أضع بين ايديكم ما جاء في الاثر بخصوص مقولة الامام علي عليه السلام المشهورة "سلوني قبل أن تفقدوني"، حيث ما قالها رجل قط قبله و لا بعده الا و وقع في حرج من مشكلة أو مسألة لم يعرف لها جواب. و هذه المقولة قطعا فيها دلالة على ان الامام علي شخص غير عادي، شخص قد أختاره الله و رسوله لحمل راية الاسلام، فسلام الله عليك مولاي ابا الحسن يوم ولدت، و يوم استشهدت، و يوم تبعث حيا. و هو والله امامنا الذي نفتخر به في العالمين، كيف لا و لم يعصي الله طرفة عين و لم تنجسه الجاهلية بأنجاسها و لم يسجد لصنم قط. السلام عليك مولاي يا علي ايها الايمان كله.
سلوني قبل أن تفقدوني
1- حدثنا أحمد بن الحسن القطان وعلي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله قالا: حدثنا أحمد بن يحيى بن زكريا القطان، قال: حدثنا محمد بن العباس قال: حدثني محمد بن أبي السري، قال: حدثنا أحمد بن عبدالله بن يونس، عن سعد الكناني، عن الاصبغ بن نباتة، قال:
لما جلس علي عليه السلام في الخلافه وبايعه الناس خرج إلى المسجد متعمما بعمامة رسول الله صلى الله عليه واله وسلم لابسا بردة رسول الله صلى الله عليه واله وسلم، متنعلا نعل رسول الله صلى الله عليه واله وسلم، متقلدا سيف رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فصعد المنبر فجلس عليه السلام عليه متمكنا، ثم شبك بين أصابعه فوضعها أصفل بطنه،
ثم قال:
يامعشر الناس سلوني قبل أن تفقدوني، هذا سفط العلم، هذا لعاب رسول الله
صلى الله عليه واله وسلم، هذا مازقني رسول الله صلى الله عليه واله وسلم
زقا زقا، سلوني فإن عندي علم الاولين والآخرين، أما والله لو ثنيت لي الوسادة
فجلست عليها لافتيت أهل التوراة بتوراتهم حتى تنطق التوراة فتقول: صدق
علي ما كذب، لقد أفتاكم بما أنزل الله في، وأفتيت أهل الانجيل بإنجيلهم حتى
ينطق الانجيل فيقول: صدق علي ما كذب، لقد أفتاكم بما أنزل الله في،
و أفتيت أهل القرآن بقرآنهم حتى ينطق القرآن فيقول: صدق علي ما كذب، لقد
أفتاكم بما أنزل الله في، وأنتم تتلون القرآن ليلا ونهارا فهل فيكم أحد يعلم ما
نزل فيه، ولولا آية في كتاب الله لاخبرتكم بما كان وبما يكون وما هو كائن إلى
يوم القيامة وهي هذه الآية (يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده ام الكتاب).
ثم قال:
سلوني قبل أن تفقدوني، فوالله الذي فلق الحبة وبرأ النسمة لو
سألتموني عن آيه آية في ليل انزلت أو في نهار انزلت، مكيها ومدنيها، سفريها
و حضريها، ناسخها ومنسوخها، محكمها ومتشابهها، وتأويلها وتنزيلها لاخبرتكم،
فقام إليه رجل يقال له: ذعلب وكان ذرب اللسان، بليغا في الخطب، شجاع
القلب فقال: لقد ارتقى ابن ابي طالب مرقاة صعبة لا خجلنه اليوم لكم في
مسألتي إياه، فقال: يا أمير المؤمنين هل رأيت ربك؟ قال: ويلك يا ذعلب لم أكن
بالذي أعبد رباه لم أره، قال: فكيف رأيته؟ صفه لنا؟ قال: ويلك لم تره العيون
بمشاهدة الابصار، ولكن رأته القلوب بحقائق الايمان، ويلك يا ذعلب إن ربي لا
يوصف بالبعد، ولا بالحركه، ولا بالسكون، ولا بالقيام قيام انتصاب، ولا بجيئه ولا
بذهاب، لطيف اللطافة لايوصف باللطف، عظيم العظمة لا يوصف بالعظم، كبير
الكبرياء لا يوصف بالكبر، جليل الجلالة لا يوصف بالغلظ، رؤوف الرحمة لايوصف
بالرقة مؤمن لابعبادة، مدرك لابمجسة، قائل لا باللفظ، هو في الاشياء على غير
ممازجة. خارج منها على غير مباينة، فوق كل شئ فلا يقال: شئ فوقه، وأمام كل شئ
فلا يقال: له أمام، داخل في الاشياء لا كشئ في شئ داخل، وخارج منها لا
كشئ من شئ خارج، فخر ذعلب مغشيا عليه، ثم قال: تالله ما سمعت بمثل
هذا الجواب، والله لا عدت إلى مثلها.
ثم قال:
سلوني قبل أن تفقدوني، فقام إليه الاشعث بن قيس، فقال: يا أمير
المؤمنين كيف يؤخذ من المجوس الجزية ولم ينزل عليهم الكتاب ولم يبعث إليهم
نبي؟ قال: بلى يا أشعث قد أنزل الله عليهم كتابا وبعث إليهم رسولا، حتى كان
لهم ملك سكر ذات ليلة فدعا بابنته إلى فراشه فأرتكبها، فلما أصبح تسامع به
قومه فاجتمعوا إلى بابه، فقالوا: أيها الملك دنست علينا ديننا وأهلكته فاخرج
نطهرك ونقم عليك الحد، فقال لهم: اجتمعوا واسمعوا كلامي فإن يكن لي
مخرج مما ارتكبت، وإلا فشأنكم، فاجتمعوا فقال لهم: هل علمتم أن الله لم
يخلق خلقا أكرم عليه من أبينا آدم وامنا حواء؟ قالوا: صدقت أيها الملك، قال:
أفليس قد زوج بنيه من بناته وبناته من بنيه؟ قالوا: صدقت هذا هو الدين
فتعاقدوا على ذلك، فمحا الله ما في صدروهم من العلم، ورفع عنهم الكتاب،
فهم الكفرة يدخلون النار بلا حساب، والمنافقون أشد حالا منهم، قال الاشعث:
والله ماسمعت بمثل هذا الجواب، والله لا عدت إلى مثلها أبدا.
ثم قال:
سلوني قبل أن تفقدوني، فقام إليه رجل من أقصى المسجد متوكئا
على عصاه، فلم يزل يتخطى الناس حتى دنا منه فقال: ياأمير المؤمنين دلني
على عمل أنا إذا عملته نجاني الله من النار، قال له: اسمع ياهذا ثم افهم ثم
استيقن، قامت الدنيا بثلاثة: بعالم ناطق مستعمل لعلمه، وبغني لايبخل بماله
على أهل دين الله، وبفقير صابر، فإذا كتم العالم علمه، وبخل الغني، ولم يصبر
الفقير فعندها الويل والثبور، وعندها يعرف العارفون بالله أن الدار قد رجعت
إلى بدئها أي الكفر بعد الايمان، أيها السائل فلا تغترن بكثرة المساجد وجماعة
أقوام أجسادهم مجتمعة وقلوبهم شتى، أيها السائل إنما الناس ثلاثة: زاهد
و راغب و صابر، فأما الزاهد فلا يفرح بشئ من الدنيا أتاه ولايحزن على شئ
منها فاته، وأما الصابر فيتمناها بقلبه، فإن أدرك منها شيئا صرف عنها نفسه لما
يعلم من سوء عاقبتها، وأما الراغب فلا يبالي من حل أصابها أم من حرام، قال
له: ياأمير المؤمنين فما علامة المؤمن في ذلك الزمان؟ قال: ينظر إلى ما
أوجب الله عليه من حق فيتولاه وينظر إلى ما خالفه فيتبرء منه وإن كان حميما
قريبا، قال: صدقت والله ياأمير المؤمنين ثم غاب الرجل فلم نره، فطلبه الناس
فلم يجدوه، فتبسم علي عليه السلام على المنبر ثم قال: مالكم هذا أخي
الخضر عليه السلام.
ثم قال:
سلوني قبل ان تفقدوني فلم يقم إليه أحد، فحمد الله وأثنى عليه و
صلى على نبيه صلى الله عليه وآله، ثم قال للحسن عليه السلام: ياحسن قم
فاصعد المنبر فتكلم بكلام لا تجهلك قريش من بعدي فيقولون: إن الحسن بن
علي لايحسن شيئا، قال الحسن عليه السلام:
يا أبت كيف أصعد وأتكلم وأنت في الناس تسمع وترى، قال له: بأبي وامي اواري
نفسي عنك وأسمع وأرى وأنت لاتراني، فصعد الحسن عليه السلام المنبر
فحمد الله بمحامد بليغة شريفة، وصلى على النبي صلى الله عليه وآله صلاة
موجزة، ثم قال: أيها الناس سمعت جدي رسول الله صلى الله عليه وآله يقول:
أنا مدينة العلم وعلي بابها وهل تدخل المدينة إلا من بابها، ثم نزل فوثب إليه
علي عليه السلام فحمله وضمه إلى صدره، ثم قال للحسين عليه السلام:
يابني قم فاصعد المنبر وتكلم بكلام لاتجهلك قريش من بعدي فيقولون: إن
الحسين بن علي لايبصر شيئا، وليكن كلامك تبعا لكلام أخيك، فصعد الحسين
عليه السلام المنبر فحمد الله وأثنى عليه وصلى على نبيه صلى الله عليه وآله
صلاة موجزة، ثم قال: معاشر الناس سمعت جدي رسول الله صلى الله عليه
وآله وهو يقول: إن عليا هو مدينة هدى فمن دخلها نجا و من تخلف عنها هلك،
فوثب إليه علي فضمه إلى صدره وقبله، ثم قال: معاشر الناس اشهدوا أنهما
فرخا رسول الله صلى الله عليه وآله ووديعته التي استودعنيها وأنا
أستودعكموها، معاشر الناس ورسوله الله صلى الله عليه وآله وسلم سائلكم
عنهما.