عندما يعاكس "الرمز" خطابه السياسي
لا شك بأن الحركة الدستورية الإسلامية "حدس"، كغيرها من الحركات ذات التوجه السياسي، لها أجندتها السياسية الخاصة، بغض النظر عن محتوى هذه الأجندة ومدى إتفاقنا أو خلافنا معها. وذلك مشروع ولا خلاف عليه إذا لم يتجاوز حدود القانون ولم يساهم بأي شكل من الأشكال في تفتيت اللحمة الوطنية. هذا أمر مفروغ منه فيما أحسب. ولكن الخطاب السياسي، كما هو معلوم، وفي الأغلب الأعم، لا يكون مباشراً وصريحاً.
في عالم السياسة، هذه سذاجة.
بل في أغلب الأحيان الخطاب الصريح المباشر يؤدي إلى نتائج عكسية. ولذلك لا يلجأ السياسيون ذوي الحنكة ومن لهم طموح سياسي إلى الخطاب المباشر الذي قد يعاكس مواقفهم لاحقاً. وكمثال جعل الكثير من الكويتيين يبتسمون هو ترشيح السيدة عائشة رشيد في منطقة كيفان وخطابها السياسي "الصريح" جداً وتهكم الطبطبائي الساخر على هذه "السذاجة" السياسية. وكانت نتيجة هذه الصراحة "السياسية" أن ضُربَ بالسيدة عائشة رشيد المثل في عدم الحنكة والرؤية السياسية السليمة وعدم توقع نتيجة ترشيحها في هذه المنطقة بالذات مُسبقاً.
ولكن هناك مثال أكثر "جدلية" إن صح هذا التعبير.
في جريدة "الراي" أمس وعلى صفحتها الأولى مانشيت فحواه أن الحركة الدستورية الإسلامية تعتبر الدكتور إسماعيل الشطي "رمز". هو "رمز" على الأقل لكوادرها كما صرح أحد أعضاء الحركة بعد لقائهم من صاحب السمو الأمير. للخبر كاملاً رجاءاً إضغط هنا. و هنا. وفي جريدة الوطن اليوم وصفته الحركة الدستورية بـ "الوزير الإصلاحي والمفكر من العيار الثقيل"!!!. للخبر كاملاً رجاءاً إضغط هنا.
لن أدخل في تفاصيل التاريخ القريب، ولكنني سوف أذهب إلى أبعد من ذلك قليلاً.
في يوم الأربعاء 18 – 4 - 2001 وفي جريدة القبس، جاءت مقالة بعنوان:
هو الإسلام وليس إشتراكية
بقلم: "الأخ" د. إسماعيل الشطي
كلمة "الأخ" هكذا وردت في عنوان القبس وأشارت بأن د. الشطي هكذا أرسلها.
ما يعنينا الآن هو بعض ما جاء في المقالة، وهو الآتي:
"ثانياً: إن الكويت حباها الله تعالى ثروة نفطية يتمتع بها شعبها منذ منتصف القرن الماضي، ورغم الرفاه الذي لم يتجاوز بيتاً من بيوت الكويت إلا أن هناك خللاً في توزيع الثروة، وهو خلل يرتكز على ظواهر سلبية كالتنفيع والإحتكار والمحسوبية والتغاضي عن التجاوزات وغيرها، وقد ولد هذا الوضع طبقة عريضة متوسطة الدخل ذات ميل إستهلاكي جبار وطبقة أخرى موغلة في الثراء، ولم يكن في غالبه وأؤكد على ذلك نتيجة تميز إبداعي أو كفاح عصامي بقدر ما كان مرتبطاً بنظام إحتكار الوكالات والأراضي ونظام التنصيب القيادي".
إنتهى النقل.
أقول أنا فرناس:
أليس هذا خطاب سياسي؟
هو بالطبع كذلك، لأنه يحدد مواضع الخلل والفساد في مجتمع كثر الحديث فيه عن فساد الذمم والإثراء غير المشروع والقفز على القوانين والتحايل على أنظمة المراقبة وإستغلال السلطة. وهذا الخطاب يوحي بالضرورة أن الكاتب، الدكتور إسماعيل الشطي، وبعد معرفته مواطن الخلل كما شرحها في مقالته أعلاه، وإذا أصبح في موضع سلطة مستقبلاً، فإنه سوف يسعى لذلك التغيير والذي يكون متوافقاً مع خطابه السياسي أعلاه. أليس هذا بديهياً؟
ولكن الجواب البديهي لهذا السؤال هو: لا!!!
لأن ذلك الخطاب هو حتماً كان كلاماً تسويقياً بحتاً. الغرض الأساسي منه هو عرض رؤية ليست بالضرورة أن يتبناها كاتبها، ولكن الغرض منها، وقد تكون أغراض متعددة، هو إستعمال أداة متاحة في الخطاب السياسي يتيح لكاتبها "قيمة" أعلى في بورصة السياسة الكويتية. هي أداة لصعود السلم درجة أخرى. وهذا ما يفعله السياسيون عادة.
ولذلك عندما رأينا نفس الشخص الذي كتب الكلام أعلاه وقد أصبح وزيراً، رأيناه قد خالف تلك "الرؤية" قلباً وقالباً، بل وعاكسها تماماً.
تريدون الدليل؟ حسناً.
إليكم هذا الفلم وتمعنوا في الوجوه جيداً وخصوصاً في وجه "الرمز" و "المفكر من العيار الثقيل" لدى "حدس"، لأنني كنت من الضاحكين حينها والمتعجبين من هذه الدنيا التي تدور وتدور:
http://www.youtube.com/watch?v=73wbbli9JDw
من النادر أن نجد خطاباً سياسياً مباشراً وصريحاً ومخصصاً فقط للـ "العقلاء"، لأن الخطاب السياسي عادة هو موجه لغير "العقلاء" وممن يفقدون الذاكرة بسرعة وممن يؤمنون بالشعارات إيمانهم بأن الشمس تشرق من المشرق وممن يعتقدون أن باطن السياسة والسياسيين كظاهرهم. لهؤلاء فقط، فيما أحسب، يكون الخطاب السياسي، وأما الأجندة السياسية فهي قد تكون أي شيء سوى ذلك.
ولا أعتقد أن أي أحد سوف يختلف معي هنا.......أليس كذلك؟؟
فرناس