رقص الانسان علي جراح "اخيه" الانسان
=-=-=-=-=--=-=-=-=-=-===-=-=-=-=
سلوك مشين ، بكل ماتحمله هذه الكلمه من معني ، عندما يمارس الانسان الرقص الخسيس الحقيرعلي الام الجراح والالام والاوجاع التي يعانيها " اخيه " الانسان .
وهذا السلوك الشنيع المزري اللذي لايمارسه سوي السفله والانجاس ومعدومي المشاعر والاحاسيس من بني الانسان ، يسبب اوجاعا عميقه ، عميقه جدا ، ومؤلمه الي ابعد حدود الالم ، لمن يرقص الانجاس علي جراحه ، وتجعله يضيق كمدا ونكدا علي حاله وظروفه وعلي مافي نفسه ، كما ان هذا الرقص المزري يجعل المسكين اللذي مارس الشرسين القساة من الناس رقصهم القذرالحقير علي الامه ، يكره نفسه ويكره ظروفه اكثر واكثر ويانف منها ، وتجعله يزدري نفسه ويلعن الدنيا ويحتقرها ، ويحتقر الناس اجمعين .
فالانسان ، كل انسان ، لديه رغبات وشهوات واحتياجات ملحه لاتهدا ولاتسكن ولاتركد ، تريد من صاحبها ان يشبعها ، الا ان الانسان ليس دائما يكون في ظروف واحوال تمكنه من اشباع حاجاته وشهواته وهذا يسبب له الما لايطاق ولايحتمل ، ولايسكن ولايهدا ، وعدم اشباع هذه الرغبات والشهوات يؤدي غالبا الي ان هذا الشعور العنيف القاتل بالحرمان يعبر عن نفسه بعنف من خلال الامراض النفسيه والعصبيه والجسمانيه المختلفه والعقد النفسيه .
فاذا كانت الشهوات والحاجات التي يشبعها الانسان ، تسكت سكوتا مؤقتا ، الا انها لاتلبث ان تعاود السعار والهيجان والصراخ والتفجر والاحتراق والانفعال والشعور بالجوع والطلب والالحاح باعادة اشباعها وتلبية طلباتها المره تلو الاخري ، فما بالك بالشهوات والرغبات التي لم يتمكن الانسان من اشباعها ، ابدا ، لسبب او لاخر ، فاذا كان للشهوات المشبعه المها اللذي لايحتمل ولايطاق ، فمابالك بالشهوات والرغبات والحاجات التي لم تجد اشباعا نهائيا .
تجد احيانا احد الوحوش البشريه ، وقد رزقه الله بنعمة الاولاد ، يجلس في مجلس يتواجد فيه شخص قد حرم من نعمة الاولاد ، القي به حظه العاثر مع هذا الوحش ، فتجدهذا الوحش الانساني المفترس يتحدث بفخر ووناسه وابتهاج ، عن اولاده وان عنده منهم عددا غير قليل وانه سعيد بهم ، ويضيف هذا الوحش الانساني الكاسر موجها كلامه لمن حرم من الاولاد ،قائلا : ان اللذي لم يرزق باولاد هو مسكين وفقير ويكسر الخاطر ، انه حقا لسلوك مشين ، يسبب الالام التي لاتطاق لمن حرم من الاولاد .
اذا كانت الحيوانات تفترس بعضها بعضا ، فهي ليست بذات عقل يردعها وهي معذوره في النهايه ، فالافتراس من طبيعتها ، ولايمكن لها الا ان تكون مفترسه ، وهي تفترس بعضها بعضا ماديا ، الا ان الرقص علي جراح الاخرين ، هو افتراس معنوي نفسي رهيب ومزري لهم ، افتراس شرس قاسي ، لايمارسه الا انسان حيوان مفترس ، اذ ان هذا الافتراس المعنوي الدامي القاسي يوجع بشده وعمق ، ويبقي اثره والمه طوال العمر لايزول .
نعم ، ان الراقص علي جراح الاخرين ومرارة ماحرموا منه ، حيوان مفترس ، ياكل مشاعر الناس ويهين احاسيسهم ويجرح ذواتهم المقدسه ويدميها ويوجعهم في العمق ، وهو حيوان مفترس بكل ماتحمله هذه الكلمه من معني .
تجد احد هذه الوحوش المفترسه ، يملك مالا وفيرا ، وقد جمعه مجلس يضم احد المساكين الفقراء المحرومين البؤساء ، اللذي لايجد قوت يومه ، فتجد هذا الوحش الانساني المفترس يتنطع ويتبجح بالحديث عن امواله وكثرتها وانه لايحتاجها ولايدري وين يوديها ، فيهيّج الالام الكامنه القابعه في اعماق نفس هذا المسكين البائس ، انه يعايره بفقره وبقلة ماله ، وهذا يجرحه ويدمي قلبه ويوقد البراكين المحمومه الحاره الملتهبه المتفجره في قرارة نفسه ، وهذه النوعيه من الالام الموجعه يستحيل ان تزول مدي الحياة .
انه افتراس الانسان لاخيه الانسان ، انها شهوة الافتراس التي يمارسها الانسان ضد اخيه الانسان ، ففي كل انسان رغبه حيوانيه لافتراس اخيه الانسان .
ان المسكين اللذي تم الرقص علي جراحه وحرمانه والامه يتالم ويعاني الضيق والحسره الملتهبه المكلومه ، بينما الانسان المتوحش المفترس الراقص علي جراح اخيه الانسان والامه ، لايشعر بما تشعربه الفريسه ، ولابالمها ولاباوجاعها ولابنزيف حسرتها . بل يشعر بلذة الافتراس والحاق الالم الدامي المرير في نفس الانسان المسكين ، اللذي استحالت اعماقه الداخليه وقرارة نفسه الي ساحة رقص مزري لهؤلاء الانجاس .
انها الوحشيه الانسانيه بعينها ، ان يرقص الانسان علي جراح اخيه الانسان .
قد تجد فتاة عانسا ، حرمت من الزواج ،ربما بسبب ظروفها او حظها او نصيبها او بيئتهااو اسرتها ، يجمعها مجلس مع امراه متوحشه شرسه قاسيه مفترسه ، ساعدتها الظروف والاقدار في ان تجد زوجا تسكن اليه ، فتجد هذه المتوحشه تتنطع وتتحذلق وتتباهي بزوجها وبزواجها ، وبسعادتها وحلاوة الحياة الزوجيه ، علي مراي ومسمع من هذه العانس المسكينه المكسورة الخاطر والنفس ، وتتحدث عن اولادها وبناتها امامها وسعادتها بهم ، فتوجعها وتؤلمها في العمق وفي قرارة نفسها ، لتحيل عالمها الداخلي الخفي الي ظلام اسود قاتم مريع شنيع ، يجعل نفسها تتوقد الما وحرمانا وحسرة ، وتجعل صدرها كانه فرن ساخن بدرجة حراره عاليه لاتطاق .
ان النفس تحترق كما الجسم يحترق ، لكن احتراق النفس لايشعر به الا من حوي جسمه هذه النفس المحترقه المتحسره المجروحه ، بل ان حريق النفس اشد الما ووطاة ووقعا علي النفس من الم الجسم واحتراقه ، فالم النفس ونيران حسرتها لايطيب ويستحيل علاجه .
موحلوه وموعدله ، ان تفتخر وتتباهي وتطلع لي فيها ، امام الناس المحرومين بانك حققت وحصلت علي ماعجزوا هم عن تحقيقه ، ولايجوز ابدا ان تفتخر بانك تملك ماحرموا هم منه ، او ان تتحدث وتتنطع وتتحذلق امام الاخرين عما لايملكونه او عما يتحسرون عليه ويفتقرون عليه .
لاتعاير الناس ، ابدا ، لاتعايرهم ، بما ليس عندهم او بما لايملكونه او بما يتحسرون عليه ويفتقدونه . فالايام دواره ، فلربما جاء يوم تتحول فيه نفسك الي ساحة رقص يرقص فيها الاخرين علي جراحك .
فليس هناك استثناء ، لاي كان ، من ان يكون مسرحا ومحلا ، لماساة الذات الانسانيه .
اللبن الجامد جدا