التوازن بين المادة والروح في الإسلام

ابوحفص

عضو فعال
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد ، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .

أما بعد :

حينما تجلّت رحمة الله تبارك وتعالى على هذا العالم ، وأراد الله عزوجل _ له الهداية ، بعث المصطفى صلى الله عليه وسلم بخير رسالةٍ وأكرم كتاب ، يهدي إلى أقوم سبيل . وبذلك استنارت الدنيا بهذا المصباح السماويّ المبارك ، وسطعت شمس الهداية الربانية على يد هادي البشرية ، ومنقذها من الضلال ، وهاديها إلى النور والسعادة ، إنه رسول الإنسانية صلى الله عليه وسلم الذي كانت رسالته رحمة عامةً شاملةً ، رحمةً في الدنيا والآخرة رحمةً في العقيدة والتشريع ، رحمةً في النظام للمجتمعات والشعوب .
قال الله تعالى : ( قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين . يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراطٍ مستقيم ) .
أيها الإخوة الأفاضل والأخوات الفضليات : إن هدي الإسلام العظيم الذي نتشرف بالانتساب إليه يليق برسالةٍ عامةٍ ، جاءت لتسع أقطار الأرض وأطوار الزمن ، فالضرورة إلى تلك الرسالة أعظم من ضرورة البدن إلى روحه والروح إلى حياتها ، فالإنسان جسم وروح ، وللجسم مطالب وللروح مطالب ، ومطالب الجسم كثيرة قد تُلجىء الإنسان إلى أن يصطدم بغيره ، ويصبح العالم مسرحاً للفتن وتُصبح الحياة جحيماً لا يُطاق ، وتكون الغلبة للأقوى . فلا بد إذن من دينٍ ينظم العلاقات ، ويفصل في الحقوق والواجبات ، كذلك فإن للإنسان مطالب روحيةً تُكّمل إنسانيته ، وتتميز بها عن بقية الحيوانات التي تكتفي بالماديات . والدّين هو الذي يكفل حاجة الروح ، ويوفر لها مطالبها ويتعهدها بما تحتاجه وبما يُغذيها ، ويمدها بما يصلحها ويُقويها ، كما يكفل حاجة البدن ويدعو للحفاظ عليه وتوفير ما يحتاجه من غذاء وراحةٍ وأمان ، وبعبارةٍ أكثر وضوحاً فإن ديننا الحنيف يوازن بين مطالب الروح ومطالب الجسد
إن سمة الإسلام العظيم ، التوازن والاعتدال في كل الأفاق والنواحي ، الاعتدال بين اشواق الروح وحقوق الجسد ، بين بواعث الدّين ومطالب الدنيا ، الاعتدال بين العمل لهذه الحياة ، والعمل لما بعد الحياة ، قال الله تعالى : ( وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين ) . فالإسلام يطلب من المسلم أن يكون إنساناً عاملاً في الحياة ، يعمرها ويسعى في مناكب الأرض ، ويلتمس الرزق في خباياها ، ولا تشغله مطالب الحياة وحقوق الجسد عن مطالب وحقوق الروح ، لا تشغله رغائب الدنيا الفانية عن حقائق الآخرة الباقية ، عليه ألاّ ينسى الله فينسى حقيقة نفسه وماهية وجوده . ومن هنا نعرف أن مهمة العبادات أن تأخذ بيد الإنسان حتى لا تغرقه أعمال الدنيا في لُجّة النسيان ، فهي تقوم بالتنبيه والتذكير لمن نسيَ مولاه أو غفل عن أخره . فالدين الإسلام لا ينعزل عن الدنيا ، والدنيا لا تحيف على الدّين ، قال عليه الصلاة والسلام : ( إن لبدنك عليك حقاً ، وإن لزوجك عليك حقاً ، وإن لزورك عليك حقاً ، فأعط كل ذي حقٍ حقه ) . فما أحوج الناس أن يلتزموا هذا الدّين ليجدوا الإيمان في القلوب والراحة والأمان للأجساد ، ما أحوجهم إلى دين الفطرة التي فُطروا عليها .. قال عزوجل : ( يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم ... ) .

وبالله التوفيق .
صلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
والحمد لله رب العالمين .
 
أعلى