بداية : سأذكر في هذا المقال رأيي المتواضع في الحركة الدستورية الإسلامية ( حدس ) و مواقفها ، و مستعد أن أناقش – بهدوء – كل من يحترم نفسه في النقاش و يلتزم العقل و الأدب في الطرح ، أما ما سوى ذلك ممن تعودوا على الانحدار بمستوى الطرح فلهم من أحد أمرين :
- إما التجاهل و الإعراض امتثالا لقول الله تعالى { و أعرض عن الجاهلين }
- أو الرد عليه بالمثل لقوله تعالى { و إن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به } و لقوله { و لمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل ، إنما السبيل على الذين يظلمون الناس و يبغون في الأرض بغير الحق }
و كما قال الشاعر :
ألا لا يجهلن أحد علينا *** فنجهل فوق جهل الجاهلينا
و أنا على ثقة بأن هناك الكثير من خصوم حدس في هذا المنتدى من يمارس حقه في الاختلاف بأدب ، و يخاصم بعلم و حق ، و ليس كما يفعل المنافقون { إذا خاصم فجر } لذلك أتمنى أن أستفيد من أولئك الذين يختلفون بأدب و أن نبقى أخوة متحابين حتى لا نجعل من الخصومة السياسية سببا في أن ننحدر في مستوى النقاش ..
و اسمحوا لي بعدة وقفات :
الوقفة الأولى : الشرع و العقل يحتمان على الإنسان أن يعدل مع خصومه قبل أصحابه ، و ذلك يعني أن ينتقدهم إذا رأى ما يعتقد بأنه خطأ ، و يمدحهم إذا رأى ما يعتقده صواب ، من هذا المنطلق فإنني انتقدت ( حدس ) في هذا المنتدى و في محافلهم لأمور أراهم أخطئوا فيها ... :
فانتقدت دوافعهم في استجواب أحمد العبدالله ، و انتقدت صمتهم عن ما حصل من اعتقال لأعضاء حزب التحرير ، و انتقدت مشاركتهم في الحكومة و عدم استقالة ممثلهم منها بعد ما شاهدنا من تخبط في هذه الحكومة ، و انتقدت بطئ آليات اتخاذ القرار عندهم ،
و أنتقد الآن موقفهم من الفرعيات ، أنتقدهم في اختيارهم لبعض مرشحيهم .. و غيرها من الانتقادات .
في المقابل فإنني مدحتهم و أثنيت عليهم في الكثير من المواقف ، منها :
ما قدموه من مبادرات جادة و عميقة في أكثر من قضية ، مثل القضية التعليمية و الصحية و مبادرة التعاون بين السلطتين و غيرهم ، و أثنيت على التعقل في تعاملهم مع جميع الاستجوابات ، حيث لم يتهوروا في المسارعة لتسجيل المواقف ، و إنما كانوا يدرسون الاستجوابات و طرح الثقة بتأني و روية حتى لا يظلموا أحد الطرفين .. و غيرها من المواقف التي أثنيت عليهم .
للأسف لم أشاهد من أنصف ( حدس ) بحيث ذكر مواقفها الجيدة و إخفاقاتها ، و ناقش كل ذلك بهدوء ،
فالأكثرية منقسمون : إما عداوة تامة و سخط كامل و عدم الرضى عن أي انجاز ، و التشكيك في كل موقف .و إما مدح و إطراء و تبرير لكل الأخطاء ... و كلا طرفي الأمور ذميمُ
لذلك أتمنى من جميع إخواني هنا – المادحين و القادحين في حدس – أن يتحلوا بشيء من الموضوعية في النقد ، و العدل مع الخصم قبل الصاحب ، فحدس ليسوا ملائكة مقربين لا يعصون الله ما أمرهم و يفعلون ما يؤمرون ، كذلك هم ليسوا مردة و شياطين و كتلة من الشرور و الآثام ، و إنما مجتهدون يخطئون و يصيبون ، لذلك فلنبتعد عن
محاكمة النوايا ، و تقديم سوء الظن ، و الحسد ، و الفجور في الخصومة ، و كذلك فلنبتعد عن التنزيه الكامل و التبرير المبالغ فيه ..و لننظر إلى هذه الحركة.. باتزان واعتدال دون تشنج و انفعال .
الوقفة الثانية : أغلب القضايا التي طرحت و طال الجدال حوالها ( االقروض – الاستجوابات ... ) ليس فيها حق محض و باطل صرف ، و إنما فيها الحق الذي يختلط بالباطل ، و الباطل الذي يمازجه الحق ، و هكذا فإن كل طرف ينظر من زاويته ، و هذا من حقه ، لكن عليه أن يراعي الطرف الآخر الذي ينظر من الزاويا الاخرى ، فلا يسارع إلى توزيع التهم و الهجوم الكاسح على المخالف ، و التهديد و الوعيد ، دون أي مراعاة لاعتبارات الطرف الذي يختلف معه ..
أقول ذلك لأننا أصبحنا نتعامل مع كل القضايا السياسية ذات الطابع الظني و الاجتهادي
على أنها من أصول العقيدة ، و أنها محكمة و حق مطلق لا يقبل أي وجهة نظر أخرى ، ثم نسارع إلى من يخالفنا فنكفره سياسيا و نخرجه من دائرة الوطنية ثم نطلق عليه سائر الأوصاف المشينة و المعيبة في حق الكفار الحقيقيين فكيف إذا كانت في حق أخوة في الدين و الوطن .
الوقفة الثالثة : هناك من يتحامل على أعضاء حدس و يتفنن في الهجوم على نوابها و أعضائها بحجة أنهم حزب و يمثلون ( حدس ) و يلتزمون بأوامرها و يسعون لمصلحة حزبهم ... إلخ ، و لا يدري هؤلاء المساكين أنهم يمدحونهم من حيث لا يشعرون ،
لأن العمل الحزبي و الالتزام الجماعي في البرلمان أصبح ضرورة ، بل يعتبر ممارسة متقدمة تمارسها أرقى الدول و الأحزاب في العالم ، فما قيمة الحركة – ذات البرامج و الأهداف – إذا كان كل من أعضائها يمارس السياسة على مزاجه و هواه ؟!!
إن ما أضعف مجلسنا و جعله يسقط من أعين الناس عدم وجود الرؤية الموحدة ، و عدم القدرة على التوافق على أبسط القضايا ، فأصبح لدينا 50 حزبا ، فكل نائب له برنامجه و رؤيته ، و بذلك تحول المجلس إلى ديوانية يتم فيها تبادل الآراء المختلفة دون الخروج برؤية مشتركة واضحة ..
إن التزام أعضاء حدس هو مصدر قوة الحركة ، و قد قال علي بن طالب رضي الله عنه { كدر الجماعة و لا صفو التفرد } ، فالرأي إذا مر بعدة دوائر للنقاش و التباحث فلا شك أنه سيكون أقرب للصواب من رأي شخصي محدود ، وهذا ما تفعله حدس ، فإن كل قضية هامة تطرح في المجلس يتم دراستها و تباحثها مع أصحاب الشأن و الخبراء ، ثم يخلصوا إلى قرار يلتزمون به جميعا
فهل هذا خير.. أم العشوائية و المجازفات غير المحسوبة ؟!!
أعلم أن البعض لا يمكن أن يستوعب مثل هذا الكلام و لا يهضم مثل تلك الممارسات و الإجراءات ..
لكن ماذا تصنع حدس .. و قدرها أنها تجاوزت بعض خصومها في التفكير بمراحل .. ؟!!
إن هذا المنطق الأعوج في النظر إلى الحركات و الأحزاب جعل البعض ينشغل و يتعب نفسه في تتبع سقطات نواب حدس و يفرح و يرقص حين يشاهد خطأ من أحد أعضائها أو هفوة و زلة من آخر ، هذا المسلك سببه تلك النظرة العوجاء للحركة ، فهم ينظرون لها على أنها مجموعة من النواب ، و ليست حركة ذات أهداف و مشاريع ، و تتحرك بشكل جماعي ، و بالتالي فإن الأخطاء الفردية تحسب على صاحبها فقط ، لأن المهم هو أن ينجح المشروع و تتحقق الأهداف ، أما الأشخاص فإنهم يأتون و يذهبون و يصيبون و يخطئون ، المهم هو سلامة الأهداف والبرامج و صحة المبادئ ، و الوضوح ،
و لا أعني بالوضوح هنا كما يتوهمه البعض أنه السرعة في اتخاذ الموقف و الإعلان عنه ، و إنما الوضوح هو أن يكون الموقف قد تم اتخاذه بناء على أسباب واضحة و بعد تأني و دراسة .
إنني سأصوت لحدس رغم عدم قناعتي ببعض مرشحيها و اعتراضي عليهم ، لكنني أعلم بأنني عندما أصوت لمرشح حدس ، فإنني لا أصوت لشخصه و إنما للبرنامج الذي تحمله و تقدمه الحركة .. أصوت للممارسة الراقية .. أصوت للأهداف الواضحة و المعلنة ..
الوقفة الأخيرة : في الانتخابات الماضية كان مرشحوا حدس 6 ، و كان الهدف هو إيصال 3 مرشحين ، لكن جاءت النتيجة فوق ما كانت تهدف إليه الحركة و الحمد لله ..
في انتخابات هذا العام فإن مرشحي حدس تقريبا 14 قبل الفرعيات !!!، و الهدف هو نجاح 7 فقط .. وأنا أتوقع فوز 5 ..
لكني لا أنظر لقوة الحركة من خلال عدد من يمثلها في البرلمان ، فهذا ليس معيارا للقوة ، و إنما هو معيار بسيط لمدى قبول الناس لمرشحي حدس ، أما القوة الحقيقية فتتمثل في قدرة حدس على التأثير في شتى القرارات في الدولة ، و قوتها في امتدادها في شتى مؤسسات الدولة و تسلم المناصب العليا ، بدأ من وزير .. قوتها في امتدادها الخيري و الدعوي و الإصلاحي و الاجتماعي .. إلخ .. فهذا هو المعيار الحقيقي للقوة ، و الدليل على ذلك أن الحركة عندما كان لديها نائبان فقط في المجلس كان لها ممثل رسمي في الحكومة فهذا يعني أن قوتها ليست في عدد أعضائها .. بل إن من الاختزال و السطحية قياس قوة الحركة بهذه الطريقة
إخواني .. أخواتي ..
سأكون سعيدا جدا بإثارة نقاش راقي و موضوعي حول ما ذكرته من وجهة نظر متواضعة ، و سأكون سعيدا بكل من يخالفني بأدب و احترام ..
و لكم التحية
أخوكم : بوسند