السؤال لماذا يغيب الدور العربي تماما في الملف الصومالي؟
أولا أنا متحفظ على الطريقة التي تم فيها طرح السؤال من (سالم) .
فالتساؤل الدائم إزاء أي مشكلة تقع بين الدول العربية او دولة عربيه وأخري أجنبية ما هو الدور العربي فهل الكتلة العربية وألايدلوجية العربية وحدة واحدة والتحرك عربي يتم وفق اتفاقية الدفاع المشترك أو الاتفاقيات الاقتصادية المشتركة والتوحيدية.ان النظام الإقليمي يتطلب بعض القوى الإقليمية الأساسية اللي تنطلق مثل ما تنطلق نيجيريا مع كل غرب أفريقيا أو جنوب أفريقيا مع كل المنطقة الإفريقية ، هذا ليس متحقق في المنطقة العربية، فيه قطرية هائلة وفيه ارتباطات بالسياسات الأميركية عالية ومن ثم لا تستطيع ان تفعل او تبادر دون تحرك إفريقي أو دولي .
لا شك إن قياس مسار الجامعة في ضؤ الأهداف التي نشأت من اجلها وفي ضؤ الأدوار التي لعبتها في حياة الأمة العربية منذ نصف قرن, يفضي إلى نتيجة سلبية.ذلك إن الجامعة لم تطبق أيا من مواثيقها الأساسية ولم تنجز شيئا يذكر في مجال الاندماج العربي ـ العربي ولم تتقدم خطوة واحدة باتجاه السوق العربية المشتركة ولم تفلح في إيجاد حلول ناجعة لكل ألازمات والمشاكل العربية ـ العربية ولا سيما الحدودية منها..ويمكن لقائمة الفشل أن تطول وتطول إلى ما شاء الله.ما يعني إن السؤال الذي يطرحه اليائسون من دور الجامعة هو سؤال صحيح تماما ولا اعتراض عليه.
وبقدر ما يبدو السؤال صحيحا بقدر ما يبدو الجواب عليه أي الانسحاب من الجامعة خاطئا تماما ويستدعي اعتراضا قويا وذلك للأسباب التالية:
أولا: الجامعة هي محصلة لأداء الدول العربية مجتمعة وإذا كانت عاجزة فهذا العجز انعكاس أوتوماتيكي لعجز أعضائها كلهم ودون استثناء وبالتالي فان الانسحاب منها لا يأتي بجواب على العجز الذي يفترض معالجته بوسائل أخرى تنطلق من أسباب هذا العجز وتتصدى له بحلول عملية مبرمجة على المديين المتوسط والطويل .
ثانيا: الجامعة إطار إقليمي يلجأ إليه العرب في علاقاتهم الإقليمية والدولية.إنها شبيهة بمنظمة الوحدة الأفريقية أو الاتحاد الإفريقي بالنسبة للأفارقة.أو المنظمة الفرنكوفونية بالنسبة للدول الناطقة بالفرنسية. أو الاتحاد الأوروبي بالنسبة للدول الأوروبية.أو الأمم المتحدة بالنسبة لكافة دول العالم...وبهذا المعنى يتساوى تأثير الجامعة مع تأُثير المنظمات والهيئات المذكورة.مثال: عبر الاتحاد الأوروبي عن ثلاثة مواقف متناقضة تجاه الازمة العراقية. اتخذت ألمانيا موقفاً قاطعاً ضد الحرب على العراق بقرار أو من دون قرار من الأمم المتحدة. وطالبت بريطانيا بشن حرب على بغداد بقرار أو من دون قرار من مجلس الأمن في حين التزمت فرنسا دبلوماسية القرارين.واحد للتفتيش وآخر للحرب إذا اعترض العراق عمل المفتشين.أما الموقف الأوروبي من القضية الفلسطينية فهو نموذجي في عجزه عن الضغط على إسرائيل وحملها على تطبيق القرارات الدولية.مثال ثان: لم تحقق منظمة الوحدة الأفريقية نجاحات باهرة في وقف الحروب والنزاعات التي تعشش في القارة السوداء منذ استقلالها ولم تتقدم خطوة واحدة على طريق الاندماج الإفريقي ـ الإفريقي.مثال ثالث: من الصعب علينا نحن العرب أن نقول كلمة ايجابية واحدة عن الأمم المتحدة ناهيك عن دورها السلبي على طول الخط تجاه قضايانا وعلى رأسها القضية الفلسطينية.
ثالثا: شكت كل الدول العربية في فترات زمنية مختلفة من الجامعة وعجزها.فلسطين هي البلد الأكثر تضررا من ضعف الجامعة.فرقاء الحرب الأهلية في لبنان كانوا يريدونها إلى صف كل منهم. المغرب والجزائر رفضا مساعيها في حل النزاع الصحراوي.أطراف الحرب في الصومال يريدون اصطفافها إلى جانب كل منهم.السودان يأخذ عليها تقاعسها عن دعمه في حربه ضد الانفصاليين الجنوبيين.ليبيا أخذت عليها عجزها في فك الحصار الدولي عنها في حين بادر الأفارقة إلى تعطيل الحصار.اليمن الموحد كان يريدها موقعا حصينا في الدفاع عن وحدته وليس وسيطا بينه وبين الانفصاليين في حرب العام 1994 وهكذا دواليك.في كل هذه الأمثلة كان يمكن لهذه الدولة العربية أو تلك أن ترد على عجز الجامعة بالانسحاب منها.
رابعا:لقد طرح الأوروبيون مشروعهم التوحيدي قبل قرنين ولم يتوصلوا إلى تحقيق الاندماج الأوروبي إلا عبر خطوات براغماتية صغيرة ومحدودة وبعد أن تمكنوا من تصفية كل مشاكلهم الحدودية واحترموا بإخلاص اختلاف الحساسيات والمصالح فيما بينهم وادخلوا تعديلات جذرية على ثقافتهم السياسية. لم يفعل أعضاء الجامعة شيئا يذكر في هذا المجال وبالتالي لا يمكنهم الاستنتاج إن جامعتهم عاجزة طالما إن المسؤولية عنها تقع على عاتقهم مجتمعين. لا نريد من هذه المقارنة القول إن على العرب أن ينتظروا قرنا ونصف القرن لتأسيس منظمة قوية جامعة واندماجية على غرار الاتحاد الأوروبي.ما نريده هو الإشارة إلى أن عامل الزمن مهم جدا في تجارب العمل المشترك.يكفي أن نتذكر إن العرب قبل خمسين عاما كانوا غير موجودين عمليا على الساحة السياسية الدولية وكان القسم الأكبر من أعضاء الجامعة يرزح تحت الأستعمار ولا اثر له على الخارطة كما هي حال الجزائر.
خامسا:على الرغم من عجزها وضعفها فأن الجامعة العربية كانت وما زالت مشروعا يتسبب بكابوس مرعب للدولة العبرية المحاطة بالعرب من الداخل والخارج والتي تخشى على الدوام من أن يتحول هذا الإطار إلى قوة فاعلة قادرة على عزل إسرائيل والضغط عليها جوا وبرا وبحرا.هذا الواقع حاولت إسرائيل التصدي له في كل اتصالاتها مع العرب والمجموعات الدولية.تارة عبر المشروع المتوسطي وتارة أخرى عبر المشروع الشرق أوسطي..
ختاما نرى إن البديل عن جامعة الدول العربية هو الجامعة نفسها لكن بصيغة جديدة ومنهجية جديدة ونظرة إلى المستقبل متحررة من ذاكرة الصراعات والثقافة السياسية المؤامراتية التي حكمت العمل العربي المشترك حتى هذه اللحظة.ولعل هذا الكلام يحتاج الى توقيت آخر غير هذا التوقيت الذي تطرح فيه خرائط العالم العربي على بساط البحث في كواليس الدول الكبرى.