.
(1 ــ 2)
الزمان.. الساعات الأولى من صباح يوم الثاني من أغسطس 1990 في الكويت..
المكان.. الولايات المتحدة الأمريكية..
الواقعة.. اتصال هاتفي حقيقي أجراه طالب كويتي يدرس في أمريكا مع أخيه في الكويت..
ــ ألو.. يوسف..؟ معك أخوك أحمد.. كيف الحال..؟
ــ بخير.. لله الحمد..
ــ ما الذي يحدث عندكم في الكويت..؟
ــ لا شيء.. كل شيء بخير والحمد لله..
ــ كيف كل شيء بخير..؟ تنقل محطات التلفزة الأمريكية الآن تصويرا بالأقمار الصناعية لأكثر من مئة ألف جندي عراقي اجتازوا الحدود الشمالية زاحفين نحو الكويت العاصمة.. ونراهم الآن يتقدمون بآلياتهم العسكرية وينتشرون في العمق الكويتي..
ــ ماذا تقول..؟ متى.. كيف.. جنود عراقيين..؟ ما هذا الكلام.. لا.. لا.. لا يوجد شي مما تقول..
ــ أين أنت الآن يا يوسف.. (حدث تشويش).. ألو.. هل تسمعني.. ألو.. ألو..
ثم انقطعت المكالمة فجأة من جهة المتحدث في الكويت..
هذه المكالمة الهاتفية الحقيقية والقصيرة جدا.. عبرت عن واحد من أهم الأسباب التي قادت إلى وقوع الكويت فريسة سهلة مجانية في يد عراق البعث.. وهي انتهاج نظام الحكم في الكويت مع الشعب سياسة التعتيم المتعمد وحجب الحقائق الحيوية عنه وممارسة التجهيل المبرمج عليه.. يقابل ذلك، إغراقه بمعلومات كاذبة مضللة مخالفة للحقيقة ومناقضة للواقع..
كانت سفارة النظام البعثي العراقي في الكويت تشكل دولة داخل دولة بكل ما في هذه العبارة من معني.. كانت عناصر مخابرات البعث تعربد في الكويت كما تشاء ولا شيء عليها وكأنها في بغداد.. ووصل بها الأمر إلى أنها كانت تداهم ليلا أي منزل تشاء في أية منطقة من مناطق الكويت وتعتقل فيها من تريد ومن أية جنسية، ثم تقوم بزجه في سجن السفارة تمهيدا لترحيله إلى العراق..
كل هذه العربدة والإنتهاكات الفاضحة العلنية لسيادة الدولة الكويتية وكرامتها، والتهديد الصريح لأمنها والتي كانت تمارسها سفارة البعث العراقي، كل ذلك كان يتم تحت سمع وبصر النظام الحاكم وبمعرفة تامة منه وبالتفصيل الممل، إلا أنه كان يتعمد تطبيق نظرية القرود الثلاثة.. لا أرى.. لا أسمع.. لا أتكلم..
وفجأة.. كشف رأس النظام البعثي عن رأسه، وظهر في وسائل دعايته، وأخذ يهدد الكويت، وحرك قطعات عسكرية من آليات جيشه نحو حدود الكويت الشمالية.. اجتمع أركان نظام الحكم مع ممثلين عن النظام البعثي.. ليخرج بعده وزير خارجية النظام في الكويت ويعلن بأنه قد تم التوصل إلى نتائج إيجابية في إجتماع الطرفين..
وأدلت السجلات والوثائق التي أرخت لسقوط الدولة الكويتية في قبضة النظام البعثي بشهادتها.. ففي الساعات الأولى من صباح يوم الثاني من أغسطس 1990.. اجتاحت القوات العراقية المجحفلة الأراضي الكويتية بخمسة فيالق مشاة، تتقدمها الفرقتين المدرعتين الأولى والرابعة، ثم انتشرت على خمسة قواطع قتالية.. خلال ساعات قليلة، ودون أية مقاومة ذات شأن، استسلمت جميع الوحدات العسكرية الكويتية التي فوجئت بالغزو، وسلمت كامل أسلحتها للغزاة.. فقد كان نظام الحكم قد عطل قدراتها العسكرية حتى الدفاعية منها، وذلك بأن عزلها عزلا تاما عن حقيقة ما يحدث، فلم تكن تعلم باجتياح ألوية القوات العراقية للأراضي الكويتية حتى بعد بدء الغزو..
ولم يكن الشعب الكويتي هو الآخر بأفضل حالا من جيشه.. فقد كان يغط في نوم عميق داخلته أحلام وردية، بعد أن حقنوا في دمائه جرعة مخدر طويل الأمد كانوا يداومون على حقنه به، جعلته يتوهم بأنه يعيش في دولة الرفاهية والأمن والأمان.. وبأن لا يقلق مما رآه وسمعه بشأن الخلاف مع العراق "الشقيق".. فهو ليس سوى "سحابة صيف" سرعان ما تزول..
ولم تشرق شمس الثاني من أغسطس 1990، حتى كان الكويت المريض المنهك الذي كان المرض يفتك في دمه ومفاصله وخلاياه قبل الغزو قد سقط في قبضة الجيش البعثي خلال ساعات قليلة دون أدنى مقاومة ولو شكلية، واختفى من الخريطة السياسية كدولة، ثم تم اختزاله إلى محافظة عراقية ضمت إلى باقي محافظات العراق..
ــ يتبع ــ
.
(1 ــ 2)
الزمان.. الساعات الأولى من صباح يوم الثاني من أغسطس 1990 في الكويت..
المكان.. الولايات المتحدة الأمريكية..
الواقعة.. اتصال هاتفي حقيقي أجراه طالب كويتي يدرس في أمريكا مع أخيه في الكويت..
ــ ألو.. يوسف..؟ معك أخوك أحمد.. كيف الحال..؟
ــ بخير.. لله الحمد..
ــ ما الذي يحدث عندكم في الكويت..؟
ــ لا شيء.. كل شيء بخير والحمد لله..
ــ كيف كل شيء بخير..؟ تنقل محطات التلفزة الأمريكية الآن تصويرا بالأقمار الصناعية لأكثر من مئة ألف جندي عراقي اجتازوا الحدود الشمالية زاحفين نحو الكويت العاصمة.. ونراهم الآن يتقدمون بآلياتهم العسكرية وينتشرون في العمق الكويتي..
ــ ماذا تقول..؟ متى.. كيف.. جنود عراقيين..؟ ما هذا الكلام.. لا.. لا.. لا يوجد شي مما تقول..
ــ أين أنت الآن يا يوسف.. (حدث تشويش).. ألو.. هل تسمعني.. ألو.. ألو..
ثم انقطعت المكالمة فجأة من جهة المتحدث في الكويت..
هذه المكالمة الهاتفية الحقيقية والقصيرة جدا.. عبرت عن واحد من أهم الأسباب التي قادت إلى وقوع الكويت فريسة سهلة مجانية في يد عراق البعث.. وهي انتهاج نظام الحكم في الكويت مع الشعب سياسة التعتيم المتعمد وحجب الحقائق الحيوية عنه وممارسة التجهيل المبرمج عليه.. يقابل ذلك، إغراقه بمعلومات كاذبة مضللة مخالفة للحقيقة ومناقضة للواقع..
كانت سفارة النظام البعثي العراقي في الكويت تشكل دولة داخل دولة بكل ما في هذه العبارة من معني.. كانت عناصر مخابرات البعث تعربد في الكويت كما تشاء ولا شيء عليها وكأنها في بغداد.. ووصل بها الأمر إلى أنها كانت تداهم ليلا أي منزل تشاء في أية منطقة من مناطق الكويت وتعتقل فيها من تريد ومن أية جنسية، ثم تقوم بزجه في سجن السفارة تمهيدا لترحيله إلى العراق..
كل هذه العربدة والإنتهاكات الفاضحة العلنية لسيادة الدولة الكويتية وكرامتها، والتهديد الصريح لأمنها والتي كانت تمارسها سفارة البعث العراقي، كل ذلك كان يتم تحت سمع وبصر النظام الحاكم وبمعرفة تامة منه وبالتفصيل الممل، إلا أنه كان يتعمد تطبيق نظرية القرود الثلاثة.. لا أرى.. لا أسمع.. لا أتكلم..
وفجأة.. كشف رأس النظام البعثي عن رأسه، وظهر في وسائل دعايته، وأخذ يهدد الكويت، وحرك قطعات عسكرية من آليات جيشه نحو حدود الكويت الشمالية.. اجتمع أركان نظام الحكم مع ممثلين عن النظام البعثي.. ليخرج بعده وزير خارجية النظام في الكويت ويعلن بأنه قد تم التوصل إلى نتائج إيجابية في إجتماع الطرفين..
وأدلت السجلات والوثائق التي أرخت لسقوط الدولة الكويتية في قبضة النظام البعثي بشهادتها.. ففي الساعات الأولى من صباح يوم الثاني من أغسطس 1990.. اجتاحت القوات العراقية المجحفلة الأراضي الكويتية بخمسة فيالق مشاة، تتقدمها الفرقتين المدرعتين الأولى والرابعة، ثم انتشرت على خمسة قواطع قتالية.. خلال ساعات قليلة، ودون أية مقاومة ذات شأن، استسلمت جميع الوحدات العسكرية الكويتية التي فوجئت بالغزو، وسلمت كامل أسلحتها للغزاة.. فقد كان نظام الحكم قد عطل قدراتها العسكرية حتى الدفاعية منها، وذلك بأن عزلها عزلا تاما عن حقيقة ما يحدث، فلم تكن تعلم باجتياح ألوية القوات العراقية للأراضي الكويتية حتى بعد بدء الغزو..
ولم يكن الشعب الكويتي هو الآخر بأفضل حالا من جيشه.. فقد كان يغط في نوم عميق داخلته أحلام وردية، بعد أن حقنوا في دمائه جرعة مخدر طويل الأمد كانوا يداومون على حقنه به، جعلته يتوهم بأنه يعيش في دولة الرفاهية والأمن والأمان.. وبأن لا يقلق مما رآه وسمعه بشأن الخلاف مع العراق "الشقيق".. فهو ليس سوى "سحابة صيف" سرعان ما تزول..
ولم تشرق شمس الثاني من أغسطس 1990، حتى كان الكويت المريض المنهك الذي كان المرض يفتك في دمه ومفاصله وخلاياه قبل الغزو قد سقط في قبضة الجيش البعثي خلال ساعات قليلة دون أدنى مقاومة ولو شكلية، واختفى من الخريطة السياسية كدولة، ثم تم اختزاله إلى محافظة عراقية ضمت إلى باقي محافظات العراق..
ــ يتبع ــ
.
التعديل الأخير: