طــائر الشمال .. تحليق في سماء الغربة

النابغة

عضو بلاتيني
عودا ً حميدا ً أستاذنا الكبير ... و إبداعك متجدد - عيني عليك بارده إن شاء الله - فلا تحرمنا من هذه الحلقات ...

ودمتم.......
 
تأخر مرة أخرى

أعتذر مرة أخرى عن تأخري لظروف قاهرة، وأيضا لزيارتي لسلطنة عمان التي قضيت بين ربوعها وقتا رائعا رغم حرارة الجو ولهيب الشمس.
تلقيت دعوة كريمة من وزير الاعلام العماني، وكانت الزيارة ناجحة بكل المقاييس.

لم يتأخر سفير دولة الكويت الشيخ فيصل المالك الحمود الصباح عن القيام بواجب الضيافة الكريم، ودعاني إلى بيته، وقرأت وتابعت نشاطاته التي تثير اعجاب العمانيين فأضحى سفيرا لكل بلد لدى الآخر.

آمل أن أتمكن من كتابة التحليقات بانتظام، ولكل الأعضاء الكرام في منتدانا الموقر مني عميق الشكر وصادق المحبة لمتابعاتهم الكريمة لقلمي.

والله يرعاكم.

محمد عبد المجيد
طائر الشمال
أوسلو النرويج
 
الحلقة العشرون


الحلقة العشرون
[FONT=Tahoma (Arabic)]
في عام 1986 يزداد الوضع المادي سوءً، ولأن المكتبة العالمية مشروع ثقافي فقد طلبتُ دعما من بلدية أوسلو ست مرات، وفي كل مرة من المرات الست يأتيني الرفض مع أن عمدة أوسلو في ذلك الوقت السيد ألبرت نورينجن أبلغني أنه فخور بافتتاح المكتبة العالمية كمركز اعلامي في هذا المكان بالذات.
لم يبق إلا بعض الأمال الضعيفة، فقامت السيدة تورا هاوج من الحزب الاشتراكي بطرح موضوع دعم المكتبة العالمية على وزير الثقافة آنئذ هوفارد باكّا في إحدى جلسات البرلمان، وأعتذر الوزير عن الدعم لكنه أبدى احترامه الشديد لهذا المشروع الثقافي.
إذاعة صوت العرب من أوسلو تأخذ من وقتي، وتُمتعني كثيرا، وقد بدأت أشعر بالخطر من جراء المواد التي أقوم بإذاعتها.
أذكر أنني قرأت مقالا عن ( حركة أمل) اللبنانية وكان بقلم الصديق العزيز ( رحمه الله ) عبد الله أحمد حسين الرومي في صحيفة ( الأنباء ) الكويتية، فتلقيت على الفور مكالمة هاتفية من لبناني يتوعدني فيها بالقتل في أحد شوارع أوسلو.
وكلمة ( القتل ) في المفهوم العربي سهلة ومريحة وتبدو كأنها تمنح صاحبها ثقة بالنفس، واحساسا بالقوة.
والغريب أنها هَيّنة وسريعة إنْ تعلق الأمر بخلاف عربي/ عربي، أما الآخر، الأشقر والأوروبي والأبيض بَشّرَةً فإن التسامح تجاهه يَحدث آلياً.
تَمّتّْ المصالحة بيني وبين اللبنانيين الذين استمعوا إلى الإذاعة وغضبوا من اختياري هذا المقال.
بعد الغزو العراقي للكويت، وهذا الحديث سيأتي لاحقا، نشرت في طائر الشمال مقالا عن العلاقات الفلسطينية/الكويتية، وشجبت فيه هذا الكم الهائل من الكراهية الذي انفجر فجأة داخل نفوس ضيوف ضد مضيفيهم الكويتيين، وكتبت عن حقيقة واقعة وهي أنني لم أقابل في النرويج فلسطينيا واحدا لم يتعاطف مع صدام حسين.
تلقيت بعد نشر المقال مكالمة هاتفية من فلسطيني مقيم في النرويج يقسم لي فيها بأنهم (!!) سيقتلونني أمام بيتي كالكلاب لأنني أقف مع ( الكويتيين الخونة ) وفقا لتعبير الذي اتصل بي!

نشرت صحيفة نرويجية واسعة الانتشار مقالا عن ضرورة دعم المكتبة العالمية وهو رسالة موجهة للسيدة جرو هارلم برنتلاند رئيسة الوزراء، فتلقيت رسالة من مكتبها بضرورة الحضور للقاء مدير المكتب السيد /هانيش. وكان متغطرسا ومغرورا وجافا، وقال لي بأن أمامي ثلاث دقائق فقط لأشرح تاريخ المكتبة العالمية والمشاكل المادية والدور الثقافي للمكتبة قبل أن يوافق على لقائي برئيسة الوزراء.
انتهت الدقائق الثلاث قبل أن أكمل عدة كلمات، ثم صافحني قائلا: لن تدعم الحكومة المكتبة العالمية، تمنياتي لك بالتوفيق.
كل الدلائل تشير إلى قرب افلاس المكتبة العالمية وتجاوزت ديوني الستين ألف دولار، والرجل الذي استأجرت منه المكان كشف عن حقيقة مؤسفة وهي أنه لم يكن يملك الحق في تأجير المكان لأنه تابع لبلدية أوسلو، وكانت فترة صاخبة وحافلة بالصدمات، فقد رفع قضية ضدي لتمكينه من اغلاق المكتبة العالمية، في نفس الوقت الذي تكالب الدائنون من كل مكان، وخاصة دور النشر، وكان علي أن أحارب لأظل واقفا على قدمي.
المسؤولية عن الأسرة تمنحني طاقة هائلة ومضاعفة، ومسؤولية التربية هي الشغل الشاغل لي، فسونيا في عامها السابع، ومجدي بلغ الثالثة وأنا أريد أن أجعلهما يحبان مصر والعالم العربي وأن أوغل برفق شديد في الاسلام، فهي شعرة واحدة بين الانجذاب والنفور قد لا يشعر بها الأب في لحظات الأنانية عندما يظن أن حقه في هيمنة ثقافة بلده ووطنه ودينه وقوميته على نوع التربية شيء مقدس، أو عندما يحاول تقليد المجتمع المضيف فيبدو مظهره مضحكا في عيون مضيفيه وأولاده.
نجحت بفضل الله في أهم تجربة تربوية وهي الحديث باللغة العربية مع أولادي تحت أي ظرف، ثم زاد النجاح عندما تعلقا باللغة العربية رغم أن النرويجية هي اللغة الأم، حتى عندما كنا نزور أهل زوجتي ( السابقة ) في غرب النرويج، كنت حريصا على أن لا أتفوه بكلمة واحدة نرويجية لدى الحديث مع أولادي.
التربية الناجحة هي علاقة حب قبل أي شيء آخر، فإذا أحبك أولادك فإن كل ما يصدر عنك من نصائح وتعليمات وتوجيهات وطلبات وتمنيات يبقي في اطار تطبيق ما فيه من المعقولية والمنطق الواقعي.

الفتاة الثانية التي عملت معي في المكتبة العالمية كانت أيضا نرويجية وجميلة جدا وشبيهة تماما بالممثلة الأمريكية جوليا روبرتس، وكانت ترتدي ملابس مثيرة طوال الوقت، فبدأ الشباب العرب وكثير من معارفي وأصدقائي يعودون لزيارة المكتبة، ولكن ظلت مقاطعة الكتاب قائمة فالعربي يظن أن شراء كتاب هي خسارة مادية، واهدار لوقته الذي يبحث فيه عن الأنس والفرفشة والأحاديث الجانبية، ولا مانع من الخوض في أحاديث السياسة دون أي سند فكري أو ثقافي. وكنت أثق بها ثقة شديدة، في غيابي وحضوري، فهي تملك حسا من الأمانة والخوف على المكتبة والحرص على نجاحها ما يجعلني أزداد في كل يوم احتراما لها، وبعد أقل من عام قدمت استقالتها.
ثم قمت بتعيين فتاة آيسلندية مغرورة، وكانت مصابة بعقدة كراهية الرجال، وقالت لي بأنها قبلت العمل معي على مضض، فأنا رجل وعربي ومسلم وأجنبي ( حسب رأيها )! بعد أقل من ثلاثة أشهر بيوم واحد ( فترة الاختبار قبل تثبيت العمل ) قمت بمنحها مستحقاتها، وأنهيت عملها.
الإيمان بالقوى الخفية والتشاؤم والحسد والتطير لم يشغل من ذهني حيزا يذكر، وكنت دائما أميل إلى العقلانية ما عدا الإيمان بالتليباثي، أو التخاطر عن بعد، وقد أيقظ كتاب قرأته في باكورة شبابي تحت عنوان ( حواسك الزائدة في خدمتك ) لهارولد شيرمان تلك القناعات حتى أنني قمت بتجارب عديدة في التخاطر عن بعد.
[/FONT][FONT=Minion Pro (Arabic)]

محمد عبد المجيد
طائر الشمال
أوسلو في الأول من يونيو 2007 الساعة السابعة صباحا
[/FONT]
 
الحلقة الحادية والعشرون


الحلقة الحادية والعشرون
[FONT=Tahoma (Arabic)]
كثيرون من الناس يحلمون بمنصب مرموق اجتماعيا ووظيفة تحتل سلما رفيعا في المجتمع دون أخذ متعة العمل في الاعتبار، لذا يصاب عدد هائل منهم بأمراض نفسية وعصبية، ويكرهون التوّجه للعمل لأنه لا يسبب لهم تلك الحالة اليومية من الانسجام والتناغم.
عندما تستيقظ صباحا وتستعد للذهاب إلى عمل لا يحقق لك تلك الحالة الروحية من السعادة بكل ما تقوم به، فإنك تكون قد اخترت طريقا بائسا في الحياة، وفتحت بابا واسعا تدلف منه إلى نفسك بعض الأمراض النفسية والعصبية، بل إنك لن تجيد بأي حال من الأحوال عملا لا يروق لك.

عندما أنظر إلى الوراء لمسيرة أربعة وثلاثين عاما في أوروبا ، وأقوم بتقييم تجربتي في الأعمال المختلفة التي انخرطت بها، أو صنعَتها لي الظروفُ، فإنني لا أملك إلا أن أحمد الله تعالى على نجاتي من كراهية العمل لأنني بكل بساطة اخترت الطريق الأبسط والأسهل والذي يتوافق مع قناعاتي وامكانياتي.
منحني العلي القدير نعمة ظلت معي طوال عمري وهي درجة عالية من قبول الناس لي، فانفتحت لي أبواب، ورحب بي غرباء، وأحبني كثيرون ممن يدخل الحب إلى أعماقهم بصعوبة شديدة، وتستعصى عليهم في الحياة اليومية مشاعر الود والدفء.
كنت ألمس يد الله، عز وجل، تحنو علي، وتقترب مني كلما ألَمّ بي خَطْبٌ، وتنتشلني من دوامة الحياة إنْ قسَتْ علي الظروف أو جاءت الرياح بما لا تشتهي سفن رغباتي.
في يوليو عام 1972 قررت ترك العمل في لندن بعد خمسين يوما لأنه لم يرق لي، وغادرت المكان وسرت على غير هدى في شوارع عاصمة الضباب، ولم يكن معي إلا مبلغ زهيد، واقامتي توشك على الانتهاء، وليس معي ترخيص عمل.
دخلت مكانا للبحث عن عمل، ورحب بي صاحبه ترحيبا شديدا. بعد دقائق وكان يتجول معي للتعرف على المكان والعاملين، شاهدت شابين عربيين، فقال أحدهما باللغة العربية وبصوت مرتفع بأن صاحب المكان شاذ جنسيا، وهو يختار العرب الذين يظن أنهم يحققون له رغباته العفنة. لم اكن بحاجة إلى سماع هذا الكلام فقد قرأته في عيني الرجل منذ اللحظة الأولى.
قلت له على الفور بأنني لن أقبل العمل، ثم خرجت مسرعا. كانت لدي ثقة تامة لا تتخللها ذرة شك تحت كل الظروف الأكثر قسوة بأن الله يرعاني في يقظتي ومنامي، ولم ولن يخذلني ما أنفك نبض لقلبي يخفق.
بعد ساعتين أو أقل، قابلت صديقي سامي عبد الملك خليل فقال لي على الفور إن مستر ماريو صاحب العمل يبحث عني ويريد مني أن أعود وأختار العمل الذي أرغب فيه!

كنت ساهما ومحلقا في أحلامي وأنا أعمل في الجراند باساج في جنيف بسويسرا عام 1976. كانت نظراتي متجهة إلى المكتبة متمنيا أن أجد عملا بها فهي تحقق لي متعة التعامل مع الكتاب ومع الفئة المثقفة والطلابية في جامعة جنيف والقريبة من المكان.
اقترب مني مسيو فوتييه المدير العام وفاجأني بقوله: محمد، هل تريد أن تعمل بالمكتبة؟
قفزت من الفرحة، وبعد أقل من يومين كنت أقف بين الكتب في متعة لا قبل لي بها!
كنت أقف على الحدود النمساوية ويتعرض الجميع لتفتيش دقيق وذاتي. وعندما اقترب مني ضابط الحدود النمساوي قلت له بأدب جم: لكنني لا أحب أن يراني أحد عاريا حتى لو كان ضابط شرطة! ابتسم في وجهي وقال: تفضل، يمكنك المرور ولن نقوم بتفتيشك!

العمل في بيوت الشباب والمكتبات يسبب لي حالة من النشوة حتى لو كان العائد المادي يجعلني على الخط الفاصل بين الفقر والغنى!
في نهاية ديسمبر عام 1986 والمكتبة العالمية تترنح ضد ضربات الخسائر المادية، والديون تتكاثر وتثقل الكاهل، كان السلام الداخلي يحقق لي توازنا يجعل الحياة جميلة مع صباح كل يوم مشرق ولو كانت تنتظرني مشاكل تنوء عن حملها الجبال.
قررت البحث عن عمل في بيت الشباب الوحيد في أوسلو رغم أنني لم أغلق المكتبة العالمية بعد. وذهبت للقاء المدير فأبلغني أن عددا كبيرا تقدموا للحصول على تلك الوظيفة في بيت الشباب، وجلس يستمع إلي لأقل من نصف ساعة.
قال لي في نهاية اللقاء: لقد وافقت على قبولك وسأعتذر لكل المتقدمين للعمل معنا!
كانت تلك هي يد الله الحانية التي أراها في كل المواقف والظروف، فهو سبحانة وتعالى قريب مني، بل أقرب إلى من حبل الوريد.
العمل مع الطلاب والشباب هو ربيع دائم، وتجنب لخريف العمر ولو اقترب حثيثا. إنه ورد يتفتح صباح كل يوم، وأرض خصبة لأزرع فيها آرائي وأفكاري، وأكتسب منها خبرات شبابية جريئة وغير عادية، وتمدني بطاقة مضاعفة عما يمكن أن يمدني به عمل روتيني بحت في مكتب فاخر بناطحة سحاب يشير إليه الجميع بالبنان.
وبدأت العمل في بيت الشباب في يناير عام 1987، وعثرت على فتاة للعمل في المكتبة العالمية شبه المنهارة واخترتها من بين أكثر من عشرين فتاة تقدمن للعمل، وظننت أنني اخترت الأفضل من بينهن. بعد أقل من أسبوعين اتصل بي صديق مصري في بيت الشباب وقال بأن هناك شابا من المتعاطين للمخدرات يجلس في المكتبة بجانب الفتاة، فاتصلت على الفور بالشرطة وطلبت معرفة الصحيفة الجنائية للفتاة. بعد أقل من عشر دقائق اتصل بي ضابط شرطة وقال بلهجة حاسمة: عليك أن تطرد الفتاة فورا من المكتبة فهي معروفة بممارساتها الاجرامية، وتعرفها جيدا شرطة مكافحة المخدرات.
الغريب أنها الوحيدة من بين كل المتقدمات التي ظننت أنها الأصلح للعمل في غيابي!

تم تحديد موعد في المحكمة للحكم في استمراري مستأجرا للمكان أو طردي منه. أدخلت نشاطات مختلفة لعلها تنقذ المكتبة العالمية ولكن بدون فائدة حتى أفلام الفيديو لم تحقق بجانب الكتاب إلا خسائر وصداعا في الرأس من التعامل مع نوعية عجيبة من البشر.
في هذا العام تعرضت لأكبر موقفين عنصريين منذ وصولي إلى النرويج، وكان الأول في المحكمة الابتدائية عندما حكم القاضي لصالح مستأجر المكان الذي أجره لي من الباطن، ولكن بشرط عدم عدم تسليم المفتاح لأي منا ( في مايو عام 1987) حتى أقوم باعداد مكان آخر لنقل متعلقات وأغراض المكتبة والكتب والأشياء الأخرى، لكن القاضي أخل بوعده وقام بعد فترة بالسماح للشخص الآخر بتسلم مفتاح مكتبتي، فقام بتفريغها تماما في ساعات معدودة، والقاء كل محتوياتها في صناديق المخلفات، وكانت تلك صدمة هائلة لي فابتلعتْ صناديق القمامة الكتب والخزنة والصور والأفلام ومتعلقاتي الخاصة!
وذهبت إلى المحكمة الابتدائية وقابلت المستشار وأنا استشيط غضبا قائلا له بأن ما قام به عمل عنصري وقح بكل المقاييس، فرد بهدوء قائلا: نعم، أنا عنصري، ولا يهمني رأيك.
الموقف الآخر عندما اتصلت بالشرطة لمساعدتي في فتح المكتبة العالمية بعدما تسلمت المحكمة المفتاح، فرفضت الشرطة مساعدتي رغم أنها متعلقاتي ومكتبتي التي يعرفها القاصي والداني، والتي رحبت بها الصحف والتلفزيون، وأشاد بها البرلمان في يوم من الأيام.

الغضب يزول رويدا .. رويدا،وأحلامي تكبر كلما عاكستني الظروف، والضربات التي لا تقصم الظهر تجعله أقوى وأشد تحملا.
في يونيو عام 1987، وفي نفس شهر اغلاق المكتبة العالمية ذهبت مع صديقي العراقي سعد الشمرتي إلى رئيس اتحاد الاذاعات الأجنبية وطلبنا ترخيصا بعمل إذاعة عربية حرة ومستقلة. انزاح عبء المكتبة العالمية، وتعلمت من سنواتها الأربع دروسا لا تقاس بمال أو خبرة أو مقاعد دراسية.
[/FONT][FONT=Minion Pro (Arabic)]
كان سعد الشمرتي بعثيا حتى النخاع، وعفلقيا حتى الثمالة، ولو أعلن صدام حسين آنئذ أنه آخر الأنبياء المرسلين فإن سعد سيكون هو التابع الوحيد له.
يتصدر مدخل بيته في ضواحي أوسلو صورة عملاقة لصدام حسين يتبرك بها .....

وللحديث بقية بإذن الله
محمد عبد المجيد
طائر الشمال
أوسلو في 4 يونيو 2007 الساعة السابعة صباحا
[/FONT]
 
شكر

إلى مها الديرة مع محبتي،
شكرا جزيلا على متابعتك الكريمة وكذلك الاخوة والاخوات في منتدانا الموقر.
أحاول ارسال رسالة خاصة إلى أخي قوس قزح ولم أتمكن، لعل المانع يكون خيرا.

والله يرعاكم

محمد عبد المجيد
طائر الشمال
أوسلو النرويج
 
الحلقة الثانية والعشرون


الحلقة الثانية والعشرون
[FONT=Tahoma (Arabic)]
كانت تربطني بسعد الشمرتي صداقة جيدة رغم اختلاف طبيعة كل واحد عن الآخر. كان فنانا في الأشغال اليدوية، ويملك عزة نفس لو تم توزيعها على عشرات لانتفخ كل منهم ثقة بالنفس. وكان يحب صدام حسين وعلى استعداد لقتل شقيقه لو شعر أنه ينحاز للجانب الايراني في الحرب المستعرة بين البلدين.
استمرت إذاعة صوت العرب من أوسلو تبث برامجها لعرب أوسلو وضواحيها، وكنت أقرأ معظم الأخبار ومقالات الصحف، وكان سعد يتولى الاتصالات الداخلية. اتسعت دائرة الغيرة والحسد بين أبناء الجالية، فتلك للأسف الشديد وأقولها بكل حزن وأسى طبيعة أبناء قومنا في الغربة. نجاحك يعني فشل الآخرين، وصعودك يفسره الآخرون على أنه تقليص من شأنهم.

صديق عزيز لي ذهب إلى السيد ويليام تايلور مدير الاذاعات وقال له بأن محمد عبد المجيد ليس متحدثا باسم العرب، ولذا ينبغي أن يمنح العرب الآخرين إذاعة أخرى، فرفض رفضا قاطعا قائلا بأنه يتلقى رسائل ايجابية عني.
في الغربة تخرج إلى العلن من النفس البشرية مشاعر لم تكن تجد لها مخرجا في الوطن الأم، وتتبلور الكراهية، وتتجمع البغضاء، وتتحول الغربة إلى مصارعة ثيران أو صراع للديكة دون أي سبب آخر.
في الغربة يصبح في كثير من الأحيان الصديق مصدر متاعب، وعامل جذب إلى الأسفل.
في الغربة تتحول الأسنان إلى أنياب، والتهنئة إلى عزاء، والمديح إلى هجاء، ويتغذي مغتربون كثيرون على الغيبة والنميمة خاصة بين أبناء الجالية العربية المفترض فيها التكاتف والتراحم والتواصل.
قال ويليام تيلور لصديقي : ولكنه صديقك وأنت تطعنه من الخلف، فرد صديقي قائلا: إنه يقوم بتفريق العرب! ويشهد الله أنني كنت دائما عربيا في كل مشاعري وأفكاري ولم أفرق بين جنسية وأخرى، واقدم نفسي على أنني عربي قبل أن أقول مصريا!
قبيل اغلاق المكتبة العالمية جاءني صديق عزيز وقد علت وجهه ابتسامة صفراء فاقع لونها وقال لي: إذا تم بيع المكتبة العالمية في المزاد فالرجاء ابلاغي حتى أشتري جهاز التلفزيون بثمن بخس! ولم يفكر صديقي في مشاعري للحظة واحدة!
بعد أقل من أربع سنوات، وكنت في اجتماع مع أبناء الجالية المصرية بُعَيّد انسحابي من النادي المصري شاهدت ما لم يدر بذهني قط، وكأن الحملان جميعا تحولوا إلى ذئاب، وكأن الغيرة والحسد والكراهية طباع مترسبة في نفوسنا، وتخرج عندما يفيض ما في العمق من بغضاء.
قال لي صديقي الذي كنا نسهر، ونتسامر، ونتحدث في أمور شتى، ونتعرض للسياسة والثقافة: إن مجلة طائر الشمال ليست ملكا لك بمفردك لأنك تكتب في مقدمتها بأنها مجلة كل العرب، ولذا ينبغي نقلها إلى أبناء الجالية!
تحول وجهي كله إلى دماء ساخنة ملتهبة كأن القارعة مرت أمامي: قلت له: وهل من حقي أن أطالبك بنقل ملكية بيتك إلى العرب؟ إنها مطبوعة باسمي، وأنفق عليها من أموالي، ولا يكتب فيها غيري، فكيف يصبح الجميع شركاء فيها؟
في هذا الاجتماع تعلمت دروسا بخلت عليّ سنوات الهجرة الطويلة بها، وكشفت لعيني تلك الحقائق عن طبائع المغتربين الافتراسية، وقال البعض بإن إذاعة صوت العرب من أوسلو حق لهم هم أيضا، وخشيت أن يقول البعض بأن بيتي ملكية عامة وكذلك أولادي.
يأكل المغتربون لحوم بعضهم البعض، بل يتلذذ كثيرون وهم يمضغونها كأن الغربة حالة صراع وقتال لا ينجح فيها المغترب قبل أ يصيب رمحه صدر ابن بلده بعيدا عن .. الوطن الأم.

عام 1988 كان هو الأقسى في غربتي النرويجية، وكنت أمام اختبار حياة أو موت، والتحدي يقصم الظهر أو يعيد تركيبه صلدا وصلبا وغير قابل للالتواء.
الديون التي بلغت أكثر من ستين ألف دولار يطاردني أصحابها، والمحكمة تستدعيني بين ألفينة والأخرى لحل مشكلة قانونية مع أحد الدائنين، وأسرتي الصغيرة تنتظر رب بيت يتحمل المسؤولية، لذا فقد كان تاريخيا لي، وتحولت ساعات اليوم إلى الضعف، ولم يعد هناك فلكي يستطيع أن يقنعني أن اليوم به 24 ساعة وليس 48 ساعة!
كنت أعمل في بيت الشباب، ومترجما مع الشرطة النرويجية، ورئيسا لتحرير مجلة طائر الشمال، ومديرا لاذاعة صوت العرب من أوسلو ، ومُدَرساً في احدى المدراس النرويجية.

وكنت أرعى أولادي، واصطحب مجدي إلى الحضانة، وأتحدث معهما العربية في كل يوم خشية أن ينسيهما الحديث مع والدتهما النرويجية لغة الضاد .. التي أحبها كأن لساني التصق بضادها.
لو كان معي شريط سينمائي مصور لهذا العام ( 1988 ) لما صدقت مشهدا واحدا فيه، فقد أقسمت أن أقف على قدمي مرة أخرى، وأسد ديوني، وأحمي أسرتي دون أن تمد لي أي جهة يد المساعدة.
معجزة بكل المقاييس أن تعمل في خمسة أماكن في وقت واحد وترعى أسرة، وتسابق الزمن، وترضي الدائنين.
وجاءت في يوم من الأيام هدية العمر عندما أبلغت المدير المسؤول في بنك برجن المدين له بأربعين ألف دولار أنني لا أملك منهم غير العُشر فسألني: هل تستطيع أن تدفع كل ما لديك نظير اسقاط كل ديونك؟ قلت : في دقائق معدودة تكون في حساب البنك!
وسحبت كل ما أملك وهو أربعة آلاف دولار وقمت بتحويلهم إلى حساب البنك، وأرسلت نسخة من التحويل بالفاكس إلى المدير المسؤول، فأسقط البنك فورا ما بقي من الديون، أي أسقط 36 ألف دولار بعدما سددت أربعة آلاف.
وتنفست كأن قفصي الصدري سحب كل الهواء النقي المنعش في لحظة واحدة، وبدأت أقف من جديد، وأدلف إلى منطقة الحلم باحثا عن مشروعات جديدة، فكرية وثقافية واعلامية، وكنت أحلم بأن يكون لدي قناة تلفزيونية من أوسلو أبث فيها دون رقيب أو جهاز أمن أو سلطة حكومية.

في هذا العام توسعت دائرة العنصرية، وبدا التوجس من الأجانب يظهر واضحا وجليا، وسألتني ابنتي سونيا: لماذا عندما أخرج معك لا يجلس أحد بجانبنا في الترام أو الحافلة أو أي مواصلات عامة؟
وللعنصرية وجوه قبيحة لا تبين لغير ذوي العيون المدربة على التقاطها.
إذاعة صوت العرب من أوسلو تذيع أخبار الانتفاضة الأولى، وكنت أصطحب بين الحين والآخر سونيا ومجدي معي، وأقوم بعمل دائرة بالسيارة حول المكان عدة مرات خشية أي محاولات تهجم أو اعتداء أو اغتيال.
السفارة الاسرائيلية تسجل كل كلمة من الاذاعة، والعرب غير راضين عنها، وسعد الشمرتي له خصومه، وأنا لي خصومي.
كانت سونيا ومجدي يجلسان صامتين في الغرفة عندما يضيءالضوء الأحمر، ويسمعان والدهما يقرأ نشرات الأخبار، وبعد انتهاء الارسال يحصلان على مكافئة الصمت داخل الاستديو، أي حلويات يفرحان بها فرحا شديدا.

نجحت في الترجمة مع الشرطة النرويجية، وكانت ترجمة فورية من العربية إلى النروجية والعكس، وكلها مع أناس متهمين في قضايا قبل عرضهم على المحاكمة. وترجمت أيضا عدة مرات داخل قاعة المحاكمة.
طائر الشمال تصنع خصوما يضافون إلى خصوم إذاعة صوت العرب من أوسلو، فأنت لا تستطيع في الجوانب الاعلامية والثقافية والسياسية أن ترضي أقل الناس ولو عدلت.
في عام 1989 تلقيت دعوة لزيارة العاصمة القطرية، الدوحة من وكيل الوزارة عبد الرحمن الخليفي، وحضرت هناك تغيير الحكومة.
[/FONT][FONT=Minion Pro (Arabic)]

محمد عبد المجيد
طائر الشمال
أوسلو في 9 يونيو 2007 الساعة السابعة مساءً
[/FONT]
 

It's Me

عضو بلاتيني
أحاول ارسال رسالة خاصة إلى أخي قوس قزح ولم أتمكن، لعل المانع يكون خيرا.
لاحظت غياب الزميل قوس قزح عن المنتدى لأكثر من شهر و نصف .. أستاذنا العزيز .. لعل ظروفه لا تسمح له بمتابعة المنتدى ,, !!

لكن هذا لا يعني أنتفاء هذا الموضوع الجميل .. فنحن من المتابعين لك أستاذي القدير .. !!
 
الحلقة الثالثة والعشرون


الحلقة الثالثة والعشرون
[FONT=Tahoma (Arabic)]
رغم صعوبة عام 1988 وقسوته وتراكم الأزمات فيه وطول نهاراته في العمل في خمسة أماكن تصيب المرء ذا القوة والبأس الشديدين بالارهاق، إلا أن بعض الومضات كانت تسعدني ، وخاصة تأثير إذاعة صوت العرب من أوسلو واكتشافي في نفسي القدرة على تقديم البرامج وقراءة نشرات الأخبار بصوتي وبدون أخطاء لغوية، مرتجلا أو قارئا.
قمت أيضا بزيارة الكويت في هذا العام بدعوة كريمة من الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح وزير الدفاع ( سمو ولي العهد )، وكانت سونيا في التاسعة من عمرها، ومعنا أيضا والدتها، وتركنا مجدي في النرويج مع خالته وكان في الرابعة من عمره.
[/FONT]
[FONT=Tahoma (Arabic)]
عام 1989 مشحون من ألفه إلى يائه، فنشاطاتي الفلسطينية أخذت من وقتي الكثير، وإذاعة صوت العرب من أوسلو منحازة إلى الانتفاضة الأولى، ومجلة طائر الشمال أكتبها من غلافها الأول إلى غلافها الأخير.
زيارتي الأولى لدولة قطر كانت غنية ومشحونة أيضا، وفي وقت الزيارة حدث تغيير حكومي تم بموجبه تعيين الشيخ حمد بن سحيم آل ثاني وزيرا للاعلام . تعرفت في الدوحة على مجموعة من الاعلاميين، وتسابق الكثيرون لاجراء أحاديث صحفية مع أعضاء الحكومة الجديدة ولم يحظ أي منهم بمثل ما حظي به الزميل حسام فتحي مراسل صحيفة ( الأنباء ) الكويتية في العاصمة القطرية.
تمكن في خمسة أيام من اجراء أحاديث مع أربعة وزراء مما أثار غيرة الكثيرين.
وعندما كنا في زيارة صحيفة ( الراية ) التي يترأس تحريرها الزميل أحمد علي حاول الأخير أن يقنع حسام فتحي بأن يختص صحيفته بأحد الحوارات التي أجراها مع الوزراء الجدد، لكن حسام فتحي قال له في حضوري: إنني مراسل ( الأنباء ) الكويتية، وأي نجاح أحققه هو من حق صحيفتي فقط . قال له أحمد علي: لكننا أصدقاء، وقضينا معا وقتا طيبا، ولعلك تتذكر رحلتنا إلى المغرب، ولا تنس أنك في قطر ومن أجريت معهم الحوارات الصحفية هم وزاء قطريون! وكان رد حسام فتحي قاطعا وهي أنها أمانة أخلاقية ومهما كانت الاغراءات فلن يستجيب لها.
قمت أيضا بزيارة ( الشرق ) القطرية وتعرفت على الأستاذ ناصر العثمان وهو أحد الرجال الاعلاميين الذين أحترمهم احتراما شديدا، واستمتع بالحديث معهم، وبدأت علاقة ودية ونشرت لي صحيفته في العام التالي أكثر من ثلاثين مقالا ، وأيضا حديثا هاما مع نيلسون مانديلا وآخر مع أمين الجميل. لم يحذف من مقالاتي حرفا واحدا، ونشر كل ما أرسلته باستثناء مقالين فقط رآهما تجاوزا الخطوط الحمراء في السياسة الخليجية، وهما ( هل تتحدث اللغة الآسيوية ؟ ) و الثاني ( حوار بين سمكتين في قاع البحر ).
خلال فترة الاحتلال العراقي الآثم لدولة الكويت اتصلت بالصحيفة في منتصف الليل مصادفة فردّ الأستاذ ناصر العثمان. قلت له مندهشا: الفجر يقترب من نهايات الليل وأنت مستيقظ ولم تغادر مكتبك؟ قال لي: أخي محمد، كيف يأتيني النوم والكويت التي أحبها محتلة؟
لهذا سارع باصدار ملحق لعبد الرحمن الأبنودي عن ( الاستعمار العربي )، وظل فاتحا صفحات ( الشرق ) لكل مناهض للاحتلال العراقي حتى تحررت الكويت.
كان الزميل حامد عز الدين مديرا لتحرير ( الشرق ) القطرية، وقضى سنوات طويلة في الدوحة، ويعمل كعادته أكثر من ثلثي النهار وليله، ولا يرى أولاده إلا قليلا فقد وهب حياته للعمل الاعلامي. وارتبطنا بصداقة حميمية وتابعت نشاطاته وقدرته الفائقة على صناعة صحيفة من الصفر تحت أحلك الظروف.
بعد فترة عاد إلى القاهرة ليتولى رئاسة تحرير ( الميدان )، ثم جاء الزميل أحمد الجار الله إلى القاهرة طالبا منه أن يعيد صناعة ( السياسة ) بعد أن هجرها الصحفيون المحترفون. وعاد به إلى الكويت.
كان حصان شغل يعمل فيجهد نفسه وصحته، لكنه يجني ثمرات تلك الصناعة التي لا يقدر عليها الكثيرون. هكذا فعل مع ( الدستور ) الصادرة عن مجلس الأمة الكويتي، وكذلك في ( الأنباء ) حتى أنني قمت بزيارة الزميل عدنان الراشد فوجدت حامد عز الدين في الثانية صباحا منهكا من العمل المتواصل، ومحققا لكل صحيفة يعمل بها نجاحات رائعة.
التقيت في الدوحة أيضا بالشاعر فاروق جويدة وسهرنا مع مجموعة اعلامية في الفندق، وأمتعني بحديثه وأذكر قوله للجميع بأنه لو قام كل الاعلاميين والشعراء بزيارة بغداد لتحية صدام حسين فسيظل هو بمفرده الذي يرفض السلام على طاغية.
مرت الزيارة سريعة واكتشفت أن للدوحة صلة قربى بمسقط رأسي، الاسكندرية حيث يتشابه مدخل البحر لقلب المدينه راسما نصف دائرة كالميناء الشرقي ، وبدلا من قلعة قايتباي هناك فندق شيراتون الدوحة.

كنت أجلس مع مجموعة من الاعلاميين في كافتيريا الفندق، ثم فجأة صاح زميل سعودي وهو رئيس تحرير مجلة نفطية اقتصادية، وأمسك بمجلة طائر الشمال في يده، وقال بصوت غاضب جهوري موجها حديثه لي: إن مقالك عن سرقة الدور الكويتي في لبنان هو محض أكاذيب، فالكويت ليس لها أي دور في اخراج اللبنانيين من أزمتهم، ونحن فقط في السعودية القوة القادرة على مساعدة شعب لبنان.
لا أتذكر كل ما قاله، لكن المشهد في ذهني مازال واضحا وهو اعلامي غاضب، تبرز عروق رقبته ويصيح بأعلى صوته، ويسمعه كل الجالسين كأنه يتهمني بجريمة كتابة مقال عن أهمية الدبلوماسية الكويتية في مساعدة اللبنانيين.

لم أكن قد زرت العراق من قبل، ولكن الحاح صلاح المختار مدير الاعلام الخارجي جعلني أستشير أصدقاء قبل الزيارة وكان على رأسهم الصديق رضا الفيلي وكيل وزارة الاعلام المساعد الذي تفهم أسباب الزيارة وطلب مني القيام بها لليلة واحدة على أن أترك متعلقاتي الشخصية في الفندق في الكويت.
حصلت على التأشيرة من سفارة العراق بعدما تردد حامد الملا في أن يمنحني إياها. تركت في الكويت كل ما يمكن أن يثير أجهزة الاستخبارات العراقية خاصة المطبوعات الممنوعة وصور مقالات وغيرها.
استقبلني صلاح المختار استقبالا جيدا ووديا وحَفيّاً وقضيت معه أكثر من ساعتين نتحدث عن الحرب العراقية الايرانية، واكتشفت أن لديه كل أعداد طائر الشمال، بل كان يقرأ كل حرف فيها، وقال لي بأن وزير الاعلام يرسلها إلى الرئيس صدام حسين!
وخلال الحديث جاءت كلماته التي فاجأتني كضيف لديه عندما قال: إننا نعرف أنك تكتب موضوعات حساسة للغاية ومنها مطالبتك بحدود آمنة وثابتة للكويت مع العراق، ومنها أفضال الكويت على العراقيين، وأيضا مقالك تحت عنوان ( موقف عراقي مؤسف ) الذي تنتقد فيه دعم القيادة العراقية لميشيل عون في الأزمة اللبنانية.
ثم أنهى حديثه قائلا: .. ومع ذلك فأنت في قلب بغداد آمن لدينا ولا يمسك سوء.
فهمت الرسالة، وعرفت أنها شدّ أذُن رقيق، وتهديد مبطن، وكرم صدّامي تعلمه تلاميذُ الرئيس فلا يدري المرء الفارق بين الترهيب والترغيب، ولا بين الحلو والمُرّ، فيتصور طعمَ العسل علّقَماً، وطعمَ الملح شهداً.
قبل المغادرة عرض تقديم أيّ هدية اختارها بنفسي كتعبير عما يحمله لي من مودة، فشكرته وطلبت مجموعة من الكتب. وفعلا قمت بجولة مع مسؤول من وزارة الاعلام على بعض مكتبات بغداد، واخترت منها كنوزا في الأدب والشعر والتاريخ، وكان مجموع ما اخترته 120 كتابا قيمّا. بعد أقل من شهرين اتصل بي مسؤول في سفارة العراق بالعاصمة السويدية استوكهولم، وقال لي بأن شحنة الكتب من بغداد لديهم، وأرسلوها بالفعل إلى أوسلو بعد أن قامت السفارة العراقية بسرقة 59 كتابا وتركوا لي 61 رغم أنني قمت بنفسي في بغداد بوضعها في الطرود الأربعة.
[/FONT][FONT=Minion Pro (Arabic)]

محمد عبد المجيد
طائر الشمال
أوسلو في 24 يونيو 2007 الساعة الثانية عشرة ظهرا
[/FONT]
 
الحلقة الرابع والعشرون


الحلقة الرابعة والعشرون
[FONT=Tahoma (Arabic)]
مع قدوم عام 1990 تكون الأزمةُ الماديةُ قد مرّت بسلام، ولكن في نفسي سيظل الحزنُ كبيرا على ( المكتبة العالمية ) وعلى نكث رئيس المحكمة وعده باعطائه خصمي مفتاحها، والتخلص من كل ما فيها بالقائه في صندوق الفضلات وسرقة الأشياء الأخرى.
ليس هناك شيء يملك عليّ كل لحظات حياتي، يقظة ومناما، أكثر من حماية أولادي.
كانت ترعبني وتزلزل كياني أفكار الحماية رغم أنها لم تنعكس قط على سونيا ومجدي.
كانت عيناي مثل عيون الصقر تلتقط الخطر من مسافات بعيدة، وكنت أشمّه، وألمسه، ويلهمني العزيزُ الرحيم لحظات كثيرةً أشعر فيها أنَّ خطرا قد يقترب من أولادي.
القطة تخربش من يقترب من أولادها، لكن خربشتها ناعمة إنْ قمت بمقارنتها بما أشعر به لو مسّ أحدٌ أولادي بسوء.
كنت أعلم ولازلت أن قضاء الله وقدره شيء لا قِبل للانسان به، فلا يغيّره كما لا يستطيع أن يغير حرفا في اللوح المحفوظ ، لكن مهمتي تنتهي عند النقطة التي أبلغ أقصاها للوصول لطرف وحدود القدر حيث تبقى الحماية في يد الله، عز وجل، وهو لم يخذلني أبدا.
[/FONT]
[FONT=Tahoma (Arabic)]
أذكر أنني حذرت مجدي وهو في الخامسة من عمره في دار الحضانة من أحد العاملين، وشرحت له بلطف ودون أي وََجَلٍ كيف يدخل الكبير في عالم الصغار، وكيف تكون اللمسة غير بريئة، وماذا يفعل في مواقف متعددة شرحتُها له باسهاب.
وكان فعلا مُصْغيّا جيدا لي، ومُنَفّذا بمحبة ودون خوف تعاليم رسمتُها له في الخطر. الاعتداء الجنسي على الأطفال في العالم كله جريمة بشعة بكل المقاييس، وقد تحْدُث في دقائق، بل وأمام الوالدين دون أن ينتبها.
[/FONT]
[FONT=Tahoma (Arabic)]
بعد عدة سنوات قال لي مجدي: هل تذكر الرجل الذي حذرتني منه وأنا صغير؟ لقد شاهدته يوم أمس أمام محطة القطارات في تجَمُّع مدمني المخدرات والقوادين !
في سن الخامسة عشرة جاءني مجدي ثم شكرني، وعانقني قائلا: لقد كنتَ أباً رائعا لي، فقد قمتَ بحمايتي بفضل الله طوال سنوات طفولتي ولم يمسّني أيّ سوء من قريب أو من بعيد، وكان يمكن أن يحدث لولا أن الله ألهَمَك برحمته معرفة مكان وزمان الخطر.
كنت أعلم بأنني لو نجحت في تعليم أولادي أن يقولوا (لا) عندما يقول الآخرون (نعم)، فقد قطعت تسعة أعشار الطريق إلى الحماية والتربية السليمة ووضع نبتة طيبة وقوية تظل معهم طوال العمر.
عدم أكل لحم الخنزير لم يكن مشكلة قط، بل حتى والدتهما المسيحية تقرأ على أي مواد غذائية في الخارج أو في السوبر ماركت إن كانت تحتوي على لحم الخنزير أم لا، وإذا كانت هناك قطعة لها أو جاءتها مثلا من أهلها، فإنها تضعها في مكان بعيد في الثلاجة أو تبلغنا جميعا بأنها ليست لنا نحن الثلاثة.
إن قاما معها بزيارة أهلها في غرب النرويج فالكل يعلم أن سونيا ومجدي لا يأكلان لحم الخنزير. تشرح والدتهما للأغراب، خاصة في أعياد الميلاد، بأنهما لا يأكلان لحم الخنزير لأسباب صحية، فيحترم الجميع تلك الرغبة.
أما أنا فأقول الحقيقة وهي أنهما مسلمان، وأكل لحم الخنزير حرام في ديننا.
الخمر هو المشكلة الثانية فتسعة من كل عشرة أطفال تحت الخامسة عشرة تذوقوا الخمر أو احتسوه مع الأهل أو مع الأصدقاء أو في المناسبات والحفلات.
إنه كالماء لا يمكن الاستغناء عنه، وأذكر أن سونيا لم تكن قد بلغت السادسة عشرة من عمرها عندما حضرت عيد ميلاد صديقة وزميلة، وكان للفتيات فقط. قالت لي بعدها بأنها كانت ثاني اثنتين لم ترتشفا نقطة واحدة، أما الآخريات فشربن حتى الثمالة.
كانا بفضل الله يملكان قوة كلمة ( لا ) منذ طفولتهما، حتى وهما في غرب النرويج، وبعيدا عني، وكل أفراد عائلة والدتهما يشربون مع الغداء أو العشاء أو في مناسبة أو احتفال، ولكن هذه الــ ( لا ) فيها من الدين الكثير، وفيها من علاقتي بهما الكثير أيضا.
التربية تبدأ من الحب، وعندما يحب الطفل والديه تأخذ الطاعة شكلا سلسا ومريحا، وتدخل مباشرة إلى الضمير، ولا تحتاج لمئة نصيحة ووعد ووعيد وترهيب وترغيب.
كانا يعرفان أن أباهما حاضر أربعا وعشرين ساعة في اليوم، وإنْ بحثا عني في نصيحة أو رأي أو محبة أو عاطفة أبوّة تُناغم وتنسَجم مع نفس كمية عاطفة البُنوّة فإن العلاقة الصحية الجميلة تتماسك أكثر وأكثر بفضل الله.
كنت أعلم أن الازدواجية في السلوك والنصيحة تصنع الطفل الجبان، وتدفع للمجتمع بشاب يعرف كيفية الفصل بين الايمان والسلوك، فيكذب أو يغش أو يغمض ضميره لبعض الوقت أو يجد مبررات لأخطائه، أو على الأقل يمر بنصائح والده أو والدته مر الكرام.
كنت أخاف على سونيا بقدر خوفي على مجدي، ولا يهمني أن هناك ذكرا وأنثى، لكن هناك جزء من صلبي وجسدي وهويتي وأمانة التربية أمام الله والضمير ونفسي.
في عالمنا العربي يحتل الذكر مرتبة أعلى، وخطيئته يغفرها له المجتمع، وذنوبه يمزح بها الآخرون، وحتى لو شرب ودخّن وكانت له خليلته وتعاطى المخدرات لبعض الوقت، فهو قادر أن يجلس على المقهى ويقص على مسامع الآخرين بصوت مرتفع مغامراته.
منذ عشرين عاما ( تقريبا ) كنا نجلس مجموعة من الأصدقاء المصريين المقيمين في أوسلو. ودار الحوار كالعادة في أمور شتى، ومنها التربية والمجتمع هنا. سأل أحدنا، وهو مثقف وقاريء جيد وشقيقه سفير ودرس في مقتبل شبابه بالأزهر الشريف: لو أنك بين خيارين اثنين، لا ثالث لهما، إما أن ترى ابنتك تبيع جسدها في الشارع في أوسلو أو ترى ابنك، فأيّ الخيارين أصعب؟
السؤال يدخل في عمق فكرة العربي الذي يظن أن الرجل يتطهر بسهولة حتى لو باع طنا من المخدرات وسمّم به آلافا، أو كان زير نساء وحمل معه إلى وطنه مرض الايدز، وأن الفتاة هي رمز لعفة الرجل وليس لعفتها هي.
كل الحاضرين قالوا بأن الأقسى والأصعب والأمَرّ والمفجع رؤية الابنة في موقف كهذا، إلا أنا فرغم عدم تخيلي وتصوري لهذا الشيء إلا أنني قلت بأن الكارثة أن ترى ابنك الشاب في هذا الموقف!
كنت أمام مئات التحديات، لكن العدل يقتضي أن لا يشعر المرء بالاستعلاء والفوقية، فمن حق والدتهما المشاركة والتربية والنصيحة، فهذا مجتمعها، وتلك لغتها الأم، والمسلم الظالم يُنَفرّ الآخرين من دينه.
أذكر بعد الانفصال أن والدتهما اتصلت بي، وكنا في شهر رمضان، وسونيا في السادسة عشرة من عمرها وهي صائمة وتقيم لدى والدتها هذا الأسبوع. قالت لي: أليس الغضب غير مسموح به في شهر رمضان؟ ثم أكملتْ: لقد قلت لسونيا وهي غاضبة ( مشكلة بسيطة ) بأن والدك لم يبد أي غضب عندما كنا متزوجين وكان صائما في شهر رمضان. كانت والدة سونيا تتذكر جيدا عندما كنت أعَلّم سونيا ومجدي فضيلة السلام النفسي والهدوء في شهر رمضان المبارك، وعندما انفصلنا تذكرت والدتهما كل هذه الأشياء. لكن ظل الاحترام لدين أولادها قائما، ولم يرتشفا رشفة واحدة من الخمر أو ياكلا لحم الخنزير أو يأكلا أي شيئ من منتجات اسرائيل.
المرة الوحيدة كانت بُعَيّد الانفصال بشهر أو أكثر وكانا هذا الأسبوع لدى والدتهما. وبعد تناول الطعام قالت لهما: لدَيّ برتقال جيد! فقال لها مجدي (وكان في العاشرة من عمره): لقد علّمنا والدُنا أنْ نُقاطع أي شيء من إسرائيل حتى آخر يوم في حياتنا، ووافَقته سونيا. وخجلت والدتهما من هذا الطلب، ولم يتكرر مرة أخرى( كما حكيا لي فيما بعد لأنني لم أكن حاضرا). منذ أقل من ثلاثة أشهر ( ابريل 2007 ) قالت لي سونيا وهي فرحة: لقد علمتُ أن ماما عادت لمقاطعة إسرائيل كما كانت عندما كنتما متزوجيّن، فقد اكتشفتْ بعد أربعة عشر عاما من الانفصال بأننا كنا على حق، وأرادت أن تبهج ابنها وابنتها بهذا الخبر.
قبل الغزو العراقي للكويت بثلاثة أشهر تلقيت دعوة من صلاح المختار مدير الاعلام الخارجي لزيارة بغداد لحضور المؤتمر الشعبي للتضامن مع العراق 7-10 مايو 1990
أبدى سعد الشمرتي رغبة شديدة في أن أقوم بالطلب من صلاح المختار أن يدعوه أيضا للمؤتمر، وأن نسافر معا إلى بغداد. وفعل رحب ترحيبا شديدا عندما أبلغته بأن سعد أشد بعثية من ميشيل عفلق، وأنه أهم رجالهم في أوسلو .

كان عام 1990 نقطة تحول في حياتي ورؤيتي وعلاقاتي بالكثيرين، خاصة أصحاب قضية عمري التي حملتها معي وأنا في بدايات شبابي، أعني فلسطين. وكذلك نكسة وكارثة وفاجعة الغزو العراقي للكويت بعد ثلاثة وعشرين عاما من اليوم المشؤوم الذي بكيت فيه عندما علمت بهزيمتنا في يونيو عام 1967 وقد أكملت عامي العشرين، وتسربت لكل مسامات الجسد والنفس والروح أوجاع الهزيمة المرة.

وإلى حلقة قادمة بإذن الله

محمد عبد المجيد
طائر الشمال
أوسلو في 14 يوليو 2007
الساعة التاسعة مساء
[/FONT]
 
الحلقة الخامسة والعشرون


الحلقة الخامسة والعشرون
[FONT=Tahoma (Arabic)]
بدأتُ أشعر بالخطر في إذاعة صوت العرب من أوسلو ، وكنت أحمل سلاحا أبيضاً وأدور حول الاستديو بالسيارة عدة مرات حتى أتأكد أنْ لا أحد يراقبني أو يتربص لي، خاصة عندما كنت اصطحب سونيا ومجدي .
سعد تولى المراسلات الداخلية والملفات ، وأنا أقرأ تسعة أعشار نشرات الأخبار والبرامج والتعليقات.
في الغربة تتفاقم وتتصاعد وتزداد مشاعر الغيرة بين المغتربين، وللأسف الشديد بين العرب وأحس أن السبب يعود إلى مباهاة العربي بنجاحه في مقابل فشل صديقه أو زميله.

ذكرتُ من قبل أنني لا أشغل نفسي بالتطير أو التشاؤم أو خرافات صدق أو لا تصدق ولا أقرأ حظك اليوم، ولا أومن بما اعتاد الآخرون عليه من تفسيرات بسيطة لعظائم الأمور كأن يقول المرء بأن يوم الجمعة الثالث عشر يوم مشؤوم، أو يظل قلقا لأن فلانا تفلق عيناه الحجر وهو يخشى حسده.
لكن التليباثي أو التخاطر عن بعد من الأشياء الغربية والطلسمية، وكنت دائما قريبا منها وقد مارستها عدة مرات وقرأت عنها كثيرا.
ذكرها أيضا المرحوم سيد قطب في تفسيره ( في ظلال القرآن الكريم ) عن حادث عندما كان في الباخرة وتلقى رسالة خاطرية عن مريض عزيز لديه.
في سن الخامسة عشرة ، أي عام 1965، كانت شغاف قلبي تتحرك وتهتز في أول قصة حب افلاطونية عفيفة ومن طرف واحد. شاهدتها للمرة الأولى وهي تغادر منزلنا بسرعة بعد زيارة شقيقتي الكبرى التي كانت تعمل مصممة أزياء . لم أشاهدها في الواقع ولكن لمحتها، والتصقت الصورة في الذهن، بل في كياني كله في أقل من بضع ثوان.
وحدث ما حدث وهي القصة التي بدأت مع الكون وستنتهي معه، أي قصة الحب، لم أحدثها مرة واحدة، بل لم أسمع صوتها قط.
في احدى المرات حلمتُ برقم هاتف كأنه رقم بيتها، واستيقظت من النوم وهو على لساني. اسرعت إلى صديق عزيز لي وحكيت له قصة الحلم وأنا واثق أن رقم الهاتف لم يكن أضغاث أحلام.
أدار قرص الهاتف وكأنه يدير معه رأسي، فرَنّ في الناحية الأخرى وسمعته في الجهاز وفي داخلي. كانت المفاجأة وهي أن الرقم صحيح ، وتلك أولى تجاربي مع التخاطر عن بعد، ثم اشتريت كتاب هارولد شيرمان ( حواسك الزائدة في خدمتك ) ، وقمت مع صديق آخر يمارس أيضا التخاطر عن بعد بعمل عدة تجارب وكانت النتيجة مذهلة.
في نهايات عام 1970 كنت أقيم في شقة بمدينة طنطا للدراسة هناك. كانت جديدة ومفروشة وقريبة من الجامعة وفي أرض زراعية واسعة على مدى البصر.
قرر صديقي ( الذي يمارس التخاطر عن بعد ) مع آخر القيام بزيارتي دون معرفة عنواني. استقلا آخر قطار من الاسكندرية، ويبدو أنهما وصلا إلى طنطا، ثالث أكبر المدن المصرية، في الثانية صباحا أو قبلها أو بعدها. كان صديقي واثقا أنه سيعثر علي دون معرفة العنوان، فبني وبينه علاقة صداقة أوثق من علاقة الرحم. قاما بعمل جنوني وهو التوجه إلى المزارع في ظلام الليل وجعلا يناديان ، ويركز هو بكل ما يملك من قوة ذهنية في أن يوقظني من نومي حتى لو كانت النافذة مغلقة ولا يعرف عنواني وليس واثقا من أنه قريب من البيت.
تسلل صوته إلى منامي، ثم انتقل الحلم إلى شبه اليقظة، ثم التقى خاطرانا، فقفزت من الفراش، ثم فتحت النافذة وناديت عليه. حتى هذه اللحظة، أطال الله في عمره، نتذكر هذا الحادث التليباثي الرائع.
صديقي جان جاك السويسري العاشق لتعلم اللغات، والذي يجيد تسع عشرة لغة قراءة وكتابة، قرر أن يتعلم اللغة الايرلندية، وقبل سفره سألني إن كنت أحب أن يشتري لي شيئا معينا! طلبت منه شراء كاست فرقة كلانارد [/FONT]clannard[FONT=Tahoma (Arabic)] ففيها أجمل صوت نسائي سمعته في حياتي.
وفعلا بعد أربعة أشهر عاد، وأهداني أربعة كاستات لفرقة كلانارد، وفيها أغنيتي المفضلة والتي لا أفهم منها حرفا واحدا فهي بالايرلندية. استمعت إليها كثيرا، وظل هذا الكاست الأقرب لي من كل ما لدي من موسيقى وأغنيات.
في خريف عام 1985 وكنت أقف في ( المكتبة العالمية ) دخلت فتاة أمريكية وقد وضعت في حقيبتها ديسكمان تخرج منه سماعتان وضعتهما في أذنيها. تجولت في المكتبة قليلا، وهي بلغات مختلفة وأغلب الظن أنها لم تجد ما تبحث عنه، وربما كان فضولا فقط. تحدثت قليلا معها، ثم دعوتها لارتشاف فنجان قهوة في المكتب الصغير داخل المكتبة. سألتها ما الذي دفع بها إلى العبور من الشارع الآخر، ثم التوجه إلى مكتبة لا تثير اهتمامها، وهي سائحة والجانب الذي تقع فيه مكتبتي ليس به غير مطفم في المبنى المجاور.
قالت لي: لقد كنت أستمع إلى أغنية، وجاءني دافع قوي يقول لي بأن أعبر الشارع، وأتوجه إلى المكتبة، وأعثر عليك لتستمع لهذه الأغنية.
في لحظات قليلة انتابني نوع من الخوف كأنني أشاهد فيلما من أفلام الرعب ( بالمناسبة ألفريد هتشكوك استخدم التخاطر عن بعد في أحد مشاهد أفلامه ).
أعطتني السماعتين الصغيريتن، ووضعتهما في أذني بحذر شديد وتوجس أشد، وكانت مفاجأة المفاجآت: إنها الأغنية الايرلندية التي أهداني إياها جان جاك قبل هذا الحادث بعشر سنوات!
لم أصدق المشهد كله، لكن الفتاة التي جاءتني كأنها عفريت من الجن لأقل من نصف ساعة، ابتسمت، وغادرت المكتبة وتركتني في حيرة مما حدث. اتصلت فورا بجان جاك في جنيف، وقصصت عليه تفاصيل الحكاية .
عام 1990 نقطة تحول خطيرة.
سافرت إلى بغداد مع سعد وابنه الصغير واستقبلنا المضيفون من وزارة الاعلام العراقية، وكان ذلك في الرابع من مايو عام 1990.
بعد وصولنا إلى فندق المنصور بأقل من ساعة قال لي سعد بأنه تم تفتيش حقائبنا في الغرفة! قلت له لكنني أغلقت حقيبتي، ومعي المفتاح. قال لي بأن المخابرات العراقية قادرة على معرفة كل ما يحمله ضيوف العراق ولو وضعوها في بروج مشيدة.
كان ضيوف المؤتمر الشعبي للتضامن مع العراق حوالي 2500 شخص منهم 550 من مصر فقط، وعدد هائل من الكويت ومن كل الدول العربية ورؤساء وفود على مستوى رفيع باستثناء لييبيا وسوريا.
في اليوم الذي ألقى فيه صدام حسين كلمته، دخلتُ قبل الموعد بوقت طويل. وطلب مني حارس الأمن أن التقط صورة للحائط حتى يتأكد من أن ما أحمله كاميرا حقيقية. عندما وصل صدام حسين، كان السفير الشاعر أحمد السقاف يلقى كلمته، فتوقف. ثم مر صدام حسين في دائرة قريبة من مقاعد الحاضرين، ومد يده ليسلم على البعض. كان يختار بعينين لا تدري إن كان يختبر الآخر أو يريد التأكد من أنه في أمان. أمتار قليلة قبل أن يقترب من الصف الذي أقف فيه، فجأة أمسكت يد قوية بذراعي، وقال لي أحد الحراس بصوت خشن غير ودي بالمرة: يجب أن لا ترفع الكاميرا فوق مستوى رأس السيد الرئيس!
ثم اقترب صدام حسين، ومد يده وصافحني، لكن للحقيقة فإن عينيه كانتا قادرتين على النفاذ لعيني الشخص الآخر كأنه يُحذره من الاقتراب أكثر.
جلس في مقعده، وطلب من الشاعر الأستاذ أحمد السقاف أن يُكمل كلمته.
أخرجت ( عدة الشغل ) ، وكان معي زوم للكاميرا متقدم جدا، بل أستطيع على مسافة كبيرة أن ألتقط بوضوح مسامات الوجه وما يخفيه. لم يعاتبني أحد، وظللت ألتقط الصور، وكنت في الصف الثالث أو الرابع ( على ما أظن ) ، وظننت أنني حصلت على مجموعة من الصور الهامة لأرشيف المجلة.
في اليوم الثاني للمؤتمر جلس بجانبي أستاذ جامعي مصري، وعندما علم أنني مقيم في النرويج قال لي بلهجة ساخرة في أقصى درجات التهكم: ماذا تفعل هنا؟ أظن أنك لا تعرف شيئا عن العالم العربي !
في هذه اللحظة تولدتْ لدي فكرة القاء كلمة أمام المؤتمر رغم أن اسمي ليس مسجلا ضمن الخمسين شخصا الذين سيلقون كلماتهم في كل ايام انعقاد المؤتمر.
اليوم الثالث كان سعد يجلس بجانبي، وكتبت على عجل كلمة ممنيا النفس أن ألقيها أمام هذا الحشد الكبير. قمت بايصال رغبتي في ورقة صغيرة تم تمريرها لرئيسة هذه الجلسة وكانت الدكتورة الشاعرة سعاد الصباح، ولم أنوقع أن توافق لكثرة عدد الراغبين في الحديث.
في المؤتمر تعرفت على عدد كبير من المفكرين والمثقين ورؤساء الأحزاب، وأذكر حديثا غريبا مع السيد أحمد الصباحي رئيس حزب الأمة المصري، وكان يرتدي طربوشه الملازم لرأسه في كل المناسبات. تحدثنا عن الوضع في مصر، وفي معرض الكلام عن رؤيتي لأهمية الضرائب في زيادة دخل الدولة مما ينعكس ايجابيا على الخدمات، وضربت مثلا بالنرويج التي هي من أغنى دول العالم، لكن الضرائب تحقق دخلا لا يقل عن النفط والتجارة وصناعة السفن وصيد الأسماك.
رد أحمد الصباحي قائلا: إنني أملك الحل السحري لتصبح مصر أغني بلاد العالم وهو أن تلغى الضرائب ونكتفي بالزكاة! قلت له ولكن الغاء الضرائب يحمل كارثة اقتصادية، فرد قائلا: ولكن الزكاة فيها البركة وهي ستقوم بتعويض الشعب المصري عن مليارات تقوم بتحصليها الدولة من الضرائب!

تحول المؤتمر إلى حالة عربية، لا أحد يستمع إلى الآخر، والضيوف ينسحبون للثرثرة في الردهات، أو يهمسون في أحاديث جانبية، أو يخرجون للتدخين.
الدكتورة سعاد الصباح تقول بأننا سنستمع الآن إلى كلمة رئيس تحرير مجلة طائر الشمال الصادرة في النرويج، فكيف لهذا الجمع الذي أصيب بالملل أن يجلس وينصت إلى شخص لا يعرفونه؟
[/FONT][FONT=Minion Pro (Arabic)]

وإلى حلقة قادمة بإذن الله
محمد عبد المجيد
طائر الشمال
أوسلو في 19 يوليو 2007
العاشرة مساءً
[/FONT]
 
الحلقة السادسة والعشرون

[FONT=Tahoma (Arabic)]
عودة إلى موضوع التخاطر عن بعد أو التليباثي بعدما تذكرت حادثا مرتبطا بها، فقد قمت بزيارة لندن، وعلمت أن الأستاذ حمد الرومي وكيل وزارة الإعلام بدولة الكويت مريض، وسألت عنه في السفارة الكويتية فقيل لي بأنه في فندق دورشيستر، فتوجهت إلى الفندق لزيارته.
كان عزيزا لدى، وأول من استقبلني بحرارة شديدة بعد تحرير الكويت، وقال لي بتأثر شديد بأنه يقدم لي الشكر باسم كل كويتي على موقفي.
في الفندق استقبلني بنفس الود الذي عهدته منه، وهناك التقيت بالصديق العزيز والكاتب القومي الكويتي عبد الله أحمد حسين الرومي، وقضينا وقتا ممتعا ومفيدا فيه الكثير من الهموم الكويتية تجاه الجار الشمالي .. العراق.
كان الأستاذ عبد الله الرومي يعالَج في ألمانيا وهو في زيارة للعاصمة البريطانية، وكأنهما ( رحمهما الله) التقيا لقاء وداع، ليودع كل منهما الآخر، ويودع كل منهما الدنيا.

مرة ثانية في لندن بعد فترة من الوقت، وبعدما اشتريت مجموعة من الكتب من مكتبة الكشكول، ثم من مكتبة فوتو فيديو في ادجوار رود وبعض الأفلام الفيديو، عدت إلى الفندق ووضعتها هناك واخترت من بينها كتابا واحدا صغير الحجم، فلم يحدث مرة واحدة أن خرجت من البيت أو الفندق دون أن يكون معي كتاب حتى لو ذهبت إلى طبيب أو المستشفى أو العمل أو التنزه أو ...
توجهت إلى المستشفى لزيارة الأستاذ حمد الرومي، وتسللت على أطراف أصابعي إلى غرفته فوجدته نائما. خرجت بسرعة ، وفي الردهة شاهدت ثلاث سيدات كويتيات بالقرب من غرفته. استوقفتني احداهن لتسألني عن صلتي بالمريض، وطلبن مني الجلوس. قضيت حوالي ربع الساعة معهن نتحدث عن مآثر هذا الرجل الكبير والطيب والاعلامي المرموق والانسان الوطني.

أرجو أن لا تخونني ذاكرتي في الاسم ولكن يبدو أن التي استوقفتني قدمت نفسها باسم السيدة نورية الرومي ( ربما أكون مخطئا هنا ) . فجأة سألتني: هل تعرف أنني أبحث عن كتاب الدكتور نصر حامد أبي زيد ( نقد الخطاب الديني ) ؟ كان السؤال مدهشا لي فهو غير مرتبط بأي حديث عن الكتب ، وكانت كأنها قرأت فكري وعرفت أن حقيبتي الصغيرة بها هذا الكتاب الصغير الحجم الذي اخترته من دون الكتب كلها التي اشتريتها صباح اليوم لأقرأ فيه في الطريق أو الحافلة أو المترو.
سألتها عن سبب السؤال المفاجيء ، فلم تعرف السبب، لكنه قفز إلى ذهنها فألتقطه لسانها .
في كتاب ( الانسان ذلك المجهول ) يشير الكسيس كاريل الذي حصل على جائزة نوبل في علم وظائف الأعضاء عام 1939 إلى ما حدث قائلا: بأن بعض الناس ( تعرف ) أشياء فتبدو للآخرين كأنها طلاسم أو ألغاز أو تنجيم ، لكن لا تفسير لهذه الظاهرة.
المؤتمر الشعبي في العراق، والدكتورة الشاعرة سعاد الصباح تقدمني لالقاء كلمتي. الحاضرون شبه غائبين وغير مكترثين بالكلمات التي يلقيها الضيوف والمسؤولون ورؤساء الجمعيات والأحزاب، فكيف سينصتون لهذا الطائر الشمالي الذي لا يثير أدنى اهتمام لديهم.
وقفت على المنصة وتفرست في وجوههم لتسري فجأة في كل أوصالي شحنة كهربائية من الشجاعة لم أعرف لها سببا. كانوا وأنا جالس بينهم كبارا، فأصبحوا وأنا أمامهم في أحجامهم الطبيعية. تحول الهمس بينهم إلى فضول، وزادت لحظات الصمت وأنا أنظر إليهم. ثم قلت: كنت أتمنى أن يكون الحاضرون أكثر عددا من الواقفين خارج القاعة، ولكن يشفع لنا أن قلة مستمعة قد تكون خيرا من كثرة غير مستمعة.
وهرول الواقفون في الردهات عائدين إلى مقاعدهم، وران صمت على القاعة ضاعف شحنة الشجاعة التي أتتني من حيث لا أدري.
وتحدثت عن السلطة والصحافة، وقاطعني التصفيق الحاد ثمان مرات. وبعدما انتهيت من القاء كلمتي تمنيت وقتها أن ألقي بجسدي فوق فراش واستريح، فقد اختفت كمية الشجاعة الهائلة لتحل محلها وسوسات خوف وكأن الذي ألقى الكلمة كان شخصا آخر.
التف حولي الكثيرون يسألونني عن كيفية القاء هذه الكلمة في قلب بغداد. كانت هي المرة الثالثة والأخيرة، فالأولى عندما قال لي صلاح المختار في 12 سبتمبر 1989 بمقر وزارة الاعلام في بغداد بأنني أتحدث في أمور حساسة وخطيرة وأهمها الحدود الكويتية الآمنة وأفضال الكويت على العراقيين. والثانية بعدما اختارني لطيف نصيف الجاسم من بين 250 صحفيا جاءوا بغداد لتغطية الانتخابات الكردية، واستقبلني استقبالا خاصا، ثم بعده بنصف ساعة كان يعقد المؤتمر الصحفي، ورفعت يدي لأسأله عن تخلف الصحافة العراقية مقارنة بالكويتية والمصرية. واتسعت عينا الوزير العراقي، وهمس في أذني مندوب مجلة ( كل العرب ) التي كان يصدرها ياسر هواري في باريس قائلا: حتدوينا في داهية يا استاذ محمد !
فهمت أنني أصبحت هدفا لعيون الاستخبارات العراقية، وكلما تجولت في مكان أو دخلت مكتبة التصق بي عدة أشخاص كأنهم يريدون أن يسمعوا نبضات قلبي أو يقرأوا أحلامي.
عدنا إلى أوسلو ، وحدث ما ذكرته من قبل عن احراق النيجاتيف للأفلام التي التقطها لصدام حسين بعدما اصطحبنا كمال ناجي الاستخباراتي الذي أدعى أنه استاذ جامعي، وجاء معنا إلى المطار.
تنفست الصعداء في أوسلو وفهمت أن زيارتي تلك كانت آخر عهدي بالعراق، وإذا سافرت مرة أخرى فلن أعود حياً.
صدق حدسي فقد اتصل بي مسؤول من السفارة العراقية في السويد قائلا بأنني مدعو لتغطية مؤتمر القمة العربي في 31 مايو 1990، فأعتذرت برفق ولطف تماما كما أعتذرت عن دعوة تم توجيهها إلى لزيارة الجماهيرية الليبية ولقاء العقيد معمر القذافي.
جاءني اتصال هاتفي من العاصمة الدانمركية كوبنهاجن ليقول لي صاحبه بأن هناك دعوة لعدد قليل من الصحفيين لزيارة الجماهيرية ولقاء الأخ العقيد معمر القذافي( رغم انتقاداتي ).
الانسان ليس رؤية من الخارج فقط ولكن من الداخل أيضا، وقد تصل الرسالة كأنها عناية إلهية أو تحليل منطقي لأحداث غير منطقية.
أحسست بنوع من الخوف بعد هذه المكالمة، ثم وصلتني الدعوة وكانت بدون توقيع. واتصل بي نفس الشخص مرة أخرى ليسألني عن وصول الرسالة، وعن قبول يالدعوة فأزدادت مخاوفي، فهناك أحيانا نوع من الترددات أو التموجات التي تختلط بصوت رجل الاستخبارات ولا يستطيع لها شيئا. قلت لنفسي: إن كان صادقا فعلا فسيرسل لي تذكرة الطائرة لأنها دليل على أن الدعوة جاءتني من ليبيا. قلت له: شكرا على الدعوة، فهل أتسلم تذكرة السفر قريبا؟ رد قائلا: يمكن أن تشتريها بنفسك من أي شركة طيران وسنقوم بتسليمك قيمتها فور وصولك إلى مطار طرابلس الغرب!
حملت همومي وذهبت إلى صديق عزيز وهو دبلوماسي مصري يحتل الآن منصبا كبيرا جدا وشرحت له الحكاية كلها فحذرني من السفر إلى ليبيا، وقال لي بأنه فخ للايقاع بك، وإذا اختفيت في ليبيا فقد اختفيت من الوجود.
أعتذرت عن الدعوة بحجة أسباب عائلية، ومرت الأمور بسلام، وبدأ الموضوع يحتل مكانه في أرشيف النسيان.
بعد عام أو أكثر أبلغني صديق عزيز ومقيم في كوبنهاجن بأنه كان في سهرة ( ونس ونرجيلة وأحاديث غير دبلوماسية ) فقال له السفير الليبي : في العام الماضي نجا محمد عبد المجيد من دعوة وجهناها له، وقد أردنا أن نشد له أذنه في ليبيا حتى يتعلم أدب الكتابة عن العقيد والجماهيرية!
وحمدت الله فقد نجوت من مصير الإمام موسى الصدر ومنصور الكيخيا وغيرهما.
الأسابيع التي تلت مؤتمر القمة العربي في العراق كانت حاسمة، وأي مراقب للمشهد لو قام بتجزئته لوصل إلى نفس النهاية التي حدثت ...
قبل الغزو العراقي للكويت بعدة أيام لم يكن لدي أي شك في أن شيئا خطيرا سيحدث، وأن خطبا جللا سيطيح بالهدوء المزيف في المنطقة بعدما سكتت المدافع العراقية والايرانية. شعرت بأن نية عدوان مبيت على الكويت بدأت تلوح في الأفق رغم أحاديث الطمئنة التي تغطي كل الحوارات.
قررت كتابة خطاب مطول للرئيس العراقي أحدثه فيه عن الكويت، وعما فعله هذا البلد الصغير من أجل العراق، وكيف كان يغلق حدوده ليفتحها ليلا لتمر المعونات للعراقيين من خيرات الشعب الكويتي. اتصلت بصلاح المختار وطلبت منه أن يقوم وزير الاعلام بايصال الرسالة الفاكس للرئيس صدام حسين .
بعد أقل من ثلاثة ايام كان القائم بالأعمال العراقي في أستوكهولم يتصل بي في المنزل، ويقدم لي شكره العميق على ( الروح القومية ) في الخطاب الذي تسلمته القيادة في العراق، وقال لي: نعرف أنك تخاف على الكويت، ولكنني أوكد لك بأننا قوم لا نغدر ! كان دهاء القام بالأعمال العراقي في مقابل سذاجتي، فهو رجل استخبارات، وأحسب أنه كان يعلم أنني سأقوم بايصال الرسالة. وفعلا اتصلت بالأستاذ وليد الخبيزي في سفارة الكويت في لندن ( مدير إدارة المراسم بوزارة الخارجية حاليا ) وقلت له مهللا: لدي أخبار سعيدة! لقد أبلغني المسؤول الأول في سفارة العراق بالسويد بأنهم قوم لا يغدرون. رد علي الصديق الدبلوماسي قائلا: أخبار مبهجة فعلا وسأبلغ وزارة الخارجية فورا.
علاقتي بالأستاذ وليد الخبيزي كانت رائعة وكلها ثقة وقد بدأت بعدما أصدرت جهة معادية للكويت في لندن نشرة مشبوهة تحت عنوان ( النداء ) خصصتها للهجوم على الدبلوماسي الكويتي، وقمت بالرد على النشرة في طائر الشمال، وفندت أكاذيب المقال الذي كان يهدف إلى تسريب شائعات مغرضة وغير أخلاقية للنيل من الأستاذ وليد الخبيزي. وتلقى بعض النواب في الكويت الخبر الذي وصلهم من الجهة المجهولة والتي أصدرت عددا واحدا يتيما من نشرتها لهذا الهدف. وبدأ الهمس يصبح صوتا عاليا، وسكرتير أول السفارة يحاول الدفاع عن نفسه، ولكن النواب أبطال في الهجوم على أي شخص يختارونه وكأن الناس كلهم في منصة الاستجواب. وهنا حدثت مفاجأة قصها علي وليد الخبيزي نفسه، فقد وقف سمو الشيخ سعد العبد الله السالم الصباح وأمسك مجلة طائر الشمال في يده، وقال لبعض النواب: أليس من المعيب أن تهاجموا دبلوماسيا كويتيا دون سند أو وقائع، ويدافع عنه صحفي مصري؟ وأحرجت كلمات سمو الشيخ سعد النواب فصمتوا، وحملها لي وليد الخبيزي منذ ذلك الحين، وتوطدت علاقتي به.
بعد يومين أو ثلاثة من اتصال رئيس البعثة الدبلوماسية العراقية في السويد بي، شق فجر أسود من ليل بات الفرقاء فيه متفائلين على أكبر عملية غدر في منطقتنا منذ الخامس من [/FONT][FONT=Tahoma (Arabic)]يونيو عام 1967
وزحف الأشقاء على جارتهم الصغيرة كأن هولاكو استيقظ من قبره وقاد الهجوم.
وكان الثاني من أغسطس عام 1990 يوم أن بكت السماء على معظم أدعياء الوفاء والاخلاص والصداقة ....
وللحديث بقية بإذن الله

محمد عبد المجيد
طائر الشمال
أوسلو في الثاني من أغسطس 2007 في الحادية عشرة مساء
[/FONT][FONT=Minion Pro (Arabic)]
[/FONT]
 
تأخرت

الأخت العزيزة مها حفظها الله
شكرا جزيلا على اهتمامك الكريم، أما تأخري فكان لعدة أسباب أهمها:
سافرت إلى اليونان مع ابني الصغير لمدة أسبوع بعيد كتابتي الحلقة السابقة.
انشغلت بعد عودتي في اصدار عدد جديد من طائر الشمال وهو يستغرق وقتا طويلا لأنني أكتبها بمفردي.
جاءني عرض لنشر كتابي الثامن في النرويج في مطبعة الكترونية على أن أقدم لهم الكتاب جاهزا على سي دي، وفعلا انتهيت من تجميع مواد الكتاب وهو تحت عنوان ( وقائع محاكمة سيد القصر .. كتابات ممنوعة ) وسأدفع به إلى المطبعة في الأسبوع القادم بإذن الله بعد كتابة المقدمة، ثم ترجمته إلى النرويجية ( الكتاب بالعربية ) .
لكنني سأنشر الحلقة الجديدة قريبا جدا بإذن الله مع العلم أن منتداكم الموقر هو المكان الوحيد الذي أنشر فيه تلك الذكريات ( في الوقت الحالي على الأقل ) .

مع مودتي وتحياتي الصادقة.
والله يرعاك.

محمد عبد المجيد
طائر الشمال
أوسلو النرويج
 
الحلقة السابعة والعشرون

الحلقة السابعة والعشرون

[FONT=Tahoma (Arabic)]بعض الصدمات تحتاج إلى وقت لاستيعابها، وبعض الصدمات تحتاج إلى وقت لامتصاصها، ولكن هناك صدمات عصيّة على الاستيعاب والامتصاص، وحتى النسيان، وكان يوم غزو الكويت من تلك التي تلتصق بالذاكرة فلا تبرحها ما دمتَ حيا.[/FONT]
[FONT=Tahoma (Arabic)]كل الدلائل كانت تشير إلى وصول جحافل الغدر لقلب الكويت، وهنا بدأ خط الهزيمة العربية ي الظهور على وجوه وأحاديث ولغة وحوارات النخبة أو الصفوة التي كان من المفترض أن لا تنتظر ساعة واحدة لتعلن موقفها واضحا لا لبس فيه، ولا يحتاج لتأويل.[/FONT]
[FONT=Tahoma (Arabic)]فشلت صباح يوم الثاني من أغسطس في الاتصال بالكويت، فكتبت رسالة فاكس على عجل وحاولت ارسالها للشيخ ناصر محمد الأحمد الجابر الصباح وزير الدولة للشؤون الخارجية ( سمو رئيس الوزراء )، وسمعت صوت فتح الفاكس في الناحية الأخرى، ثم توقف فجأة، وانقطع الخط، ففهمت أن هناك من تنبه لوجوده فقطع الخط فورا.، أي أن قوات الاحتلال احتلت وزارة الخارجية، وكان ذلك قبل التاسعة صباحا.[/FONT]
[FONT=Tahoma (Arabic)]اتصل بي سعد صديقي ، وأيضا زميلي في إذاعة صوت العرب من أوسلو، وسألني عن وجهة نظري فيما حدث ![/FONT]
[FONT=Tahoma (Arabic)]وكأن الأمر يحتاج إلى وجهات نظر قابلة للاختلاف والاعتراض والحوار والجدال، وأن يثبت مؤيدو الغزو والاحتلال أن الغدر أمر من السماء، وأن الملائكة تُحلق فوق رؤوس القتلة، وأن هؤلاء الهولاكيين جاءوا لانقاذ الشعب الكويتي من براثن الاستبداد والسجون والمعتقلات إلى الحرية والجنة والأمان في ظل جمهورية البعث الصدامية.[/FONT]
[FONT=Tahoma (Arabic)]قلت لسعد: وهل تحتاج فعلا لمعرفة موقفي ونحن قد قضينا ثلاث سنوات ونصف السنة نقرأ من الصحافة الكويتية في إذاعة صوت العرب من أوسلو، وأنت بنفسك تغزلت أمامي في الكويت عدة مرات وطلبت مني أن أتوسط لدى وزارة الاعلام الكويتية لكي توجّه لك دعوة بعدما توسطت لدى صلاح المختار فوجّه لك دعوة لزيارة بلدك؟[/FONT]
[FONT=Tahoma (Arabic)]كأن صديقي القديم اختفى فجأة ، أو ذاب أو انصهر أو ابتلعه باطن الأرض ليحل محله شخص جديد تماما لم أعرفه من قبل، ولم تقع عيناي على مثله قط.[/FONT]
[FONT=Tahoma (Arabic)]قال لي سعد وكأنه يلقي بصخرة صماء في أذني فيحطم طبلتها ويحيلني إلى أصم لا يعرف إلا لغة الشفاه: لقد عادت الكويت لنا، وعاد لنا جنوبنا الذي احتله الكويتيون![/FONT]​

[FONT=Tahoma (Arabic)]في المساء كان لي حديث مطول مع مثقف وشاعر وأكاديمي وهو صديق عزيز كنا نتحدث لسنوات طويلة عن هموم الأمة كأننا سنحررها من أوسلو. لو نطقت أذناي لكذبتا ما تسمعه وظننت أنا أن بها خللا أو نصف صمم[/FONT]
[FONT=Tahoma (Arabic)]قال لي: لقد انتهت الكويت إلى الأبد ، وأراك تكاد تبكي على نصف مليون كويتي ولا تريد أن تفهم أن من أجل الدولة القومية الكبرى تهون كل التضحيات![/FONT]
[FONT=Tahoma (Arabic)]قلت له: وكأنك كفلسطيني تعطي مبررا للاسرائيليين بدعمك الاحتلال الغريب سواء كان عربيا أو اسرائيليا أو أمريكيا أو ... [/FONT]
[FONT=Tahoma (Arabic)]هل نسيت بالأمس القريب أحاديثنا عن الدور الثقافي الكويتي، وعن مطبوعات الكويت وفصلياتها ودورياتها ومثقفيها وشعرائها الذين كنت تمتدح فيهم؟[/FONT]
[FONT=Tahoma (Arabic)]اتسعت في ساعات قليلة الهوة بيني وبين أصدقاء كثيرين كنت أظنهم سيبادرون قبلي بادانة هذا الغدر فإذا بكل منهم يحمل في صدره صدام حسين، وفي قلبه كمية هائلة من الاستبداد والقسوة تكفي لتدمير النفس.[/FONT]
[FONT=Tahoma (Arabic)]اتصل بي القائم بالأعمال العراقي من العاصمة السويدية، فقلت له ساخرا: ألم تقل لي بأنكم قوم لا تغدرون؟ رد ببرود شديد قائلا: إنني أتفهم مشاعرك تماما ومودتك للكويت، ولكن الكويتيين هم الذين غدروا بنا، وسرقوا نفطنا من الحدود، ويمكنني أن أبعث إليك وثائق وأدلة من مؤتمرات عربية، بل يمكن أن أعجّل لك بدعوة لزيارة بغداد لترى بنفسك، وتسمع حقائق العدوان الكويتي على العراق![/FONT]
[FONT=Tahoma (Arabic)]قلت له: هذا فراق بيني وبينكم، ومن الآن فأنا سأجند كل امكانياتي المتواضعة، من الاذاعة والمجلة والمظاهرات والأحاديث للدفاع عن الكويت المحتلة حتى تعود إلى أهلها، وليس لي أي علاقة بالعراق.[/FONT]
[FONT=Tahoma (Arabic)]انتهى الحديث، ويبدو أنه اتصل بزميلي سعد في الاذاعة وأبلغه أن يأخذ حذره مني.[/FONT]
[FONT=Tahoma (Arabic)]كانت الصورة في أوسلو قبيحة كأنها امرأة ظلت تدّعي العفة والفضيلة لسنوات ثم اكتشف الناس أنها تدير بيتا للبغاء.[/FONT]
[FONT=Tahoma (Arabic)]عرب ومسلمون من كل الجنسيات يقفون مع ارهاب صدام حسين، ومظاهرات تخرج من مراكز اسلامية في الدول الاسكندنافية ضد الكويت وبأموال كويتية. وكان موقف الفلسطينيين هنا هو الأكثر استدرارا للبكاء على أصحاب أطهر قضايا العرب.[/FONT]
[FONT=Tahoma (Arabic)]هل هناك فلسطيني لم يكن له قريب أو صديق أو أحد معارفه في الكويت؟[/FONT]
[FONT=Tahoma (Arabic)]ألم تكن هناك دولة فلسطينية فوق أرض الكويت؟[/FONT]
[FONT=Tahoma (Arabic)]أذكر أن الشيخ سلمان دعيج الصباح وزير العدل السابق قال لي ونحن نسير في شوارع العاصمة النرويجية في منتصف شهر ديسمبر عام 1990 بأن الكويتي كان يلجأ للفلسطيني لكي ينهي له معاملاته، وجرت العادة إنه إذا اختلف فلسطيني وحامل أي جنسية أخرى فإن الحق كان دائما فلسطينيا![/FONT]
[FONT=Tahoma (Arabic)]قبل الغزو الآثم بفترة كان الشاعر محمود درويش في زيارة للشاعر السفير أحمد السقاف في بيته بالكويت. وخلال نقاشهما عن هموم الشعر والشعراء سمعا أصواتا في الخارج وموكبا لشخصية مهمة يقترب من البيت، فلما سأل الشاعر أحمد السقاف، قيل له بأن أبا عمار في زيارة للكويت ويريد أن يقوم بزيارتك.[/FONT]
[FONT=Tahoma (Arabic)]كانت الزيارة مفاجأة، وخلال اللقاء الودي سأل محمود درويش أبا عمار ( رحمه الله ) عن أمر معين يتعلق بقضية وطنية فرد عليه ياسر عرفات مشيرا إلى الشاعر السفير أحمد السقاف: لا تسألني أنا ولكن وجه سؤالك للاخوة في الكويت، فالكويت هي أمنا جميعا![/FONT]
[FONT=Tahoma (Arabic)]وكان أبو عمار ( رحمه الله) أول من غدر بالكويت، وقال مرحى للحرب، وطالب باجراء انتخابات كويتية نزيهة ليختار الكويتيون شرعيتهم.[/FONT]
[FONT=Tahoma (Arabic)]لم أصدق ما أراه وأسمعه، فأنا هنا أقوم بنشاطات ومظاهرات لصالح فلسطين وضد اسرائيل منذ عام 1978 حتى أنني اختلفت مع سفير فلسطين في أوسلو عندما حصلت من الشرطة النرويجية على تصريح بمظاهرة كبيرة في قلب العاصمة وفي مكان استراتيجي في منتصف يوم سبت، وطلب مني السفير الفلسطيني أن أرفع شعارات منظمة التحرير الفلسطينية، ورفضت، فرفعت شعارات مناهضة للكيان الصهيوني العنصري.[/FONT]
[FONT=Tahoma (Arabic)]كان مشهدنا، سعد وأنا، دراميا وكوميديا من الدرجة الأولى، فقد كان كل واحد منا يخاف أن يستولى الآخر على الاذاعة ويجندها لحساب الطرف الذي يؤيده. كنت قبل ذلك أذيع معظم النشرات، واختار المقالات من الصحف التي تصلني، وكان سعد مسؤولا عن المراسلات الداخلية والأرشيف والاتصال ببلدية أوسلو وغيرها.[/FONT]
[FONT=Tahoma (Arabic)]وكنت أنفق أنا على الاذاعة، ولم يكن المبلغ كبيرا.[/FONT]
[FONT=Tahoma (Arabic)]الآن يتوجس كل منا خيفة من الآخر، وعرب أوسلو يضعون آذانهم على أجهزة الراديو للاستماع لهذين المجنونين اللذين يشتركان في اذاعة واحدة بصوتين متناقضين.[/FONT]
[FONT=Tahoma (Arabic)]كان سعد يقرأ خبرا ضد الكويت، ويمتدح في القائد المهيب بطل العروبة الذي أعاد إلى العراق المحافظة التاسعة عشرة.[/FONT]
[FONT=Tahoma (Arabic)]وكنت أنا أقف بجانبه، ثم أقرأ على المستمعين من أخبار العدوان والغدر، وألعن في سنسفيل جدود صدام حسين وجمهورية الخوف العراقية، وأعدد في أفضال الكويت على العراقيين.[/FONT]
[FONT=Tahoma (Arabic)]ظللنا على هذا الحال لشهر كامل، نتقابل على باب الاستديو، وكل منا معه ما سيقرأه لصالح وجهة نظره، وسفارة العراق في السويد تنظر إلى سعد على أنه الوحيد الذي سيمنعني من تجنيد الاذاعة ضد الغزو الحاقد والاحتلال البعثي التكريتي الآثم.[/FONT]
[FONT=Tahoma (Arabic)]اصدرت عدد سبتمبر من طائر الشمال وهو عبارة عن رسالة موجهة إلى صدام حسين، أي أن العدد كله تلك الرسالة فلم أكن قد قطعت كل أمل أن يستجيب الطاغية لصوت يأتيه من مكان ما ولو من الشمال.[/FONT]​

[FONT=Tahoma (Arabic)]في الثالث من سبتمبر عام 1990 وجدت نفسي بمفردي في الاستديو ففهمت أن سعد اضطر للمكوث في البيت وأنه يسمعني، وينصت لكل كلمة، فقررت أن أقوم بضربتي الكبرى.[/FONT]
[FONT=Tahoma (Arabic)]كنت بين كل فقرة وأخرى أقول: سنذيع عليكم بيانا هاما بعد قليل![/FONT]
[FONT=Tahoma (Arabic)]كان الهدف أن لا يحضر هو إلى الاستديو في هذا اليوم، وينتظر بجانب الراديو ليسمع بياني.[/FONT]
[FONT=Tahoma (Arabic)]وقبل انتهاء وقت الارسال قرأت بيانا لعنت فيه صدام حسين والاحتلال العراقي الحاقد، وفضحت جمهورية الخوف، وقلت بأنني أقف مع الكويت والكويتيين حتى تعود بإن الله حرة ومستقلة وبشرعيتها الممثلة بآل الصباح الكرام.[/FONT]
[FONT=Tahoma (Arabic)]ثم قمت بتمزيق بعض أسلاك الاستديو، وتحويل مسارات أسلاك أخرى حتى لا يستخدمها سعد في اليوم التالي، وعدت إلى البيت ونمت نوما عميقا وهادئا.[/FONT]
[FONT=Tahoma (Arabic)]في اليوم التالي جاء سعد إلى الاستديو ومعه صديق فلسطيني لبث برامج الاذاغة، فلم يتمكن بعدما حاول اصلاح ما قمت أنا بتخريبه، فاستمع العرب إلى صوت خربشات لم يتبينوا منها شيئا، وكانت تلك نهاية إذاعة صوت العرب من أوسلو، وحونت عليها حزنا شديدا فقد حلمي الذي حققته بصبر ومثابرة، وبدأت في الاستعداد لتحقيق حلم آخر وهو بث تلفزيوني.. وبهت الحلم بعد سنوات.[/FONT]
[FONT=Tahoma (Arabic)]نعمة من الله تعالى أنعمها علي منذ باكورة شبابي وهي صناعة الحلم الجديد كلما فشل أو نجح حلم سابق له.[/FONT]
[FONT=Tahoma (Arabic)]تتغير أحلامي من فترة إلى أخرى، ومن مرحلة عمرية إلى مرحلة تلحق بها، لكنني لم أحلم قط باشياء صغيرة، فقد كنت أرى الكون كله داخلي حتى في تلك اللحظات التي يطاردني الفشل من كل جانب.[/FONT]
[FONT=Tahoma (Arabic)]عندما أحاطت بي الديون، وتم اغلاق المكتبة العالمية، كنت استعد لأذيع على الجالية افتتاح إذاعة صوت العرب من أوسلو.[/FONT]
[FONT=Tahoma (Arabic)]وفي هذه اللحظات التي من المفترض أن أركن إلى الراحة وقد تخطيت الآن عامي الستين بعدة اشهر، لا تقل أحلامي عما كانت عليه منذ أربعين عاما، فاستعد لدعوة جديدة للعصيان المدني، وأحلم بعد خروج كتابي الثامن من المطبعة بكتب جديدة، وأعيش مع ابني الصغير عالمه، وأعيش مع ابنتي الكبرى عالمها، وأشارك ابني المتوسط أحلامه كأنها لي رغم أنه يملكها. [/FONT]
[FONT=Tahoma (Arabic)]في أعماقي وثيقة ملكية خاصة للكون كله تشعرني بألفة شديدة تجاه الحياة رغم أن كتاباتي كلها تقريبا جبال من الحزن والآلام والغضب على القهر والظلم والسجون والمعتقلات ومهانة الانسان.[/FONT]
[FONT=Tahoma (Arabic)]وكل صباح يشرق ينبئني بأن الحياة تبدأ بعد لحظات على عكس ملايين من الناس الذين يفتحون صدورهم وقلوبهم وكوابيسهم للموت كأنه قاب قوسين أو أدنى منهم.[/FONT]
[FONT=Tahoma (Arabic)]وفي حلقة قادمة بإن الله[/FONT]
[FONT=Tahoma (Arabic)]محمد عبد المجيد[/FONT]
[FONT=Tahoma (Arabic)]طائر الشمال[/FONT]
[FONT=Tahoma (Arabic)]أوسلو في منتصف ليل السادس من سبتمبر 2007[/FONT]​
 
أعلى