حقائق مغيبة من تاريخ الكويت
إن النقاش الدائر الآن عن تاريخ الكويت يعد ظاهرة صحية تهدف إلى الوصول للحقيقة أو الاقتراب منها على قدر الإمكان، فليست هناك حقيقة مطلقة. والتاريخ يقال "يكتبه المنتصرون ويقرأه الدهماء و يصدقونه".
إن الوثيقة العثمانية المشار إليها حول تاريخ الكويت عن "قدوم آل صباح من بر فارس" قد سبقها كتاب الدكتور الشيخ خالد القاسمي-حاكم الشارقة- "بيان الكويت" ، وقبله في السبعينات بحث للدكتور حسين عبد الله من مركز دراسات الخليج ، ونشره وعلق عليه مثنيا الأستاذ سعود الجمران العجمي في ملحق للكتاب المترجم "رحلة عبر الجزيرة العربية" ترجمة أنس الرفاعي. وكتاب المقيم السياسي البريطاني لويس بيلي Lewis Pelly والمعنون "رحلة من الكويت إلى الرياض عاصمة الوهابيين" الصادر سنة 1864 كلها أشارت إلى قدوم أسرة الصباح الكريمة من بر فارس.
وأود أن أبدي رأيي في المسلمات التالية:
1- إن أسرة الصباح الكريمة الحاكمة حفظها الله عرب أقحاح ينتمون إلى قبيلة العتوب وإن سكنوا في بر فارس، حالهم حال القبائل العربية الأخرى كالهولة والخليفات وبني تميم وبني كعب، ولا ينتقص من قدرهم موقع سكناهم الموغل بالقدم شيئا.
2- بعض المؤرخين ينسبون أسرة الصباح الكريمة إلى قبيلة "عنزة" الكريمة من فخذ "جميلة" والحقائق تشير عدم وجود فخذ من قبيلة عنزة بهذا الاسم ويمكن العودة لكتاب ابن عبار "أصدق الدلائل في أنساب بني وائل". وكذلك كانت تنسب أسرة آل سعود الكريمة إلى قبيلة عنزة وإلى وقت قريب جدا وفي العام الماضي وعلى قناة"المستقلة" الفضائية في مداخلة للأمير سلمان بن عبد العزيز نفى ذلك نفيا قاطعا بأن أسرة آل سعود تنتمي إلى عنزة.
3- بعض المؤرخين يشيرون إلى قدوم أسرة الصباح من الهدار من الأفلاج ، القريبة من وادي الدواسر حاليا، لكن مؤرخي نجد في حولياتهم الذين يذكرون الحوادث عاما عاما لا يأتون على سيرة الهجرة من الهدار من قريب أو بعيد من أمثال ابن بشر في كتابه "عنوان المجد في تاريخ نجد" أو ابن بسام في كتابه"تحفة المشتاق" أو ابن غنام "تاريخ نجد" أو ابن عيسى في كتابه "تاريخ بعض الحوادث في نجد" أو تاريخ ابن لعبون"
4- قد يقول قائل أن الهجرة قد بدأت من الهدار فانتقلت إلى بر فارس ثم عادت إلى موضع الكويت الحالي ولكن لا إشارة على الإطلاق لذلك في كل كتب من يؤيد فكرة الهجرة من الهدار. وكذلك كتب التاريخ المقررة في المدارس.
· وشاهد آخر وللأسف فالدكتورة الفاضلة ميمونة العذبي –أستاذة التاريخ- لا تناقش هذه الحقائق ولم تكن دقيقة في تفسير بعض الأحداث حتى أنها تنفي أن الشيخ مبارك الكبير قد قتل أخويه(رحمهم الله جميعا).
· وبهذه المناسبة أود أن أورد بعض الشواهد على التعدي على التاريخ فالشاعر الشعبي الأستاذ طلال السعيد كان يدعي أنه ينتمي إلى قبيلة الظفير الكريمة ومن فخذ "السعيد" منذ الخمسينات، وكانت له مساجلات شعرية مع الشاعر الأمير محمد السديري رحمه الله ويرد عليه السديري بقصيدة ناعتا إياه بابن الظفيري، ولكن سبحان مغير الأحوال،أصبح بعد غزو الكويت الغاشم منتميا إلى قبيلة "تميم" الكريمة. ومن المعروف أن مجموعة كبيرة من عائلات الجهراء ويطلق عليهم "قروية الجهراء" أي أنهم حاضرة وليسوا بادية. وهم عرب كرماء أفاضل كلهم من السعيد وأبناء عم كعائلة"العيار" و"الخلف" و"الهطنفل"و "العثمان"وغيرهم. والسعيد يسكنون جنوب العراق (وهم غير السعيد من الظفير)، وهم عشيرة عربية أصيلة يمثلون الثلث من قبيلة المنتفق (حيث تنقسم قبيلة المنتفق إلى 1-بنو مالك،2-الأجود3-السعيد).والعائلات الجهراوية المذكورة قد انفصلت من عشيرتها"السعيد" من جنوب العراق و هاجرت إلى الكويت واستقرت بالجهراء لقربها من جنوب العراق والمفارقة الغريبة التي تدعو للسخرية أن العائلات الجهراوية ( بعد التحرير) التي تنتمي إلى السعيد في جنوب العراق قد تحولت كل عائلة منها وهم أبناء عم إلى قبائل مختلفة لا يجمع بينها النسب، فمثلا (عائلة العثمان السعيد) انتمت إلى تميم، و(عائلة العيار السعيد) انتمت إلى حرب، و(عائلة الهطنفل السعيد)انتمت إلى قحطان..وهكذا دواليك..والتفسير الوحيد لهذا التحول الدراماتيكي هو الابتعاد عما يمت للعراق بصلة..
· علما بأنه لا أحد يشكك في ولاء و وطنية هذه العائلات الكويتية الكريمة وهم أهل الجهراء منذ عدة عقود ولا يضيرهم إذا انتموا إلى قبيلة عربية أصيلة موطنها العراق .
· وكذلك الأخ خالد الخلف-الذي يطل علينا من قناة الشاهد وسكوب، ويلقب نفسه بالباحث في تاريخ الكويت- وهو بالمناسبة وكيل عريف في الشرطة – (مع الاحترام لكل الشرطة) وهو بدون جنسية(مع تقديري واحترامي للبدون) ومن قبيلة البدور الكريمة(مع احترامي لأهل الكحلاء)، لا يتورع بتزييف الحقائق بطريقة سمجة يملأها النفاق، محاولا بأحاديثه الملفقة تلك أن يحصل على منفعة شخصية بلي أعناق الحقائق. فهو لم يطلع على وثائق تاريخية مهمة،ولا يجيد لغة أجنبية، تساعده على البحث في المصادر التاريخية الأخرى ، يتحدث بطريقة إنشائية لا تاريخية، يحاول دغدغة مشاعر العامة، ويشوه تاريخ الكويت .
والاستنتاج العام هو= يجب إعادة النظر بكتابة تاريخ الكويت وتحليل الوثائق العثمانية وتمحيصها بكل تجرد ودون أن تأخذنا العاطفة ، مع الأخذ بعين الاعتبار إن كانت الأسرة الحاكمة الكريمة قد هاجرت من بر فارس (وهو الأرجح) واستقرت في الكويت، وهذا لا يغير من قدر الأسرة، ولا ينقص من قدر شعب الكويت، ولن يغير في الوضع الراهن للبلاد، والحق أحق أن يتبع.
وفي المملكة العربية السعودية الشقيقة وإلى وقت قريب جدا كان يتردد هناك وفي كثير من الكتب التاريخية أن الأسرة المالكة الكريمة (آل سعود) تنتمي إلى قبيلة "عنزة" المشهورة، وبعد دراسات واسترجاع الوثائق أفاد الأمير سلمان بن عبد العزيز أن أسرة آل سعود تنتمي إلى بني حنيفة وهذا مثال جيد لدراسة التاريخ، وإعادة كتابته.
التاريخ يحتاج إلى الموضوعية والحيادية بعيدا عن العاطفة