فاطمة عليها السلام
فلقد روي عن فضالة بن أيوب ، عن السكوني قال : دخلت على أبي عبدالله عليه السلام وأنا مغموم مكروب ،
فقال لي : يا سكوني ما عمّ ك ؟ فقلت : ولدت لي ابنة ، فقال : يا سكوني على الأرض ثقلها ، وعلى الله رزقها ،
تعيش في غير أجلك وتأكل من غير رزقك ، فسري والله عني ، فقال : ما سميتها ؟ قلت : فاطمة . قال : آه آه ثمّ
وضع يده على جبهته ـ إلى أن قال ـ ثم قال : أمّا إذا سمّيتها فاطمة فلا تسبها ولا تلعنها ولا تضربها وسائل الشيعة : 15 | 100 باب 87 .وعن بشار المكاري قال : دخلت على أبي عبدالله عليه السلام بالكوفة وقد قدم له طبق طبرزد
وهو يأكل ، فقال : يا بشار أدن فكل . فقلت : هنّاك الله وجعلني فداك ، قد أخذتني الغيرة من شيء رأيته في
طريق ! أوجع قلبي وبلغ منّي ، فقال لي : بحقي لما دنوت فأكلت .
قال : فدنوت فأكلت ، فقال لي : حديثك ، قلت : رأيت جلوازاً يضرب رأس إمرأة ويسوقها إلى الحبس وهي تنادي بأعلى صوتها : « المستغاث بالله ورسوله » ولا يغيثها أحد . قال : ولم فعل بها ذلك ؟ قال : سمعت الناس يقولون إنها عثرت فقالت : « لعن الله ظالميك يا فاطمة » فارتكب منها ما ارتكب .
قال : فقطع الأكل ولم يزل يبكي حتى ابتل منديله ولحيته وصدره بالدموع . ثم قال : يا بشار ، قم بنا إلى مسجد السهلة فندعوا الله عز وجل ونسأله خلاص هذه المرأة . قال : ووجّه بعض الشيعة إلى باب السلطان وتقدم إليه بأن لا يبرح إلى ان يأتيه رسوله ، فان حديث بالمرأة حدث صار إلينا حيث كنّا . قال : فصرنا إلى مسجد السهلة ، وصلى كل واحد منّا ركعتين ، ثم رفع الصادق عليه السلام يده إلى السماء وقال : أنت الله ـ إلى آخر الدعاء ـ قال : فخر ساجداً لا أسمع منه إلا النفس ثم رفع رأسه فقال : قم فقد أطلقت المرأة .
قال : فخرجنا جميعاً ، فبينما نحن في بعض الطريق إذ لحق بنا الرجل الذي وجهناه
إلى باب السلطان ، فقال له عليه السلام : ما الخبر ؟ قال : قد اطلق عنها ، قال : كيف كان أخراجها ؟ قال : لا أدري ولكنني كنت واقعاً على باب السلطان ، إذ خرج حاجب فدعاها وقال لها : ما الذي تكلمت ؟ قالت : عثرت فقلت « لعن الله ظالميك يا فاطمة » ففعل بي ما فعل . قال : فأخرج مائتي درهم وقال : خذي هذه واجعلي الأمير في حل : فأبت أن تأخذها ، فلما رأى ذل منها دخل وأعلم صاحبه بذلك ثم خرج فقال : انصرفي إلى بيتك فذهبت إلى منزلها .
فقال أبو عبدالله عليه السلام : أبت أن تأخذ المائتي درهم ؟ قال : نعم ، وهي والله محتاجة اليها ، قال : فأخرج من جيبه صرة فيها سبعة دنانير وقال : اذهب أنت بهذه إلى منزلها فأقرئها مني السلام ، وادفع إليها هذه الدنانير ، قال : فذهبنا جميعاً ، فأقرأناها منه السلام ، فقالت : بالله أقرأني جعفر بن محمد السلام ، فشقت جيبها ووقعت مغشية عليها قال : فصبرنا حتى أفاقت ، وقال : أعدها عليّ ، فأعدناها عليها حتى فعلت ذلك ثلاثاً ، ثم قلنا لها : خذي ، هذا ما أرسل به إليك ، وأبشري بذلك ، فأخذته منا وقالت : سلوه أن يستوهب أمته من الله ، فما أعرف أحداً توسّل به إلى الله أكثر منه ومن آبائه وأجداده عليهم السلام البحار : 47 | 379 ـ 381 .
أقول : الذي يظهر من خلال التأمل في هذه الرواية أن أئمة أهل البيت عليهم السلام كانوا يتأثرون أشد التأثر عندما يسمعون اسم فاطمة وخصوصا ما جرى عليها من الظلم والعدوان بعد وفاة أبيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وكذلك نرى كيف أن الإمام ألقى اهتمامه البالغ بهذه المرأة التي لعنت ظالمي فاطمة الزهراء وعدى له الدعاء الذي على أثره أطلق الله سراحها ، وكذلك كيف أكرمها بالسبعة دنانير لأنها موالية ومؤمنة بالتولي لأهل البيت والتبري من أعدائهم .
وورد عن سليمان الجعفري أنه قال : سمعت أبا الحسن عليه السلام يقول : لا يدخل الفقر بيتاً فيه اسم محمد أو أحمد أو علي أو الحسن والحسين أو جعفر أو طالب أو عبد الله أو فاطمة من النساء سفينة البحار : 1 | 662 .
وأيضاً عن الإمام موسى بن جعفر عن أبيه عليه السلام في حديث طويل عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عند قرب وفاته : « ألا ان فاطمة بابها بابي ، وبيتها بيتي ، فمن هتكه فقد هتك حجاب الله » قال عيسى ( الراوي للحديث ) : فبكى أبو الحسن عليه السلام طويلاً وقطع بقية كلامه وقال : هتك والله حجاب الله ، هتك والله حجاب الله، هتك والله حجاب الله يا أمّه ـ صلوات الله عليها كشف الغمة : 1 | 463 .
هذه هي بعض الأحاديث التي بينت كرامة اسم فاطمة عند الأئمة : أما معنى فاطمة وتسميتها بهذا الإسم المبارك فلا يخلو من أسباب ومناسبات فهلم معي إلى طائفة كبيرة من الأحاديث التي تذكر اسم سيدتنا فاطمة الزهراء ووجه التسمية وبيان معاني اسمها المبارك وأقوال العلماء فيه .
وعن يونس بن ظبيان انه قال له الإمام أبو عبدالله عليه السلام : أتدري أيّ شيء تفسير فاطمة ؟ قلت : أخبرني يا سيدي ، قال : فطمت من الشرّ .قال : ثم قال : لولا أنّ أمير المؤمنين عليه السلام تزوّجها لما كان لها كفو إلى يوم القيامة على وجه الأرض آدم فمن دونه البحار : 43 | 13 ح 7 ، علل الشرائع : 1 | 178 ح 2 . وعن علي بن إبراهيم ، عن اليقطيني ، عن محمد بن زياد مولى بني هاشم قال : حدّثنا شيخ لنا ثقة يقال له نجيّة بن إسحاق الفزاريّ قال : حدّثنا عبدالله بن الحسن بن حسن قال : قال أبو الحسن عليه السلام : لم سميّت فاطمة فاطمة ؟ قلت : فرقاً بينه وبين الأسماء . قال : إنّ ذلك لمن الأسماء ، ولكنّ الاسم الذي سميّت به ، أنّ الله تبارك وتعالى علم ما كان قبل كونه ، فعلم من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يتزوّج في الأحياء وأنّهم يطمعون في وراثة هذا الأمر من قبله ، فلمّا ولدت فاطمة سمّاها الله تبارك وتعالى « فاطمة » لما أخرج منها وجعل في ولدها ، ففطمهم عمّا طمعوا ؛ فبهذا سمّيت فاطمة « فاطمة » لأنّها فطمت طمعهم . ومعنى فطمت : قطعت .
وعن أبي عبدالله عليه السلام أنّه قال : « إنّا أنزلناه في ليلة القدر »الليلة : فاطمة ، والقدر :
الله ، فمن عرف فاطمة حقّ معرفتها فقد أدرك ليلة القدر . وإنّما سمّيت « فاطمة » لأنّ الخلق فطموا عن معرفتها البحار : 43 | 65 .وقال النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لفاطمة : شقّ الله لك يا فاطمة اسماً من أسمائه ، فهو الفاطر وأن فاطمة البحار : 43 | 15 .. وقال عليّ عليه السلام : إنّما سمّيت فاطمة لأنّ الله فطم من أحبّها عن النار البحار : 43 |. وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : إنّما سمّيت ابنتي فاطمة لأنّ الله فطمها وفطم محبّيها عن النار .
وقال الصادق عليه السلام : تدري أيّ شيء تفسير فاطمة ؟ قال : فطمت من الشرّ . ويقال : إنّما سمّيت فاطمة لأنّها فطمت عن الطمث البحار : 43 | 16
وعن محمد بن مسلم الثقفي ، قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول : لفاطمة عليها السلام وقفة على باب جهنّم ، فإذا كان يوم القيامة كتب بين عيني كلّ رجل : مؤمن أو كافر ، فيؤمر بمحبّ قد كثرت ذنوبه إلى النار، فتقرأ فاطمة بين عينيه محبّاً فتقول : إلهي وسيّدي سمّيتني فاطمة وفطمت بي من تولاني وتولّى ذرّيتي من النار ، ووعدك الحقّ وأنت لا تخلف الميعاد ، فيقول الله عزّ وجلّ : صدقت يا فاطمة ، إنيّ سمّيتك فاطمة ، وفطمت بك من أحبّك وتولاّك وأحبّ ذرّيتك وتولاّهم من النار ، ووعدي الحقّ وأنا لا أخلف الميعاد ـ الحديث المختصر : 132 .وعن أبي جعفر عليه السلام قال : لمّا ولدت فاطمة عليها السلام أوحى الله عزّ وجل إلى ملك فانطلق به لسان محمّد صلى الله عليه وآله وسلم فسمّاها فاطمة ، ثم قال : إنّي فطمتك بالعلم ، وفطمتك عن الطمث . ثم قال أبو جعفر عليه السلام : والله لقد فطمها الله تبارك وتعالى بالعلم وعن الطمث بالميثاق الكافي : 1 | 46 ح
إأقول : أما معنى قوله « فطمتك بالعلم » يعني أرضعتك بالعلم أو قطعتك عن الجهل
بسبب العلم ، وهذا كناية عن كونها في بدو فطرتها عالماً بالعلوم الرانية .
وقال المولى محمد عليّ الأنصاري رحمه الله : وقد تلخّص منها ( أي الأخبار ) وجوه متعدّدة لتسميتها عليها السلام بتلك التسمية : مثل فطم نفسها بالعلم ، وفطمهاعن الشرّ ، وفطمها عن الطمث ، وفطم ذرّيّتها وشيعتها من النار ، وكذلك فطم من تولاّها وأحبّها منها ، وفطم الأعداء عن طمع الوارثة في الملك ، وعن حبّها ، ونحو ذلك . ولا مناقاة بين الأخبار ، لأنّ الفطم معنى يصدق مع كلّ من الوجوه المذكورة ؛ واختلاف الأخبار من جهة اختلاف حال الرواة والحضّار من حيث الاستعداد الذاتيّة ، واختلاف المصالح في الأزمنة والأمكنة ؛ وكلّ هذه المعاني مرادة من اللفظ عند التسمية ، ولا يلزم من ذلك استعمال اللفظ في أكثر من معنى واحد ، الذي هو مخالف للقواعد الظاهريّة اللفظيّة ، لأنّ فاطمة مشتقّ من الفطم بمعنى الفصل ، ومنه الفطام في الطفل بمعنى فصله عن اللبن والارتضاع ، يقال : فطمت المرضع الرضيع فطماً ، من باب ضرب ، فصلته عن الرضاع ، فهي فاطمة ، والصغير فطم بمعنى المفطوم . وأفطم الرجل : دخل في وقت الفطام ، مثل أحصد الزرع ، إذا حان حصاده . وفطمت الحبل : قطعته . وفطمت الرجل عن عادته : إذا منعته عنها . وليس الفطم مخصوصاً بالفصل عن اللبن وإن كثر استعماله فيه ، بل هو مطلق الفصل عن الشيء ، ومعنى القطع والمنع راجع إليه أو متفرّغ منه ، فيكون معنى « فاطمة » فاصلة أو قاطعة أو مانعة ، وكلّ منها معنى كلّيّ وماهيّة مطلقة يصدق مع القيود الكثيرة ، فسمّيت من عندالله بها .
ويلزم في تحقّق معنى الفصل أن يكون هناك فاصل ومفصول له ، مثلاً إذا كانت الامّ فاطمة لطفلها ، فهي فاصلة ، والطفل مفصول ، واللبن مفصول عنه ، والغذاء مفصول به . فيكون معنى فاطمة أنّها تفطم نفسها ولو بسبب قابليّتها الذاتيّة عن الجهل بالعلم ، وعن الشرّ بالخير ، وعن الطمث بالطهارة عن الحمرة ، وتفطم ذرّيّتها وشيعتها ومن تولّيها وأحبّها من النار بالجنّة ، وتفطم أعداءها عن طمع الوراثة باليأس عنها ، وعن حبّها ببغضها . فلوحظ في وجه تسميتها بهذا الاسم وجوه متعدّدة وهي غير داخلة في مفهوم الاسم حتّى توجب تعدّد معاني اللفظ . بل هي لحاظات خارجيّة باعتبارها وقعت التسمية .
مثلاً لو كان مجيء زيد من جهة أغراض مخلتفة وأسباب متعدّدة ، فقيل : « جاء زيد » ، لم يوجب ذلك كون المجيء مستعملا في المعاني التعدّدة . نعم لو جعل فاطمة بالنسبة إلى فطم الأعداء أو الأحبّاء بمعنى كونها ذات فطم من المبنيّ للفاعل ـ كما هو كذلك ـ أي ذات فاطميّة ، وفي فطمها عن الشرّ بمعنى ذات فطم من المبنيّ للمفعول أي ذات مفطومية لزم المحذور المذكور ، ، ولكن على التقرير المسطور لا يلزم ذلك المحذور . ويمكن جعلها بمعنى ذات الفطم مطلقاً من باب النسبة فيكون جامداً يستوي فيه المذكّر والمؤنثّ ... نعم ، يمكن جعل فاطمة في جميع الوجوه بمعنى المفعول ، أي المفطومة ، من باب الصفة بحال المتعلّق بلحاظ المآل والحقيقة ؛ أو جعله بمعنى ذات الفطم ، من المصدرالمبنيّ للفاعل أو المفعول لكن على سبيل القضيّة الكلّيّة لا الجزئيّة ، كما لا يخفى .
وبالجملة فاختلاف الأخبار في بيان وجه التسمية إشارة إلى عدم انحصاره في شيء ؛ أو كون معناها معنى كلّيّا يشمل على وجوه كثيرة ، فيحتمل احتمالاً ظاهراً أن يكون ملحوظاً في وجه التسمية امور على حدة أيضاً كفطمها على الإخلاق الرذيلة بالأخلاق الفاضلة ، وعن الأحوال الخبيثة بالأحوال الطيّبة الزكيّة ، وعن الأفعال القبيحة بالأفعال الحسنة ، وعن الظلمانيّة بالنورانيّة ، وعن السهو والغفلة بالذكر والمعرفة ، وعن عدم العصمة بالمعصوميّة ، وبالجملة عن جميع جهات النقيصة بالكمالات العقلانيّة والورحانيّة والنفسانيّة ولوازمها الظاهرّية والباطنيّة ، فيلزم حينئذٍ أن تكون لها العصمة الكبرى في الدنيا والآخرة والاولى . فتكون حينئذ معصومة تقيّة نقيّة وليّة صدّيقة مباركة طاهرة إلى آخر الأسماء المذكورة في الرواية وغير الرواية . وتخصيص أسمائها بالتسعة في الخبر الصادقيّ عليه السلام إمّا من جهة اشتمالها من حيث المعنى على سائر الأسماء أيضاً ؛ أو من جهة صدور التسمية بها من جانب الله سبحانه بلا واسطةٍ كما يشعر به قوله عليه السلام : لفاطمة تسعة أسماء عند الله اللمعة البيضاء : 37 ـ 39 . ... وقال العلامة الهمداني فاطمة بهجة قلب المصطفى : 152 . في بيان اسم فاطمة ( صلوات الله وسلامه عليها ) ما نصة : هذا الإسم سواء كان من عند الله عزّ وجل أو بإلهام من الله تعالى كما لا حظت في
الأخبار الماضية ، لم يكن للعلامة تمييز المسماّة به عن غيرها فحسب ، كما في أسامي سائر الناس التي لم تراع المناسبة غالباً بينها وبين الأعيان والذوات ، بل في هذا الجعل وهذه التسمية الإلهيّة حكمة وسرّ وتناسب عميق بين الإسم والمسماة به . وإن مادّة « فطم » على أيّ وجه فرضت فيها فاعلاً أو مفعولاً ، كانت يمعنى القطع والفصل على نحو الإطلاق ، ولا يختصّ بأحد الوجوه السابقة من الشرّ والطمث والجهل والخطأ وسوء الخلق والحمرة والحيض وما أشبه ذلك ، لأنّها ( سلام الله عليها ) متّصفة بجميع المكارم ، منفطمة عن جميع العيوب والنقائص ، فتناسب الاسم لها ـ فاعلاً ـ لكونها ( سلام الله عليها ) فطمت نفسها وذرّيّتها وشيعتها من النار وما يوجب الشنار والعار ، وتناسبه لها ـ مفعولا ـ لأنّها ( سلام الله عليها ) مفطومة عن معرفتها الناس فهو وصف المتعلّق .
فمن الذي يبلغ معرفتها ؟! هيهات ! ضلّت العقول ، وتاهت الحلوم ، وحارت الألباب ، وخشئت العيون ، وتصاغرت العلماء ، وحصرت الخطباء ، وتحيّرت الحكماء ، وتقاصرت الحلماء ، وجهلت الألبّاء ، وكلّت الشعراء ، وعجزت الادباء ، وعييت البلغاء عن وصف شأنٍ من شأنها ، ودرك درجة من سموّ رفعتها .
ومن عرف فاطمة عليها السلام حقّ معرفتها فقد أدرك ليلة القدر البحار : 43 | 65 .. والتشابه من وجوه :
الأول : إنّ ليلة القدر مجهولة للناس من حيث القدر والمنزلة والعظمة ، والناس فطموا وقطعوا عن معرفتها ، وكذلك البضعة الأحمديّة والجزء المحمّديّة عليها السلام مجهولة قدرها ، محفيّة قبرها .
والثاني : كما أنّ ليلة القدر يفرق فيها كلّ أمر حكيم ، كذلك بفاطمة يفرق بين الحقّ والباطل ، والمؤمن والكفار .
والثالث : كما صارت ليلة القدر ظرفاً لنزول الآيات والسور ، فهي ( سلام الله عليها )
صارت وعاءً للإمامة والمصحف .
الرابع : إنّ ليلة القدر معراج الأنبياء والأولياء ، وكذل ما تكاملت النبوّة لنبيّ حتى أقرّ بفضلها ومحبّتها ، ملتقى البحرين ، للمرندي : 39 . ولايتها مرقاة لوصولهم إلى النبوّة الرسالة والعظمة
والخامس : إنّ ليلة القدر منشأ للفيوضات والكمالات ، وكذلك التوسّل بها وسيلة للخيرات والبركات ودفع البليّات راجع فرائد السمطين : 1 | 38والسادس : إنّ ليلة القدر خير من ألف شهر ، وكذلك هي ( سلام الله عليا ) خير نساء الأولين والآخرين ، بل إنّ فاطمة خير أهل الأرض عنصراً وشرفاً وكرماً .
وهي ( سلام الله عليها ) كما قال الباقر عليه السلام عنصر الشجرة الطيّبة التي هي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اصلها وفرعها عليّ عليه السلام .
فلاحظ هذا الحديث وتدبّر فيها ، ثم ارجع البصر كرّتين حتى يظهر لك المعارف والحكم وسرّ « لولاك لما خلقت الأفلاك ، ولولا عليّ لما خلقتك ، ولولا فاطمة لما خلقتكما » وسرّ قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « يا عليّ ، أنفذ ما أمرتك به الزهراء عليها السلام » وسرّ قول عليّ عليه السلام : « يا بقيّة النبوّة » ، فوالله لولا فاطمة ما قام بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم عمود ، ولا اخضرّ له عود.
وممّا ينبغي لفت النظر إليه هو أنّ المعصومين ينتمّون بهذا الإسم الشريف اهتماماً شديداً ، ويكرمونه إكراماً عظيماً ، وإذا سمعوا به يبكون ويتأسّفون ، ويحبّون التي سمّيت به ، ويحبّون بيتاً كان فيه اسم فاطمة ، وهم يتوسّلون به . فلاحظ الحديث الذي نقلناه عن أبي جعفر عليه السلام فإنّه ذيّله بالقسم والتأكيد بقوله : والله فطمها الله تبارك وتعالى بالعلم وعن الطمث بالميثاق .
وأيضاً إنّه عليه السلام ـ إذا وعكه الحمّى ( وقبل وجعها آلمها ) استعان بالماء البارد ، ثم ينادي حتى يسمع صوته على باب الدار : فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وآله وسلم .
قال العلاّمة المجلسي رحمه الله : لعلّ النداء كان استشفاعاً بها صلوات الله عليها للشفاء . قال المحدّث القمّي : إنّي أحتمل قوّياً كما أنّه أثّر الحمّى في جسده اللطيف كذلك أثّر كتمان حزنه على أمذه المظلومة في قلبه الشريف ، فكما أنّه يطفي حرارة جسده بالماء ، يطفي لوعة وجده بذكر اسم فاطمة سيّدة النساء ، وذلك مثل ما يظهر من الحزين المهموم من تنفّس الصعداء ، فإنّ تأثير مصيبتها صلوات الله عليها على قلوب أولادها الأئمة الأطهار آلم من حزّ الشفار ، وأحرّ من جمرة النار.