سراج الليل .... جلاّب الهموم - الحلقة الأولى
قصة قصيرة "شبه" واقعية
قصة قصيرة "شبه" واقعية
صحا من نومه مذعورا ً .. "يا ألهي ماهذا الكابوس المزعج" قالها فزعا ً .. لقد كان كابوسا ً من النوع الثقيل على نفسه و هو الذي تعود أن ينام خفيفا ً كي لا تأتيه الكوابيس الخفيف منها و الثقيل. رأى "سراج" في منامه النادر هذه الأيام ذئبا ً أزرقا ً ينظر إليه بعين الترقب و يدارجه من جميع الجهات الأربع منتظرا ً الفرصة التي ينقض فيها عليه حتى ينهش من لحمه القليل بعد أن يقتطع جلده الخشن من فوقه. "الحمد لله ... الحمد لله ... حلم حلم .. أشوه" تلك كانت كلماته بعد أن أضاء نور المصباح الموجود على الرف بجانب سريره.
نظر إلى الساعة فوجدها قد قاربت الخامسة صباحا ً و أحتار بين العودة إلى النوم قليلا ً أو الإستيقاظ مبكرا ً جدا ً فأختار أن لا يعود إلى النوم هذا الصباح خوفا ً من أن يعود إليه ذلك الكابوس الذئبي المرعب ... "اليوم الثلاثاء ... يالله قربت العطلة" قالها و هو ينظر إلى الروزنامة المثبته على حائط غرفته الخاصة فقد أعتاد أن يتوقف عن العمل كل أربعاء لكي يحصل على عطلة نهاية أسبوع طويلة يمكنه فيها أن يمارس هواياته الشخصية وهو المولع بالذهاب إلى البحر ليلجأ إليه بعد عناء أربعة أيام من العمل الجاد و المتواصل. نهض من السرير بحيوية يحسده عليها شباب هذا الزمن وهو الذي تعدى الخمسين عاما ً بقليل ... "عليه توكلنا و به نستعين" كلمته التي ينطق بها مع أول خطوة يخطوها خارج السرير الوثير .. نطقها هذه المرة عجلا ً و لو لم يكن مخاطبا ً بها نفسه لتعذر على المستمع إليها الإستيعاب أو تمييز الكلمات.
كوب من القهوة الأمريكية الحارة المخلوطة بالحليب الطبيعي مع قليل من سكر الفواكه مضافا ً إليها فطيرة من الجبن المعد محليا ً في أحد المتاجر القريبة من سكنه هو كل ما يتناوله صباحا ً قبل الذهاب إلى العمل ... فالوقت بالنسبة إليه ثمين و لا يتحمل أن يضيع منه حتى القليل في تناول الفطور. خرج باكرا ً جدا ً إلى مقر عمله و هي شركة نفط عائلية تمتلكها عائلته من أمد ٍ بعيد و تمارس أعمالها في دول ٍ عدة و من أهم أعمالها التنقيب عن النفط في منابعه و تصديره بالإضافة إلى إمتلاكها حصص كبيرة في بعض أهم مصافي تكرير النفط في أرجاء العالم. والده هو شخصيا ً كان المؤسس الفعلي لهذه الشركة العملاقة التي قامت و توسع نشاطها التجاري على أكتاف أقاربه و من يعاونهم من مدراء و موظفي الشركة. بالنسبة له و لعائلته فالشركة ليست مجرد شركة تجارية .. بل هي بالنسبة لهم تاريخ طويل من التراث العائلي ترعرع أغلب أبنائهم فيها و تحت ظل ذكرها و أحداثها حتى أصبحت هي تقريبا ً الجامع الوحيد المتبقي لهذه العائلة المترامية الأطراف و المتعددة المصالح و المتضاربة في بعض الأوقات.
أبتدأ العمل في شركة العائلة حتى قبل أن يتم تعليمه الثانوي بسنوات وهذه هي القاعدة و ليس الإستثناء بالنسبة لأبناء عائلته فمنهم من أبتدأ بعد المرحلة المتوسطة و منهم من أبتدأ بعد ذلك بقليل. هو كان و لا يزال من أكثر العاملين في الشركة همة ً و نشاطا ً و قدرة على التكيف مع كل الأزمات التي مرت بها الشركة و فروعها المتعددة. تدرج وظيفيا ً من رئيسا ً لقسم إداري بسيط إلى أن أصبح مديرا ً لإدارة العلاقات العامة في الشركة. و هي الإدارة المناط بها التنسيق مع كل الجهات الأخرى التي تتعامل - أو ستتعامل - معها الشركة. و من أجل أن تتوسع مصالحها و مشاريعها و لضمان ديمومة هذه المصالح و عدم تعرضها لعرقلة أو لتعثر من قبل الآخرين فقد كانت هذه الإدارة من أهم الإدارات في الشركة و أكثرها بذخا ً و صرفا ً على مهماتها. و بما أن العائد على أنشطة الشركة كان مجزيا ً و غير ممكن تجاهل دوره في الحفاظ على إتساع الأنشطة فقد كان مبررا ً مثل هذا الصرف.
دخل مسرعا ً إلى مكتبه حتى بدون أن يلقي بالتحية المعتادة على سكرتيرته الحسناء "شذى". لقد كان مشغول البال على غير عادته و هو الذي كان يشغل المحيط الذي يتواجد فيه بالضحكات و القفشات الذكية. دخلت عليه السكرتيرة لتقدم له بعض الأوراق المراد إطلاعه عليها ...
شذى : يسعدلي هالصباح يا أستاذ
سراج : يسعدلي صباحك ... فيه شيئ جديد؟
شذى : المعتاد يا أبو غالب .. لا جديد إلا تعميم من رئيس مجلس الإدارة لحضور إجتماع طارئ لمدراء إدارات الشركة.
سراج : ماتدرين شنو سبب هالإجتماع؟
شذى : لا والله ... بس سمعت حكي عن خلاف حصل بين رئيس مجلس الإدارة و نايبه.
سراج : الله يكتب اللي فيه الخير ... متى الإجتماع؟
شذى : اليوم بعد الظهر في قاعة الإجتماعات الغربية.
سراج : خير إن شاء الله ... خليهم يطرشونلي القهوة و لا تخلين أحد يدخل علي و لا تحولين لي مكالمات ... أبي أختلي بنفسي شوي ...
شذى : أي تئبرني ... أنت مش على بعضك اليوم ... تؤمر بشي تاني؟
سراج : لا ... تسلمين.
سراج : يسعدلي صباحك ... فيه شيئ جديد؟
شذى : المعتاد يا أبو غالب .. لا جديد إلا تعميم من رئيس مجلس الإدارة لحضور إجتماع طارئ لمدراء إدارات الشركة.
سراج : ماتدرين شنو سبب هالإجتماع؟
شذى : لا والله ... بس سمعت حكي عن خلاف حصل بين رئيس مجلس الإدارة و نايبه.
سراج : الله يكتب اللي فيه الخير ... متى الإجتماع؟
شذى : اليوم بعد الظهر في قاعة الإجتماعات الغربية.
سراج : خير إن شاء الله ... خليهم يطرشونلي القهوة و لا تخلين أحد يدخل علي و لا تحولين لي مكالمات ... أبي أختلي بنفسي شوي ...
شذى : أي تئبرني ... أنت مش على بعضك اليوم ... تؤمر بشي تاني؟
سراج : لا ... تسلمين.
فتح درج مكتبه الأيسر و أخرج منه ملف أحمر اللون و أخذ يتصفح أوراقه. لهذا الملف الأحمر أهمية خاصة لديه فهو يسميه "ملف الرؤوس". فيه يحتفظ بأسرار تخص أغلب مدراء الشركة و أعضاء مجلس إدارتها. بعضهم أبناء العائلة و البعض الآخر من خارجها. فهذا المستند يدل على قيام مدير تلك الإدارة بالإختلاس. و تلك الورقة فيها ما يكفي لإدانة ذلك العضو على ما أقترفته يداه في تمرير قرارات ليست في صالح الشركة. جداول طويلة من تفاصيل العمولات التي وزعت لعدد غير قليل من المدراء سواء داخل الشركة أو حتى خارجها ممن لهم تعامل مباشر مع الشركة. بعض الأسماء الصحافية اللامعة لم تنجوا من إنضمامها إلى ذلك الملف الحساس و المهم. فهذا صحفي يأتيه ما يكفيه من مؤنة الشتاء و الصيف لكي يكتب ما يتوافق مع أهداف "سراج" المرحلية. و ذلك رئيس تحرير يسخر جريدته في سبيل الهجوم على من يستشعر "سراج" الخطر من تجاههم. المهم أن الملف مليئ بالأسماء و يستحق أن يقال عنه أنه "ملف دسم" بقدر دسامة "شوارب" بعض من فيه.
"سراج" يعتقد أنه لكل رأس ثمن و أن شراء الرؤوس الآن أوفر تكلفة من شرائها عند الحاجة الفعلية لها. فالذي تدفعه و أنت غير محتاج يقل كثيرا ً عما تود أن تدفعه في زمن الحاجة و الإبتزاز. لذلك عمل جاهدا ً على أن يبني الولائات داخل الشركة و يحيطها بشخصه. فمن كان ثمنه المنافع تم إحتوائه و ضمه عبر المنافع المتبادلة ... و من كان لا يضم و لا يحتوى إلا بالإبتزاز فتح له قسما ً في ملف الرؤوس و سجل فيه كل ما يمكن إبتزازه عن طريقه. تلك هي طريقته في ضمان موقعه في الشركة العائلية تحت ضغط الولائات العائلية و التنافس بين الأقران و الأنداد و محاولة كل شخص طموح فيها أن يشق لنفسه طريقا ً نحو الأعلى.
يتبع قريباً بالحلقات الأخرى