(بيرغن) حافة مملكة الشمس..

البريكي2020

عضو فعال
(بيرغن) حافة مملكة الشمس..

بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki
Instagram: @qdeem


نحن نقطع آلاف الأميال نبحثُ عن دهشة، إنه نهار مغامرة، بعد ليلة رعب انطفأت فيها أنوار القرية الهادئة التي أسكنها فسكن فيها كل شيء تحت جنح العتمة وكانت شمعتي هي طوق النجاة في بحر السرمد القصير.. والشمس كهرباء الكون.. تُنطقني سلاماً ليسيل الدرب بي في ترحالٍ جديد إلى جبل الغول أو (الترول) الشخصية الوهمية التي أرهبت كل شعب النورمان، لكن قبل ذلك كله كانت بائعة الكرز في حقل تحتل مكانها على قارعة الطريق الجبلي في سبيلي تدعوني لحمل ما خف وزنه ولذ طعمه من جوابات الأرض الكرزية التي أينعت بعد رسائل السماء.
الجبل الترولّي كان مرصوفاً بوحلٍ يشكّل وهو يمتدّ أمامي صاعداً بساطاً موحشاً يكفي لأن يكون درب غول.. وشلال عن يميني يأتي من مهده في جبل ويجري إلى لحده في بحيرة.. وعلامات التحذير تفزعُ الراكبين إلى أعلى القمة بأن هذا الشبح سيظهر لكم قريباً، حتى وصلت هناك بالقرب من السماء، ولم أرى هذا الوهم المُسمّى غولاً لكني عشتُ لحظات المغامرة الوهميّة التي وجدتها تستحق العناء، ولربما كان التحذير خدعة أبطنها المنظمون لزيادة الإثارة في عقول من يهوون الدهشة.
طقس هذا الصباح محمول على نسماتٍ باردة وزخاتِ مطر وهواء ملون بضباب، أجواءٌ تدعوني لمرفأ لذا عالجتُ مقود سيارتي واتجهت غرباً إلى أقصى الغرب من مملكة الشمس قاصداً مدينة الشماسي التي لا تسقط من الأيدي بسبب تساقط المطر السخيّ، ومرسى النوارس ومحطة القوارب الخشبية ومنارة السمك، هي مركزٌ للقاء والافتراق وشاطىء للمبادلة تفرّع لها ذراع من بحر الشمال ليشدّها إلى محيطين كبيرين، الأطلسي والمتجمد الشمالي.
بيرغن القطعة النوردية التي تستوي في دربي لتتهندم في قلب سبعة تلال تحوفها بشكل أزليّ ترسل لها من علوّها ماءً وخضار.. وهي المدينة التي شهد العالم بصفائها فحازت على لقب أجمل مدينة في الأرض من حيث نقاء هوائها. وصلتها والماء المُرسل من السماء يغطي وجهها الجميل، وهطول المطر لايهدأ من كسر الأرقام القياسية بحيث تصل معدلاته في بعض الشهور إلى 300 ملم، هذه المدينة هي مسقط ولادة البيانيست ايدفارد غريغ الذي أضاف للموسوعة العزفيّة مفردات نغم تسجلت باسمه.. وهي أيضاً مولد الكمانيست أوليه بيل، إذا فلا غرابة بأن تتسرّب الموسيقى عبر الأجواء في منتصف ساحة المدينة الرئيسية لتصبغ الهواء نوتات وشذى من ألحان، وفي هذا البحر السعيد بين مائدة سمك استطعمتها في بلاد السمك وتمشيةٌ تحت المطر بين البيوت ذات الأسطح الجملونية وسوق الفاكهة.. كان قطار المدينة الترفيهي ينتظر على ناصية جادة ليأخذني في جولة بانورامية بطعم المرح مررنا خلالها على المدينة القديمة ومستشفى بيرغن الذي بُني بتبرع من أحد الأثرياء، والبيت الأول في بيرغن الذي شيّد في عام 1561م حسب معلومة قالها مُرشد القاطرة. حتى توقفت السكّة اللُعبية في القمة عند اطلالة على الميناء فكان المنظر أحلى من أعلى.. تكاثرت معه نقرات الأصابع على شاشات الآيفون من الركّاب المتنزهين لينتزعوا من الزمن لحظاتٍ للذكرى عن هذه المدينة الوادعة قبل وداعها.


 
أعلى