"بطانة المسؤولين" .. الجاحظ وابن الزيات أنموذجا .

تقرأ الجرائد اليومية وتتصفح تغطياتها ..
تقلب "الريموت" على القنوات المحلية وتتابع أخبارها ...
فيتضح لك أمر واضح أن بطانة بعض المسؤولين كثيرا ما يتصدرون قوائم السبق الصحفي في نقلهم للأخبار عنهم أو فهمهم للأوضاع نيابة عنهم ! ..

ومما يستغرب من ذلك : أن الأعم الأغلب منهم دون المستوى في أن يكونوا أهل للمجالسة أو موطن للإستشارة أو أمان للنصيحة..!
فلا علم .. ولا منطق ... ولا عمل صالح عند الناس ...
ولا سيرة حسنة ... ولا خبرة في الحياة ... ولا تاريخ جميل !
لكن ما جعلهم يكونوا في تلك المكانة المرموقة هو اختيار المسؤول لهم بلا أي معيار ولا تأهيل إنما هو " ضربة مزاج " !
.. من يدري .. ! ... ربما أننا لا نعلم مواهبهم الخفية ومميزاتهم المخفية... !

على كل حال : وأنا أستذكر تلك الفكرة .....
مرت بي عيني على رسالة وجهها أبو عثمان الجاحظ إلى محمد بن عبدالملك الزيات وزير المعتصم والواثق ...
وكان من جلسائه وندمائه وخواص بطانته ...
وكان الوزير المعتصم يحب الإستماع إلى أدبه ويقربه منه
ويسترشد بحكمه وتوجيهاته ..
وهكذا تكون البطانة الصالحة للمسؤولين ...
يستفيدون من علمهم ويتعلمون من تجاربهم .
وكأنما هي صورة مشرقة في نبل هذا المسؤول وجمال ثقافته
ورزانة عقله وطيب اختياره ...
وقد كتب الجاحظ لإبن الزيات هذه الرسالة ذات الكلمات القليلة يريد بها شرح حال الناس تجاهه ، ونظرتهم له ، كونه صار وزيرا في فترة قصيرة .
ولم يتربى في خدمة السلاطين ولم يتفانى في مدحهم إنما كان من عامة الناس.
.
وبعد هذه المقدمة أترككم مع رسالة الجاحظ إلى الوزير ابن الزيات كاملة...
لعلنا نتسلى بها عن واقع الحال ...

(( لا والله ما عالج الناس داء قط أقوى من الغيظ ، ولا رأيت شيئا هو أنفذ من شماتة الأعداء ، ولا أعلم بابا أجمع لخصال المكروه من الذل ، ولكن المظلوم ما دام يرجوه والمبتلى ما دام يجد من يرثى له فهو على سبب درك وإن تطاولت به الأيام ، فكم من كربة فادحة وضيقة مصمتة قد فقتحت أقفالها وفككت أغلالها ، ومهما قصرت فيه فلم أقصر في المعرفة بفضلك وفي حسن النية بيني وبينك ، لا مشتت الهوى ولا مقسم الأمل ، على تقصر قد احتمله )) أ.ه

تدبرت هذه الرسالة السامة فوجدت فيها حكمة وفضيلة لا يستغني عنها أي مسؤول
لما فيها من كشف الغطاء عن ما فيه سبب النجاة وطلب الفكاك .
ولا عجب فإن من قالها أبو عثمان الجاحظ شيخ العربية وإمام الأدب غفر الله له وعفا عنه .
 
أعلى