من افضل المراتب التي ينالها المسلم ان يصل الى المنزلة التي تجعله قادرا على القول: «سلاما» لاولئك الذين يسيئون اليه بجارح الالفاظ وبذيء القول وسوء المقصد وخسة الطبع وقلة المروءة.
ومن اغرب طبائع الانسان سرعة الانحدار نحو الدرك الاسفل من الآدمية عندما يغفل عن التمسك بالعروة الوثقى التي تشده نحو معارج الضياع فيهوى نحو القاع الذي لا قرار له، فوصفه الله عز وجل بقوله: لقد خلقنا الانسان في احسن تقويم، ثم رددناه اسفل سافلين فلا تستوي الخلقة الانسانية الا بالتزكية عبر منهج العبودية الخالصة لله الذي يظهر السلوك الانساني من وحشية الحيوان وادران الطين الآسن، قد أفلح من زكاها، وقد خاب من دساها فخيبة التدسية اثر لمرض القلب العضال الذي استعضى على كل دواء.
امراض القلوب المعنوية اشد فتكا وافدح اثرا من الامراض المادية، وذلك لصعوبة ملحظها وعجز ادراكها من صاحبها واكثر هذه الامراض انتشارا بين الخلق تلك المتمثلة بالغل والحقد والبغض القاتل، وقد ورد في المأثور: «لله در الحسد ما اعدله بدأ بصاحبه فقلته»، واعظم من الحسد الانتقال نحو الغل والحقد الذي يصبغ الالفاظ بالسوء والافعال بالفحش، واذا لم يستدرك نفسه فانه يصبح خسيس الطبع نذل الصفات قبيح المخبر، ثقيل الظل
وقد يصاب القلب «بالمران» فيغلف غلافا اسود من كثرة المعاصي، وكل معصية تنكث في القلب نكثة سوداء، حتى يصبح القلب اسود مرباد، وعند ذلك لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا، ولا يسمع نصيحة ولا قولا، ولا يخشع ولا يسمع لذكر الله، ولا يشعر بالوجل امام وعيد الله وتهديده.
والمرض الاشد غرابة من كل ما سبق ان يصبح القلب منكوسا «كالكوز مجخيا» يرى المنكر معروفا والمعروف منكرا فبذل جهده بالامر بالمنكر والنهي عن المعروف ويصبح عونا للشيطان بل معلما له وملهما.
والمؤمن على نقيض ذلك وضده، فهو رقيق القلب، صافي الصدر، لا يحمل غلا، ولا حقدا، يمتلىء حبا لله وخشية، فتراه هينا لينا، متسامحا، متواضعا في مشيته، وقورا في هيئته، ليس بالصخاب ولا اللعان ولا الفاحش البذيء، فهو حسن الطباع، جميل الاخلاق، خفيف الظل، عفيف النفس، ذو مروءة عالية وكرامة مصونة، وشهامة موفورة يصفح عن الزلات، ويعفو عن الهفوات، ويشارك في الملمات ويعرض عن اللغو، ويبحث عن الحق ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر.
ومن احسن ما وصف الله به عباده المؤمنين بقوله: وعباد الرحمن الذين يمشون على الارض هونا، واذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما . منقول