شارلوك هولمز
عضو بلاتيني
يطرح هذا المقال سؤالاً في غاية الأهمية مفاده هل الديمقراطية في مستقبل دول مجلس التعاون الخليجي؟ وتنبع هذه الأهمية من دور المنطقة في الإقليم المشتعل والقابل لمزيد من الاشتعال في وقت قريب، ولأهمية دول الخليج العربي في النظام العربي والنظام الدولي.
لا مجال هنا لتعداد مزايا وأهمية هذه الدول خاصة الاستراتيجي منها، فقد شهدت حروباً دولية وتدخلات أجنبية على مر العقود الثلاثة الماضية ترافقت مع عملية إنشائها وبناء مؤسساتها، كما أن المخزون النفطي لهذه الدول من الأهمية بمكان لتأثيره ليس في مستقبل هذه الدول فقط، بل في مستقبل الاقتصاد الدولي والعلاقات والتوازنات الدولية بشكل خاص. فالمراقب للتحركات السعودية في الأشهر القليلة الماضية يرى أهمية هذا الحراك الاستراتيجي على العلاقات الدولية بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية على سبيل المثال لا الحصر. وبالرغم من التقدم الملموس الذي شهدته الدول الخليجية في المجال الاقتصادي خاصة بعد ارتفاع أسعار النفط العالمية، والتي أدخلت مدخولات إضافية لهذه الدول إلا أن هذه الدول من خلال المؤشرات السياسية في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان تبقى في نهاية ركب تقدم الأمم والدول؛ لذا فإن الورقة الحالية والتي لا تغفل الدور المتنامي الذي تبديه بعض الدول مثل البحرين والكويت وقطر والسعودية في مجال إجراء إصلاحات قد تؤدي في النهاية وبعد أمد طويل بالطبع إلى الوصول لمرحلة مقبولة من الانفتاح السياسي الذي يمكن أن يحقق، ويحافظ على الحريات الفردية وصولاً إلى الديمقراطية. ومن أجل ذلك فإن الورقة الحالية تحاول بشكل علمي النظر في مستقبل الديمقراطية في هذه الدول، وهل يمكن بناء على المؤشرات والأفعال الحقيقية والحراك السياسي المتباين ما بين دول وأخرى أن تكون الديمقراطية هدفاً يمكن أن يتحقق في هذه الدول؟ وللإجابة عن هذا السؤال الجوهري لا بد من الإجابة عن عدة أسئلة فرعية تتضمن الآتي:
هل هناك إرث إصلاحي في المجال السياسي؟هل هناك مطالبة شعبية بالإصلاح السياسي؟هل هناك رغبة حكومية من أجل الإصلاح السياسي؟هل هناك ضغوط إقليمية من أجل الإصلاح السياسي؟هل هناك ضغوط دولية من أجل الإصلاح السياسي؟
إن الإجابة عن هذه الأسئلة وبشكل علمي قد تحدد إلى أي مدى يمكن للباحث أن يقول إن هناك مستقبلاً أو لا مستقبل للديمقراطية في دول الخليج العربية.
الإرث الإصلاحي يمكن القول إن معظم دول الخليج العربية لديها إرث إصلاحي في المجال السياسي وإن كانت درجات هذا الإرث تتفاوت من دولة إلى أخرى. فعلى سبيل المثال نجد دولة الكويت من أوائل الدول التي بدأت خطوات عملية مستمرة من أجل الإصلاح السياسي. كما أن البحرين قامت بعدة إصلاحات سياسية خاصة في السنوات الماضية وإن حصل عليها بعض التراجع. كما أن سلطنة عمان قامت بإصدار القانون الأساسي في عام 1996، وتم في قطر إجراء بعض الإصلاحات السياسية ومؤخرا بدأت المملكة العربية السعودية بالتفكير الجدي في مجال الإصلاحات السياسية، كما أن معظم دول مجلس التعاون الخليجي قد شهدت نوعاً من الانتخابات سواء على مستوى مجلس النواب أو على مستوى الانتخابات البلدية، كما أن هذه الدول تشهد نوعاً من الحراك المتراكم من قوى إصلاحية في مجال التحديث السياسي. ويتفاوت هذا الإرث الإصلاحي من دول إلى أخرى إلا أنه يمكن القول إنه موجود من حيث بعض مؤشرات الديمقراطية. وعليه يمكن القول إن الإصلاح السياسي في منطقة الخليج العربي أصبح موجودا على الأجندة السياسية لمعظم دول الخليج العربية، لكن لا أحد يعرف منزلته من حيث الأولوية على أجندة هذه الدول إلا أنه بالتأكيد لا يقع على درجة متقدمة في هذه الدول.
المطالبة الشعبيةتلعب المطالبة الشعبية دوراً مهماً في مصير الإصلاح السياسي في دول مجلس التعاون الخليجي. حيث إن مدى المطالبة الشعبية خاصة والتي تتم من خلال مؤسسات المجتمع المدني كالاحزاب السياسية وغيرها من المؤسسات الفاعلية تلعب دوراً فاعلاً في التقدم والإصلاح وفي مزيد من التراكم الديمقراطي الذي تحتاجه هذه الدول. ويلاحظ على دول مجلس التعاون الخليجي تفاوت المطالبة الشعبية بالإصلاح السياسي فعلى سبيل المثال لا الحصر فإن دولة الإمارات العربية المتحدة لا توجد فيها مطالبة شعبية بالإصلاح السياسي وهي حالة فريدة في دول مجلس التعاون الخليجي، لكن في الدول الأخرى فإن مستويات المطالبة تأتي في أوجها في دولة الكويت تليها البحرين، وهذا بالطبع نتيجة لتجربتها الديمقراطية والتي تعتبر متقدمة على بقية الدول. إلا أن كثيرا من دول مجلس التعاون الخليجي خاصة السعودية قد شهدت مطالبة شعبية من قبل بعض المثقفين السعوديين لمزيد من الإصلاح السياسي إلا أن بقية الدول تعتبر فيها المطالبة الشعبية والمتناثرة متدنية جداً. كما يلاحظ في دول مجلس التعاون الخليجي غياب الأحزاب السياسية نتيجة لمنعها من قبل الأنظمة السياسية، وهذا سيكون له أثر سلبي في عملية الإصلاح السياسي، كما أن منظمات المجتمع المدني في طور البناء وخاصة السياسية منها؛ لذا لا بد من تنظيم التحرك الشعبي في هذه الدول من خلال مؤسسات سياسية مدنية تطالب بالإصلاح بشكل حضاري من أجل سماع صوتها من قبل الحكومات. والمعضلة التي تطرح نفسها هي لماذا غياب المطالبة الشعبية؟ وقد يكون التفسير في غياب حرية الرأي والتعبير من جهة، والرفاه الاقتصادي في بعض الدول من الجهة الأخرى. فالديمقراطية في أبسط تعريفاتها هي صيغة للعلاقة بين الشعب والحكومة ينتخب فيها الشعب حكامه، ولديهم القدرة على تغييرهم. فإذا ما ثبت أن هذه الشعوب راضية عن الوضع السياسي القائم، فالسؤال لماذا الإصلاح وهو غير ذي جدوى في حالة قبول هذه الشعوب للواقع والآلية السياسية الحالية.
الرغبة الحكوميةلا يمكن التعميم على حكومات مجلس التعاون الخليجي بأن لديها رغبة حقيقية في الإصلاح السياسي. فلو كانت الرغبة موجودة لكانت هناك المبادرات، فالتجارب الخليجية تقول أن هناك اهتماماً بالعملية الاقتصادية والاجتماعية-الاقتصادية، وتبادر هذه الحكومات إلى كثير من المشاريع الاقتصادية، ونجحت في بعضها إلى حد كبير. لكن هذه الدول لم تبد اهتماماً في مسألة الإصلاح السياسي إلا من باب ما أطلق عليه بعض الباحثين (الديمقراطية الإجرائية). أي أنها تقوم بإجراء الحد الأدنى من الإصلاحات السياسية التي تؤدي الغرض الآني لهذه الحكومات نتيجة للضغوط المحلية كما تمت مناقشتها آنفاً ونتيجة للضغوط المحلية والدولية والتي ستتم مناقشتها لاحقاً. إن التغيرات السياسية إذا ما تمت فإنها ستؤثر في مصالح الأنظمة السياسية خاصة المزيد من الشفافية والمحاسبية، كما ستتأثر النخب الاقتصادية المستفيدة من الوضع الحالي. إلا أن المراقب لتجارب الدول العريقة في مجال الديمقراطية يرى فيها أنها الضمانة الحقيقية لاستقرار وتقدم الدول. وعليه فإن المصلحة الوطنية لهذه الدول هو مزيد من الانفتاح والشفافية السياسية ومزيد من الحريات التي يجب ألا تشكل عائقاً بل هي دافع لعملية التقدم السياسي.
الضغوط الإقليميةتؤدي الضغوط الإقليمية دوراً مهماً في مستقبل الديمقراطية في دول مجلس التعاون، حيث إن هذه الدول محاطة من جهة من إيران التي شهدت عبر العقود الماضية تقدماً إصلاحياً في المجال الديمقراطي خاصة من حيث إنها بالاعتماد على معايير الديمقراطية تشكل نموذجا متقدما في المنطقة، كما أن الانتخابات التي تجري في العراق قد تؤثر في مستقبل الديمقراطية في دول مجلس التعاون. حيث إن نجاح الديمقراطية في العراق –والذي يشكك فيه الكثيرون- قد يلعب دوراً سلبياً في عملية الإصلاح في هذه الدول. ولا يمكن لهذه الدول أن تبقى بمعزل عن الإصلاح السياسي لفترة طويلة خاصة أن معظم دول العالم تشهد عمليات إصلاحية في المجال السياسي.
الضغوط الدوليةشهدت مرحلة ما بعد الحرب الأمريكية على العراق نوعاً من الضغوط الإصلاحية على دول الخليج العربية خاصة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وبالتحديد على المملكة العربية السعودية، إلا أن المتابع يجد أن بعض الدول العربية لم تتلق أي ضغوط أو دعوات من أجل الإصلاح السياسي مثل دولة الإمارات التي لم تذكر في أي خطاب للرئيس الأمريكي على سيبل المثال لا الحصر. إلا أن الدعوات التي تلقتها كثيرا من الدول لم تلق الاستجابة لبعض منها، إلا في مجال إتاحة بعض المساحة للتعبير عن الرأي من دون أي فعل ملموس. كما أن الدعوات الأمريكية بدأت بالتراجع منذ وقت نتيجة لفشلها الذريع في العراق ونتيجة لغياب أي رؤية إصلاحية لها في المنطقة والتي تعتبر كل هذه الدول حلفاء لها. كما يمكن القول إن التدخل الأمريكي قد أصبح عاملاً سلبياً في أي عملية إصلاح سياسي. وعليه يمكن القول إن مزيداً من التدخلات الأمريكية سيعيق عملية الإصلاح.
إن معظم هذه الدول ليس بحاجة إلى العالم من الناحية الاقتصادية، خاصة أنها لا تعتمد على المعونات والمساعدات الأجنبية في ميزانياتها، لكن العالم بحاجة إليها خاصة الثروة النفطية وفي مجال الاستثمار الكبير فيها، إلا أن هذه الدول بحاجة ضرورية من ناحية إعلامية على أن تظهر احتراما لحقوق الإنسان والعمال.. إلخ أمام الرأي العام العالمي الذي أصبح يعتبر هذه المزايا جزءاً من القرار الدولي لحكوماته.
إن الإجابة عن هذه الأسئلة-سالفة الذكر- من خلال تسليط بعض الضوء عليها لا يمكن أن تؤدي بنا إلى نتيجة نستطيع من خلالها الجزم بمستقبل الديمقراطية في دول الخليج العربية. إلا أن هذا السؤال بحاجة إلى مزيد من التمحيص العلمي من خلال بناء مؤشرات علمية تقيس المفاهيم التي تمت مناقشتها وتحليلها بشكل كمي خلال السنوات الخمس الماضية من أجل قراءة المنهج الإصلاحي في هذه الدول وبالتحديد التراكمات الإصلاحية في المجال السياسي. ولا بد من الـتأكيد على أن عملية الإصلاح هي في بدايتها في كثير من دول الخليج العربية، ومن الصعب الحكم عليها إلا من خلال التأكد من أن عملية الإصلاح السياسي تسير في الطريق الصحيح لأن ليس كل عملية إصلاح سياسي قد تقود إلى بناء ديمقراطية. كما لا بد من التأكيد على أن الخيار السياسي الداخلي لشعوب وأنظمة هذه الدول هو الذي سيحدد الإجابة عن سؤال هذه المقالة لأن عملية الإصلاح لا بد أن تكون من داخل هذه الدول ومن أجل الداخل.
*نقلا عن مجلة "آراء" الإماراتية
|
لا مجال هنا لتعداد مزايا وأهمية هذه الدول خاصة الاستراتيجي منها، فقد شهدت حروباً دولية وتدخلات أجنبية على مر العقود الثلاثة الماضية ترافقت مع عملية إنشائها وبناء مؤسساتها، كما أن المخزون النفطي لهذه الدول من الأهمية بمكان لتأثيره ليس في مستقبل هذه الدول فقط، بل في مستقبل الاقتصاد الدولي والعلاقات والتوازنات الدولية بشكل خاص. فالمراقب للتحركات السعودية في الأشهر القليلة الماضية يرى أهمية هذا الحراك الاستراتيجي على العلاقات الدولية بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية على سبيل المثال لا الحصر. وبالرغم من التقدم الملموس الذي شهدته الدول الخليجية في المجال الاقتصادي خاصة بعد ارتفاع أسعار النفط العالمية، والتي أدخلت مدخولات إضافية لهذه الدول إلا أن هذه الدول من خلال المؤشرات السياسية في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان تبقى في نهاية ركب تقدم الأمم والدول؛ لذا فإن الورقة الحالية والتي لا تغفل الدور المتنامي الذي تبديه بعض الدول مثل البحرين والكويت وقطر والسعودية في مجال إجراء إصلاحات قد تؤدي في النهاية وبعد أمد طويل بالطبع إلى الوصول لمرحلة مقبولة من الانفتاح السياسي الذي يمكن أن يحقق، ويحافظ على الحريات الفردية وصولاً إلى الديمقراطية. ومن أجل ذلك فإن الورقة الحالية تحاول بشكل علمي النظر في مستقبل الديمقراطية في هذه الدول، وهل يمكن بناء على المؤشرات والأفعال الحقيقية والحراك السياسي المتباين ما بين دول وأخرى أن تكون الديمقراطية هدفاً يمكن أن يتحقق في هذه الدول؟ وللإجابة عن هذا السؤال الجوهري لا بد من الإجابة عن عدة أسئلة فرعية تتضمن الآتي:
هل هناك إرث إصلاحي في المجال السياسي؟هل هناك مطالبة شعبية بالإصلاح السياسي؟هل هناك رغبة حكومية من أجل الإصلاح السياسي؟هل هناك ضغوط إقليمية من أجل الإصلاح السياسي؟هل هناك ضغوط دولية من أجل الإصلاح السياسي؟
إن الإجابة عن هذه الأسئلة وبشكل علمي قد تحدد إلى أي مدى يمكن للباحث أن يقول إن هناك مستقبلاً أو لا مستقبل للديمقراطية في دول الخليج العربية.
الإرث الإصلاحي يمكن القول إن معظم دول الخليج العربية لديها إرث إصلاحي في المجال السياسي وإن كانت درجات هذا الإرث تتفاوت من دولة إلى أخرى. فعلى سبيل المثال نجد دولة الكويت من أوائل الدول التي بدأت خطوات عملية مستمرة من أجل الإصلاح السياسي. كما أن البحرين قامت بعدة إصلاحات سياسية خاصة في السنوات الماضية وإن حصل عليها بعض التراجع. كما أن سلطنة عمان قامت بإصدار القانون الأساسي في عام 1996، وتم في قطر إجراء بعض الإصلاحات السياسية ومؤخرا بدأت المملكة العربية السعودية بالتفكير الجدي في مجال الإصلاحات السياسية، كما أن معظم دول مجلس التعاون الخليجي قد شهدت نوعاً من الانتخابات سواء على مستوى مجلس النواب أو على مستوى الانتخابات البلدية، كما أن هذه الدول تشهد نوعاً من الحراك المتراكم من قوى إصلاحية في مجال التحديث السياسي. ويتفاوت هذا الإرث الإصلاحي من دول إلى أخرى إلا أنه يمكن القول إنه موجود من حيث بعض مؤشرات الديمقراطية. وعليه يمكن القول إن الإصلاح السياسي في منطقة الخليج العربي أصبح موجودا على الأجندة السياسية لمعظم دول الخليج العربية، لكن لا أحد يعرف منزلته من حيث الأولوية على أجندة هذه الدول إلا أنه بالتأكيد لا يقع على درجة متقدمة في هذه الدول.
المطالبة الشعبيةتلعب المطالبة الشعبية دوراً مهماً في مصير الإصلاح السياسي في دول مجلس التعاون الخليجي. حيث إن مدى المطالبة الشعبية خاصة والتي تتم من خلال مؤسسات المجتمع المدني كالاحزاب السياسية وغيرها من المؤسسات الفاعلية تلعب دوراً فاعلاً في التقدم والإصلاح وفي مزيد من التراكم الديمقراطي الذي تحتاجه هذه الدول. ويلاحظ على دول مجلس التعاون الخليجي تفاوت المطالبة الشعبية بالإصلاح السياسي فعلى سبيل المثال لا الحصر فإن دولة الإمارات العربية المتحدة لا توجد فيها مطالبة شعبية بالإصلاح السياسي وهي حالة فريدة في دول مجلس التعاون الخليجي، لكن في الدول الأخرى فإن مستويات المطالبة تأتي في أوجها في دولة الكويت تليها البحرين، وهذا بالطبع نتيجة لتجربتها الديمقراطية والتي تعتبر متقدمة على بقية الدول. إلا أن كثيرا من دول مجلس التعاون الخليجي خاصة السعودية قد شهدت مطالبة شعبية من قبل بعض المثقفين السعوديين لمزيد من الإصلاح السياسي إلا أن بقية الدول تعتبر فيها المطالبة الشعبية والمتناثرة متدنية جداً. كما يلاحظ في دول مجلس التعاون الخليجي غياب الأحزاب السياسية نتيجة لمنعها من قبل الأنظمة السياسية، وهذا سيكون له أثر سلبي في عملية الإصلاح السياسي، كما أن منظمات المجتمع المدني في طور البناء وخاصة السياسية منها؛ لذا لا بد من تنظيم التحرك الشعبي في هذه الدول من خلال مؤسسات سياسية مدنية تطالب بالإصلاح بشكل حضاري من أجل سماع صوتها من قبل الحكومات. والمعضلة التي تطرح نفسها هي لماذا غياب المطالبة الشعبية؟ وقد يكون التفسير في غياب حرية الرأي والتعبير من جهة، والرفاه الاقتصادي في بعض الدول من الجهة الأخرى. فالديمقراطية في أبسط تعريفاتها هي صيغة للعلاقة بين الشعب والحكومة ينتخب فيها الشعب حكامه، ولديهم القدرة على تغييرهم. فإذا ما ثبت أن هذه الشعوب راضية عن الوضع السياسي القائم، فالسؤال لماذا الإصلاح وهو غير ذي جدوى في حالة قبول هذه الشعوب للواقع والآلية السياسية الحالية.
الرغبة الحكوميةلا يمكن التعميم على حكومات مجلس التعاون الخليجي بأن لديها رغبة حقيقية في الإصلاح السياسي. فلو كانت الرغبة موجودة لكانت هناك المبادرات، فالتجارب الخليجية تقول أن هناك اهتماماً بالعملية الاقتصادية والاجتماعية-الاقتصادية، وتبادر هذه الحكومات إلى كثير من المشاريع الاقتصادية، ونجحت في بعضها إلى حد كبير. لكن هذه الدول لم تبد اهتماماً في مسألة الإصلاح السياسي إلا من باب ما أطلق عليه بعض الباحثين (الديمقراطية الإجرائية). أي أنها تقوم بإجراء الحد الأدنى من الإصلاحات السياسية التي تؤدي الغرض الآني لهذه الحكومات نتيجة للضغوط المحلية كما تمت مناقشتها آنفاً ونتيجة للضغوط المحلية والدولية والتي ستتم مناقشتها لاحقاً. إن التغيرات السياسية إذا ما تمت فإنها ستؤثر في مصالح الأنظمة السياسية خاصة المزيد من الشفافية والمحاسبية، كما ستتأثر النخب الاقتصادية المستفيدة من الوضع الحالي. إلا أن المراقب لتجارب الدول العريقة في مجال الديمقراطية يرى فيها أنها الضمانة الحقيقية لاستقرار وتقدم الدول. وعليه فإن المصلحة الوطنية لهذه الدول هو مزيد من الانفتاح والشفافية السياسية ومزيد من الحريات التي يجب ألا تشكل عائقاً بل هي دافع لعملية التقدم السياسي.
الضغوط الإقليميةتؤدي الضغوط الإقليمية دوراً مهماً في مستقبل الديمقراطية في دول مجلس التعاون، حيث إن هذه الدول محاطة من جهة من إيران التي شهدت عبر العقود الماضية تقدماً إصلاحياً في المجال الديمقراطي خاصة من حيث إنها بالاعتماد على معايير الديمقراطية تشكل نموذجا متقدما في المنطقة، كما أن الانتخابات التي تجري في العراق قد تؤثر في مستقبل الديمقراطية في دول مجلس التعاون. حيث إن نجاح الديمقراطية في العراق –والذي يشكك فيه الكثيرون- قد يلعب دوراً سلبياً في عملية الإصلاح في هذه الدول. ولا يمكن لهذه الدول أن تبقى بمعزل عن الإصلاح السياسي لفترة طويلة خاصة أن معظم دول العالم تشهد عمليات إصلاحية في المجال السياسي.
الضغوط الدوليةشهدت مرحلة ما بعد الحرب الأمريكية على العراق نوعاً من الضغوط الإصلاحية على دول الخليج العربية خاصة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وبالتحديد على المملكة العربية السعودية، إلا أن المتابع يجد أن بعض الدول العربية لم تتلق أي ضغوط أو دعوات من أجل الإصلاح السياسي مثل دولة الإمارات التي لم تذكر في أي خطاب للرئيس الأمريكي على سيبل المثال لا الحصر. إلا أن الدعوات التي تلقتها كثيرا من الدول لم تلق الاستجابة لبعض منها، إلا في مجال إتاحة بعض المساحة للتعبير عن الرأي من دون أي فعل ملموس. كما أن الدعوات الأمريكية بدأت بالتراجع منذ وقت نتيجة لفشلها الذريع في العراق ونتيجة لغياب أي رؤية إصلاحية لها في المنطقة والتي تعتبر كل هذه الدول حلفاء لها. كما يمكن القول إن التدخل الأمريكي قد أصبح عاملاً سلبياً في أي عملية إصلاح سياسي. وعليه يمكن القول إن مزيداً من التدخلات الأمريكية سيعيق عملية الإصلاح.
إن معظم هذه الدول ليس بحاجة إلى العالم من الناحية الاقتصادية، خاصة أنها لا تعتمد على المعونات والمساعدات الأجنبية في ميزانياتها، لكن العالم بحاجة إليها خاصة الثروة النفطية وفي مجال الاستثمار الكبير فيها، إلا أن هذه الدول بحاجة ضرورية من ناحية إعلامية على أن تظهر احتراما لحقوق الإنسان والعمال.. إلخ أمام الرأي العام العالمي الذي أصبح يعتبر هذه المزايا جزءاً من القرار الدولي لحكوماته.
إن الإجابة عن هذه الأسئلة-سالفة الذكر- من خلال تسليط بعض الضوء عليها لا يمكن أن تؤدي بنا إلى نتيجة نستطيع من خلالها الجزم بمستقبل الديمقراطية في دول الخليج العربية. إلا أن هذا السؤال بحاجة إلى مزيد من التمحيص العلمي من خلال بناء مؤشرات علمية تقيس المفاهيم التي تمت مناقشتها وتحليلها بشكل كمي خلال السنوات الخمس الماضية من أجل قراءة المنهج الإصلاحي في هذه الدول وبالتحديد التراكمات الإصلاحية في المجال السياسي. ولا بد من الـتأكيد على أن عملية الإصلاح هي في بدايتها في كثير من دول الخليج العربية، ومن الصعب الحكم عليها إلا من خلال التأكد من أن عملية الإصلاح السياسي تسير في الطريق الصحيح لأن ليس كل عملية إصلاح سياسي قد تقود إلى بناء ديمقراطية. كما لا بد من التأكيد على أن الخيار السياسي الداخلي لشعوب وأنظمة هذه الدول هو الذي سيحدد الإجابة عن سؤال هذه المقالة لأن عملية الإصلاح لا بد أن تكون من داخل هذه الدول ومن أجل الداخل.
*نقلا عن مجلة "آراء" الإماراتية
|
التعديل الأخير بواسطة المشرف: