كان في عصر العرب القديم إمرأة ممن يعلق على دارها الاعلام الحمراء وكانت قد اشتهرت بذلك بين الناس.
وكانت لما تذهب للسوق تصادف شيخا كبيرا طاعنا بالسن في جوانب طريقها يبيع ما يتيسر له من صنع يديه .
و كل ما تمر بجانبه كان يبتسم لها وهي تحييه وتسلم عليه.
فرأفت لحاله و ارادت له المنفعة فوقفت ذات يوم و هي تريد ان تشتري منه لكي تنفعه ؟
فسألته عن بضاعته وتفحصت بعض البضاعة فبادرها هو السؤال قائلا ؟
اذا كنت في حاجة لبضاعتي فسأبيعك ما انتي تحتاجينه؟
واذا كنت انا قد اثرت عطفك و شفقتك فلا ابيعك ابدا !
فردت هي مستغربة : ولم يا عماه هذا الجواب وانا لم أسأل ؟
فقال الشيخ الكبير : لأنني يا إبنتي , أنا أبيع ومقصدي الكفاف من الرزق , و العفاف عن السؤال .
فقالت يا عم وكيف علمت بما أسررت في نفسي ؟
فرد عليها قائلا : وجهك تكلم بخافية ضميرك و ما أسررت , و أسأل الله لكي يا ابنتي ان يبدل حالك .
فقالت له ادعوا لي لعل الله يستجيب لك .
فتركته ومضت الى دارها وبعد الايام والشهور و اذ بها تمر بجانب الرجل الكبير كعادتها ولكنها تجد الرجل في نوبة بكاء حارق …. فعز عليها مشهده المؤلم , وحرقة بكائه وقهر دموعه .
فإقتربت منه لكي تستفسر عن سبب هذا البكاء والنحيب ؟؟
فما كان منها الا ان دنت وسألته : يا عماه ما يبكيك ؟
فلا يرد عليها وينظر لها بنظرات الفاقد لفلذة كبده او احد اعزاؤه .
واستمرت في تهدئته, ولكنه لا يهدئ بل تزداد حسراته وتعلوا نبراته .
حتى انفطر فؤادها عليه وصارت تبكي لبكائه وتواسيه ولكنها ليست متأثرة بخبر فجيعته بقدر ما تأثرت بمنظر وجيعته.
فقال لها في لحظة تنهد :
يا ابنتي قد انكسر ابريقي ؟
فصمتت هي لبرهة وتجمدت تعابيرها , وردت قائله : ابريقك الذي من الفخار ؟؟
فقال لها نعم …………
فاطمأنت في سرها ورأفت لحاله اكثر وقالت في نفسها :: … لعل الكبر و الخرف ما يبكيه ؟ لا كسر الخزف ؟
فأرادت أن تسري عنه وقالت له : يا عماه ابشر , فأنا الساعة ذاهبة الى سوق الفخار وسآتي
بإبريق جديد , بل سآتيك بإثنين بدل الواحد ………. هون على نفسك فالامر بسيط.
فنظر لها نظرة المحروق و دخل في نوبة بكاء أشد ألما وحرقة من السابق .
وتعجبت هي من سلوكه وقالت له : يا عماه يكفي الى هنا سخف بكاؤك و سفاهة شكواك .
فأولت ظهرها له لتمشي عنه و قال لها : أتعلمين لما ابكي عليه بحرقة وانتحب ؟؟؟
فردت عليه وهي مدبرة ولم تلفت !!…………….ولم ايها الطاعن الخرف ؟؟؟؟
فقال لها :
لان هذا الإبريق هو الوحيد الذي إطلع على عورتي مطهرا طوال عمري ..؟!
فكيف آتي بإبريق غيره ليطلع على عورتي بعد هذا العمر الطويل؟
بهتت تلك المرأة لتلك الكلمات فالموقف الآن هو من اجرى لها مقارنة سريعة وقارنت بينها و بين إبريق الشيخ الكبير واكتشفت الفارق العظيم بينها وبين الابريق ؟ مباينة فارقة بين الطهر و العهر
… استيقظ ضميرها فجأة من سبات عميق وغفلة , وما رجعت دارها من تلك اللحظة وقد شوهدت من قبل بعض اهل قريتها بأنها قد تركت مدينتها راحلة ومهاجرة………….