كاكا الخامسه
عضو بلاتيني
التالي هو فقره من مقال الكاتب المتميز محمد عبد القادر الجاسم
الحديث الدائر حاليا حول غرفة التجارة، دورها وتنظيمها ووضعها القانوني، حديث قديم بالنسبة لي إذ سبق أن أثرت هذا الموضوع في مناسبات عدة. واليوم، وقد أصبح النقاش حول الغرفة نقاشا عاما اتسعت دائرته، فإنني أتمنى لو تخَلص هذا النقاش من إطار الخصومات السياسية الشخصية ليدخل في إطار الحديث الموضوعي السياسي والفني (القانوني).
وبالطبع فإنه لا يمكن المشاركة في النقاش حول "الغرفة" من دون التطرق إلى "سكانها" أي التجار.. دورهم ومواقفهم. كذلك يصعب الحديث عن "الغرفة والتجار" من دون الحديث عن المبادئ الدستورية التي تحكم النشاط الاقتصادي في البلاد، ومن دون التطرق إلى العلاقة بين القرار الاقتصادي والمصلحة السياسية. (عرضت بتركيز موجز لهذه المبادئ في كتاب "روح الدستور" لمن يرغب في التعرف عليها).
وفي تقديري، تزداد أهمية النقاش اليوم عن "الغرفة والتجار" بعد أن "فتح" مجلس الأمة مؤخرا ما يمكن وصفه "بكنوز مغارة علي بابا"، وأعني ما يسمى بخطة التنمية الحكومية التي بلغت قيمتها نحو 37 مليار دينار! إن مبلغا بهذا القدر تنفقه حكومة أو حكومات غير مؤهلة لإدارة الدولة هو بلاشك صيد ثمين يثير شهوة رجال الأعمال!
ومع كل الاحترام "لأرشيف" تجار الكويت، فإنه لا مبرر اليوم للحظوة التي يحصل عليها بعض رجال الأعمال عندنا. لقد أصبحوا عالة على الإنفاق الحكومي، واقتصرت مبادراتهم على استغلال أراضي الدولة بعد مساومات سياسية مع الحكم أو الحكومة. إن طبقة التجار الحالية، على فرض وجودها، طبقة اتكالية وهي تستخدم العصا والجزرة مع الحكومة بل ومع النظام أحيانا بحسب "مسارات" الإنفاق الحكومي. (يمكن اعتبار وضع شركة "زين" كنموذج لاتكالية رجال الأعمال على الحكومة حيث أن حصة الحكومة في تلك الشركة هي الأكبر، ومع ذلك فإن هذه الحصة هي "الدابة" التي يركب على ظهرها رجال الأعمال ويحملون عليها أرباحهم). إن نفوذ "طبقة تجار اليوم" هو نفوذ "على ماميش"، فلم يعد لهذه الطبقة فضل الريادة في المجتمع، لا في الموقف السياسي ولا في نطاق خدمة المجتمع. بل ربما يصدق القول بأنه لم يعد لاصطلاح "طبقة التجار" أي مدلول سياسي، وكل ما لدينا هو فئة "رجال أعمال" بعضهم يخلط بين عمله التجاري وعمله السياسي، والإعلامي أحيانا، فيجير موقفه السياسي لخدمة عمله التجاري، وبعضهم لا علاقة له بالسياسة إطلاقا. إن "تجار اليوم" في حاجة مستمرة إلى الإنفاق الحكومي لتحقيق الربح، فباتت مواقفهم السياسية تجاه الحكم والحكومة مرهونة رهنا أولا وثانيا وثالثا لحساب مصالحهم التجارية. ومن هنا فإنني لا أستطيع اليوم الحديث عن "طبقة التجار" كقوة سياسية تقليدية. فضلا عن ذلك، فإن بعض عناصر "فئة رجال الأعمال" يتحملون مسؤولية كبيرة عن تردي أحوال الدولة، ذلك أنهم، ومع الأسف الشديد، يمارسون نفاقا ممجوجا حين يكونون في حضرة السلطة، وكل ما يعنيهم هو "صيانة" علاقاتهم مع أصحاب القرار السياسي و"ترتيب" أمورهم مع أصحاب القرار الفني من أجل ضمان الحصول على العقود الحكومية، ومن بينهم من هو غارق في بحور الفساد. كما علينا ألا نغفل عن دور "تجار السلاح" الذين يظهرون الولاء المطلق لأصحاب القرار. وبالطبع أنا هنا لا أعمم الحكم بل أجمله مع الإقرار بوجود تجار ورجال أعمال أصحاب أياد بيضاء يخدمون مجتمعهم بصمت وبلا مقابل وبلا مساومة أو "تمنن" ومن دون انتظار قبض الثمن!
وإذا كان التوصيف السابق "لطبقة تجار اليوم" هو الأقرب إلى الواقع حسب وجهة نظري، فإنه من المناسب القول بأن غرفة التجارة حاليا ليست أكثر من ناد خاص يرعى مصالح بعض رجال الأعمال، وبالتالي فليس هناك أي مبرر لمنح هذا "النادي الخاص" أو أعضائه امتيازات اجتماعية أو سياسية. لذلك فقد بات من المناسب الآن إعادة النظر في الوضع القانوني للغرفة لا سيما أنه، باستثناء عائلة الخرافي، لا توجد، في وقتنا الحاضر، عائلة تجارية ذات نفوذ سياسي مهم يمكن للنظام أو الحكومة أن تستفيد من التحالف معها ومنحها امتيازات مقابل مواقفها السياسية.
إن الضعف العام الذي تعاني منه "سلطة الشيوخ" اليوم، جعل القرار الاقتصادي لا يخرج عن دائرة مصالح بعض "رجال الأعمال" الذين يعرفون تمام المعرفة "نفسية" السلطة ويجيدون "فك شيفرتها"، كما أن "لشراكة" بعض "الشيوخ" مع بعض رجال الأعمال، أو تحالفهم السياسي معهم، تأثير جوهري على القرار الاقتصادي.
إن الكويت في حاجة ماسة ليس فقط لإعادة النظر في وضع غرفة التجارة، بل إلى صياغة اتفاق وطني عام حول فلسفة اقتصادية تتناسب مع إمكانات وطموحات البلاد، مع تكريس فعلي لمبدأ الشفافية في القرارات الاقتصادية. كما أن هناك حاجة ماسة لتحرير مراكز القرار الاقتصادي، وبالذات سوق الأوراق المالية والهيئة العامة للاستثمار والمؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية، من سطوة أصحاب النفوذ، وبات التصدي لظاهرة التربح غير المشروع والانتفاع بالسلطة ومكافحة الرشوة، مسألة في غاية الأهمية.
الحديث الدائر حاليا حول غرفة التجارة، دورها وتنظيمها ووضعها القانوني، حديث قديم بالنسبة لي إذ سبق أن أثرت هذا الموضوع في مناسبات عدة. واليوم، وقد أصبح النقاش حول الغرفة نقاشا عاما اتسعت دائرته، فإنني أتمنى لو تخَلص هذا النقاش من إطار الخصومات السياسية الشخصية ليدخل في إطار الحديث الموضوعي السياسي والفني (القانوني).
وبالطبع فإنه لا يمكن المشاركة في النقاش حول "الغرفة" من دون التطرق إلى "سكانها" أي التجار.. دورهم ومواقفهم. كذلك يصعب الحديث عن "الغرفة والتجار" من دون الحديث عن المبادئ الدستورية التي تحكم النشاط الاقتصادي في البلاد، ومن دون التطرق إلى العلاقة بين القرار الاقتصادي والمصلحة السياسية. (عرضت بتركيز موجز لهذه المبادئ في كتاب "روح الدستور" لمن يرغب في التعرف عليها).
وفي تقديري، تزداد أهمية النقاش اليوم عن "الغرفة والتجار" بعد أن "فتح" مجلس الأمة مؤخرا ما يمكن وصفه "بكنوز مغارة علي بابا"، وأعني ما يسمى بخطة التنمية الحكومية التي بلغت قيمتها نحو 37 مليار دينار! إن مبلغا بهذا القدر تنفقه حكومة أو حكومات غير مؤهلة لإدارة الدولة هو بلاشك صيد ثمين يثير شهوة رجال الأعمال!
ومع كل الاحترام "لأرشيف" تجار الكويت، فإنه لا مبرر اليوم للحظوة التي يحصل عليها بعض رجال الأعمال عندنا. لقد أصبحوا عالة على الإنفاق الحكومي، واقتصرت مبادراتهم على استغلال أراضي الدولة بعد مساومات سياسية مع الحكم أو الحكومة. إن طبقة التجار الحالية، على فرض وجودها، طبقة اتكالية وهي تستخدم العصا والجزرة مع الحكومة بل ومع النظام أحيانا بحسب "مسارات" الإنفاق الحكومي. (يمكن اعتبار وضع شركة "زين" كنموذج لاتكالية رجال الأعمال على الحكومة حيث أن حصة الحكومة في تلك الشركة هي الأكبر، ومع ذلك فإن هذه الحصة هي "الدابة" التي يركب على ظهرها رجال الأعمال ويحملون عليها أرباحهم). إن نفوذ "طبقة تجار اليوم" هو نفوذ "على ماميش"، فلم يعد لهذه الطبقة فضل الريادة في المجتمع، لا في الموقف السياسي ولا في نطاق خدمة المجتمع. بل ربما يصدق القول بأنه لم يعد لاصطلاح "طبقة التجار" أي مدلول سياسي، وكل ما لدينا هو فئة "رجال أعمال" بعضهم يخلط بين عمله التجاري وعمله السياسي، والإعلامي أحيانا، فيجير موقفه السياسي لخدمة عمله التجاري، وبعضهم لا علاقة له بالسياسة إطلاقا. إن "تجار اليوم" في حاجة مستمرة إلى الإنفاق الحكومي لتحقيق الربح، فباتت مواقفهم السياسية تجاه الحكم والحكومة مرهونة رهنا أولا وثانيا وثالثا لحساب مصالحهم التجارية. ومن هنا فإنني لا أستطيع اليوم الحديث عن "طبقة التجار" كقوة سياسية تقليدية. فضلا عن ذلك، فإن بعض عناصر "فئة رجال الأعمال" يتحملون مسؤولية كبيرة عن تردي أحوال الدولة، ذلك أنهم، ومع الأسف الشديد، يمارسون نفاقا ممجوجا حين يكونون في حضرة السلطة، وكل ما يعنيهم هو "صيانة" علاقاتهم مع أصحاب القرار السياسي و"ترتيب" أمورهم مع أصحاب القرار الفني من أجل ضمان الحصول على العقود الحكومية، ومن بينهم من هو غارق في بحور الفساد. كما علينا ألا نغفل عن دور "تجار السلاح" الذين يظهرون الولاء المطلق لأصحاب القرار. وبالطبع أنا هنا لا أعمم الحكم بل أجمله مع الإقرار بوجود تجار ورجال أعمال أصحاب أياد بيضاء يخدمون مجتمعهم بصمت وبلا مقابل وبلا مساومة أو "تمنن" ومن دون انتظار قبض الثمن!
وإذا كان التوصيف السابق "لطبقة تجار اليوم" هو الأقرب إلى الواقع حسب وجهة نظري، فإنه من المناسب القول بأن غرفة التجارة حاليا ليست أكثر من ناد خاص يرعى مصالح بعض رجال الأعمال، وبالتالي فليس هناك أي مبرر لمنح هذا "النادي الخاص" أو أعضائه امتيازات اجتماعية أو سياسية. لذلك فقد بات من المناسب الآن إعادة النظر في الوضع القانوني للغرفة لا سيما أنه، باستثناء عائلة الخرافي، لا توجد، في وقتنا الحاضر، عائلة تجارية ذات نفوذ سياسي مهم يمكن للنظام أو الحكومة أن تستفيد من التحالف معها ومنحها امتيازات مقابل مواقفها السياسية.
إن الضعف العام الذي تعاني منه "سلطة الشيوخ" اليوم، جعل القرار الاقتصادي لا يخرج عن دائرة مصالح بعض "رجال الأعمال" الذين يعرفون تمام المعرفة "نفسية" السلطة ويجيدون "فك شيفرتها"، كما أن "لشراكة" بعض "الشيوخ" مع بعض رجال الأعمال، أو تحالفهم السياسي معهم، تأثير جوهري على القرار الاقتصادي.
إن الكويت في حاجة ماسة ليس فقط لإعادة النظر في وضع غرفة التجارة، بل إلى صياغة اتفاق وطني عام حول فلسفة اقتصادية تتناسب مع إمكانات وطموحات البلاد، مع تكريس فعلي لمبدأ الشفافية في القرارات الاقتصادية. كما أن هناك حاجة ماسة لتحرير مراكز القرار الاقتصادي، وبالذات سوق الأوراق المالية والهيئة العامة للاستثمار والمؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية، من سطوة أصحاب النفوذ، وبات التصدي لظاهرة التربح غير المشروع والانتفاع بالسلطة ومكافحة الرشوة، مسألة في غاية الأهمية.