بسم الله الرحمن الرحيم
قد انتشر بين الناس فكر باطل – حسب ما أراه – أن الأمة قد وقع الشرك فيها، وأن الشرك قد انتشر في حقبة من الأحقاب ، وفي فترة من الزمن ، بحيث أن غالب الأمة قد أشركت وتخللها الشرك بطريقة أو بأخرى إلا نفرًا قليلاً يعدون بالأصابع ممن ظل على الإسلام وتعاليمه السمحة ، فجددوا في الأمة التوحيد لله تعالى ، وخلّصوا الأمة من أوحال الشرك بالله تعالى ومن كيد الشيطان الرجيم.
والمقصود بالشرك هنا ، هو الشرك الأكبر المخرج من الملة والذي لا يغفر الله به يوم القيامة لقوله تعالى : { إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } سورة النساء.
أما الرياء وهو شرك أصغر وصاحبه غير مرتد ولا يخرج من الإسلام، وفي يوم القيامة يكون تحت مشيئة الله تعالى إن شاء عذبه وإن شاء غفر له، والشرك الأصغر يقع في الأمة ، ولذا خشي النبي صلى الله عليه وآله وسلم على أمته من الرياء في أحاديث نذكر منها ما يلي:-
في مسند الإمام أحمد عن محمود بن لبيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر، قالوا: وما الشرك الأصغر يا رسول الله؟ قال: الرياء ، يقول الله عزَّ وجلَّ لهم يوم القيامة إذا جزى الناس بأعمالهم: اذهبوا إلى الذين كنتم تراؤن في الدنيا فانظروا هل تجدون عندهم جزاء».
وحديث آخر في مسند الإمام أحمد ( 5/105 ) والمستدرك للحاكم (4/330 ) عن شداد بن أوس «أنه بكى، فقيل له: ما يبكيك؟ قال: شيئاً سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله فذكرته فأبكاني، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أتخوّف على أمتي الشرك والشهوة الخفية، قال: قلت: يا رسول الله أتشرك أمتك من بعدك؟ قال: نعم، أما إنهم لا يعبدون شمساً ولا قمراً ولا حجراً ولا وثناً ولكن يراؤون بأعمالهم، والشهوة الخفية أن يصبح أحدهم صائماً فتعرض له شهوة من شهواته فيترك صومه».
ولهذا فإن الشرك الخفي هو الرياء ، وهذا النوع هو شرك خفي خفيف أخف من دبيب النملة يقع فيه المؤمن إن لم يتداركه الله برحمته، فإن المؤمن لابد أن يجعل عمله خالصا لوجه لله تعالى لا يريد به رياءً ولا سمعةً حتى يقبل عمله عند الله جل وعلا.
وأما الذي ننفيه عن هذه الأمة هو الشرك الأكبر المخرج عن الملة والذي لا يغفر الله لمن أشرك به، مثل من عبد شيئا دون الله تعالى أو معه، أو جعل هناك ندا وأندادا لله تعالى، أو يعظم شيئا من دون الله جل وعلا ، أو يساوي شيئا بالله تبارك وتقدس، يعني بالمختصر المفيد أن يجعل لله ندا ومثيلا ونظيرا ، في العبادة والخشية والتعظيم والتقديس ..إلخ.
فهذا النوع منفي عن هذه الأمة بالأحاديث الصحيحة والصحيح لغيره وغيرها من تلك الأحاديث في الكتب الستة وغيرها من كتب الحديث... ومنها ما يلي:-
جاء في صحيحي البخاري ومسلم وسنن الكبرى للبيهقي وغيرهم عن عُقْبَةَ بْنِ عَامِرِ الجهني قال:قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم: «... إِنِّي لَسْتُ أَخْشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تُشْرِكُوا بَعْدِي. وَلكِنِّي أَخْشَى عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا أَنْ تَنَافَسُوا فِيهَا، وَتَقْتَتِلُوا، فَتَهْلِكُوا، كَمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ». قَالَ عُقْبَةُ: فَكَانَتْ آخِرَ مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللّهِ عَلَى الْمِنْبَرِ... اللفظ لمسلم.
وفي مسند الإمام أحمد وفيه عن جابر بن عبد الله عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إنَّ الشَّيْطانَ قَدْ يَئِسَ أَنْ يَعْبُدَهُ المُصَلُّونَ ، وَلٰكِنْ في التَّحْرِيش بَيْنَهُمْ» .
ولفظ آخر وفيه «قَدْ يَئِسَ الشَّيْطانُ أنْ يَعْبُدَهُ المسلمونَ، وَلٰكِنْ في التَّحْرِيش بَيْنَهُمْ» .
وفي سنن الكبرى للبيهقي وفيه عن سليمان بن عمرو عن أبيه ، قال:
شهدت رسول الله في حَجَّة الوداع يقول:
«يا أيها النَّاسُ ثلاث مَرّاتٍ أَيّ يومٍ هذا؟ قالوا: يوم النحر يوم الحجِّ الأكبر. قال: فإنَّ دماءكم وأموالكم وأعراضكم بينكم حرامٌ كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا ألا يجني جان على ولده ولا مولودٌ على والِدِهِ ألا إن الشيطان قد يئس أن يعبد في بلدكم هذا أبداً ولكن ستكون له طاعةٌ في بعض ما تحتقرون من أعمالكم فيرضى ألا وإن كلّ ربى من ربى الجاهلية يوضَع لكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون ... الحديث ». ( 2/444)
وفي مجمع الزوائد (10/26) وفيه وعن أبي الدرداء وعبادة بن الصامت ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم حدثنا: «أَنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ يَئِسَ أَنْ يُعْبَدَ فِي جَزِيرَةِ العَرَبِ» قلت أي الحافظ الهيثمي: فذكر الحديث.
وقال الحافظ الهيثمي: رواه الطبراني وإسناده حسن.
في مسند الإمام أحمد ( 5/105 ) والمستدرك للحاكم (4/330 ) عن شداد بن أوس «أنه بكى، فقيل له: ما يبكيك؟ قال: شيئاً سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله فذكرته فأبكاني، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أتخوّف على أمتي الشرك والشهوة الخفية، قال: قلت: يا رسول الله أتشرك أمتك من بعدك؟ قال: نعم، أما إنهم لا يعبدون شمساً ولا قمراً ولا حجراً ولا وثناً ولكن يراؤون بأعمالهم، والشهوة الخفية أن يصبح أحدهم صائماً فتعرض له شهوة من شهواته فيترك صومه».
ولفظ آخر وهو
فقد روى الإمام أحمد في مسنده والحاكم في المستدرك (4/330 ) من رواية عن عبد الواحد بن زيد عن عبادة بن نسي قال: دَخَلْتُ عَلَى شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ فِي مُصَلاَّهُ وَهُوَ يَبْكِي، فَقُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمنِ مَا الَّذِي أَبْكَاكَ؟
قَالَ: حَدِيثٌ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ . قُلْتُ: وَمَا هُوَ؟ قَالَ: بَيْنَمَا أَنَا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ إذْ رَأَيْتُ بِوَجْهِهِ أَمْراً سَاءَنِي، فَقُلْتُ: بِأَبِي وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الَّذِي أَرَى بِوَجْهِكَ. قَالَ: «أَمْراً أَتَخَوَّفُهُ عَلَى أُمَّتِي: الشِّرْكُ، وَشَهْوَةٌ خَفِيَّةٌ».
قُلْتُ: وَتُشْرِكُ أُمَّتُكَ مِنْ بَعْدِكَ؟ قَالَ: «يَا شَدَّادُ إنَّهُمْ لاَ يَعْبُدُونَ شَمْساً وَلاَ وَثَناً وَلاَ حَجَراً وَلكِنْ يُرَاؤُونَ النَّاسَ بِأَعْمَالِهِمْ».
قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ الرِّيَاءُ شِرْكٌ هُوَ؟ قَالَ: «نَعَمْ». قُلْتُ: فَمَا الشَّهْوَةُ الخَفِيَّةُ؟ قَالَ: «يُصْبِحُ أَحَدُهُمْ صَائِماً فَتَعْرِضُ لَهُ شَهْوَةٌ مِنْ شَهَوَاتِ الدُّنْيَا فَيُفْطِرُ». قال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
وفي مسند الإمام أحمد أيضا أن عبادة بن الصامت وأبو الدرداء قالا لشداد بن أوس عندما قال أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يخشى على أمته الشهوة الخفية والشرك فقالا له: (( فقال عبادة بن الصامت وأبو الدرداء: اللهم غفراً أولم يكن رسول الله قد حدَّثنا أن الشيطان قد يئس أن يُعبد في جزيرة العرب؟! ... الحديث)) (4/126)
فكل ما سبق يؤكد أن هذه الأمة لا تقع في الشرك الأكبر المخرج من الملة والتي لا يغفر الله لفاعله ومعتقده يوم القيامة ، أما الشرك الأصغر فأمره مختلف تماما.
ولكن جاء في الحديث الشريف قول النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم: «لا تقومُ الساعة حتى تَضطَربَ ألياتُ نساءِ دَوسٍ على ذي الخلَصة». وذو الخلصة: طاغية دوسٍ التي كانوا يَعبدون في الجاهلية. كما جاء في صحيح البخاري.
وجاء في سنن الترمذي وفيه عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ ،: قَالَ رَسُولُ الله: «لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَلْحَقَ قَبَائِلُ مِنْ أُمَّتِي بالمُشْرِكِينَ وَحَتَّى يَعْبُدُوا الأوْثَان وإِنَّهُ سَيَكُونُ فِي أُمَّتِي ثَلاَثُونَ كَذَّابُونَ كُلُّهُمْ يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ وَأَنَا خَاتَمُ النَّبِيِّينَ لاَ نَبِيَّ بَعْدِي».
قال أبو عِيسَى: هَذَا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ .
فما نقول عن هذه الأحاديث وهل كلامنا ينقضة تلك الأحاديث؟؟؟ تبابعونا نشرح لكم حقيقة الأمر بإذن الله تعالى غدًا إن شاء الله .