أثر الصيام في تهذيب النفس

ابوحفص

عضو فعال
بسم الله الرحمن الرحيم
رب يسر وأعن
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فهو المهتد ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم . أما بعد :

قال الله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون ) .
إن للصوم أثراً عظيماً على النفس كما صرحت الآية الكريمة ، ولن نستطيع أن ندرك هذا الأثر إلا إذا أدركنا حقيقة الإنسان ومتطلّباته ، فهل الإنسان جُثة قائمة وهيكل منتصب ؟ أم هل هو مجموعة من الأجهزة والخلايا واللحم والدّم والعظم والعصب ؟ إن الإنسان مادة وروح _ إنه لطيفة ربانية وجوهرة روحانية ، يعقل ويفكر ويشعر ويتذوق خلقه الله تعالى من طينٍ لازب قال عزوجل : ( إنا خلقناهم من طينٍ لازب ) . ثم تُنفخ فيه الروح قال جل وعلا : ( فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين ) . ولكلٍ من الجسد والروح غذاء ، فغذاء الجسد الطعام والشراب ، وغذاء الروح الدين والإيمان برب العالمين سبحانه وتعالى ، وأيهما طغى على الآخر كانت المعادلة غير سليمة ، فإذا تغلّب عنصر المادة على عنصر الروح ، بأن اقتصر الإنسان على متطلبات جسده وأهمل الروح من الدين والإيمان هبط صاحب هذه النفس ، وإذا تغلّب عنصر الروح على عنصر المادة بأن أعطى الروح متطلباتها من الدين والإيمان وترقىّ في ذلك وعلا وسما فإنه يزداد قرباً من الله تعالى ما لم يترتب على ذلك إفساد وهلاك لجسده .
فلابد للإنسان من غذاءٍ لروحه يمنعها الجنوح والوقوع في السوء والشرور ، حيث يؤدي هذا الغذاء إلى تهذيبها ونقائها ، فتسمو ، وترتقي ، وتنطلق ، وفي هذا يقول الله تعالى : ( ونفسٍ وما سواها . فألهمها فجورها وتقواها . قد أفلح من زكاها . وقد خاب من دساها . ) . والله در القائل : (( أقبل على النفس واستكمل فضائلها ... فأنت بالنفس لا بالجسم إنسان . )) .
وإن من هذا الغذاء الذي يبعث في الروح الإيمان الصيام ، هذه الفريضة التي تحرر الإنسان من سلطان غرائزه ، وتجعله ينطلق من سجن جسده ، ويتغلب على نزعات شهوته ويتحكم بتصرفاته وأفعاله .
إن الصيام يُنمي في النفس مراقبة الله تعالى ، ومن راقب الله تعالى فقد زكى نفسه بحملها على الطاعات واجتناب المعاصي ، وبذلك تتهذب نفسه بالصيام . وفي الصحيحين قال صلى الله عليه وسلم :
( الصوم جُنة ) أي وقاية . والمسلم أثناء صيامه حريص كل الحرص على الإستفادة من وقته ، فتجده تالياً للقرآن الكريم ، مقيماً للصلاة ، مؤدياً للزكاة ، معطياً للصدقات جواداً كريماً خيّراً سمحاً حليماً صابراً قانتاً ذاكراً لله تعالى ، شاكراً لله سبحانه وتعالى . كما أن المسلم الصائم بعيد عن الكذب والغش والخداع والرياء والسب والشتم والغيبة والنميمة وقول الزور والسخرية والاستهزاء ومجالس اللهو والجهل ، وهذه الأشياء وإن كانت محرمةً في كل وقت ، لكنها على الصائم أشد تحريماً . قال عليه الصلاة والسلام : ( من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه ) رواه البخاري .
وقال صلى الله عليه وسلم : ( إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يفسق ولا يجهل ، فإن أمرؤ سابه فليقل إني أمرؤ صائم ) متفق عليه .
فالصيام يهئ النفس ويُعد الروح لتتلقى الفيض الإلهي وتتلذذ بذوق حلاوة الإيمان ، وبهذا يكون الصوم مدرسةً إيمانيةً تربويةً لتهذيب النفس وتزكيتها ، وما نقرأه عن سلفنا الصالح من خُلقٍ حسنٍ ونفسٍ مهذبةٍ فمرده إلى التمسك بتلك العبادات وأدائها على وجهها الأكمل ، هذه حقيقة الصيام ، وهذا أثر الصيام على النفوس ، ومن هنا نلاحظ الدقة في قوله جل وعلا : ( لعلكم تتقون ) وبهذا يكون الصيام المقبول الذي جزاؤه الجنة بإذن الله تعالى .
والله الموفق .
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
والحمد لله رب العالمين .
 
أعلى