الحمد لله رب العالمين , والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد , اللهم صلي وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه وعلى من سار على نهجه واتبع سنته إلى يوم الدين ثم أما بعد..
أغلبنا ركب الطائرات وسافر بها مغادرا من بلده إلى بلدٍ آخر , ومن لم يركبها رآها في مشهد هنا أو هناك , لأن إقلاع الطائرة الكبيرة من على الأرض ومعها الركاب ثم الصعود إلى السماء لهو من المشاهد التي يفخر بها الإنسان وما حققته يداه من إنجاز علمي.
ولكن الطائرة عندما تريد الإقلاع فإنها تطفئ كل ما هو غير ضروري لكي تحتفظ بالطاقة الكبيرة اللازمة لهذه العملية الكبيرة , فهي تتسارع في سرعتها حتى تصل إلى المائتي كيلو أو سرعة مقبولة تكون كافية لها لكي تترك الأرض وتصعد إلى الأعلى , حتى تصل إلى الإرتفاع المحدد لها في الرحلة , فإقلاع الطائرة يحتاج إلى جهد وتركيز وخبرة وسرعة وقوة وعدم تردد , فإذا اختلت أحد هذه العوامل أو غيرها ربما كانت النتيجة هو العودة مرة أخرى إلى المطار أو كارثة يقرأ الناس عنها في الصحف.
فإذا قرأ المسلم عن شروط التوبة علم أن الشرط الأول منها هو أن يقلع عن الذنب , فالإقلاع عن الذنب هو مثل إقلاع هذه الطائرة عن أرض المطار , فلابد أن يحتفظ بقوة وأن لا يتردد في هذا القرار وأن يخرج عن أرض المعصية أو جو المعصية الذي أدى به إلى هذا الضعف بحيث أنه يعصي خالقه ورزاقه وبارئه , فالجو الذين يتنفسه في محيط المعصية قديما هو الذي أدى به إلى هذه المعصية فلزم الإقلاع عنها.
فلا يكون إقلاعٌ عن المعصية وهو مقيم على بعض شأنها أو محبا لبعض العوامل التي أوقعته فيها , فإذا أحب الإنسان أن يقلع عن معصية التدخين مثلا , فإنه يحتاج إلى أن يقلع عن كل العادات السيئة التي كانت ملازمة له أثناء التدخين , وأن يغيرها حتى يقوى على ترك الذنب , وهكذا في أمور المعاصي فإذا كان له علاقات غير سوية وقد تنبه إلى خطورة مثل هذه العلاقات على علاقته بربه سبحانه , وعلى مستقبله في الدنيا من ناحية التوفيق وفي الآخرة من ناحية امكانية الدخول في عقاب الله تعالى فإنه يلزمه أن يقلع عن هذه المعصية بأن يقلع عن الأرض التي كان يمارس فيها هذه الفعل المشين.
فإذا رأى المسلم من نفسه أنه أقلع عن المعصية كما تقلع الطائرة عن أرض المطار , وأن أوصال حياة هذه المعصية في قلبه قد تقطعت , فعليه أن يفرح بأنه اقلاعه كان ناجحا في هذه المرحلة وعليه أن يحتفظ بقلبه ودعاءه لربه حتى ينجح في الوصول إلى الأرض الطيبة الأخرى بسلام , والله الهادي إلى سواء السبيل.
.