الرجوع إلى الكتاب والسنة .. تحقيق النوحيد لله وتجريد المتابعة لنبيه عليه السلام

ابوحفص

عضو فعال
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فهو المهتد ، ومن يضلل فلا هادي له ،
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .

أما بعد :

قال الله تعالى : ( وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة ) الآية .
وقال عزوجل : ( والذين يؤمنون بما أنزل إليك ) الآية . ( بما أنزل إليك ) وهو القرآن والسنة . فهذين الأصلين اللذين قام عليها هذا الدين وهما تحقيق التوحيد لله وتجريد المتابعة لنبيه صلى الله عليه وسلم .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى : (( كان العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم إذا تنازعوا اتبعوا أمر الله تعالى في قوله : ( فإن تنازعتم في شئٍ فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الأخر ذلك خير وأحسن تأويلاً ) . انتهى .
ولقد عقد شيخنا العلامة أبو العباس مصطفى بن أحمد آل هلال باباً في كتابه القواعد الأصولية فقال حفظه الله تعالى : (( باب الرجوع إلى الكتاب والسنة عند الاختلاف مهما كان الاختلاف في الواجبات أو المستحبات في العقائد أو الأحكام فكله دين ودين الله تعالى أحق أن يتبع وذمّ التعصب والتقليد للقادر على تركه )) . انتهى .
أخرج الإمام مالك في الموطأ مرسلاً ولفظه : (( تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم )) . وصححه الإمام الألباني في الصحيحة .
وقال ابن مسعود رضي الله عنه : (( اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كوفيتم ، عليكم بالأمر العتيق )) . قال الإمام الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة مستشهدا بهذا الأثر في رده على أهل البدع . وقال شيخنا أبو العاس بن أحمد في القواعد الأصولية : ورواه مختصراً الإمام الدارمي في السنن وأخرجه مختصراً أيضاً الإمام ابن مجاهد .

قلت : الأصل الأول : (( القرآن الكريم )) - ذلك الكتاب العظيم ، المشتمل على العلم والحق المبين .
تعريف القرآن الكريم :
إن هذا القرآن الذي بين أيدينا هو كلام رب العالمين ، وهو الذكر المبارك والنور المبين ، تكلم الله به حقيقة على الوصف الذي يليق بجلاله وعظمته ، وألقاه على جبريل الأمين أحد الملائكة الكرام المقربين ، فنزل به على قلب محمد صلى الله عليه وسلم ليكون من المنذرين بلسان عربي مبين ، وقد تكفل تعالى بحفظه وإبلاغه لجميع البشر ، وهو المدون بين دفتي المصحف ، المبدوء بسورة الفاتحة ، المختوم بسورة الناس ، المعجز بلفظه ومعانيه وجميع خصائصه ، المنقول إلينا بالتواتر ، المحفوظ بالصدور ، المتلوُّ بالألسنة ، ما شانه نقص ولا شانته زيادة منذ نزل إلى يومنا هذا وإلى أن يرث الله تعالى الأرض ومن عليها .
قال شيخنا أبو العباس في القواعد الأصولية : (( ويجب على كل مكلف أن يقرأ القرآن كما وصل إلينا متواتراً بأحكام التلاوة والتجويد الموضوعة بناءً على النطق المنقول عن الرسول صلى الله عليه وسلم بلسانٍ عربي مبين فلا يُخرج عن أصلٍ ولا فرشٍ ، ولا اجتهاد في قراءته وإنما هو التوقف والمتابعة )) . انتهى كلامه حفظه الله تعالى .
وقد اشتمل القرآن الكريم على الأدلة العقلية ، والقواطع البرهانية ، ما لو جمع ما عند المتكلمين من حق لكان بالنسبة إليه كنقرة عصفور بالنسبة لماء البحر . كما قال الإمام ابن السعدي رحمه الله تعالى في تفسيره المسمى (( تيسير الكريم الرحمن )) .
ذلك بأن القرآن هو الحق ، وقد اشتمل على الحق ، فمن اعتصم به فقد هدي إلى صراطٍ مستقيم ، ومن جعله إمامه كان دليله إلى الجنة ، ومن اتخذه ظهرياً ساقه إلى النار .
إنه قرآن الهدى والفرقان ، من قال به صدق ، ومن حكم به عدل .
قال الشيخ عبد الوهاب خلاف رحمه الله تعالى في علم أصول الفقه : (( فلا ريب أن الله سبحانه بلسان رسوله في كثير من الآيات تحدى الناس أن يأتوا بمثل القرآن ، وأنهم مع شدة حرصهم وتوافر دواعيهم إلى أن يأتوا بمثله ، وانتفاء ما يمنعهم لم يأتوا بمثله ... ، فالتجاؤهم إلى المحاربة بدل المعارضة ... اعتراف منهم بعجزهم عن معارضته ، وتسليم أن هذا القرآن فوق مستوى البشر ، ودليل على أنه من عند الله تعالى . )) انتهى كلامه رحمه الله تعالى .

الأصل الثاني : (( السنة النبوية المطهرة )) - اعلم يا أخي الفاضل وأختي الكريمة ؛ السنة أصل الدين في التشريع كالقرآن ، وهي وحي مثله وملازمة له ، فلا يستغنى عن السنة مطلقاً في فهم القرآن الكريم ، فلو أراد الإنسان أن يصرف همه لمعرفة معاني القرآن بعيداً عن علوم السنة ، لحصل من الغلط على الله وعلى رسوله ، وعلى مراد الله من كلامه شئ كثير .
فالانتباه الانتباه من مزالق الشيطان ، والحذر الحذر من إشاعات المبطلين المحاربين للسنة ؛ فإن الله تعالى في كثير من الآيات أمر بطاعة رسوله ، وجعل طاعة رسوله طاعة له ، ولم يجعل للمؤمن خياراً إذا قضى الله ورسوله أمراً ، ونفى الإيمان عمن لم يطمئن إلى قضاء الرسول ولم يسلم له .
قال الإمام الشوكاني في إرشاد الفحول : (( اعلم أنه قد اتفق من يُعتد به من أهل العلم على أن السنة المطهرة مستقلة بتشريع الأحكام وأنها كالقرآن في تحليل الحلال وتحريم الحرام )) . انتهى كلامه رحمه الله تعالى .
فلا يستغنى عن السنة مطلقاً في فهم القرآن الكريم وتفسيره وبيان أحكامه وتشريعاته لتفسير ما أُجمل فيه ، وتقييد المطلق منه وتخصيص العام ، بل وتشريع أحكامٍ لم ترد في القرآن الكريم .
قال الله تعالى : ( وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون ) .
قال شيخنا العلامة محمد بن ناصر الدين الألباني رحمه الله تعالى : (( السنة حاكمة على كتاب الله تعالى ومبينة له ، فيجب أن يبحث عن الحكم في السنة ولو ظن وجوده في الكتاب ... ، فليست السنة مع القرآن كالرأي مع السنة ، كلا ثم كلا ، بل يجب اعتبار الكتاب والسنة مصدراً واحداً لا فصل بينهما أبداً )) . انتهى كلامه رحمه الله تعالى .
قال شيخنا العلامة أبو العباس بن أحمد آل هلال في القواعد الأصولية :
والسنة مع القرآن الكريم على حالين : الأول : أن تكون مقررة ومطابقة لأحكامه من إيجاب الفرائض كالصلاة والزكاة والصيام والحج وغير ذلك .
الثاني : أن تكون مفصلة ومبينة ومفسرة لما جاء في القرآن الكريم كبيان أوقات وعدد ركعات الصلوات وغير ذلك .
وقد تستقل السنة المطهرة بتشريع وبيان الأحكام - كتحريم نكاح المتعة ولحوم الحمر الأهلية وغير ذلك . انتهى كلامه حفظه الله تعالى .

خلاصة ذلك : أن الأحكام التي وردت في السنة : إما مطابقة ومقررة لأحكام القرآن الكريم ، أو تبييناً للمراد من الذي جاء في القرآن ، أو أن تستقل السنة بالتشريع ، ومن هذا يتبين أنه لا يمكن أن يقع بين القرآن والسنة تخالف أو تعارض .
قال صلى الله عليه وسلم : (( ألا إني أُتيت الكتاب ومثله معه ألا إني أُتيت القرآن ومثله معه )) . جزء من حديث أخرجه الإمام أحمد بسند صحيح من حديث المقدام بن معدي رضي الله عنه ، وصححه الإمام الألباني في المشكاة .
نعريف السنة :
قال الحافظ ابن رجب في جامع العلوم والحكم : (( السنة هي الطريقة المسلوكة ، فيشمل ذلك ما كان عليه هو ( يعني النبي عليه السلام ) وخلفاؤه الراشدون من الاعتقادات والأعمال والأقوال ، وهذه السنة الكاملة ... )) . انتهى كلامه رحمه الله تعالى .
وقد يراد بالسنة المستحب دون الواجب ، وقد تشمل الواجيات والمستحبات . وهذا له تفصيل عند الفقهاء والمحدثين ، وخلاصة ذلك ما ذكره الحافظ ابن رجب في جامع العلوم والحكم كما تقدم التعريف .

ذمّ التعصب والتقليد وضرر ذلك ؛ إن الأئمة رحمهم الله تعالى - حذروا أتباعهم الأولين من أن يتبعوهم ، وأن يقلدوهم ، ويجعلوهم الأصل في الرجوع ، وينسوا بذلك أصل الشريعة : الكتاب والسنة .
ولسنا بحاجة أن نسوق أقوال الأئمة التي تدندن كلها حول الذي ثبت عنهم جميعاً : (( إذا صح الحديث فهو مذهبي )) . فهذا أمر بالرجوع إلى الحديث إذا كان مخالفاً لاجتهاد إمام ورأيه .
وإلى الله المشتكى من هذا الزمان ، زمان شر وطغيان ، عكس الناس الأمر المشروع ، وعكفوا على ما لم يثبت شرعاً مع غاية الولوع ، فصارت السنة فيما بينهم بدعة ، والبدعة سنة ، وظنوا المعروف منكراً ، والمنكر معروفاً ، ومن ثم تراهم إذا هداهم أحد إلى الطريقة السنية تنفروا عنه ونسبوه إلى الطريقة القبيحة . فما زلنا نرى من أبناء الإسلام ممن ينتسبون إلى الجماعات المحسوبون علينا بأنهم مسلمون لا يرضى قبول الأحكام الشرعية إلا من إمام جماعته أو زعمها ، ومن أجل تلك الجماعة التي ينتسب إليها يعادي ويوالي ، ولقد رأينا ورأى غيرنا ضرر التعصب والتقليد - حيث سلك بعضهم سبيلاً من سبل الشيطان ، وتعد حدود الرحمان ، فحملهم على مخالفة الحق بعد ما تبين انتصاراً لجماعته ومذهبه وإمامه ، مع أن الأصل أن يكون الانتصار للحق والدليل ، إذ الكل يؤخذ من قوله ويرد إلا ما كان من الكتاب والسنة الثابتة . قال الله تعالى : ( وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذالكم وصاكم به لعلكم تتقون ) . قال شيخنا العلامة أبو العباس في القواعد الأصولية : (( وصراط الله المستقيم هو الكتاب والسنة لا التشدد لأقوال العلماء وغيرهم التي تحتمل الخطأ والصواب )) . انتهى كلامه حفظه الله تعالى .
فالقرآن والسنة مصدر واحد في تشريع الأحكام لا يتفرقا ولا يتعارضا ، وهما الأصلين اللذين قام عليها هذا الدين ، فلا يصح قول القائل : أنا متبع للسنة ، إلا بالانقياد التام والرجوع في التحاكم إلى الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة والتمسك بذلك ودعوة إليه .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى : (( أهل السنة المتمسكون بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وما اتفق عليه السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان )) . وقال أيضاً : (( فمن قال بالكتاب والسنة والإجماع كان من أهل السنة )) . انتهى كلامه رحمه الله .
وأختم بهذه الآية الكريمة في سورة النور : ( إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون ) .
والله أسأل أن يجعل هذه الرسالة مقبولةً وخالصةً لوجهه الكريم ، وأن ينفع بها عباده بالنفع العميم ، إنه ولي ذلك والقادر عليه .
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
والحمد لله رب العالمين .
 
والله أسأل أن يجعل هذه الرسالة مقبولةً وخالصةً لوجهه الكريم ، وأن ينفع بها عباده بالنفع العميم ، إنه ولي ذلك والقادر عليه .


وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .

والحمد لله رب العالمين .

آمين آمين ...

شكرا لك على الموضوع القيم.

(وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما)

فالكتاب والسنة وحي من الله وهما من فضل الله العظيم على رسوله صلى الله عليه وسلم.

وهما كذلك لمن تدبرهما طالبا للهدى منهما:

فطلب الهدى من غير الكتاب والسنة مثل المتتبع للسراب يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا.

وتدبرهما بدون طلب للهدى منهما بل ابتغاء الفتنة وابتغاء تصيد المتشابه هذا سبيل أهل الزيغ.
 

ابوحفص

عضو فعال
آمين آمين ...

شكرا لك على الموضوع القيم.

(وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما)

فالكتاب والسنة وحي من الله وهما من فضل الله العظيم على رسوله صلى الله عليه وسلم.

وهما كذلك لمن تدبرهما طالبا للهدى منهما:

فطلب الهدى من غير الكتاب والسنة مثل المتتبع للسراب يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا.

وتدبرهما بدون طلب للهدى منهما بل ابتغاء الفتنة وابتغاء تصيد المتشابه هذا سبيل أهل الزيغ.


حياك الله تعالى
قال الإمام أبو بكر بن أبي داود في قصيدته :
تمسك بحبل الله واتبع الهدى ... ولا تك بدعيّاً لعلك تفلح
ودن بكتاب الله والسنن التي ... أتت عن رسول الله تنجو وتربح .
لكن ( إنما يتذكر أولو الألباب ) . أولوا العقول السليمة ، التي أثنى الله تعالى على أهلها ، وأخبر أنهم هم المنتفعون بالآيات .
جعلنا الله وإياك أخي الكريم ممن يعرفون الهدى بدليله ويعلمون الحق ويعملون به ، وأن يثبتنا على ذلك إلى يوم أن نلقاه إنه ولي ذلك ومولاه .
وجزاك الله خيراً على تلك الكلمات الطيبات النافعات .
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات .
 
أعلى