؟ ! يأتيني بالليل فيسألني ويفتي بالنهار - يعني إبراهيم .
أبو شهاب، عن الصلت بن بهرام، قال: ما بلغ أحد مبلغ الشعبي، أكثر منه يقول لا أدري .
أبو عاصم، عن ابن عون، قال: كان الشعبي إذا جاءه شئ اتقاه، وكان إبراهيم يقول ويقول .
جعفر بن عون، عن محمد بن عبدالرحمن بن أبي ليلى، قال: كان إبراهيم صاحب قياس، والشعبي صاحب آثار .
ابن المبارك، عن ابن عون: كان الشعبي منبسطا، وكان إبراهيم منقبضا، فإذا وقعت الفتوى، انقبض الشعبي، وانبسط إبراهيم .
وقال سلمة بن كهيل: ما اجتمع الشعبي وإبراهيم إلا سكت إبراهيم.
أبو نعيم: حدثنا أبوالجابية الفراء، قال: قال الشعبي: إنا لسنا بالفقهاء، ولكنا سمعنا الحديث فرويناه، ولكن الفقهاء من إذا علم عمل .
مالك بن مغول: سمعت الشعبي يقول: ليتني لم أكن علمت من ذا العلم شيئا .
قلت: لانه حجة على العالم، فينبغي أن يعمل به، وينبه الجاهل، فيأمره وينهاه، ولانه مظنة أن لا يخلص فيه، وأن يفتخر به ويماري به، لينال رئاسة ودنيا فانية.
الحميدي: حدثنا سفيان، عن ابن شبرمة، سئل الشعبي عن شئ فلم
يجب فيه، فقال رجل عنده: أبو عمرو يقول فيه كذا وكذا.
فقال: الشعبي:هذا في المحيا، فأنت في الممات علي أكذب .قال ابن عائشة: وجه عبدالملك بن مروان الشعبي إلى ملك الروم - يعني رسولا - فلما انصرف من عنده قال: يا شعبي، أتدري ما كتب به إلي ملك الروم ؟ قال: وما كتب به يا أمير المؤمنين ؟ قال: كنت أتعجب لاهل ديانتك، كيف لم يستخلفوا عليهم رسولك.قلت: يا أمير المؤمنين لانه رآني ولم يرك.
أوردها الاصمعي، وفيها قال: يا شعبي، إنما أراد أن يغريني بقتلك.
فبلغ ذلك ملك الروم فقال: لله أبوه، والله ما أردت إلا ذاك.
يوسف بن بهلول الحافظ: حدثنا جابر بن نوح، حدثني مجالد [ عن الشعبي ]، قال: لما قدم الحجاج سألني عن أشياء من العلم فوجدني بها عارفا، فجعلني عريفا على قومي الشعبيين ومنكبا على جميع همدان وفرض لي، فلم أزل عنده بأحسن منزلة، حتى كان شأن عبدالرحمن بن الاشعث، فأتاني قراء أهل الكوفة، فقالوا: يا أبا عمرو، إنك زعيم القراء، فلم يزالوا حتى خرجت معهم، فقمت بين الصفين أذكر الحجاج وأعيبه بأشياء، فبلغني أنه قال: ألا تعجبون من هذا الخبيث ! أما لئن أمكنني الله منه، لاجعلن الدنيا عليه أضيق من مسك جمل.
قال: فما لبثنا أن هزمنا، فجئت إلى بيتي، وأغلقت علي، فمكثت تسعة أشهر، فندب الناس لخراسان، فقام قتيبة بن مسلم، فقال: أنا لها، فعقد له على خراسان، فنادى مناديه: من لحق
بعسكر قتيبة فهو آمن، فاشترى مولى لي حمارا، وزودني، ثم خرجت، فكنت في العسكر، فلم أزل معه حتى أتينا فرغانة ،فجلس ذات يوم وقد برق ، فنظرت إليه فقلت: أيها الامير، عندي علم [ ما تريد ] فقال: ومن أنت ؟ قلت: أعيذك ألا تسأل عن ذاك، فعرف أني ممن يخفي نفسه، فدعا بكتاب فقال: اكتب نسخة.قلت: لا تحتاج إلى ذلك فجعلت أمل عليه وهو ينظر حتى فرغ من كتاب الفتح.قال: فحملني على بغلة وأرسل إلي بسرق من حرير، وكنت عنده في أحسن منزلة، فإني ليلة أتعشى معه، إذا أنا برسول الحجاج بكتاب فيه: إذا نظرت في كتابي هذا، فإن صاحب كتابك عامر الشعبي، فإن فاتك، قطعت يدك على رجلك وعزلتك.
قال: فالتفت إلي، وقال: ما عرفتك قبل الساعة، فاذهب حيث شئت من الارض، فوالله لاحلفن له بكل يمين، فقلت: أيها الامير إن مثلي لا يخفى.فقال: أنت أعلم.
قال: فبعثني إليه وقال: إذا وصلتم إلى خضراء واسط فقيدوه، ثم أدخلوه على الحجاج.
فلما دنوت من واسط، استقبلني ابن أبي مسلم، فقال: يا أبا عمرو، إني لاضن بك عن القتل، إذا دخلت على الامير فقل كذا وقل كذا.
فلما أدخلت عليه ورآني قال: لا مرحبا ولا أهلا، جئتني ولست في الشرف من
قومك، ولا عريفا، ففعلت وفعلت، ثم خرجت علي.وأنا ساكت، فقال: تكلم.
فقلت: أصلح الله الامير، كل ما قلته حق، ولكنا قد اكتحلنا بعدك السهر، وتحلسنا الخوف، ولم نكن مع ذلك بررة أتقياء، ولا فجرة أقوياء، فهذا أوان حقنت لي دمي، واستقبلت بي التوبة.
قال: قد فعلت ذلك .وقال الاصمعي: لما أدخل الشعبي على الحجاج قال: هيه يا شعبي.
فقال: أحزن بنا المنزل، واستحلسنا الخوف ، فلم نكن فيما فعلنا بررة أتقياء، ولا فجرة أقوياء.فقال لله درك .قال ابن سعد : قال أصحابنا: كان الشعبي فيمن خرج مع القراء على الحجاج، ثم اختفى زمانا، وكان يكتب إلى يزيد بن أبي مسلم أن يكلم فيه الحجاج.
قلت: خرج القراء، وهم أهل القرآن والصلاح بالعراق على الحجاج لظلمه وتأخيره الصلاة والجمع في الحضر، وكان ذلك مذهبا واهيا لبني أمية كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم: " يكون عليكم أمراء يميتون الصلاة " .
فخرج على الحجاج عبدالرحمن بن الاشعث بن قيس الكندي، وكان شريفا مطاعا، وجدته أخت الصديق، فالتف على مائة ألف أو يزيدون، وضاقت على الحجاج الدنيا، وكاد أن يزول ملكه، وهزموه مرات، وعاين التلف وهو ثابت مقدام، إلى أن انتصر وتمزق جمع ابن الاشعث.وقتل خلق كثير من الفريقين.فكان من ظفر به الحجاج منهم قتله إلا من باء منهم بالكفر على نفسه فيدعه.سعيد بن عامر، عن حميد بن الاسود، عن عيسى الحناط قال: قال الشعبي: إنما كان يطلب هذا العلم من اجتمعت فيه خصلتان: العقل والنسك، فإن كان عاقلا ولم يكن ناسكا قال: هذا أمر لا يناله إلا النساك فلن أطلبه، وإن كان ناسكا ولم يكن عاقلا قال: هذا أمر لا يناله إلا العقلاء، فلن أطلبه.يقول الشعبي: فلقد رهبت أن يكون يطلبه اليوم من ليس فيه واحدة منهما، لاعقل ولانسك .قلت: أظنه أراد بالعقل الفهم والذكاء.قال مجالد: قال الشعبي: إسماعيل بن أبي خالد يزدرد العلم ازدرادا.وقلما روى الاعمش عن الشعبي، فروى حفص عن الاعمش، عن الشعبي، قال: لا بأس بذبيحة الليطة .فقلت للاعمش: يا أبا محمد، ما منعك من إتيان الشعبي ؟ قال: ويحك، كيف كنت آتيه وهو إذا رآني سخر بي ويقول: هذه هيئة عالم ! ما هيئتك إلا هيئة حائك.وكنت إذا أتيت إبراهيم أكرمني وأدناني.
قال عاصم الاحول: حدثني الشعبي بحديث، فقلت: إن هذا يرفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
قال: من دونه أحب إلينا إن كان فيه زيادة أو نقصان.
خالد الحذاء، عن حصين، عن عامر، قال: ما كذب على أحد في هذه الامة ما كذب على علي.
ابن عيينة: عن ابن شبرمة، عن الشعبي، قال: ما جلست مع قوم مذ كذاوكذا، فخاضوا في حديث إلا كنت أعلمهم به.عبيدالله بن موسى: حدثنا داود بن يزيد، سمعت الشعبي يقول: والله لو أصبت تسعا وتسعين مرة وأخطأت مرة، لاعدوا علي تلك الواحدة .
وعن زكريا بن أبي زائدة، عن الشعبي قال: كأني بهذا العلم تحول إلى خراسان.
عبد الله بن إدريس، عن عمرو بن خليفة، عن أبي عمرو، عن الشعبي، قال: أصبحت الامة على أربع فرق: محب لعلي مبغض لعثمان، ومحب لعثمان مبغض لعلي، ومحب لهما، ومبغض لهما.
قلت: من أيها أنت ؟ قال: مبغض لبا غضهما .
عبد الله بن إدريس: حدثنا عمي، قال لي الشعبي: أحدثك عن القوم كأنك شهد تهم، كان شريح أعلمهم بالقضاء، وكان عبيدة يوازي شريحا في علم القضاء، وأما علقمة، فانتهى إلى علم عبد الله لم يجاوزه، وأما مسروق، فأخذ عن كل.وكان الربيع بن خثيم أعلمهم علما، وأورعهم ورعا.
قال زكريا بن أبي زائدة: كان الشعبي يمر بأبي صالح فيأخذ بأذنه ويقول: تفسر القرآن وأنت لا تقرأ القرآن ! عبد الوهاب بن نجدة: حدثنا بقية، حدثنا سعيد بن عبد العزيز، حدثني ربيعة بن يزيد، قال: جلست إلى الشعبي بدمشق في خلافة عبد الملك، فحدث رجل من الصحابة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه قال: " اعبدواربكم ولا تشركوا به شيئا، وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة، وأطيعوا الامراء، فإن كان خيرا، فلكم، وإن كان شرا فعليهم وأنتم منه برآء " فقال له الشعبي: كذبت.هكذا رواه الحاكم فقال: حدثنا إبراهيم بن مضارب العمري، حدثنا أبو بكر محمد بن إسماعيل بن مهران، حدثنا عبد الوهاب.فكأنه أراد بها أخطأت.
قراد: حدثنا يونس بن أبي إسحاق، عن طارق بن عبدالرحمن، قال: كنت جالسا على باب الشعبي إذ جاء جرير بن يزيد بن جرير البجلي، فدعا الشعبي له بوسادة، فقلنا له: حولك أشياخ، وجاء هذا الغلام فدعوت له بوسادة ! ؟ قال: نعم، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ألقى لجده وسادة وقال: " إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه " .
شبابة: حدثنا يزيد بن عياض، عن مجالد، قال: كنت أمشي مع قيس الارقب، فمررنا بالشعبي، فقال لي الشعبي: اتق الله لا يشعلك بناره.
فقال قيس: أما والله قد كنت في هذه الدار - كذا قال، ولعله في هذا الرأي - ثم قال له: وما تركته إلا لحب الدنيا.قال: فقلت: إن كنت كاذبا، فلعنك الله.
قال: فهل تعرف أصحاب علي ؟ قال الشعبي: ماكنت أعرف فقهاء الكوفة إلا أصحاب عبد الله قبل أن يقدم علينا علي، ولقد كان أصحاب عبد الله يسمون قناديل المسجد، أو سرج المصر.
قال قيس: أفلا تعرف أصحاب علي ؟ قال: نعم.قال: فهل تعرف الحارث الاعور ؟ قال: نعم،
لقد تعلمت منه حساب الفرائض فخشيت على نفسي منه الوسواس، فلا أدري ممن تعلمه.
قال: فهل تعرف ابن صبور ؟ قال: نعم، ولم يكن بفقيه، ولم يكن فيه خير.
قال: فهل تعرف صعصعة بن صوحان ؟ قال: كان رجلا خطيبا ولم يكن بفقيه.
قال: فهل تعرف رشيد الهجري ؟ قال الشعبي: نعم،
بينما أنا واقف في الهجريين إذ قال لي رجل: هل لك في رجل علينا يحب أمير المؤمنين ؟ قلت: نعم.
فأدخلني على رشيد فقال: خرجت حاجا، فلما قضيت نسكي، قلت: لو أحدثت عهدا بأمير المؤمنين، فممرت بالمدينة، فأتيت باب علي رضي الله عنه، فقلت لانسان: استأذن لي على سيد المسلمين، فقال: هو نائم، وهو يحسب أني أعني الحسن، قلت: لست أعني الحسن إنما أعني أمير المؤمنين وإمام المتقين وقائد الغر المحجلين.
قال: أو ليس قد مات ! فبكى.
فقلت: أما والله إنه ليتنفس الآن بنفس حي، ويعترق من الدثار الثقيل.
فقال: أما إذ عرفت سر آل محمد، فادخل عليه، فسلم عليه.
فدخلت على أمير المؤمنين، فسلمت عليه، وأنبأني بأشياء تكون.
قال الشعبي: فقلت لرشيد: إن كنت كاذبا، فلعنك الله، ثم خرجت.
وبلغ الحديث زيادا، فقطع لسانه وصلبه قال شبابة: وحدثنيه غير واحد، عن مجالد، عن الشعبي.
إسماعيل بن أبي خالد، عن عامر، عن علقمة، قال: أفرط ناس في حب علي كما أفرطت النصارى في حب المسيح.وروى خالد بن سلمة، عن الشعبي قال: حب أبي بكر وعمر ومعرفة فضلهما من السنة.مالك بن مغول، عن الشعبي: ما بكيت من زمان إلا بكيت عليه .
روى مجالد وغيره، أن رجلا مغفلا لقي الشعبي ومعه امرأة تمشي،فقال: أيكما الشعبي ؟ قال: هذه
وعن عامر بن يساف ، قال: قال لي الشعبي: امض بنا نفر من أصحاب الحديث، فخرجنا، قال: فمر بنا شيخ، فقال له الشعبي: ما صنعتك ؟ قال: رفاء، قال: عندنا دن مكسور ترفوه لنا ؟ قال: إن هيأت لي سلوكا من رمل، رفوته.فضحك الشعبي حتى استلقى .
روى عطاء بن السائب، عن الشعبي قال: ما اختلفت أمة بعد نبيها إلا ظهر أهل باطلها على أهل حقها .عبد الواحد بن زياد، عن الحسن بن عبدالرحمن، قال: رأيت الشعبي سلم على نصراني فقال: السلام عليك ورحمة الله.فقيل له في ذلك فقال: أو ليس في رحمة الله، لولا ذلك، لهلك .
روى مجالد عن الشعبي قال: لعن الله أرأيت .
قال أبو بكر الهذلي، قال الشعبي: أرأيتم لو قتل الاحنف، وقتل معه صغير، أكانت ديتهما سواء، أم يفضل الاحنف لعقله وحلمه ؟ قلت: بل سواء.قال: فليس القياس بشئ .
مجالد، عن الشعبي: نعم الشئ الغوغاء، يسدون السيل ويطفئون الحريق، ويشغبون على ولاة السوء .وبلغنا عن الشعبي أنه قال: يا ليتني أنفلت من علمي كفافا لا علي ولا لي .
إسحاق الازرق، عن الاعمش، قال: أتى رجل الشعبي، فقال: ما اسم امرأة إبليس ؟ قال: ذاك عرس ما شهدته .
ابن عيينة، عن ابن شبرمة، قال: سئل الشعبي عمن نذر أن يطلق امرأته ؟ قال: ليس بشئ قال: فنهيت الشعبي أنا فقال: ردوا علي الرجل: نذرك في عنقك إلى يوم القيامة.
عيسى بن عبدالرحمن بن أبي ليلى، قال: رأيت الشعبي ينشد الشعر في المسجد، ورأيت عليه ملحفة حمراء، وإزارا أصفر .
قال ابن شبرمة: استعمل ابن هبيرة الشعبي على القضاء وكلفه أن يسامره فقال: لا أستطيع، فأفردني بأحدهما .قال عاصم الاحول، كان الشعبي أكثر حديثا من الحسن وأسن منه بسنتين.
الهيثم بن عدي: حدثنا مجالد، عن الشعبي.قال: كره الصالحون
الاولون الاكثار من الحديث، ولو استقبلت من أمري ما استدبرت ما حدثت إلا بما أجمع عليه أهل الحديث.قلت: الهيثم واه.
وروي عن الشعبي قال: رزق صبيان هذا الزمان من العقل ما نقص من أعمارهم في هذا الزمان.
قال ابن شبرمة: مر الشعبي - وأنا معه - بإنسان وهو يقول: فتن الشعبي لما * رفع الطرف إليها فلما رأى الشعبي، كأنه ، ولم يتم البيت، فقال الشعبي: نظر الطرف إليها.
قلت: هذه أبيات مشهورة، عملها رجل تحاكم هو وزوجته إلى الشعبي أيام قضائه ، يقول فيها: فتنته ببنان * وبخطي مقلتيها قال للجلواز قدمها وأحضر شاهديها.فقضى جورا على الخصم ولم يقض عليها قال ابن شبرمة [ عن الشعبي ]: إذا عظمت الحلقة فإنما هو نجاء أو نداء .
قرأت على إسحاق بن طارق: أخبركم ابن خليل، أنبأنا أبو المكارم اللبان، أنبأنا أبو علي الحداد، أنبأنا أبو نعيم، وحدثنا محمد بن علي بن محارب، حدثنا محمد بن إبراهيم البوشنجي ، حدثنا يعقوب بن كعب ، قال أبو نعيم.
وحدثنا محمد بن علي بن حبيش، حدثنا ابن زنجويه، أنبأنا إسماعيل بن عبد الله الرقي وحدثنا الطبراني، حدثنا أحمد بن المعلى، حدثنا هشام، قالوا: حدثنا عيسى بن يونس، عن عباد بن موسى، عن الشعبي، قال: أتي بي الحجاج موثقا، فلما انتهيت إلى باب القصر لقيني يزيد بن أبي مسلم فقال: إنا لله يا شعبي لما بين دفتيك من العلم، وليس بيوم شفاعة، بؤ للامير بالشرك والنفاق على نفسك فبالحري أن تنجو.
ثم لقيني محمد بن الحجاج فقال لي مثل مقالة يزيد، فلما دخلت عليه قال: وأنت يا شعبي فيمن خرج علينا وكثر ! قلت: أصلح الله الامير، أحزن بنا المنزل، وأجدب الجناب ، وضاق المسلك، واكتحلنا السهر، واستحلسنا الخوف، ووقعنا في خزية لم نكن فيها بررة أتقياء، ولا فجرة أقوياء.
قال: صدق والله، ما بروا في خروجهم علينا، ولا قووا علينا حيث فجروا.فأطلقوا عني.
قال: فاحتاج إلى فريضة، فقال: ما تقول في أخت وأم وجد ؟ قلت: اختلف فيها
خمسة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: عثمان، وزيد، وابن مسعود، وعلي، وابن عباس.قال: فما قال فيها ابن عباس ؟ إن كان لمنقبا .قلت: جعل الجد أبا وأعطى الام الثلث ولم يعط الاخت شيئا.قال: فما قال فيها أمير المؤمنين ؟ يعني عثمان - قلت: جعلها أثلاثا.
قال: فما قال فيها زيد ؟ قلت: جعلها من تسعة، فأعطى الام ثلاثا، وأعطى الجد أربعا، وأعطى الاخت سهمين.قال: فما قال فيها ابن مسعود ؟ قلت: جعلها من ستة، أعطى الاخت ثلاثا، وأعطى الام سهما، وأعطى الجد سهمين.
قال: فما قال فيها أبو تراب ؟ قلت: جعلها من ستة، فأعطى الاخت ثلاثا، والام سهمين، والجد سهما.قال: مر القاضي فليمضها على ما أمضاها عليه أمير المؤمنين عثمان، إذ دخل عليه الحاجب فقال: إن بالباب رسلا، قال: ائذن لهم.
فدخلوا عمائمهم على أوساطهم، وسيوفهم على عواتقهم، وكتبهم في أيمانهم، فدخل رجل من بني سليم، يقال له سيابة من عاصم، فقال: من أين أنت ؟ قال: من الشام، قال: كيف أمير المؤمنين، كيف حشمه ؟ قال: هل كان وراءك من غيث ؟ قال: نعم، أصابني فيما بيني وبين أمير المؤمنين ثلاث سحائب، قال: فانعت لي: قال: أصابتني سحابة بحوران، فوقع قطر صغار وقطر كبار، فكان الكبار لحمة للصغار، فوقع سبط متدارك، وهو السح الذي سمعت به، فواد سائل وواد نازح ، وأرض مقبلة وأرض مدبرة، فأصابتني سحابة بسواء، أو قال: بالقريتين - شك عيسى - فلبدت الدماث،وأسالت العزاز، وأدحضت التلاع ، فصدعت عن الكماة أماكنها.
وأصابتني أيضا سحابة فقاءت العيون بعد الري، وامتلات الاخاذ ، وأفعمت الاودية، وجئتك في مثل وجار الضبع.ثم قال: ائذن.
فدخل رجل من بني أسد، فقال: هل كان وراءك من غيث ؟ قال: لا، كثر الاعصار، واغبر البلاد، وأكل ما أشرف من الجنبة ، فاستيقنا أنه عام سنة.فقال: بئس المخبر أنت.ثم قال: ائذن.فدخل رجل من أهل اليمامة فقال: هل كان وراءك من غيث ؟ قال: تقنعت الرواد تدعو إلى زيادتها ، وسمعت قائلا يقول: هلم أظعنكم إلى محلة تطفا فيها النيران، وتشكى فيها النساء، وتنافس فيها المعزى.
قال الشعبي: فلم يدر الحجاج ما قال، فقال: ويحك، إنما تحدث أهل الشام، فأفهمهم فقال: نعم، أصلح الله الامير، أخصب الناس، فكان التمر والسمن والزبد واللبن، فلا توقد نار ليختبز بها، وأما تشكي النساء، فإن المرأة تظل بربق بهمها تمخض لبنها فتبيت ولها أنين من عضديها، كأنها ليستا معها، وأما تنافس المعزى، فإنها ترعى من أنواع الشجر وألوان الثمر، ونور النبات ما تشبع بطونها، ولا تشبع عيونها، فتبيت وقد امتلات أكراشها، لهامن الكظة جرة ، فتبقى الجرة حتى تستنزل بها الدرة.ثم قال: ائذن.
فدخل رجل من الموالي كان يقال: إنه من أشد الناس في ذلك الزمان ، فقال: هل كان وراءك من غيث ؟ قال: نعم، ولكني لا أحسن أقول كما قال هؤلاء.قال: قل كما تحسن.
قال: أصابتني سحابة بحلوان فلم أزل أطأ في إثرها حتى دخلت على الامير فقال الحجاج: لئن كنت أقصرهم في المطر خطبة، إنك أطولهم بالسيف خطوة .
وبه، إلى أبي نعيم، حدثنا أبو حامد بن جبلة، حدثنا أبو العباس السراج، حدثنا محمد بن عباد بن موسى العكلي، حدثنا أبي، أخبرني أبو بكرالهذلي، قال: قال لي الشعبي: ألا أحدثك تحفظه في مجلس واحد، إن كنت حافظا كما حفظت، إنه لما أتي بي الحجاج وأنا مقيد، فخرج إلي يزيد بن أبي مسلم، فقال: إنا لله، فذكر نحوه .
علي بن الجعد: أنبأنا شعبة، عن سلمة بن كهيل ومجالد، عن الشعبي، قال: شهدت عليا جلد شراحة يوم الخميس، ورجمها يوم الجمعة، فكأنهم أنكروا، أو رأى أنهم أنكروا.
فقال: جلدتها بكتاب الله، ورجمتها بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
رواه جماعة، عن الشعبي، وزاد بعضهم: إنها اعترفت بالزنى.قال إسماعيل بن مجالد، وخليفة، وطائفة: مات الشعبي سنة أربع ومئة.زاد ابن مجالد: وقد بلغ ثنتين وثمانين سنة .وقال الواقدي: مات سنة خمس ومئة، عن سبع وسبعين سنة .وفيهما أرخه محمد بن عبد الله بن نمير.
وقال الفلاس: في أول سنة ست ومئة.وقال يحيى: سنة ثلاث ومئة.والاول أشهر.
ومن كلامه: ابن عيينة، عن ابن شبرمة، عن الشعبي، قال: إنما سمي هوى لانه يهوي بأصحابه .
أبو عوانة، عن مغيرة، عن الشعبي، قال: لا أدري: نصف العلم .
أخبرنا عمر بن محمد الفارسي وجماعة، قالوا: أنبأنا ابن اللتي، أنبأنا أبو الوقت، أنبأنا الداودي، أنبأنا ابن حموية ، أنبأنا عيسى بن عمر، حدثنا أبو محمد الدارمي، أنبأنا محمد بن يوسف، حدثنا مالك - هو ابن مغول - قال:قال الشعبي: ما حدثوك هؤلاء عن النبي صلى الله عليه وسلم فخذه، وما قالوه برأيهم فألقه في الحش.
أخبرنا عبدالرحمن بن محمد إجازة، أنبأنا عمر بن محمد، أنبأنا هبة الله بن محمد، أنبأنا أبو طالب بن غيلان، أنبأنا أبو بكر الشافعي، حدثنا محمد بن الجهم السمري، حدثنا يعلى ويزيد، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن عامر، أنه سئل عن رجل نذر أن يمشي إلى الكعبة، فمشى نصف الطريق ثم ركب ؟ قال ابن عباس: إذا كان عاما قابلا، فليركب ما مشى وليمش ما ركب، وينحر بدنة.
 
سعيد بن جبير :ابن هشام، الامام الحافظ المقرئ المفسر الشهيد، أبو محمد، ويقال: أبو عبد الله الاسدي الوالبي، مولاهم الكوفي، أحد الاعلام.
روى عن ابن عباس فأكثر وجود، وعن عبد الله بن مغفل، وعائشة، وعدي بن حاتم، وأبي موسى الاشعري في سنن النسائي، وأبي هريرة، وأبي مسعود البدري وهو مرسل وعن ابن عمر، وابن الزبير، والضحاك بن قيس، وأنس، وأبي سعيد الخدري.وروى عن التابعين، مثل أبي عبدالرحمن السلمي.وكان من كبار العلماء.قرأ القرآن على ابن عباس.قرأ عليه أبو عمرو بن العلاء وطائفة.
وحدث عنه أبو صالح، السمان، وآدم بن سليمان والد يحيى، وأشعث ابن أبي الشعثاء، وأيوب السختياني وبكير بن شهاب، وثابت بن عجلان، وأبو المقدام ثابت بن هرمز، وجعفر بن أبي المغيرة، وأبو بشر جعفر بن أبي وحشية، وحبيب بن أبي ثابت، وحبيب بن أبي عمرة، وحسان بن أبي الاشرس، وحصين، والحكم، وحماد، وخصيف الجزري، وذر الهمداني، وزيد العمي، وسالم الافطس، وسلمة بن كهيل، وسليمان بن أبي المغيرة، وسليمان الاحول، وسليمان الاعمش، وسماك بن حرب، وأبو سنان ضرار بن مرة، وطارق بن عبدالرحمن، وطلحة بن مصرف، وأبو سنان طلحة بن نافع، وأبو حريز عبد الله بن حسين، وابنه عبد الله بن سعيد، وعبد الله بن عثمان
بن عامر الثعلبي، وعبد الكريم الجزري، وعبد الكريم أبو أمية البصري، وابنه عبدالملك بن سعيد، وعبد الملك بن أبي سليمان، وعبد الملك بن ميسرة، وعثمان بن حكيم، وعثمان بن أبي سليمان، وعثمان بن قيس، وعدي بن ثابت، وعزرة ابن عبدالرحمن، وعطاء بن السائب، وعكرمة بن خالد، وعلي بن بذيمة، وعمار الدهني، وعمرو بن دينار، وعمرو بن سعيد البصري، وعمروبن عمرو المدني، وعمرو بن مرة، وعمرو بن هرم، وفرقد السبخي، وفضيل بن عمرو الفقيمي، والقاسم بن أبي أيوب، والقاسم بن أبي بزة، وكثير بن كثير ابن المطلب، وكلثوم بن جبر، ومالك بن دينار، ومجاهد رفيقه، ومحمد بن سوقة، ومحمد بن أبي محمد، والزهري، ومحمد بن واسع، ومسعود بن مالك، ومسلم البطين، والمغيرة بن النعمان، ومنصور بن حيان، ومنصور بن المعتمر، والمنهال بن عمرو، وموسى بن أبي عائشة، وأبو شهاب الحناط الاكبر موسى بن نافع، وميمون بن مهران، وهشام بن حسان، وهلال بن خباب، ووبرة بن عبدالرحمن، ووهب بن مأنوس، وأبو هبيرة يحيى بن عباد، ويحيى بن ميمون أبو المعلى العطار، ويعلى بن حكيم، ويعلى بن مسلم،
وأبو إسحاق السبيعي، وأبو حصين الاسدي، وأبو الزبير المكي، وأبو الصهباء الكوفي، وأبو عون الثقفي، وأبو هاشم الرماني، وخلق كثير.
روى ضمرة بن ربيعة، عن أصبغ بن زيد، قال: كان لسعيد بن جبير ديك، كان يقوم من الليل بصياحه، فلم يصح ليلة من الليالي حتى أصبح، فلم يصل سعيد تلك الليلة، فشق عليه، فقال: ما له قطع الله صوته ؟ فما سمع له صوت بعد.فقالت له أمه: يا بني، لا تدع على شئ بعدها .
قال أبو الشيخ: قدم سعيد أصبهان زمن الحجاج، وأخذوا عنه .
وعن عمر بن حبيب قال: كان سعيد بن جبير بأصبهان لا يحدث، ثم رجع إلى الكوفة فجعل يحدث، فقلنا له في ذلك فقال: انشر بزك حيث تعرف .
قال عطاء بن السائب: كان سعيد بن جبير بفارس، وكان يتحزن، يقول: ليس أحد يسألني عن شئ.وكان يبكينا، ثم عسى أن لا يقوم حتى نضحك.شعبة، عن القاسم بن أبي أيوب: كان سعيد بن جبير بأصبهان، وكان غلام مجوسي يخدمه، وكان يأتيه بالمصحف في غلافه.قال القاسم بن أبي أيوب: سمعت سعيدا يردد هذه الآية في الصلاة بضعا وعشرين مرة (واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله) [ البقرة: 281 ] .أنبأنا أحمد بن أبي الخير، عن اللبان، أنبأنا الحداد، أنبأنا أبو نعيم، حدثنا أحمد بن جعفر، حدثنا عبد الله بن أحمد، حدثنا سعيد بن أبي الربيع السمان، حدثنا أبو عوانة، عن إسحاق مولى عبد الله بن عمر، عن هلال بن يساف، قال: دخل سعيد بن جبير الكعبة فقرأ القرآن في ركعة . يزيد: أنبأنا عبدالملك بن أبي سليمان، عن سعيد بن جبير، أنه كان يختم القرآن في كل ليلتين .يعقوب القمي، عن جعفر بن أبي المغيرة: كان ابن عباس إذا أتاه أهل الكوفة يستفتونه، يقول: أليس فيكم ابن أم الدهماء ؟ يعني سعيد بن جبير .قال ابن مهدي، عن سفيان، عن عمرو بن ميمون، عن أبيه ، قال: لقد مات سعيد بن جبير وما على ظهر الارض أحد إلا وهو محتاج إلى علمه.وقال ضرار بن مرة، عن سعيد بن جبير، قال: التوكل على الله جماع الايمان.
وكان يدعو: اللهم إني أسألك صدق التوكل عليك، وحسن الظن بك .
أبو عوانة، عن هلال بن خباب، قال: خرجت مع سعيد بن جبير في رجب، فأحرم من الكوفة بعمرة، ثم رجع من عمرته، ثم أحرم بالحج في النصف من ذي القعدة، وكان يحرم في كل سنة مرتين، مرة للحج، ومرة للعمرة.
ابن لهيعة، عن عطاء بن دينار، عن سعيد بن جبير، قال: إن الخشية أن تخشى الله حتى تحول خشيتك بينك وبين معصيتك، فتلك الخشية، والذكر طاعة الله، فمن أطاع الله، فقد ذكره، ومن لم يطعه فليس بذاكر وإن أكثر التسبيح وتلاوة القرآن .
وروي عن حبيب بن أبي ثابت: قال لي سعيد بن جبير: لان أنشر علمي أحب إلي من أن أذهب به إلى قبري .قال هلال بن خباب: قلت لسعيد بن جبير: ما علامة هلاك الناس ؟ قال: إذا ذهب علماؤهم .وقال عمربن ذر: كتب سعيد بن جبير إلى أبي كتابا أوصاه بتقوى الله وقال: إن بقاء المسلم كل يوم غنيمة، فذكر الفرائض والصلوات وما يرزقه الله من ذكره .
أحمد: حدثنا معتمر، عن الفضيل بن ميسرة، عن أبي حريز، أن سعيد بن جبير قال: لا تطفئوا سرجكم ليالي العشر.تعجبه العبادة ويقول: أيقظوا خدمكم يتسحرون لصوم يوم عرفة .
عباد بن العوام: أنبأنا هلال بن خباب: خرجنا مع سعيد بن جبير في جنازة، فكان يحدثنا في الطريق ويذكرنا، حتى بلغ، فلما جلس، لم يزل يحدثنا حتى قمنا، فرجعنا، وكان كثير الذكر لله .
وعن سعيد، قال: وددت الناس أخذوا ما عندي، فإنه مما يهمني .أبو بكر بن عياش، عن أبي حصين، قال: أتيت سعيد بن جبير بمكة، فقلت: إن هذا الرجل قادم يعني خالد بن عبد الله ولا آمنه عليك، فأطعني واخرج.فقال: والله لقد فررت حتى استحييت من الله.
قلت: إني لاراك كما سمتك أمك سعيدا.فقدم خالد مكة، فأرسل إليه فأخذه.
أحمد: حدثنا إبراهيم بن خالد، حدثنا أمية بن شبل، عن عثمان بن بوذويه قال: كنت مع وهب وسعيد بن جبير يوم عرفة بنخيل ابن عامر، فقال له وهب: يا أبا عبد الله، كم لك منذ خفت من الحجاج ؟ قال: خرجت عن امرأتي وهي حامل، فجاءني الذي في بطنها وقد خرج وجهه.
فقال وهب: إن من قبلكم كان إذا أصاب أحدهم بلاء، عده رخاء، وإذا أصابة رخاء، عده بلاء.
قال سالم بن أبي حفصة لما أتي الحجاج بسعيد بن جبير قال: أنا سعيد ابن جبير، قال: أنت شقي بن كسير، لاقتلنك.قال: فإذا أنا كما سمتني أمي، ثم قال: دعوني أصل ركعتين.قال: وجهوه إلى قبلة النصارى.قال: (أينما تولوا فثم وجه الله)، وقال: إني أستعيذ منك بما عاذت به مريم.
قال: وما عاذت به ؟ قال: قالت: (إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا).رواها ابن عيينة، عن سالم.ثم قال ابن عيينة: لم يقتل بعد سعيد إلا رجلا واحدا .وعن عتبة مولى الحجاج، قال: حضرت سعيدا حين أتى به الحجاج بواسط، فجعل الحجاج يقول: ألم أفعل بك ؟ ! ألم أفعل بك ؟ ! فيقول: بلى.قال: فما حملك على ما صنعت من خروجك عينا ؟ قال: بيعة كانت علي - يعني لابن الاشعث - فغضب الحجاج وصفق بيديه، وقال: فبيعة أمير المؤمنين كانت أسبق وأولى.
وأمر به، فضربت عنقه.وقيل: لو لم يواجهه سعيد بن جبير بهذا، لاستحياه كما عفا عن الشعبي لما لاطفه في الاعتذار.حامد بن يحيى البلخي: حدثنا حفص أبو مقاتل السمرقندي، حدثنا عون بن أبي شداد: بلغني أن الحجاج لما ذكر له سعيد بن جبير أرسل إليه قائدا يسمى المتلمس بن أحوص في عشرين من أهل الشام، فبينما هم يطلبونه إذا هم براهب في صومعته، فسألوه عنه فقال: صفوه لي، فوصفوه فدلهم عليه، فانطلقوا فوجدوه ساجدا يناجي بأعلى صوته، فدنوا وسلموا،
فربع رأسه، فأتم بقية صلاته، ثم رد عليه السلام، فقالوا: إنا رسل الحجاج إليك، فأجبه، قال: ولا بد من الاجابة ؟ قالوا: لابد، فحمد الله وأثنى عليه وقام معهم حتى انتهى إلى دير الراهب، فقال الراهب: يا معشر الفرسان أصبتم صاحبكم ؟ قالوا: نعم.فقال: اصعدوا، فإن اللبوة والاسد يأويان حول الدير.ففعلوا وأبى سعيد أن يدخل.فقالوا: ما نراك إلا وأنت تريد الهرب
منا، قال: لا، ولكن لا أدخل منزل مشرك أبدا، قالوا: فإنا لا ندعك، فإن السباع تقتلك، قال: لاضير، إن معي ربي يصرفها عني ويجعلها حرسا تحرسني، قالوا: فأنت من الانبياء ؟ قال: ما أنا من الانبياء، ولكن عبد من عبيدالله مذنب.قال الراهب: فليعطني ما أثق به على طمأنينة.
فعرضوا على سعيد أن يعطي الراهب ما يريد، قال، إني أعطي العظيم الذي لا شريك له، لا أبرح مكاني حتى أصبح إن شاء الله.فرضي الراهب بذلك، فقال لهم: اصعدوا وأوتروا القسي لتنفروا السباع عن هذا العبد الصالح، فإنه كره الدخول في الصومعة لمكانكم.فلما صعدوا وأوتروا القسي، إذا هم بلبوة قد أقبلت، فلما دنت من سعيد، تحككت به وتمسحت به، ثم ربضت قريبا منه.وأقبل الاسد يصنع كذلك.فلما رأى الراهب ذلك وأصبحوا، نزل إليه، فسأله عن شرائع دينه، وسنن رسوله، ففسر له سعيد ذلك كله، فأسلم، وأقبل القوم على سعيد يعتذرون إليه ويقبلون يديه ورجليه، ويأخذون التراب الذي وطئه فيقولون: يا سعيد، حلفنا الحجاج بالطلاق والعتاق، إن نحن رأيناك لا ندعك حتى نشخصك إليه، فمرنا بما شئت، قال: امضوا لامركم، فإني لائذ بخالقي ولا راد لقضائه، فساروا حتى بلغوا واسطا فقال سعيد: قد تحرمت بكم وصحبتكم، ولست أشك أن أجلي قد حضر فدعوني الليلة آخذ أهبة الموت، وأستعد لمنكر ونكير، وأذكر عذاب القبر، فإذا أصبحتم فالميعاد بيننا المكان الذي تريدون.فقال بعضهم: لا تريدون أثرا بعد عين، وقال بعضهم: قد بلغتم أمنكم ، واستوجبتم جوائز الامير، فلا تعجزوا عنه.وقال بعضهم: يعطيكم ما أعطى الراهب،ويلكم أما لكم عبرة بالاسد ؟ ! ونظروا إلى سعيد قد دمعت عيناه، وشعث رأسه، واغبر لونه، ولم يأكل ولم يشرب ولم يضحك منذ يوم لقوه وصحبوه، فقالوا: يا خير أهل الارض، ليتنا لم نعرفك، ولم نسرح إليك، الويل لنا ويلا طويلا، كيف ابتلينا بك ! اعذرنا عند خالقنا يوم الحشر الاكبر، فإنه القاضي الاكبر، والعدل الذي لا يجور.قال: ما أعذرني لكم وأرضاني لما سبق من علم الله في.فلما فرغوا من البكاء والمجاوبة، قال كفيله: أسألك بالله لما زودتنا من دعائك وكلامك، فإنا لن نلقى مثلك أبدا.ففعل ذلك.فخلوا سبيله.فغسل رأسه ومدرعته وكساءه وهم محتفون الليل كله، ينادون بالويل واللهف.فلما انشق عمود الصبح، جاءهم سعيد فقرع الباب، فنزلوا وبكوا معه، وذهبوا به إلى الحجاج، وآخر معه.فدخلا، فقال الحجاج: أتيتموني بسعيد بن جبير ؟ قالوا : نعم، وعاينا منه العجب.فصرف بوجهه عنهم.
فقال: أدخلوه علي.فخرج المتلمس فقال [ لسعيد ] أستودعك الله، وأقرأ عليك السلام.
فأدخل عليه.فقال: ما اسمك ؟ قال: سعيد بن جبير، قال: أنت شقي بن كسير.
قال: بل أمي كانت أعلم باسمي منك.قال: شقيت أنت وشقيت أمك.
قال: الغيب يعلمه غيرك.قال: لابدلنك بالدنيا نارا تلظى.قال: لو علمت أن ذلك بيدك لاتخذتك إلها.قال: فما قولك في محمد صلى الله عليه وسلم ؟ قال: نبي الرحمة،إمام الهدى.
قال: فما قولك في علي، في الجنة هو أم في النار ؟ قال: لو دخلتها، فرأيت أهلها عرفت.
قال: فما قولك في الخلفاء ؟ قال: لست عليهم بوكيل.قال: فأيهم أعجب إليك ؟ قال: أرضاهم لخالقي.قال: فأيهم أرضى للخالق ؟ قال: علم ذلك عنده.قال: أبيت أن تصدقني.قال: إني لم أحب أن أكذبك.قال: فما بالك لم تضحك ؟ قال: لم تستو القلوب.قال: ثم أمر الحجاج باللؤلؤ والياقوت والزبرجد فجمعه بين يدي سعيد، فقال: إن كنت جمعته لتفتدي به من فزع يوم القيامة فصالح، وإلا، ففزعة واحدة تذهل كل مرضعة عما أرضعت، ولا خير في شئ جمع للدنيا، إلا ما طاب وزكا.ثم دعا الحجاج بالعود والناي، فلما ضرب بالعود ونفخ في الناي بكى، فقال الحجاج: ما يبكيك ؟ هو اللهو.قال: بل هو الحزن، أما النفخ، فذكرني يوم نفخ الصور، وأما العود، فشجرة قطعت من غير حق، وأما الاوتار فأمعاء شاة يبعث بها معك يوم القيامة.فقال الحجاج: ويلك يا سعيد.قال: الويل لمن زحزح عن الجنة وأدخل النار.قال: اختر أي قتلة تريد أن أقتلك، قال: اختر لنفسك يا حجاج، فوالله ما تقتلني قتلة إلا قتلتك قتلة في الآخرة.قال: فتريد أن أعفو عنك ؟ قال: إن كان العفو، فمن الله، وأما أنت فلا براءة لك ولاعذر.قال: اذهبوا به فاقتلوه.
فلما خرج من الباب، ضحك، فأخبر الحجاج بذلك، فأمر برده، فقال: ما أضحكك ؟ قال: عجبت من جرأتك على الله وحلمه عنك ! فأمر بالنطع فبسط، فقال: اقتلوه.فقال: (وجهت وجهي للذي فطر السموات والارض).قال: شدوا به لغير القبلة.قال: (فأينما تولوا فثم وجه الله).
قال: كبوه لوجهه.قال: (منها خلقناكم وفيها نعيدكم) قال: اذبحوه قال: إني أشهد وأحاج أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له وأن محمدا عبده ورسوله، خذها مني حتى تلقاني يوم القيامة.
ثم دعا سعيد الله وقال: اللهم لا تسلطه على أحد يقتله بعدي.فذبح على النطع.
وبلغنا أن الحجاج عاش بعده خمس عشرة ليلة، وقعت في بطنه الاكلة فدعا بالطبيب لينظر إليه، فنظر إليه، ثم دعا بلحم منتن، فعلقه في خيط ثم أرسله في حلقه، فتركه ساعة ثم استخرجه وقد لزق به من الدم، فعلم أنه ليس بناج.هذه حكاية منكرة، غير صحيحة.رواها أبو نعيم في " الحلية " فقال: حدثنا أبي، حدثنا خالي أحمد بن محمد بن يوسف، أخبرني أبو أمية محمد بن إبراهيم كتابة، حدثنا حامد بن يحيى.
هارون الحمال : حدثنا محمد بن مسلمة المخزومي، حدثنا مالك، عن يحيى بن سعيد، عن كاتب الحجاج قال مالك - هو أخ لابي سملة الذي كان على بيت المال - قال: كنت أكتب للحجاج وأنا يومئذ غلام يستخفني ويستحسن كتابتي، وأدخل عليه بغير إذن، فدخلت عليه يوما بعدما قتل سعيد ابن جبير وهو في قبة له، لها أربعة أبواب، فدخلت عليه مما يلي ظهره، فسمعته يقول: مالي ولسعيد بن جبير، فخرجت رويدا وعلمت أنه إن علم بي قتلني، فلم ينشب إلا قليلا حتى مات .أبو حذيفة النهدي: حدثنا سفيان، عن عمر بن سعيد بن أبي حسين، قال: دعا سعيد بن جبير حين دعي للقتل ، فجعل ابنه يبكي، فقال: مايبكيك ؟ ما بقاء أبيك بعد سبع وخمسين سنة ؟ ابن حميد: حدثنا يعقوب القمي، عن جعفر بن أبي المغيرة، عن سعيد، قال: قحط الناس في زمان ملك من ملوك بني إسرائيل ثلاث سنين، فقال الملك: ليرسلن علينا السماء أو لنؤذينه، قالوا: كيف تقدر على أن تؤذيه، وهو في السماء وأنت في الارض ؟ قال: أقتل أولياءة من أهل الارض فيكون ذلك أذى له.قال: فأرسل الله عليهم السماء .وروى أصبغ بن زيد، عن القاسم الاعرج، قال: كان سعيد بن جبير يبكي بالليل حتى عمش .
وروي عن ابن شهاب، قال: كان سعيد بن جبير يؤمنا، يرجع صوته بالقرآن .
وروى الثوري، عن حماد، قال: قال سعيد: قرأت القرآن في ركعتين في الكعبة .
جرير الضبي، عن أشعث بن إسحاق، قال: كان يقال: سعيد بن جبير [ جهبذ ] العلماء .
ابن عيينة، عن أبي سنان، عن سعيد بن جبير، قال: لدغتني عقرب، فأقسمت علي أمي أن أسترقي، فأعطيت الراقي يدي التي لم تلدغ، وكرهت أن أحنثها .
جرير بن حازم، عن يعلى بن حكيم، قال: قال سعيد بن جبير: ما رأيت أرعى لحرمة هذا البيت، ولا أحرص عليه، من أهل البصرة، لقد رأيت جارية ذات ليلة تعلقت بأستار الكعبة تدعووتضرع وتبكي حتى ماتت.إسنادها صحيح.
محمد بن حميد الرازي: حدثنا يعقوب القمي، عن جعفر بن أبي المغيرة، عن سعيد بن جبير، قال: لما أهبط الله آدم إلى الارض، كان فيها نسر وحوت، لم يكن غيرهما، فلما رأى النسر آدم، وكان يأوي إلى الحوت يبيت عنده، فقال: يا حوت لقد أهبط اليوم إلى الارض شئ يمشي على رجليه، ويبطش بيديه.قال: لئن كنت صادقا مالي في البحر منه منجى، ولا لك في البر .
وروي عن سعيد بن جبير، قال: لو فارق ذكر الموت قلبي، لخشيت أن يفسد علي قلبي .
وعنه، قال: إنما الدنيا جمع من جمع الآخرة.رواه ضمرة بن ربيعة عن هشام ، عنه.
قال ابن فضيل، عن بكير بن عتيق، قال: سقيت سعيد بن جبير شربة من عسل في قدح، [ فشربها ] ثم قال: والله لاسألن عنه، قلت: لم ؟ قال:شربته وأنا أستلذه .وعن خلف بن خليفة، عن أبيه، قال: شهدت مقتل سعيد، فلما بان رأسه قال: لا إله إلا الله، لا إله إلا الله، ولم يتم الثالثة .
همام بن يحيى، عن محمد بن جحادة، عن أبي معشر، عن سعيد بن جبير، قال: رآني أبو مسعود البدري في يوم عيد ولي ذؤابة، فقال: يا غلام، إنه لا صلاة في مثل هذا اليوم قبل صلاة الامام، فإذا صلى الامام، فصل بعدها ركعتين، وأطل القراءة.
شعبة، عن الاعمش، عن مجاهد قال: قال ابن عباس لسعيد بن جبير: حدث.
قال: أحدث وأنت ها هنا ؟ ! قال: أو ليس من نعمة الله عليك أن تحدث وأنا شاهد، فإن أصبت فذاك، وإن أخطأت، علمتك .يعقوب القمي، عن جعفر بن المغيرة، عن سعيد بن جبير، قال: ربما أتيت ابن عباس، فكتبت في صحيفتي حتى أملاها، وكتبت في نعلي حتى أملاها، وكتبت في كفي .قال جعفر بن أبي المغيرة: كان ابن عباس بعدما عمي إذا أتاه أهل الكوفة يسألونه، يقول:تسألوني وفيكم ابن [ أم ] دهماء ! - يعني سعيد بن جبير .وقال أيوب السختياني، عن سعيد بن جبير، قال: كنت أسأل ابن عمر في صحيفة، ولو علم بها كانت الفيصل بيني وبينه .
الثوري، عن أسلم المنقري، عن سعيد بن جبير، قال: سأل رجل ابن عمر عن فريضة، فقال: ائت سعيد بن جبير، فإنه أعلم بالحساب مني، وهو يفرض فيها ما أفرض .
عبد الواحد بن زياد، حدثنا أبو شهاب، قال: كان يقص لنا سعيد بن جبير كل يوم مرتين: بعد الفجر وبعد العصر .قيس بن الربيع، عن الصعب بن عثمان، قال: قال سعيد بن جبير: ما مضت علي ليلتان منذ قتل الحسين إلا أقرأ فيهما القرآن، إلا مريضا أو مسافرا .
إسرائيل، عن أبي الجحاف، عن مسلم البطين، عن سعيد بن جبير،أنه كان لا يدع أحدا يغتاب عنده .أبو نعيم: حدثنا إسماعيل بن عبدالملك، قال: رأيت سعيد بن جبير يصلي في الطاق، ولا يقنت في الصبح، ويعتم، ويرخي لها طرفا من ورائه شبرا.قلت: الطاق: هو المحراب.
قال هلال بن خباب: [ رأيت سعيد بن جبير ] أهل من الكوفة .
قال محمد بن سعد : كان الذي قبض على سعيد بن جبير والي مكة خالد بن عبد الله القسري، فبعث بن إلى الحجاج، فأخبرنا يزيد عن عبد الملك بن أبي سليمان، قال سمع خالد بن عبد الله صوت القيود فقال: ما هذا ؟ قيل: سعيد بن جبير وطلق بن حبيب وأصحابهما يطوفون بالبيت، فقال: اقطعوا عليهم الطواف.وأنبأنا عبيدالله بن موسى، أنبأنا الربيع بن أبي صالح، قال: دخلت على سعيد بن جبير حين جئ به إلى الحجاج، فبكى رجل، فقال سعيد: مايبكيك ؟ قال: لما أصابك، قال: فلا تبك، كان في علم الله أن يكون هذا، ثم تلا: (ما أصاب من مصيبة في الارض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها) [ الحديد: 22 ].
حماد بن زيد، عن أيوب: سئل سعيد بن جبير عن الخضاب بالوسمة فكرهه، وقال: يكسو الله العبد النور في وجهه، ثم يطفئه بالسواد .
الحسين بن حميد بن الربيع: حدثنا واصل بن عبدالاعلى، حدثنا أبو بكر بن عياش، عن أبي حصين، قال: رأيت سعيدا بمكة فقلت: إن هذا قادم - يعني خالد بن عبد الله - ولست آمنه عليك، قال: والله لقد فررت حتى استحييت من الله .
قلت: طال اختفاؤه، فإن قيام القراء على الحجاج كان في سنة اثنتين وثمانين، وما ظفروا بسعيد إلى سنة خمس وتسعين، السنة التي قلع الله فيها الحجاج.
قال أبو بكر بن عياش: فأخبرني يزيد بن أبي زياد، قال: أتينا سعيدا فإذا هو طيب النفس، وبنته في حجره فبكت، وشيعناه إلى باب الجسر فقال الحرس له: أعطنا كفيلا فإنا نخاف أن تغرق نفسك، قال: فكنت فيمن كفل به.قال أبو بكر: فبلغني أن الحجاج قال: ائتوني بسيف عريض .
قال سليمان التيمي: كان الشعبي يرى التقية، وكان ابن جبير لا يرى التقية، وكان الحجاج إذا أتي بالرجل - يعني ممن قام عليه - قال له: أكفرت بخروجك علي ؟ فإن قال نعم، خلى سبيله.
فقال لسعيد: أكفرت ؟ قال: لا.قال: اختر أي قتلة أقتلك.قال: اختر أنت فإن القصاص أمامك.
أبو نعيم: حدثنا عبد الواحد بن أيمن، قال: قلت لسعيد بن جبير: ما تقول للحجاج ؟ قال: لا أشهد على نفسي بالكفر. إبراهيم بن طهمان، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: " كان نبي الله سليمان إذا قام في مصلاه رأى شجرة نابتة بين يديه، فقال لها: ما اسمك؟قالت:الخرنوب.قال: لاي شئ أنت؟فقالت: لخراب هذا البيت .فقال:اللهم عم عليهم موتي حتى يعلم الانس أن الجن لا تعلم الغيب.قال فنحتها عصا يتوكأ عليها، فأكلتها الارضة فسقطت، فخر، فحزروا أكلها الارضة، فوجدوه حولا، فتبينت الانس أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين - وكان ابن عباس يقرؤها هكذا - فشكرت الجن الارضة، فكانت تأتيها بالماء حيث كانت.
أخبرنا يحيى بن أحمد الجذامي، ومحمد بن حسين الفوي، قالا: أنبأنا محمد بن عماد، أنبأنا عبد الله بن رفاعة، أنبأنا أبو الحسن الخلعي، أنبأنا شعيب بن عبد المنهال، حدثنا أحمد بن الحسن بن إسحاق الرازي، حدثنا أبوالزنباع روح بن الفرج، حدثنا عمرو بن خالد، حدثنا عبيدالله بن عمرو، عن عبد الكريم بن مالك الجزري، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: " يكون قوم في آخر الزمان يخضبون بهذا السواد، كحواصل الحمام، لا يريحون رائحة الجنة ".هذا حديث حسن غريب، أخرجه أبو داود والنسائي من طريق عبد الله الرقي.
قال خلف بن خليفة، عمن حدثه: إن سعيد بن جبير لما ندر رأسه هلل ثلاث مرات يفصح بها .
يحيى بن حسان التنيسي : حدثنا صالح بن عمر، عن داود بن أبي هند، قال: لما أخذ الحجاج سعيد بن جبير قال: ما أراني إلا مقتولا وسأخبركم: إني كنت أنا وصاحبان لي دعونا حين وجدنا حلاوة الدعاء، ثم سألنا الله الشهادة، فكلا صاحبي رزقها، وأنا أنتظرها، قال: فكأنه رأى أن الاجابة عند حلاوة الدعاء .قلت: ولما علم من فضل الشهادة ثبت للقتل ولم يكثرت، ولا عامل عدوه بالتقية المباحة له، رحمه الله تعالى.
أحمد بن داود الحراني، حدثنا عيسى بن يونس، سمعت الاعمش يقول: لما جئ بسعيد بن جبير وطلق بن حبيب وأصحابهما، دخلت عليهم السجن، فقلت: جاء بكم شرطي أو جليويز من مكة إلى القتل أفلا كتفتموه وألقيتموه في البرية ؟ ! فقال سعيد: فمن كان يسقيه الماء إذا عطش.
محمد بن عبد الله بن عبد الحكم: حدثنا أبي، سمعت مالكا يقول: حدثني ربيعة عن سعيد بن جبير، وكان سعيد من العباد العلماء، قتله الحجاج، وجده في الكعبة وناسا فيهم طلق بن حبيب، فسار بهم إلى العراق،فقتلهم عن غير شئ تعلق عليهم به إلا العبادة.
فلما قتل سعيد بن جبير، خرج منه دم كثير حتى راع الحجاج، فدعا طبيبا قال له: ما بال دم هذا
كثير ؟ قال: إن أمنتني أخبرتك، فأمنه، قال: قتلته ونفسه معه .
عبد السلام بن حرب، عن خصيف، قال: كان أعلمهم بالقرآن مجاهد، وأعلمهم بالحج عطاء، وأعلمهم بالحلال والحرام طاووس، وأعلمهم بالطلاق سعيد بن المسيب، وأجمعهم لهذه العلوم سعيد بن جبير .أبو أسامة عن الاعمش: حدثني مسعود بن الحكم قال: قال لي علي ابن الحسين: أتجالس سعيد بن جبير ؟ قلت: نعم.قال: لاحب مجالسته وحديثه.
ثم أشار نحو الكوفة وقال: إن هؤلاء يشيرون إلينا بما ليس عندنا .
جرير، عن أشعث بن إسحاق قال: كان يقال: سعيد بن جبير جهبذ العلماء .
الاصبغ بن زيد قال: كنت إذا سألت سعيد بن جبير عن حديث، فلم يرد أن يحدثني، قال: كيف تباع الحنطة ؟ محمد بن أحمد بن البراء: حدثنا علي بن المديني، قال: ليس في أصحاب ابن عباس مثل سعيد بن جبير.قيل: ولا طاووس ؟ قال: ولا طاووس ولا أحد.
وكان قتله في شعبان سنة خمس وتسعين، ومن زعم أنه عاش تسعا وأربعين سنة لم يصنع شيئا، وقد مر قوله لابنه: ما بقاء أبيك بعد سبع وخمسين.
فعلى هذا يكون مولده في خلافة أبي الحسن علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
أخبرنا يوسف بن أحمد، وعبد الحافظ بن بدران، قالا: أنبأنا موسى ابن عبد القادر، أنبأنا سعيد بن أحمد، أنبأنا علي بن أحمد بن البسري ، أنبأنا أبو طاهر المخلص، حدثنا عبد الله بن محمد، حدثنا أبو نصر التمار، حدثنا عبد العزيز بن مسلم، عن الاعمش، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " استغنوا عن الناس ولو بشوص السواك " .
وبه، إلى المخلص، حدثنا عبد الله البغوي، حدثنا أبو الربيع الزهراني حدثنا يعقوب القمي، حدثنا جعفر بن أبي المغيرة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: سلونا فإنكم لن تسألونا عن شئ إلا وقد سألنا عنه، فقال رجل: أفي الجنة غناء ؟ قال: فيها أكمات من مسك، عليهن جوار يحمدن الله عزوجل بأصوات لم تسمع الآذان بمثلها قط.


 
أعلى