خالد السبيعي
عضو مميز
هؤلاء هم علماء وحكام الكويت السلفيون أين انتم ايه الوافدون الجدد
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب في تاريخ الكويت (1)
وُلِدَ الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب عام (1115هـ) وكان أهل عصره في تلكَ الأزمان قد اشتدَّت غربة الإسلام بينهم، وعَفَت آثار الدِّين لديهم، وانهدمت -لدى الكثيرين منهم- قواعد الملَّة الحنيفية، وغَلَبَ على الأَكْثَرين ما كان عليه أهل الجاهلية، وانطمست أعلام الشريعة في ذلك الزمان، وغلب الجهل والتقليد والإعراض عن السنة والقرآن، وشبَّ الصغير وهو لا يعرف مِن الدِّين إلاَّ ما كان عليه أهل تلك البلدان، وهرم الكبير على ما تلقَّاه عن الآباء والأجداد، وأعلام الشريعة مطموسة، ونصوص التنزيل وأصــول السنة فيما بينهم مَدْرُوسة، وطريقـةُ الآباء والأسلاف مرفوعة الأعلام، وأحاديث الكُهَّان والطواغيت مقبولة غير مردودة ولا مدفوعة، وقد انهمك كثير منهم في الشرك وعدلوا عن عبادة الله وحده إلى عبادة الأولياء والصالحين من الأموات والأحياء : يستغيثون بهم في النوازل والكوارث، ويُقْبِلون عليهم في الحاجات والرغبات، ويعتقِدون النفع والضر في الجمادات كالأحجـار والأشجار، ويعبدون أهل القبور ويصرفون لهم الدعاء والنذور في حالتي السراء والضراء سواء.
ومن طافَ البلاد وخَبَرَ أحوالَ الناس منذُ أزمان مُتَطَاوِلَة عَرَفَ انحراف أهل زمانه لا تكادُ تَسْلَمُ دَوْلَةٌ من بعض ما ذَكَرنا، وكانت نجد والحجاز وجزيرة العرب عموماً فيها من ذلك الشيء الكثير: قبور ومشاهد وثنيَّة، وأحجار وأشجار، والاستغاثة بها، ودعاء أهلها، والذبح والنذر والتضرع وغير ذلك مِن أنواع العبادات التي لا يستَحِقُّها إلا ربُّ الأرض والسماوات.
وكان في نجد نخل فحَّال ينتابه النساء والرجال، ويفعلون عنده أقبح الفِعال، والمرأة إذا تأخَّر عنها الزواج، ولم ترغب فيها الأزواج، تذهب إليه وتضمه وتدعوه برجاء وابتهال، وتقول: يا فحل الفحول، أُريدُ زوجاً قبل الحول!!
وقد فَشَت هذه المخالفات والضَّلالات وظهرت، وعمَّت وطمَّت، فلمَّا رأى الشيخ ذلك شمَّر عن ساعِد الجِدِّ فَدَعَا إلى الله على بصيرةٍ فَفَتَحَ اللهُ بهِ أَعْيُناً عُمياً، وآذاناً صُمّاً، فاستجابت الأقطار إلى دعوته ؛ لأنه إنما يدعو إلى الفطرة السَّلِيمة، والملَّة المستقيمة.
فقام خير قيام - بإعانة الإمام محمد بن سعود رحمه الله- في نصرة الدين، وإظهاره شعائره ومعالمه التي خفي أكثرها على الناس، وبيَّن رحمه الله حقيقة توحيد الأنبياء والمرسلين، وحذر من الشرك على اختلاف أنواعه وأهله، ولما كان لكل نعمة حاسد ولكل حق جاحد قام سدنة القبور بمحاربته والطعن فيه ورميه بالتهم الكثيرة حتى يحفظوا الأموال التي تُساق إليهم على أيدي الجهال: نذور وصدقات وزكواة وأخماس وغيرها، ولما كان اتباع الشيخ في دعوته وترك عبادة القبور وصرف النذور لها والدعاء عندها والاستغاثة بها مما يضر بـ «ميزانية» هؤلاء الشيوخ والسادة لذلك قاموا عليه أشنع قيام، لأنهم أساس البلاء والمصيبة.
قال الشيخ يوسف بن عيسى القناعي بعد عرضه لكلام الإمام الشوكاني اليمني (ت: 1250هـ) الذي يُنكِرُ فيه البناءَ على القِبَابِ والقُبُور وتجصيصها والغلو فيها وفي أصحابها إلى أن عُبِدَت مِن دُونِ الله فيقولُ القناعي :
«وشاهَدتُ بِنَفْسـي في العِراق ما قالَهُ الشَّوكاني مِن اعتقادِ الجَهَلَةِ بأهل القُبُورِ مِن جَلْبِ المنافع ودفع الضَّررِ وشدِّ الرِّحال إليها، واستغاثَتِهِم بها لقَضَاءِ الحوائِجِ وتَفْرِيج الكُرَب، وأهلُ العَمَائِمِ ينظُرُونَ إليهم ولا يُفهِّمُونهم عن هذه المناكر التي يَأْبَاهَا دِينُ التَّوحِيدِ. والسَّبَبُ في ذلك: أنهم لو قالوا لهم إنَّ النَّفعَ والضر بيد الله وليسَ لِصاحبِ القبر حَلٌّ ولا عَقْدٌ لترك السواد الأعظم الزيارات لهؤلاء الرمم، وانقطع عن أهل العمائم ما يُدِرُّ عليهم الزُّوَّار من الدنانير،فإِنَّا لله وإنا إليه راجعون على هذه المصائب التي بُليَ بها المسلمون وكلها من علماء السُّوء» «الملتقطات» تأليفه (358).
لهذا السبب قام أعداء التوحيد على الشيخ وافتروا عليه افتراءات لا تحصى ولا تعد يطول الكلام عليها، وليس غرضنا هنا إيرادها والجواب عنها، ولا الترجمة له لأنه أشهر من نار على علم، وإنما المقصود بيان موقف علماء الكويت من دعوته المباركة لدفع فرية «ذيَّاك الكاتب» وغيره ممن استمرأوا تشويه صورة العلماء الربانيين، والذين لم يحسنوا سوى القص واللزق من مواقع الشبكة العنكبوتية !!.
وأنبِّهُ هنا إلى أننا نقرأ كثيراً في بعض المقالات كلمة «الوهابية»، وليُعلم أنها نِسبة للشيخ محمد بن عبد الوهــاب! وهذا مِن لمز أهل البدع والضلال لدعوة الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب السُّنية السَّلفِيَّة المباركة، ويُراد من هذه الكلمة تنفير الناس عن دعوةِ الحق وإلصاق التهم والافتراءات بها،
وهذا شأن كُلّ داعية إصلاحي، وإلاَّ فإنَّ الشيخ يدعو إلى ما يدعو إليه السَّلف لا يخرجُ عن ذلك قيدَ أنمُلَةٍ، فعقيدتهُ ودعوته على طريقة أهل السنة، وهو يُصرِّح بذلك ويدعو إليه، ولكن أهل الباطل أرادوا تنفير الناس عن دعوته فقالوا «وهَّابيَّة» نسبة إلى والده «عبد الوهاب» !
يقول الشيخ العلامة مؤرخ الكويت عبد العزيـز الرشـيد رحمه الله - (ت: 1356هـ - 1938م) : «والحقيقة أنَّ كل مَـن تجنَّب التفـرق والاختلاف، وأرادَ أن يتَّبع رسول الله وخلفاءه والسَّلف الصالح مِن الصَّحابة والتابعين، والأئمة المجتهدين، فالقذيفةُ الشيطانية في أيدي الجاهلين معدّة له.. ألا وهي: «وهابي»...» [«الصحافة في الكويت وروَّادها: الرشيد وثلاث مجلاَّت« للمليجي (138)].
والإمام محمد بن عبد الوهاب لم يلتفت إلى شيء من هذه الترهات بل استمر في دعوة الناس إلى دين الله حتى استجابوا زرافات ووحدانا، وأصبحت دعوته إلى يومنا هذا هي الظاهرة التي يفتخر بالنسبة إليها كل داعية.
إنها دعوة الحق القائمة على كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وعلى ما كان عليه علماء السلف المباركين، وثمار هذه الدعوة نراها بين أيدينا في جزيرة العرب على وجه الخصوص : " أَطْعَمَهُم مِن جُوعٍ وآمَنَهُم مِن خَوْفٍ"...
وللحديث بقية...
.
.
.
الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب في تاريخ الكويت (2)
منذُ قيام دعوة الشيخ الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب التميمي النجدي المتوفَّى سنةَ (1206هـ) في جزيرة العـرب - مهبط الوحي، ومنطلق الرسالة المبارك- وذلكَ بعـد انـدراس العلم، وفشو الجهل، وظهور البدع والخرافات بل والشركيات في عامة بلدان المسلمين - كما تقدَّم ذِكرهُ- وبعد أن دَعَا إلى الله سنوات عديدة يدعو فيها إلى توحيد الله ويحذّر من الشرك والبدع، وأكَّدَ فيها أهميةَ إرجاع الناس إلى ما كان عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه فواجه أهل الباطل على كثرتهم حتى نَصَرَهُ الله بالإمام محمد بن سعود، فقامت الدعوة المباركة في قلبِ جزيرة العرب وانتشرت في أرجاءِ المعمورةِ، وشَهِدَ لها الناسُ مِن كُلِّ قِطر على أنها دعوةٌ صافِيةٌ نَقِيَّةٌ مُبارَكَةٌ تَدْعُو إلى عبادةِ الله وحدَهُ لا شريكَ له، وإلى اتّباع النبي -صلى الله عليه وسلم- في كُلِّ صغيرةٍ وكبيرةٍ، وتحذر من البدع والشركيات التي شوَّهت جمال الإسلام وحالت دون تقدم المسلمين وكانت سبباً رئيسياً في ضعف المسلمين وتفرقهم وتشتتهم، فجمعهم الله بهذه الدعوة بعد تفرق، وأغناهم بعد فقر، وقواهم بعد ضعف، وأمَّنهم بعد خوف.
انتشرت هذه الدعوة المباركة في أرجاء الجزيرة وكان أهل الجزيرة قبل ذلك على حالٍ شنيعٍ : من الجهل والخوف والجوع وغير ذلك ثم لما استجاب الناس لهذه الدعوة المباركة انقلبت أحوالهم إلى كل خير وفلاح.
* وأقام الله في قلبِ الجزيرةِ دُوَلاً دستورها الشَّرعُ، تَنْعَمُ بالأمنِ والأمان، وتحكم بشريعة الرحمن، ورزقهم الله من الطيبات وأنعم عليهم من الخيرات، حتى أصبحت في مَصَافِّ الدُّول الغنية التي واكبت التَّطور في كافَّةِ مجالاته.
* فدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب دعوة سار عليها ويدعو إليها غالب أهل الجزيرة... والذي يهمنا هنا هو الكويت.
* تُحَدِّثنا المصادر التاريخية أن الحاكم الرابع من حكام الكويت وهو الشيخ عبد الله بن صباح بن جابر المتوفى سنة (1229هـ) الموافق (1813م) راسل الشيخ ابن عبد الوهاب يستفسره عن حقيقة دعوته وما يُنسب إليه فأرسل له الشيخ محمد رسالة يُبَيِّنُ فيها حقيقة دعوته ويدحض الافتراءات التي نُسبت إليه، فكان مِمَّا قال فيها :
«الذي يجبُ على المُسلم أن يتبع أمر الله ورسوله ويسأل عنه، فالله سبحانه أنزل القرآن وذكر لنا فيه ما يُحِبُّه وما يبغضه، وبيَّن لنا فيه ديننا وأكمله، وكذلك محمد -صلى الله عليه وسلم- أفضل الأنبياء، فليسَ على وجهِ الأرض أحد أحب إلى أصحابه منهُ : فهم يُحِبُّونه أكثر من أنفسهم وأولادهم، ويعرفون قدره، ويعرفون أيضاً الشِّرك والإيمان. فإن كان أحد من المسلمين في زمان النبي -صلى الله عليه وسلم- دعاهُ أو نذرَ له أو نَدَبهُ أو أحد من أصحابه جاء عند قبره بعد موته يسأله أو يندبه أو يدخل عليه ملتجئاً به عند القبر فاعرف أنَّ هذا الأمر صحيح حسن، ولا تُطِعني ولا غيري. وإن كان إذا سألتَ وجَدتَ أنه -صلى الله عليه وسلم- تبرَّأ ممن اعتقد في الأنبياء والصالحين، وقتلهم وسباهم وأولادهم، وأخذ أموالهم، وحَكَمَ بِكُفرهم فاعرف أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يقول إلاَّ الحق، ولا يأمر إلاَّ بالحق، والواجب على كل مؤمن اتباعه فيما جاءَ به.
? وبالجملة فالذي أُنكِرُهُ : الاعتقادُ في غير الله مما لا يجوز صرفه لغيره، فإن كنتُ قُلتُهُ مِن عندي فارمِ به... وإن كنتُ قلته عن أمر الله ورسوله وعمَّا أجمع عليه العلماء في كُلِّ مذهبٍ، فلا ينبغي لرجل يؤمن بالله واليوم والآخر أن يُعرِضَ عنه، لأجل أهل زمانه، أو أهل بلده...».
* وبعدها استجاب الأمير عبد الله بن صباح لهذه الدعوة التي هي في الحقيقة دعوةُ الفِطرة، وعلى هذا سارَ أبناؤه وأحفـاده، ولا تزال العلاقـة الوطيدة بين الأسرتــين الكريمتين آل صباح وآل سعود قائمة على أحسن الأحوال.
* وقد كان الحكم في وقته على وِفق الشَّرع المُطَهَّر، قال أحمد مدحت باشا في مذكراته عن الكويت بعدما زارها عام (128 الموافق (1872م) قال: «وقد كثرَ عدد سكانها على تمادي الأيام وشيخها اليوم اسمه عبد الله الصباح وأهلها يُدِيرُونَ أُمُورَهُم بِحَسَبِ الشَّرع الشَّريف». [نقله الشملان في «تاريخ الكويت» (112)]
وأكبرُ دَلِيلٍ على الاستجابة هو أنه لا يوجد في الكويت قبر يُعبد، ولا مَشْهَدٌ له يُصَلَّى ويسجد، ولا فيها مسجد بني على قبر، أو قبر أُدخل في مسجد، أو وُجِدَ ما يسمى بالتماثيل لحاكمٍ منهم، في حين أنَّ أكثر الدول الإسلامية تَعُجُّ بالقبور والمشاهد الوثنية، فليسَ لذلك معنى سوى كون أهل هذا البلد على عقيدة التوحيد والسنة.
ومن الأدلة ما قاله ديكسون في كتابه «عرب الصحراء»: «وليسَ هناك مَنْ يُدَخِّن بين مشايخ الكويت -يعني الحكام- وربما ذلك من تأثير حركة الوهابيين على الكويت في الماضي». [«عرب الصحراء» (272)]
* أمَّا القبور عندهم فيقول عن تمسك الكويت حكاماً ومحكومين بالدَّعوة السلفيــة في الكويت: «...وحتى قبور الشيوخ فإنها تعاني مـن نفـسِ الأهمال ولا يستطيع أحدٌ في المقبرةِ الكبيرة بين بوابة نايف وبوابة الجهراء داخل السور أن يُشير إلى قبور الشيخ مبارك أو جابر أو سالم وهم آخر ثلاثة حكام للإمارة إذ ليسَ هناك ما يميِّز قبورهم عن قبور غيرهم من الناس مِمَّن دُفِنُوا في نفسِ المكان». [ «عرب الصحراء» (264) ].
* ولَـمَّا ذكر خرافة «مقام الخضر» في فيلكا قال ديكسون:
«ويؤمن بعض سُكَّان الكويت بالقصَّة الطريفة التي تقول إنَّ الخضر يتوجه مِن مكَّةَ يوم الأربعاء من كُلِّ أسبوع انطلاقاً مِن مقرِّهِ بالبصرة، ثم يقضي يوم الخميس في فيلكا ويعود مُتَّبِعاً نفسَ الطَّريق يوم الجمعة!! ومِن هُنا يجب على السّيِّدة التي تُريدُ الإنجابَ أن تتوَاجد في مقام الخضر في الأيام التي لا يخرج فيها حتى تنال بغيتها! وكثيراً ما تُشَاهَدُ مجموعاتٌ مِن النِّساء والأطفال متَّجهة من الكويت إلى فيلكا للنزهة، وزيارة مقام الخضر تحقيقاً لهذا الغرض. والحُكَّامُ لا يُخْفُونَ استِيَاءَهُمْ لانتشـارِ أَمْثَالِ هـذه الخُـرافات ويبذُلون كُلّ ما في وُسْعِهم لمنع هذه الزِّيارات» [«الكويت وجاراتها» (48)].
* وقد قامَ الحُكَّام بواجِبهم -بعد مُكاتبة العلماء الربَّانيين- فأُزيلَ هذا المزار الوثني عند تأسيس «المجلس التشريعي» الأوَّل في الكويت في عهد الشيخ أحمــد الجابر الصباح (ت: 1950م) كما ذَكَر ذلــك النبهاني في رحلتـه للكويت. [ «التُّحفة النبهانية في تاريخ الجزيرة العربية» (8/188) الجزء المخصص بالكويت، وقد زار الكويت عام (1366هـ-1947م)، والمجلس التشريعي قام سنة (1938م). انظر: «من هنا بدأت الكويت» (320) ].
* ثم سَعَى الجُهال والخُرافيون في إقامته مرَّة أخرى فأُقيم، ثم أُزيل بعد ذلك بالكُليَّة ولله الحمدُ والمِنَّة، وذلك في عهد حضرة ابنه صاحب السمو الشيخ جابر الأحمد الصباح رحمه الله وأَسكَنَــهُ فَسيـحَ جنَّاتــه وعامَلَــهُ بلُطفِــه وفضْلــه وإحسانه.
* وللحديث بقية...
وُلِدَ الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب عام (1115هـ) وكان أهل عصره في تلكَ الأزمان قد اشتدَّت غربة الإسلام بينهم، وعَفَت آثار الدِّين لديهم، وانهدمت -لدى الكثيرين منهم- قواعد الملَّة الحنيفية، وغَلَبَ على الأَكْثَرين ما كان عليه أهل الجاهلية، وانطمست أعلام الشريعة في ذلك الزمان، وغلب الجهل والتقليد والإعراض عن السنة والقرآن، وشبَّ الصغير وهو لا يعرف مِن الدِّين إلاَّ ما كان عليه أهل تلك البلدان، وهرم الكبير على ما تلقَّاه عن الآباء والأجداد، وأعلام الشريعة مطموسة، ونصوص التنزيل وأصــول السنة فيما بينهم مَدْرُوسة، وطريقـةُ الآباء والأسلاف مرفوعة الأعلام، وأحاديث الكُهَّان والطواغيت مقبولة غير مردودة ولا مدفوعة، وقد انهمك كثير منهم في الشرك وعدلوا عن عبادة الله وحده إلى عبادة الأولياء والصالحين من الأموات والأحياء : يستغيثون بهم في النوازل والكوارث، ويُقْبِلون عليهم في الحاجات والرغبات، ويعتقِدون النفع والضر في الجمادات كالأحجـار والأشجار، ويعبدون أهل القبور ويصرفون لهم الدعاء والنذور في حالتي السراء والضراء سواء.
ومن طافَ البلاد وخَبَرَ أحوالَ الناس منذُ أزمان مُتَطَاوِلَة عَرَفَ انحراف أهل زمانه لا تكادُ تَسْلَمُ دَوْلَةٌ من بعض ما ذَكَرنا، وكانت نجد والحجاز وجزيرة العرب عموماً فيها من ذلك الشيء الكثير: قبور ومشاهد وثنيَّة، وأحجار وأشجار، والاستغاثة بها، ودعاء أهلها، والذبح والنذر والتضرع وغير ذلك مِن أنواع العبادات التي لا يستَحِقُّها إلا ربُّ الأرض والسماوات.
وكان في نجد نخل فحَّال ينتابه النساء والرجال، ويفعلون عنده أقبح الفِعال، والمرأة إذا تأخَّر عنها الزواج، ولم ترغب فيها الأزواج، تذهب إليه وتضمه وتدعوه برجاء وابتهال، وتقول: يا فحل الفحول، أُريدُ زوجاً قبل الحول!!
وقد فَشَت هذه المخالفات والضَّلالات وظهرت، وعمَّت وطمَّت، فلمَّا رأى الشيخ ذلك شمَّر عن ساعِد الجِدِّ فَدَعَا إلى الله على بصيرةٍ فَفَتَحَ اللهُ بهِ أَعْيُناً عُمياً، وآذاناً صُمّاً، فاستجابت الأقطار إلى دعوته ؛ لأنه إنما يدعو إلى الفطرة السَّلِيمة، والملَّة المستقيمة.
فقام خير قيام - بإعانة الإمام محمد بن سعود رحمه الله- في نصرة الدين، وإظهاره شعائره ومعالمه التي خفي أكثرها على الناس، وبيَّن رحمه الله حقيقة توحيد الأنبياء والمرسلين، وحذر من الشرك على اختلاف أنواعه وأهله، ولما كان لكل نعمة حاسد ولكل حق جاحد قام سدنة القبور بمحاربته والطعن فيه ورميه بالتهم الكثيرة حتى يحفظوا الأموال التي تُساق إليهم على أيدي الجهال: نذور وصدقات وزكواة وأخماس وغيرها، ولما كان اتباع الشيخ في دعوته وترك عبادة القبور وصرف النذور لها والدعاء عندها والاستغاثة بها مما يضر بـ «ميزانية» هؤلاء الشيوخ والسادة لذلك قاموا عليه أشنع قيام، لأنهم أساس البلاء والمصيبة.
قال الشيخ يوسف بن عيسى القناعي بعد عرضه لكلام الإمام الشوكاني اليمني (ت: 1250هـ) الذي يُنكِرُ فيه البناءَ على القِبَابِ والقُبُور وتجصيصها والغلو فيها وفي أصحابها إلى أن عُبِدَت مِن دُونِ الله فيقولُ القناعي :
«وشاهَدتُ بِنَفْسـي في العِراق ما قالَهُ الشَّوكاني مِن اعتقادِ الجَهَلَةِ بأهل القُبُورِ مِن جَلْبِ المنافع ودفع الضَّررِ وشدِّ الرِّحال إليها، واستغاثَتِهِم بها لقَضَاءِ الحوائِجِ وتَفْرِيج الكُرَب، وأهلُ العَمَائِمِ ينظُرُونَ إليهم ولا يُفهِّمُونهم عن هذه المناكر التي يَأْبَاهَا دِينُ التَّوحِيدِ. والسَّبَبُ في ذلك: أنهم لو قالوا لهم إنَّ النَّفعَ والضر بيد الله وليسَ لِصاحبِ القبر حَلٌّ ولا عَقْدٌ لترك السواد الأعظم الزيارات لهؤلاء الرمم، وانقطع عن أهل العمائم ما يُدِرُّ عليهم الزُّوَّار من الدنانير،فإِنَّا لله وإنا إليه راجعون على هذه المصائب التي بُليَ بها المسلمون وكلها من علماء السُّوء» «الملتقطات» تأليفه (358).
لهذا السبب قام أعداء التوحيد على الشيخ وافتروا عليه افتراءات لا تحصى ولا تعد يطول الكلام عليها، وليس غرضنا هنا إيرادها والجواب عنها، ولا الترجمة له لأنه أشهر من نار على علم، وإنما المقصود بيان موقف علماء الكويت من دعوته المباركة لدفع فرية «ذيَّاك الكاتب» وغيره ممن استمرأوا تشويه صورة العلماء الربانيين، والذين لم يحسنوا سوى القص واللزق من مواقع الشبكة العنكبوتية !!.
وأنبِّهُ هنا إلى أننا نقرأ كثيراً في بعض المقالات كلمة «الوهابية»، وليُعلم أنها نِسبة للشيخ محمد بن عبد الوهــاب! وهذا مِن لمز أهل البدع والضلال لدعوة الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب السُّنية السَّلفِيَّة المباركة، ويُراد من هذه الكلمة تنفير الناس عن دعوةِ الحق وإلصاق التهم والافتراءات بها،
وهذا شأن كُلّ داعية إصلاحي، وإلاَّ فإنَّ الشيخ يدعو إلى ما يدعو إليه السَّلف لا يخرجُ عن ذلك قيدَ أنمُلَةٍ، فعقيدتهُ ودعوته على طريقة أهل السنة، وهو يُصرِّح بذلك ويدعو إليه، ولكن أهل الباطل أرادوا تنفير الناس عن دعوته فقالوا «وهَّابيَّة» نسبة إلى والده «عبد الوهاب» !
يقول الشيخ العلامة مؤرخ الكويت عبد العزيـز الرشـيد رحمه الله - (ت: 1356هـ - 1938م) : «والحقيقة أنَّ كل مَـن تجنَّب التفـرق والاختلاف، وأرادَ أن يتَّبع رسول الله وخلفاءه والسَّلف الصالح مِن الصَّحابة والتابعين، والأئمة المجتهدين، فالقذيفةُ الشيطانية في أيدي الجاهلين معدّة له.. ألا وهي: «وهابي»...» [«الصحافة في الكويت وروَّادها: الرشيد وثلاث مجلاَّت« للمليجي (138)].
والإمام محمد بن عبد الوهاب لم يلتفت إلى شيء من هذه الترهات بل استمر في دعوة الناس إلى دين الله حتى استجابوا زرافات ووحدانا، وأصبحت دعوته إلى يومنا هذا هي الظاهرة التي يفتخر بالنسبة إليها كل داعية.
إنها دعوة الحق القائمة على كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وعلى ما كان عليه علماء السلف المباركين، وثمار هذه الدعوة نراها بين أيدينا في جزيرة العرب على وجه الخصوص : " أَطْعَمَهُم مِن جُوعٍ وآمَنَهُم مِن خَوْفٍ"...
وللحديث بقية...
.
.
.
الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب في تاريخ الكويت (2)
منذُ قيام دعوة الشيخ الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب التميمي النجدي المتوفَّى سنةَ (1206هـ) في جزيرة العـرب - مهبط الوحي، ومنطلق الرسالة المبارك- وذلكَ بعـد انـدراس العلم، وفشو الجهل، وظهور البدع والخرافات بل والشركيات في عامة بلدان المسلمين - كما تقدَّم ذِكرهُ- وبعد أن دَعَا إلى الله سنوات عديدة يدعو فيها إلى توحيد الله ويحذّر من الشرك والبدع، وأكَّدَ فيها أهميةَ إرجاع الناس إلى ما كان عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه فواجه أهل الباطل على كثرتهم حتى نَصَرَهُ الله بالإمام محمد بن سعود، فقامت الدعوة المباركة في قلبِ جزيرة العرب وانتشرت في أرجاءِ المعمورةِ، وشَهِدَ لها الناسُ مِن كُلِّ قِطر على أنها دعوةٌ صافِيةٌ نَقِيَّةٌ مُبارَكَةٌ تَدْعُو إلى عبادةِ الله وحدَهُ لا شريكَ له، وإلى اتّباع النبي -صلى الله عليه وسلم- في كُلِّ صغيرةٍ وكبيرةٍ، وتحذر من البدع والشركيات التي شوَّهت جمال الإسلام وحالت دون تقدم المسلمين وكانت سبباً رئيسياً في ضعف المسلمين وتفرقهم وتشتتهم، فجمعهم الله بهذه الدعوة بعد تفرق، وأغناهم بعد فقر، وقواهم بعد ضعف، وأمَّنهم بعد خوف.
انتشرت هذه الدعوة المباركة في أرجاء الجزيرة وكان أهل الجزيرة قبل ذلك على حالٍ شنيعٍ : من الجهل والخوف والجوع وغير ذلك ثم لما استجاب الناس لهذه الدعوة المباركة انقلبت أحوالهم إلى كل خير وفلاح.
* وأقام الله في قلبِ الجزيرةِ دُوَلاً دستورها الشَّرعُ، تَنْعَمُ بالأمنِ والأمان، وتحكم بشريعة الرحمن، ورزقهم الله من الطيبات وأنعم عليهم من الخيرات، حتى أصبحت في مَصَافِّ الدُّول الغنية التي واكبت التَّطور في كافَّةِ مجالاته.
* فدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب دعوة سار عليها ويدعو إليها غالب أهل الجزيرة... والذي يهمنا هنا هو الكويت.
* تُحَدِّثنا المصادر التاريخية أن الحاكم الرابع من حكام الكويت وهو الشيخ عبد الله بن صباح بن جابر المتوفى سنة (1229هـ) الموافق (1813م) راسل الشيخ ابن عبد الوهاب يستفسره عن حقيقة دعوته وما يُنسب إليه فأرسل له الشيخ محمد رسالة يُبَيِّنُ فيها حقيقة دعوته ويدحض الافتراءات التي نُسبت إليه، فكان مِمَّا قال فيها :
«الذي يجبُ على المُسلم أن يتبع أمر الله ورسوله ويسأل عنه، فالله سبحانه أنزل القرآن وذكر لنا فيه ما يُحِبُّه وما يبغضه، وبيَّن لنا فيه ديننا وأكمله، وكذلك محمد -صلى الله عليه وسلم- أفضل الأنبياء، فليسَ على وجهِ الأرض أحد أحب إلى أصحابه منهُ : فهم يُحِبُّونه أكثر من أنفسهم وأولادهم، ويعرفون قدره، ويعرفون أيضاً الشِّرك والإيمان. فإن كان أحد من المسلمين في زمان النبي -صلى الله عليه وسلم- دعاهُ أو نذرَ له أو نَدَبهُ أو أحد من أصحابه جاء عند قبره بعد موته يسأله أو يندبه أو يدخل عليه ملتجئاً به عند القبر فاعرف أنَّ هذا الأمر صحيح حسن، ولا تُطِعني ولا غيري. وإن كان إذا سألتَ وجَدتَ أنه -صلى الله عليه وسلم- تبرَّأ ممن اعتقد في الأنبياء والصالحين، وقتلهم وسباهم وأولادهم، وأخذ أموالهم، وحَكَمَ بِكُفرهم فاعرف أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يقول إلاَّ الحق، ولا يأمر إلاَّ بالحق، والواجب على كل مؤمن اتباعه فيما جاءَ به.
? وبالجملة فالذي أُنكِرُهُ : الاعتقادُ في غير الله مما لا يجوز صرفه لغيره، فإن كنتُ قُلتُهُ مِن عندي فارمِ به... وإن كنتُ قلته عن أمر الله ورسوله وعمَّا أجمع عليه العلماء في كُلِّ مذهبٍ، فلا ينبغي لرجل يؤمن بالله واليوم والآخر أن يُعرِضَ عنه، لأجل أهل زمانه، أو أهل بلده...».
* وبعدها استجاب الأمير عبد الله بن صباح لهذه الدعوة التي هي في الحقيقة دعوةُ الفِطرة، وعلى هذا سارَ أبناؤه وأحفـاده، ولا تزال العلاقـة الوطيدة بين الأسرتــين الكريمتين آل صباح وآل سعود قائمة على أحسن الأحوال.
* وقد كان الحكم في وقته على وِفق الشَّرع المُطَهَّر، قال أحمد مدحت باشا في مذكراته عن الكويت بعدما زارها عام (128 الموافق (1872م) قال: «وقد كثرَ عدد سكانها على تمادي الأيام وشيخها اليوم اسمه عبد الله الصباح وأهلها يُدِيرُونَ أُمُورَهُم بِحَسَبِ الشَّرع الشَّريف». [نقله الشملان في «تاريخ الكويت» (112)]
وأكبرُ دَلِيلٍ على الاستجابة هو أنه لا يوجد في الكويت قبر يُعبد، ولا مَشْهَدٌ له يُصَلَّى ويسجد، ولا فيها مسجد بني على قبر، أو قبر أُدخل في مسجد، أو وُجِدَ ما يسمى بالتماثيل لحاكمٍ منهم، في حين أنَّ أكثر الدول الإسلامية تَعُجُّ بالقبور والمشاهد الوثنية، فليسَ لذلك معنى سوى كون أهل هذا البلد على عقيدة التوحيد والسنة.
ومن الأدلة ما قاله ديكسون في كتابه «عرب الصحراء»: «وليسَ هناك مَنْ يُدَخِّن بين مشايخ الكويت -يعني الحكام- وربما ذلك من تأثير حركة الوهابيين على الكويت في الماضي». [«عرب الصحراء» (272)]
* أمَّا القبور عندهم فيقول عن تمسك الكويت حكاماً ومحكومين بالدَّعوة السلفيــة في الكويت: «...وحتى قبور الشيوخ فإنها تعاني مـن نفـسِ الأهمال ولا يستطيع أحدٌ في المقبرةِ الكبيرة بين بوابة نايف وبوابة الجهراء داخل السور أن يُشير إلى قبور الشيخ مبارك أو جابر أو سالم وهم آخر ثلاثة حكام للإمارة إذ ليسَ هناك ما يميِّز قبورهم عن قبور غيرهم من الناس مِمَّن دُفِنُوا في نفسِ المكان». [ «عرب الصحراء» (264) ].
* ولَـمَّا ذكر خرافة «مقام الخضر» في فيلكا قال ديكسون:
«ويؤمن بعض سُكَّان الكويت بالقصَّة الطريفة التي تقول إنَّ الخضر يتوجه مِن مكَّةَ يوم الأربعاء من كُلِّ أسبوع انطلاقاً مِن مقرِّهِ بالبصرة، ثم يقضي يوم الخميس في فيلكا ويعود مُتَّبِعاً نفسَ الطَّريق يوم الجمعة!! ومِن هُنا يجب على السّيِّدة التي تُريدُ الإنجابَ أن تتوَاجد في مقام الخضر في الأيام التي لا يخرج فيها حتى تنال بغيتها! وكثيراً ما تُشَاهَدُ مجموعاتٌ مِن النِّساء والأطفال متَّجهة من الكويت إلى فيلكا للنزهة، وزيارة مقام الخضر تحقيقاً لهذا الغرض. والحُكَّامُ لا يُخْفُونَ استِيَاءَهُمْ لانتشـارِ أَمْثَالِ هـذه الخُـرافات ويبذُلون كُلّ ما في وُسْعِهم لمنع هذه الزِّيارات» [«الكويت وجاراتها» (48)].
* وقد قامَ الحُكَّام بواجِبهم -بعد مُكاتبة العلماء الربَّانيين- فأُزيلَ هذا المزار الوثني عند تأسيس «المجلس التشريعي» الأوَّل في الكويت في عهد الشيخ أحمــد الجابر الصباح (ت: 1950م) كما ذَكَر ذلــك النبهاني في رحلتـه للكويت. [ «التُّحفة النبهانية في تاريخ الجزيرة العربية» (8/188) الجزء المخصص بالكويت، وقد زار الكويت عام (1366هـ-1947م)، والمجلس التشريعي قام سنة (1938م). انظر: «من هنا بدأت الكويت» (320) ].
* ثم سَعَى الجُهال والخُرافيون في إقامته مرَّة أخرى فأُقيم، ثم أُزيل بعد ذلك بالكُليَّة ولله الحمدُ والمِنَّة، وذلك في عهد حضرة ابنه صاحب السمو الشيخ جابر الأحمد الصباح رحمه الله وأَسكَنَــهُ فَسيـحَ جنَّاتــه وعامَلَــهُ بلُطفِــه وفضْلــه وإحسانه.
* وللحديث بقية...