"وما علم بصريح العقل لا يتصور أن يعارضه الشرع البتة، بل المنقول الصحيح لا يعارضه معقول صريح قط، وقد تأملت ذلك في عامة
ما تنازع الناس فيه فوجدت ما خالف النصوص الصحيحة الصريحة
شبهات فاسدة يعلم بالعقل بطلانها، بل يعلم بالعقل ثبوت
نقيضها الموافق للشرع، وهذا تأملته في مسائل الأصول الكبار
كمسائل التوحيد والصفات ومسائل القدر والنبوات والمعاد وغير ذلك،
ووجدت ما يعلم بصريح العقل لم يخالفه سمع قط."
ابن تيمية
لقد فحصنا ـ بموضوعية هادئة ـ حجج الملحدين او الكارهين للدين ـ المستقدمين منهم والمستأخرين ـ
فما وجدنا لديهم حجة تسند الحادهم..
والعلة الكبرى لفقدان الالحاد أي دليل يسند اقاويله هي:
ان الادلة كلها (محجوزة)
ـ بإطلاق ـ للإيمان بوجود الله ووحدانيته..
وكلما تقدم العلم وارتقى: ازدادت هذه الادلة كثرة وقوة..
والمقام لا يتسع الا لمثل او نموذج واحد هو (خلق الانسان)
ذلك ان جسم الانسان ـ مثلا ـ ينتظم خمسة وسبعين ترليون خلية،
و9001% من الطاقة اللازمة لحيوية هذه الخلايا هو الاوكسجين المبثوث في الآفاق،
او ان المادة الغذائية التي يحملها الدم تستمد من مصادر ثلاثة:
من الهواء الجوي عن طريق الرئتين، ومن سطح الامعاء، ومن غدد الاندوكروين.
وان الجسم البشري يقع ـ بميزان الفخامة ـ في منتصف الطريق بين الذرة والنجم،
فبالنسبة لجرم الاشياء المختارة للمقارنة، فإن جسم الانسان قد يبدو كبيرا او ضئيلا،
فطوله معادل لطول مئتي ألف خلية نسيجية او مليونين من الميكروبات العادية او الفي مليون من جزئيات الزلال اذا وضعت احداها بجوار الاخرى.
الانسان ـ من ثم ـ يعد شيئا هائلا اذا قورن بالالكترون والذرة والجُزيْء والجرثومة، ولكنه يصبح ضئيلا اذا قورن بجبل مثلا..
هكذا يبدو الجسم البشري شيئا معقدا كأكثر ما يكون التعقيد،
فهو اتحاد هائل لجميع مختلف انواع الخلايا التي يتكون كل نوع منها من ملايين الاحاد..
ولئن كانت هذه هي عجائب خلق الانسان من الناحيتين:
البيلوجية والفسيلوجية، فإن عجائب تركيبه النفسي والعقلي والروحي والشعوري اكثر تعقيدا وعجبا وابهارا وابداعا..
فلذلك الجسم نفسه وجوه اخرى من النشاط يطلق عليها اسم (النشاط العقلي)،
وإذ تعبر الاعضاء عن نفسها بالعمل الآلي والحرارة والظاهرة الكهربائية والمبادلات الكيميائية القابلة للقياس بواسطة فنون الطبيعة والكيمياء،
فإنه يكشف عن العقل والشعور بواسطة اجراءات اخرى مثل تلك التي تستخدم في فحص النفس ودراسة السلوك الانساني وقياس القدرات العقلية..
ولذا جعل موريسون صاحب كتاب (الانسان ليس وحيدا):
جعل العقل أحد الادلة او الاسباب السبعة على وجود الله فقال:
«في الإنسان شيء أعظم من غريزة الحيوان وذلك هو وجود العقل وقدراته وإبداعاته وهذا من دلائل وجود الله»
فكيف يفسر خلق هذا الكائن البشري، البديع التركيب والنسيج بيلوجيا وفسيولوجيا وعقليا وشعوريا الخ؟..
أيفسر بأنه خلق نفسه؟..
ليس هناك امرؤ يحترم نفسه وعقله يمكن أن يتفوه بهذه الجهالة الفظيعة..
أيفسر بأن الأمهات والآباء هم الذين خلقوا وأبدعوا؟..
هذه ـ كذلك ـ خرافة لا تسكن إلا عقلا خرافيا: لا قيمة له في ميزان المقاييس والمناهج العقلانية..
أم يفسر بـ (المصادفة)؟.
فهي على أنها أيضاً خرافة سكنت رأسا خرافياً فقبل ذلك على القائلين بالمصادفة أن يلغوا
مناهج العلم وقوانين الإبداع في
مجالات الزراعة والصناعة والطب والفيزياء والفضاء والتطورات التقنية
كافة.. لماذا؟..
لأن القول بالمصادفة يجب ان يشمل هذه المجالات كلها:
بناء على أن الحجة العقلية العامة
ينبغي أن تَطَّرد وتعم، إذ لا يصح، منهجيا ـ الاستثناء
فيها ولا الانتقاء منها..
ومن قبل قال سقراط:
«هذا العالم يظهر لنا على النحو الذي لم يُترك فيه شيء للمصادفة إطلاقاً».
----
* مقتطفات من مقالة للكاتب في جريدة الشرق الأوسط
زين العابدين الركابي ..