أتمنى القراءة بروية واسترخاء وقراءة جميع ما يأتي بشكل موضوعي :
بغض النظر عن مدى اختلافنا مع الدكتورة أسيل العوضي , وبغض النظر عن المادة المسربة ومدى ضياع وتوهان وسقوط وهشاشة تلك المادة التي تم تداولها وتوزيعها , والشرح المشروخ والشرح الضايع بحق , بغض النظر عن فكرها الذي ينطلق من التحالف الوطني ويعود إليه , إلا أن الفتاة التي تجسست وسجلت كلامها كانت على محك الخطورة وكان فعلها لا يقل خطورةً عن كلام الدكتورة أسيل .
أتذكر أن بنفس هذا المشهد كان قد وقع الشيخ الإخواني الكبير في الكويت أحــ ..... في نفس الخطأ , وسجلت لهُ فتاة كلاماً يتهم السلف في الكويت بتهمٍ كثيرة , أقلها تهمة التكفير وأنَّ السلف هم المكفرين في الكويت , وفعل ذلك الشيخ قبيح جداً , وهو الشيخ أبو نباطة , ومعروف لدى الجميع , فكيف لشيخ يقف أمام الفتيات الصغيرات التي أعمارهن للتو وصل للعشرين ويقول هذا الكلام رِد أن يصدقونه ! وصدهم عن السبيل وكانوا مهتدين !
كلام أسيل قبيح , ولكن يبدو أنها أصبحت سنة تلك التسجيلات المسربة بغير رضا الدكتورة أسيل وبغير رضا الشيخ أبو نباطة .
سؤالي أيها الأفاضل , لمَ غضبت أسيل من كلامها المنشور , ولمَ غضب الشيخ أبو نباطة من كلامه المنشور , أيغضب أحد من كلامٍ تم نشرهُ له ! فلمَ القول بهذا الكلام إن كانت النتيجة لنشره الغضب !
الطالبة أساءت أيما إساءة , ولو كنت طالباً لدى الدكتورة أسيل لأتيتها وسألتها : هل من الممكن نشر هذا الكلام على لسانك !؟ فإن قالت نعم فكان بها ونعمة , وإن قالت لا فأول ما أقول فلمَ تصريحين بهذا لنا إن كنتِ تخشين الإفصاح بهِ للعامة !
هل تريدون معرفة السبب والعلة أيها الكِرام , السبب أيها الأفاضل أنَّ هذا العلم لدني , أي علم فكري صعب على عامة النَّاس وعامة الناس جهلة لا يسعهم ما يسع غيرهم , كانت نظرة الليبراليين لعامة الناس أنهم جهلة ولأنهم جهلة فهم يقعون تحت التأثير الديني أفيون الشعوب , فالدين يقودهم كونهم جهلة .
ولأنا تخطينا تلك المرحلة وهي مرحلة الجهل فنحن الآن نستطيع انتقاد كل شيء بعلمنا المكتسب وتنزيله على ما تعلمنا , ولكن ليس كلما تعلمنا ننشره للجميع , بل للخاصة لمن يقع تحت تأثيرنا العلمي والشخصي .
تماماً كما حدث في محاضرة خاصة أنا الدكتورة فيها ولدي طلبة يقعون تحت التأثير الشخصي وكذلك العلمي وكذلك الأكاديمي , هنا مسموح الإفصاح بمثل تلك الأفكار .
الذي لا يعلمه الجميع أنَّ هناك تيار الليبرواسلامي , كجمال قطب وغيره من المفكرين بصبغة لبرالية إسلامية , خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً , ولكن كان معيار السوء أبشع مما جعل الحسن مطموساً كله .
باختصار ذلك التيار الذي قاده ومن ضمن من قاده هو جمال البنا كانوا قد انطلقوا من فكرة ( لن أعيش في جلباب أبي ) فرأوا أن التغيير يجب أن يكون في الثوابت المجمع عليها , وإلا كيف سنخرج من الجلباب ونصير في سلك الشهرة !
تماماً كالذي وجد نفسه بين أشباه , وكل الناس عالة , فأراد الشهرة , فترجل إلى بئر زمزم وبال فيه , فأصبح المؤرخون يكتبون ويقولون : والرجل الذي بال في بئر زمزم !
فأصبح يخط اسمه في كتب التاريخ , ولكن شتان مذموم وممدوح .
لذلك أنا أريد أن أقول أنَّ هذه المسألة التي عرضتها الدكتورة أسيل ليست جديدة , بل قديمة ممن جمَّد القرآن لتجميده لا أكثر , فهناك من جمَّد أكثر من ذلك , بل جمَّد حتى أحكام الصلاة وغيرها , بل حتى القرآن بجله قام بتجميد أحكامه .
وهذا مبحث شرعي , قد رددت فيه وكتبت فيه وبيَّنت فيه المُراد :
والرد قاصم , للقرآن طرق تفسير أربع :
1- القرآن بالقرآن , مثل { صراط الذين أنعمت عليهم } من هم الذين أنعم الله عليهم { ومن يطع الله ورسوله فأولئك مع أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً }
فالقرآن يُفسر بالقرآن .
2- القرآن يُفسر بالحديث , أي حديث النبي صلى الله عليه وسلم , وفي ذلك قول الله تعالى { الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم } ذهب الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم يشتكون , فقالوا : ومن منا من لم يلبس إيمانه بظلم يا رسول الله , فقال صلى الله عليه وسلم : ليس الذي ذهبتم إليه , ألم تسمعوا قول العبد الصالح لابنه { يا بني لا تُشرك بالله , إن الشرك لظلم عظيم } .
وأيضاً قوله تعالى { وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل } فقال النبي صلى الله عليه وسلم في البخاري وهو يتلو الآية على المنبر ( ألا إن القوة الرمي ألا إن القوة الرمي ) .
3- تفسير الآية بقول الصحابة وهم من نزل عليهم القرآن وأفهم الناس لمعانيه وأسبابه , وذلك عندما قال ابن عباس في قوله تعالى { ومن لم يحكم بما أنزل الله , فأولئك همُ الكافرون } فقال ابن عباس رضي الله عنهما , إنما هو كفر دون كفر .
4 - بقواعد اللغة العربية ومعانيها , مثال ذلك {يا أيها الذين أمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين } , فالأرجل لها وجهين هنا , المسح والغسل , فإن تم جرها أصبحت ممسوحة , والنصب يجعلها مغسولة .
وتقول أسيل العوضي هذول مولوت النبي لما يروحون الباث روم , يمال اللقافة ايه , إذا لم يُحترم النبي صلى الله عليه وسلم وأهله ولم يتكلم المسلمون عنهم بكل تقدير واحترام ويترضون عنهم , فمن يحترم الناس ويقدر , ومن يبقى لنا لنحترمه ونتكلم عنه باحترام !
فسدت البضاعة يا أفاضل إن كان البائع لا يفقه فيها !
والفكرة أنَّ البعض يوقف القرآن عند سبب النزول من باب التصور العقلي والذهني , فلو قلنا كذلك لقلنا أنَّ القرآن نزل لأسباب وفي أماكن معينة , كنزول قوله تعالى عن الوليد بن عقبة رضي الله عنه { وإن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا } فلا نتبيَّن أبداً بعد تلك الحادثة ولا نتثبت لأنه نزلت لحدثٍ معين .
وكذلك حادثة الظهار , أن يقسم الرجل أن تكون زوجته كظهر أمه , نزلت في خولة بن الأزور وزوجها , فلا يصلح أن يكون الحكم شامل .
بمعنى هناك في علوم القرآن ما يُسمى خصوص السبب وعموم المعنى , أو عموم الحكم إن شئتم , فليس من الضرورة أن يكون السبب خاصاً ولحادثة معينة , أن نقيد بذلك الحكم , فالسبب وإن كان خاصاً فعمومه واجب .
الطالبة الجاسوسة :
لقد أسلفت وقلت أنَّ الطالبة أساءت أيما إساءة , ولقد استغلها البعض ونشر مابين يديها من تسجيل , والتجسس مذموم , وكما قلت لو كنت مكان الطالبة لأتيت واستنطقت الدكتورة وطلبت نشر كلامها واستئذانها , ولكن لم تفعل الطالبة ذلك ونقلت بلا استئذان , فلو استأذنت الطالبة ورفضت الدكتورة النشر لكان في ذلك إدانة لكلام الدكتورة أمام الملأ , وإن وافقت الدكتورة فكفى بذلك شهيداً .
أقول للدكتورة أسيل الفكرة التي سمعتها في التسجيل ليست بجديدة , وهي من شبه المستشرقين وكذلك من فلاسفة المسلمين الجدد , ولا أقول القداما , بل الجدد من المتأخرين ممن أعملوا العقل حتى جاز النص القطعي الثابت من عند الله .
وهناك شواهد كثيرة لكلامي وأدلة ليس مقامها الآن , ولكن أتمنى فعلاً أيتها الدكتورة إن وقعت تلك الفتاة تحت المساءلة القانونية أن تعفون وإن تعفوا أقرب للتقوى , وكوني على ثقة أنها لم تسجل إلا لأنها رأت في كلامك ما يستحق التسجيل , فلمَ لم تسجل جميع محاضراتك من قبل , ولمَ هذه المحاضرة بالذات ولمَ هذه المعلومة بالذات !
على كل حال أيتها الدكتورة أسيل , المجتمع أصبح واعٍ ويتقبل أي رأي , وإن من الشجعان والفوارس الذين عهدت عليهم شجاعة مطلقة في التيار الليبرالي هو البغدادي وتركي الحمد والسعداوي على الرغم من أنوثتها المفرطة , فأتمنى الجهر والإفصاح بما تكنه الصدور وإن كان المجتمع لا يقبل , فحق العلم علينا وحق العقل أن نُفصح ونتكلم بما نؤمن وننقل الخير للجميع .
حادثة بسيطة نقلتها من قبل , وأكرر نقلها لعل في الأمر خيرة , وهي تتحدث عن الفلسفة التي يقوم البعض من الفلاسفة بتنزيل الشرع عليها :
في مصر وفي سجن الليبرالية والإسلامية أثناء عهد السادات , ومن ضمن الليبراليين فلاسفة كُثر وعقلانيين كثر , كان في وقت الصلاة يتزاحم الجميع على الحمام , ولكن المغاسل تكاد تكون خاوية , والعدد عليها قليل للوضوء .
فقال أحد العقلانيين الفلاسفة : أما دول عالم مجناني بصحيح , لو الواحد يروح ويتوضا ويرجع يدخل الحمام حتخف الزحمة دي !
فتأمل أخي القارئ !