داعش و الوهابية مسألة التكفير و القتال

هنا أدلة من كتب الشيخ محمد بن عبدالوهاب على هذه الإفتراءات الكاذبة عن التكفير و القتال، كثير من الناس وجد طريقة للطعن في الدين الإسلامي الصحيح بسبب داعش و أفعالها
احتاجت مسألة التكفير والقتال هذا الاهتمام، نظرا لكثرة من رمى هذه الدعوة السلفية بشبهة "التكفير والقتال"، فما أكثر من أثار هذه الشبهة على دعوة الشيخ، وسيتضح ذلك جليا عند نقل أقوال المناوئين في ذلك. لم يقف الأمر عند هذا الحد، بل تجاوزه إلى أن بعض العلماء المحققين ممن عرف عنهم سلامة المعتقد، قد تأثروا بتلك الشبهة وصدقوا تلك الدعوى - بكل ما فيها من حق أو باطل.
والرد عليهم من كتب الشيخ محمد بن عبد الوهاب على من يكفره و يدعوا للقتال

من كتاب الجواهر المضية مسألة التكفير
إلى العلم والفقه: قبلتنا مَنْ أَمّها لا يكفر1. فلا إله إلا الله: نَفْيُ وإثباتُ الإلهية كلها لله، فمن قصد شيئا من قبر أو شجر أو نجم أو ملك مقرب أو نبي مرسل؛ لجلب نفع وكشف ضر فقد اتخذه إلها من دون الله، فَكَذَّبَ بلا إله إلا الله؛ يستتاب؛ فإن تاب وإلا قتل.
الشرك بعبادة غير الله للتبرك
فإن قال هذا المشرك: لم أقصد إلا التبرك، وإني لأعلم أن الله هو الذي ينفع ويضر. فقل له: إن بني إسرائيل ما أرادوا إلا ما أردتَ، كما أخبر الله عنهم، أنهم لما جاوزوا البحر أتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم قالوا: {يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ} ، فأجابهم بقوله: {إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} 2 الآيتين.
وحديث أبي واقد الليثي قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حنين، ونحن حدثاء عهد بكفر، وللمشركين سدرة يعكفون عندها وينوطون بها أسلحتهم، يقال لها: ذات أنواط، فمررنا بسدرة، فقلنا يا رسول الله: اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "الله أكبر إنها السنن3. قلتم والذي نفسي بيده كما قال بنو إسرائيل لموسى {اجْعَلْ لَنَا إِلَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ} ، لتركبن سنن من كان قبلكم".
وقال تعالى: {أَفَرَأَيْتُمُ اللاَّتَ وَالْعُزَّى} 4، وفي الصحيح عن ابن عباس وغيره أنه رجل صالح كان يلت السويق للحاج، فمات فعكفوا على قبره. فيرجع هذا المشرك ويقول: هذا الشجر والحجر، وأنا أعتقد في أناس
__________
1 يعني الشيخ -رحمه الله- أن هؤلاء الجهلة لم يفهموا قول أهل السنة: أنهم لا يكفرون أحدا من أهل القبلة، وأنهم يعنون به عدم التكفير بالذنب لا بالشرك، والكفر الذي لا يحتمل التأويل. والتأويل الذي يمنع تكفير الشخص المُعَيَّن: إنما يمنعه ما دام محتملا فإذا قامت عليه الحجة، وذهب احتمال التأويل ظهر أنه مُرتد ليس له عذر.
2 سورة الأعراف آية: 138.
3 الضمير هنا ضمير القصة والشأن، والسنن: سنن الله في الأمم، وهي قواعد الاجتماع والأحوال التي يستن فيها بعض الناس بما كان عليه غيرهم.
4 سورة النجم آية: 19.

-------------------------------------------------------------------
فأنتم -وفقكم الله- تأملوا هذه الآية، وتأملوا مَنْ نزلت فيه، وأجمع العلماء على تفسيرها، وتأملوا ما جرى بيننا وبين أعداء الله، نطلبهم دائما للرجوع إلى كتبهم التي بأيديهم في مسألة التكفير والقتال، فلا يجاوبوننا إلا بالشكوى عند الشيوخ وأمثالهم. ونسأل الله أن يوفقكم لدينه القيم، ويرزقكم الثبات عليه، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
ذبيحة المرتد وما يكفر به المسلم وحكمه
وسئل عن ذبيحة المرتد، وتكفير من يعمل بفرائض الإسلام إلخ.
فأجاب: قوله تعالى: {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ} 1 الآية. وقوله: {فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} 2 الآيات، لا اختلاف في حكمهن بين أحد عرف كتاب الله. ولكن الكلام في حكم الذابح هل هو مسلم فيدخل حكمه في حكم الآية؛ إذا ذبح وسمى الله عليها؛ فلو ترك التسمية نسيانا حلت ذبيحته، وكانت من الطيبات، بخلاف من ترك التسمية عمدا فلا تحل ذبيحته. وكذلك أهل الكتاب أعني: اليهود والنصارى، ذبيحتُهم ومناكحتُهم حلالٌ؛ لقوله تعالى {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} 3 الآية.
وأما المرتد فلا تحل ذبيحته؛ وإن قال فيها: بسم الله؛ لأن المانع لذلك ارتداده عن دين الإسلام، لا ترك التسمية؛ لأن المرتد شر عند الله من اليهود والنصارى من وجوه:
(أحدها) : أن ذبيحته من الخبائث.
(الثانية) : أنها لا تحل مناكحته بخلاف أهل الكتاب.
(الثالثة) : أنه لا يُقَرُّ في بلد المسلمين لا بجزية ولا بغيرها.
(الرابعة) : أن حكمه يضرب عنقه بالسيف؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "من بدل دينه فاقتلوه" 4، بخلاف أهل الكتاب.
فإذا تقرر هذا عندك: فاعرف أن الكلام في تحريم ذبيحة المرتد، لا في أن الله أمر بأكل ما سمي الله عليه، ولا تحليل طعام أهل الكتاب.
تكفير من يعمل بفرائض الإسلام
وقولكم: لِمَ تُكفِّرُون مَن يعمل بفرائض الإسلام الخمس؟ فقد كان في زمن
__________
1 سورة المائدة آية: 4.
2 سورة الأنعام آية: 118.
3 سورة المائدة آية: 5.
4 البخاري: الجهاد والسير (3017) واستتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم (6922) , والنسائي: تحريم الدم (4059) , وأبو داود: الحدود (4351) , وابن ماجه: الحدود (2535) , وأحمد (1/217 ,1/282 ,1/322) .
-------------------------
بقتل الموحدين وحثهم على لزوم دينهم؟
فأنتم -وفقكم الله- تأملوا هذه الآية، وتأملوا مَنْ نزلت فيه، وأجمع العلماء على تفسيرها، وتأملوا ما جرى بيننا وبين أعداء الله، نطلبهم دائما للرجوع إلى كتبهم التي بأيديهم في مسألة التكفير والقتال، فلا يجاوبوننا إلا بالشكوى عند الشيوخ وأمثالهم. ونسأل الله أن يوفقكم لدينه القيم، ويرزقكم الثبات عليه، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
ذبيحة المرتد وما يكفر به المسلم وحكمه
وسئل عن ذبيحة المرتد، وتكفير من يعمل بفرائض الإسلام إلخ.
فأجاب: قوله تعالى: {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ} 1 الآية. وقوله: {فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} 2 الآيات، لا اختلاف في حكمهن بين أحد عرف كتاب الله. ولكن الكلام في حكم الذابح هل هو مسلم فيدخل حكمه في حكم الآية؛ إذا ذبح وسمى الله عليها؛ فلو ترك التسمية نسيانا حلت ذبيحته، وكانت من الطيبات، بخلاف من ترك التسمية عمدا فلا تحل ذبيحته. وكذلك أهل الكتاب أعني: اليهود والنصارى، ذبيحتُهم ومناكحتُهم حلالٌ؛ لقوله تعالى {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} 3 الآية.
وأما المرتد فلا تحل ذبيحته؛ وإن قال فيها: بسم الله؛ لأن المانع لذلك ارتداده عن دين الإسلام، لا ترك التسمية؛ لأن المرتد شر عند الله من اليهود والنصارى من وجوه:
(أحدها) : أن ذبيحته من الخبائث.
(الثانية) : أنها لا تحل مناكحته بخلاف أهل الكتاب.
(الثالثة) : أنه لا يُقَرُّ في بلد المسلمين لا بجزية ولا بغيرها.
(الرابعة) : أن حكمه يضرب عنقه بالسيف؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "من بدل دينه فاقتلوه" 4، بخلاف أهل الكتاب.
فإذا تقرر هذا عندك: فاعرف أن الكلام في تحريم ذبيحة المرتد، لا في أن الله أمر بأكل ما سمي الله عليه، ولا تحليل طعام أهل الكتاب.
تكفير من يعمل بفرائض الإسلام
وقولكم: لِمَ تُكفِّرُون مَن يعمل بفرائض الإسلام الخمس؟ فقد كان في زمن
__________
1 سورة المائدة آية: 4.
2 سورة الأنعام آية: 118.
3 سورة المائدة آية: 5.
4 البخاري: الجهاد والسير (3017) واستتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم (6922) , والنسائي: تحريم الدم (4059) , وأبو داود: الحدود (4351) , وابن ماجه: الحدود (2535) , وأحمد (1/217 ,1/282 ,1/322) .
-------------------------------------
 
التعديل الأخير:
تكملة الموضوع ....
من كتاب الرسائل الشخصية للشيخ محمد بن عبدالوهاب مسألة التكفير و القتال
وأما ما ذكر الأعداء عني: أني أكفّر بالظن، وبالموالاة، أو أكفّر الجاهل الذي لم تقم عليه الحجة، فهذا بهتان عظيم، يريدون به تنفير الناس عن دين الله ورسوله. الرابعة: الأمر بقتال هؤلاء خاصة، حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله.
فلما اشتهر عني هؤلاء الأربع، صدقني من يدعي أنه من العلماء في جميع البلدان، في التوحيد وفي نفي الشرك، وردَّوا عليَّ التكفير والقتال. إذا تحققت ما ذكرت لك، انبنى الجواب على ما ذكرتم في أول الأوراق، من إقراركم بمعرفة نواقض الإسلام بإجماع العلماء، بشرط أنكم لا تكفّرون بالظن، ولا من لا تعرفون، فنقول: من المعلوم عند الخاص والعام، ما عليه البوادي أو أكثرهم، فإن كابر معاند لم يقدر على أن يقول: إن عنَزة وآل ظفير وأمثالهم كلهم مشاهير، هم والأتباع إنهم مقرون بالبعث ولا يشكّون فيه، ولا يقدر أن يقول: إنهم يقولون: إن كتاب الله عند الحضر وأنهم عانقوه 1 ومتبعون ما أحدث آباؤهم مما يسمونه الحق، ويفضلونه على شريعة الله. فإن كان للوضوء ثمانية نواقض، ففيهم من نواقض الإسلام أكثر من المائة ناقض. فلما بينت ما صرحت به آيات التنْزيل، وعلّمه الرسول أمته، وأجمع عليه العلماء: من 1 أنكر البعث أو شك فيه، أو سب الشرع، أو سب الأذان إذا سمعه، أو فضل فراضة الطاغوت على حكم الله، أو سب من زعم أن المرأة ترث، أو أن الإنسان لا يؤخذ في القتل بجريرة أبيه وابنه، إنه كافر مرتد، قال علماؤكم: معلوم أن هذا حال البوادي، لا ننكره، ولكن يقولون: "لا إله إلا الله"، وهي تحميهم من الكفر، ولو فعلوا كل ذلك. ومعلوم أن هؤلاء أولى وأظهر من يدخل في تقريركم، فلما أظهرتُ تصديق الرسول فيما جاء به، سبوني غاية المسبة، وزعموا أني أكفّر أهل الإسلام وأستحل أموالهم، وصرحوا أنه لا يوجد في جزيرتنا رجل واحد كافر، وأن البوادي يفعلون من النواقض مع علمهم أن دين الرسول عند الحضر، وجحدوا كفرهم. وأنتم تذكرون أن مَن رد شيئاً مما جاء به الرسول بعد معرفته، أنه كافر.
فإذا كان المويس وابن إسماعيل والعديلي وابن عباد وجميع أتباعهم كلهم على هذا، فقد صرحتم غاية التصريح أنهم كفار مرتدون، وإن ادّعى مدّع أنهم يكفّرونهم، أو ادّعى أن جميع البادية لم يتحقق من أحد منهم من النواقض شيئاً، أو ادّعى أنهم لا يعرفون أن دين الرسول خلاف ما هم عليه؛ فهذا كمن ادّعى أن ابن سليمان وسويد وابن دواس وأمثالهم عباد زهاد فقراء، ما شاخوا في بلد قط. ومن ادعى هذا فأسقط الكلام معه.
ونقول ثانياً: إذا كانوا أكثر من عشرين سنة، يقرون ليلاً ونهارا سراً وجهاراً، أن التوحيد الذي أظهر هذا الرجل هو دين الله ورسوله، لكن الناس لا يطيعوننا، وأن الذي أنكره هو الشرك وهو صادق في إنكاره، ولكن لو يسلم من التكفير والقتال كان على حق. هذا كلامهم على رؤوس الأشهاد. ثم مع هذا، يعادون التوحيد ومن مال إليه، العداوة التي تعرف، ولو لم يكفِّر ويقاتل، وينصرون الشرك نصره الذي تعرف، مع إقرارهم بأنه شرك، مثل كون المويس وخواص أصحابه ركبوا وتركوا أهليهم وأموالهم إلى أهل قبة الكواز وقبة رجب سنة 1، يقولون: إنه قد أخرج من ينكر قببكم وما أنتم عليه، وقد أحل دماءهم وأموالهم. وكذلك ابن إسماعيل وابن ربيعة والمويس أيضاً، بعدهم بسنة، رحلوا إلى أهل قبة أبي طالب، وأغروهم بمن صدق النبي صلى الله عليه وسلم، وأحلوا دماءنا وأموالنا حتى جرى على الناس ما تعرف، مع أن كثيراً منهم لم يكفر ولم يقاتل. وقررتم أن من خالف الرسول في عشر معشار هذا، ولو بكلمة، أو عقيدة قلب، أو فعل، فهو كافر، فكيف بمن جاهد بنفسه وماله وأهله، ومن أطاعه في عداوة التوحيد وتقرير الشرك، مع إقراره بمعرفة ما جاء به الرسول؟ فإن لم تكفّروا هؤلاء ومن اتبعهم، ممن عرف أن التوحيد حق وأن ضده الشرك، فأنتم كمن أفتى بانتقاض وضوء من بزغ منه مثل رأس الإبرة من البول، وزعم أن من يتغوط ليلاً ونهاراً، وأفتى للناس أن ذلك لا ينقض، وتبعوه على ذلك حتى يموت، أنه لا ينقض وضوءه.
وتذكرون أني أكفّرهم بالموالاة، وحاشا وكلا، ولكن أقطع أن كفر من عبد قبة أبي طالب لا يبلغ عشر كفر المويس وأمثاله، كما قال تعالى: {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ} 2 الآيتين.
وأنا أمثل لك مثالاً، لعل الله أن ينفعك به، لعلمي أن الفتنة كبيرة، وأنهم يحتجون بما تعرفون: منها ما ذكر في الأوراق أنهم لم يقصدوا بحربكم ردّ التوحيد وإحياء الشرك، وإنما قصدوا دفع الشر عن أنفسهم خوف البغي عليهم. فنقول: لو نقدّر أن السلطان ظلم أهل المغرب ظلماً عظيماً في أموالهم وبلادهم، ومع هذا خافوا استيلاءهم على بلادهم ظلماً وعدواناً، ورأوا أنهم لا يدفعونهم إلا باستنجاد الفرنج، وعلموا أن الفرنج لا يوافقونهم إلا أن يقولوا: نحن معكم على دينكم ودنياكم، ودينكم هو الحق ودين السلطان هو الباطل، وتظاهروا بذلك ليلاً ونهاراً، مع أنهم لم يدخلوا في دين الفرنج ولم يتركوا الإسلام بالفعل، لكن لما تظاهروا بما ذكرنا، ومرادهم دفع الظلم عنهم، هل يشك أحد أنهم مرتدون في أكبر ما يكون من الكفر والردة، إذا صرحوا أن دين السلطان هو الباطل، مع علمهم أنه حق، وصرحوا أن دين الفرنج هو الصواب، وأنه لا يتصور أنهم لا يتيهون 1 لأنهم أكثر من المسلمين، ولأن الله أعطاهم من الدنيا شيئاً كثيراً، ولأنهم أهل الزهد والرهبانية.
فتأمل هذا تأملاً جيداً، وتأمل ما صدرتم به الأوراق من موافقتكم به الإسلام، ومعرفتكم بالناقض إذا تحققتموه، وأنه يكون بكلمة ولو لم تُعْتقد، ويكون بفعل ولو لم يتكلم، ويكون في القلب من الحب والبغض ولو لم يتكلم ولم يعمل، تبين لك الأمر، اللهم إلا إن كنتم ذاكرين في أول الأوراق وأنتم تعتقدون خلافه، فذلك أمر آخر. وأما ما ذكرتم من كلام العلماء، فعلى الرأس والعين، ولكن عنه جوابان:
أحدهما: أنكم لو لم تنقلوا كلام ابن عقيل في الفنون، وكلام الشيخ في اقتضاء الصراط المستقيم، وكلام ابن القيم، لقلت: لعلهم مخطئون قائلون بمبلغ علمهم، هذا كله عندنا في هذه الكتب كما هو عندكم؛ وابن عقيل ذكر أنهم كفار بهذا الفعل، أعني: دعوة صاحب التربة، ودسَّ الرقاع، وأنتم تعلمون ذلك. وأصرح منه: كلام الشيخ في قوله: ومن ذلك ما يفعله الجاهلون بمكة، يا سبحان الله! كيف تركتم صريحه في العبارة بعينها: إن هذا مَن فعله كان مرتداً، وإن المسلم إذا ذبح للزهرة والجن ولغير الله، فهو مما أُهل لغير الله به، وهي أيضا ذبيحة مرتد، لكن يجتمع في الذبيحة مانعان؛ فصرح أن هذا الرجل إذا ذبح للجن مرة واحدة صار كافراً مرتداً، وجميع ما يذبحه للأكل بعد ذلك لا يحل لأنه ذبيحة مرتد؟
وصرح في مواضع من الكتاب كثيرة، بكفر من فعل شيئاً من الذبح والدعوة، حتى ذكر ثابت بن قرة وأبا معشر البلخي، وذكر أنهم كفار مرتدون وأمثالهم، مع كونهم من أهل التصانيف. وأصرح من الجميع: كلام ابن القيم في كثير من كتبه. فلما نقلتم بعض العبارة، وتركتم بعضها، علمت أنه ليس بجهالة، ولكن الشرهة عليك، لو أنك فاعل كما فعل بعض أهل الحسا، لما صنف بعضهم كتاباً في الرد علينا يريد أن يبعثه، تكلم رجل منهم وقال: أحب ما إلى ابن عبد الوهاب وصول هذا إليه، أنتم ما تستحيون. فتركوا الرسالة.
 
التعديل الأخير:
تكملة الموضوع ......
الجواب الثاني: أنه على سبيل التنزل، أن الشرك لا يكفر من فعله، أو أنه شرك أصغر، أو أنه معصية غير الكفر، مع أن جميع ما ذكرتم لا يدل على ذلك، فإن أردت بينت لك في غير هذه المرة معاني هذه العبارات من الأدلة من كلام كل رجل، كما بينته لك من كلام الشيخ. لكن أنتم مسلّمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أنكره ونهى عنه، فلو أن رجلاً أقر بذلك مع كونه لم يفعله، لكنه زينه للناس ورغبهم فيه، أليس هذا كافراً مرتداً؟ ولو قدّرنا أن الأمر الذي كرهه وصد الناس عنه، ما أمر به الرسول إلا أمر استحباب كركعتي الفجر، أو أن الذي نهى عنه ما نهى عنه إلا نهي تنْزيه كأكل بالشمال، والنوم للجنب من غير وضوء، ولو أن رجلاً عرف نهي الرسول، وزعم لأجل غرض من الأغراض أن الأكل بالشمال هو الأحب المرضي عند الله، وأن الأكل باليمين يضر عند الله، وأن الوضوء للجنب إذا أراد النوم يضر عند الله، وأن النوم من غير وضوء أحب إلى الله، مع علمه بما قال الرسول صلى الله عليه وسلم، أليس هذا كلام كافر مرتد؟ فكيف بمن سب دين الله الذي بعث به جميع الأنبياء مع إقراره ومعرفته به، ومدح دين المشركين الذي بعث الله الأنبياء بإنكاره، ودعا الناس إليه مع معرفته؟ ولكن أرى لك أن تقوم في السحَر، وتدعو بقلب حاضر، بالأدعية المأثورة، وتطرح نفسك بين يدي الله أن يهديك لدينه ودين نبيه عليه السلام، وصلى الله على محمد وآله وسلم.
-------------------------
من كتاب الرسائل الشخصية
وأما التكفير: فإني أكفر مَنْ عرف دين الرسول، ثم بعد ما عرفه سَبَّهُ ونَهَى الناس عنه، وعادى مَنْ فعله، فهذا هو الذي أُكَفِّرُهُ، وأكثر الأمة -ولله الحمد- ليسوا كذلك. وأما القتال: فلم نقاتل أحدا إلى اليوم إلا دون النفس والحرمة، وهم الذين أَتَوْنَا في ديارنا ولا أبقوا ممكنا، ولكن قد نقاتل بعضهم على سبيل المقابلة، وجزاء سيئة سيئة مثلها. وكذلك مَنْ جَاهَرَ بسَبِّ دين الرسول بعد ما عرفه.
فإن تبين لكم أن هذا هو الحق الذي لا ريب فيه؛ وأن الواجب إشاعته في الناس، وتعليمه النساء والرجال، فرحم الله من أدى الواجب عليه، وتاب إلى الله، وأقر على نفسه، فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له, ونسأل الله أن يهدينا وإياكم لما يحب ويرضى. والله أعلم.
-----------------------------------------------------------------
وما أشاعوا عنا من التكفير، وأني أفتيت بكفر البوادي الذين ينكرون البعث والجنة والنار، وينكرون ميراث النساء، مع علمهم أن كتاب الله عند الحضر، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم بُعث بالذي أنكروا، فلما أفتيت بكفرهم مع أنهم أكثر الناس في أرضنا، استنكر العوام ذلك، وخاصتهم الأعداء ممن يدعي العلم، وقالوا: من قال: "لا إله إلا الله" لا يكفر ولو أنكروا البعث وأنكروا الشرائع كلها. ولما وقع ذلك من بعض القرى مع علمهم اليقين بكفر من آمن ببعض الكتاب وكفر ببعض، حتى أنهم يقولون: من أنكر فرعاً مجمعاً عليه كفر، فقلت لهم: إذا كان هذا عندكم فيمن أنكر فرعاً مجمعاً عليه، فكيف بمن أنكر الإيمان باليوم الآخر؟ وسب الحضر وسفّه أحلامهم إذا صدقوا بالبعث. فلما أفتيت بكفر من تبر 2 البوادي
__________
1 مسلم: الجنائز (969) , والترمذي: الجنائز (1049) , والنسائي: الجنائز (2031) , وأبو داود: الجنائز (3218) , وأحمد (1/89, 1/96, 1/111, 1/128, 1/139, 1/145, 1/150) .
2 كذا في الأصول.
--------------------------------
من أهل القرى، مع علمه بما أنزل الله وبما أجمع عليه العلماء، كثرت الفتنة وصدق الناس بما قيل فينا من الأكاذيب والبهتان.وبالجملة: هذا ما نحن عليه. وأنتم تعلمون أن من هو أجلّ منّا لو تبين في هذه المسائل قامت عليه القيامة، وأنا أشهد الله وملائكته وأشهدكم على دين الله ورسوله، أني متبع لأهل العلم، وما غاب عني من الحق وأخطأت فيه، فبينوا لي، وأنا أشهد الله أني أقبل على الرأس والعين؛ والرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل.
-----------------------------------------
وأما التكفير، فأنا أكفّر من عرف دين الرسول ثم بعد ما عرفه سبّه ونهى الناس عنه وعادى من فعله، فهذا هو الذي أكفّر. وأكثر الأمة، ولله الحمد، ليسوا كذلك. وأما القتال، فلم نقاتل أحداً إلى اليوم إلا دون النفس والحرمة. وهم الذين أتونا في ديارنا، ولا أبقوا ممكناً، ولكن قد نقاتل بعضهم على سبيل المقابلة،: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} 2، وكذلك من جاهر بسب دين الرسول بعد ما عرف. فإنا نبين لكم أن هذا هو الحق الذي لا ريب فيه، وأن الواجب إشاعته في الناس وتعليمه النساء والرجال.
فرحم الله من أدى الواجب عليه وتاب إلى الله وأقرّ على نفسه، فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له، ونسأل الله أن يهدينا وإياكم لما يحبه ويرضاه.
__________
1 سورة الشورى آية: 40. .
2 سورة يونس آية: 31.
 
التعديل الأخير:
تكملة الموضوع .....
فإذا قيل: التوحيد زين، والدين حق، إلا التكفير والقتال، قيل: اعملوا بالتوحيد ودين الرسول، ويرتفع حكم التكفير والقتال. فإن كان حق التوحيد الإقرار به، والإعراض عن أحكامه، فضلاً عن بغضه ومعاداته، فهذا والله عين الكفر وصريحه. فمن أشكل عليه من ذلك شيء، فليطالع سيرة محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
والسلام عائد عليكم كما بدأ، ورحمة الله وبركاته.
--------------------------------
وعرفتم أنهم يقولون: لو يترك أهل العارض التكفير والقتال، كانوا على دين الله ورسوله، ونحن ما جئناكم في التكفير والقتال، لكن ننصحكم بهذا الذي قطعتم أنه دين الله ورسوله إن كنتم تعلمونه وتعملون به 3، إن كنتم من أمة محمد باطناً وظاهراً. وأنا أبين لكم هذه بمسألة القبلة، أن النبي صلى الله عليه وسلم وأمته يصلّون، والنصارى يصلّون، ولكن قبلته صلى الله عليه وسلم وأمته بيت الله، وقبلة النصارى مطلع الشمس؛ فالكل منا ومنهم يصلي، ولكن اختلفنا في القبلة. ولو أن رجلاً من أمة محمد صلى الله عليه وسلم يقر بهذا، ولكن يكره من يستقبل القبلة، ويحب من يستقبل الشمس، أتظنون أن هذا مسلم؟ وهذا ما نحن فيه. فالنبي صلى الله عليه وسلم بعثه الله بالتوحيد، وأن لا يدعى مع الله أحد، لا نبي ولا غيره، والنصارى يدعون عيسى رسول الله، ويدعون الصالحين يقولون: ليشفعوا لنا عند الله، فإذا كان كل مطوع مقراً بالتوحيد، فاجعلوا التوحيد مثل القبلة، واجعلوا الشرك مثل استقبال المشرق، مع أن هذا أعظم من القبلة. وأنا أنصحكم لله، وأنخاكم لا تضيعوا حظكم من الله، وتحبون دين النصارى على دين نبيكم. فما ظنكم بمن واجه الله وهو يعلم من قلبه أنه عرف أن التوحيد دينه ودين رسوله، وهو يبغضه ويبغض من اتبعه، ويعرف أن دعوة غيره هو الشرك، ويحبه ويحب من اتبعه، أتظنون أن الله يغفر لهذا؟ والنصيحة لمن خاف عذاب الآخرة، وأما القلب الخالي من ذلك فلا. والسلام.
------------------------------------

واعلموا أن الأدلة على تكفير المسلم الصالح إذا أشرك بالله، أو صار مع المشركين على الموحدين، ولو لم يشرك، أكثر من أن تحصر، من كلام الله وكلام رسوله، وكلام أهل العلم كلهم. وأنا أذكر لكم آية من كتاب الله أجمع أهل العلم على تفسيرها، وأنها في المسلمين، وأن من فعل ذلك فهو كافر في أي زمان كان، قال تعالى: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالأِيمَانِ} 1 إلى آخر الآية، وفيها: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ} 2. فإذا كان العلماء ذكروا أنها نزلت في الصحابة لما فتنهم أهل مكة، وذكروا أن الصحابي إذا تكلم بكلام الشرك بلسانه، مع بغضه لذلك وعداوة أهله، لكن خوفاً منهم، أنه كافر بعد إيمانه، فكيف بالموحد في زماننا؟ إذا تكلم في البصرة أو الإحساء أو مكة أو غير ذلك، خوفًا منهم، لكن قبل الإكراه، وإذا كان هذا يكفر، فكيف بمن صار معهم وسكن معهم وصار من جملتهم؟ فكيف بمن أعانهم على شركهم وزينه لهم؟ فكيف بمن أمر بقتل الموحدين وحثهم على لزوم دينهم؟ فأنتم، وفقكم الله، تأملوا هذه الآية، وتأملوا من نزلت فيه، وتأملوا إجماع العلماء على تفسيرها، وتأملوا ما جرى بيننا وبين أعداء الله، نطلبهم دائماً الرجوع إلى كتبهم التي بأيديهم في مسألة التكفير والقتال، فلا يجيبوننا إلا بالشكوى عند الشيوخ وأمثالهم. والله أسأل أن يوفقكم لدينه ويرزقكم الثبات عليه. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
__________
1 سورة النحل آية: 106.
2 سورة النحل آية: 107.

و بهذا القدر نكتفي كل كتبه رد على هؤلاء المفترين
 
أعلى