كان عبد الرحمن القس " ناسك المدينة " زاهداً ورعاً شديد الخشية من الله ولم يكن يشاهدة الناس إلا لقضاء حاجته وعمله وباقي وقته يقف حتى تتورم قدماه للصلاة وذات يوم حين ذهب ليختلي بالله في المسجد سمع جارية تغني فتوقف لجمال صوتها ثم نهر نفسه ومضى في سبيله وهكذا يومياً وكان قلبه يجبره على طرق درب بيت مالكها كل يوم ويقف يستمع ويذهب , ورأى يوما تجمهر عند الباب فتوقف وإذا بسيدها قد فتح المجلس للناس وهي تضرب على العود وتغني ولمحته بين الناس وكانت تعرفه لشهرته وحين شاهدها أرتجف وذهب فوراً يصلي ويرجو الله أن يصرفها عنه وهي لا تفارق عقله من شدة حسنها وأستطاع ان يغير طريقه ويبتعد عنها وبعد اشهر أضناه العشق وهو بين محرابه ومصحفه فقط , فذهب من شدة ضيقه يهيم في الدروب وساقته قدماه لبيتها فإذ الباب مفتوح وهي تجلس بأجمل صورها , دخل بصمت وجلس وهو يرتجف فقامت وأغلقت الباب ولا احد ثالث معهما وقالت وهي ترتجف مثله لشدة حبها وتكلفها به : عبد الرحمن القس ماذا تشتهي ؟
فقال وهو يطرق برأسه وقد أصفر وجهه : أن اضع شفتيّ على شفتيك !
فقالت : والله أني اجد في نفسي أشد مما تشتهي وهاقد حانت الفرصة ولا شيء يحول بيني وبينك !!
فقال : وأني والله أجد من عشقك في قلبي مالا طاقة لي به إلا اني أذكر قول الحق تبارك وتعالى " والأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين " فأشفق علي وعليك هذا لأني لا أريد إلا أن أزيد حباً بك يوم القيامة وأن لا تبغضيني , ولن يعتقك سيدك فأتزوجك ولن يبيعك فأشتريك ولن أضيع صلاتي ونسكي لأجل لحظة .. " وماكان يسمع منها خلال حديثه إلا نحيبها " , ثم نهض من عندها وخرج .. وكانت أخر مرة تراه ويراها !. :باكي: